عندما يحتكر نيتنياهو القرار الدولى
تاريخ النشر: 23rd, December 2023 GMT
وبينما تدخل الحرب الوحشية الإسرائيلية على الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة والضفة الغربية شهرها الثالث، عرقلت الولايات المتحدة الأمريكية قبل أيام قليلة التصويت على قرار من دولة الإمارات يتسم بطابع إنسانى، ويهدف إلى تخفيف القبضة الإسرائيلية على المساعدات الإنسانية المتجهة للقطاع، برغم الاستجابة لشروطها فى تعديل مضمونه بإعادة صياغة بعض فقرات من نص القرار.
أنشئ النظام الدولى القائم على التنظيم القانونى للعلاقات بين الدول، فى أعقاب حربين عالمتين مأساويتين راح ضحيتهما ملايين من البشر. ومع نهاية الحرب العالمية الأولى، تم إنشاء عصبة الأمم عام 1919، واتخذت من جنيف السويسرية مقرا لها. ولأن لا وضعا مميزا داخل العصبة للولايات المتحدة، صوت الكونجرس الأمريكى على رفض الانضمام لعضويتها، برغم أن الهدف الأساسى لإنشاء العصبة، طبقا للميثاق الذى أقرته، كان منع قيام الحروب، وضمان الأمن المشترك للدول، والحد من انتشار الأسلحة، وتسوية النزاعات الدولية بالتفاوض واستخدام التحكيم الدولى لتسويتها. وكان من بين أهدافها الأخرى، تحسين شروط العمل والعمال ومقاومة الاتجار بالبشر، والتصدى لانتشار المخدرات والأسلحة، والعناية بالصحة العالمية، وأسرى الحرب، والحض على معاملة الدول المستعِمرة والمنتِدبة للسكان الأصليين معاملة متساوية.
ولم يكن اندلاع الحرب العالمية الثانية، سوى مؤشر واحد من بين أدلة أخرى على اخفاق عصبة الأمم فى تحقيق أهدافها. وفى مؤتمر «يالطا» الذى تم بمشاركة الاتحاد السوفيتى بقيادة جوزيف ستالين والولايات المتحدة برئاسة فرانكلين روزفلت وبريطانيا برئاسة «ونستون تشرشل»، تم الاتفاق على أسس لضمان نظام الأمن الجماعى للدول، ومنح الشعوب التى تحررت من النازية الحق فى تقرير المصير. وفى هذا المؤتمر وضع الرئيس الأمريكى روزفلت مبدأ حق الفيتو لكى يمنح للدول الكبرى المنتصرة فى الحرب، بعدما كان قد قبل ذلك بنحو عام، قد صاغ بنفسه المبادئ العامة لعمل هيئة الأمم المتحدة، فى سعيه لحث الكونجرس هذه المرة على الموافقة على الانضمام للهيئة الدولية الجديدة. ومنذ ذلك التاريخ، ومع امتلاك الدول الخمس الكبرى حق النقض فى مجلس الأمن الدولى، صارت التفرقة بين أوزان الدول وعدم المساواة بينها جزءا من القانون الدولى.
وتوقفت عن التأثير والإلزام قرارات الصناديق والوكالات والمنظمات المتخصصة التابعة لهيئة الأمم المتحدة، وفى القلب منها قرارات الجمعية العامة الممثلة لكل شعوب العالم، التى قد تعبر عن الرأى العام الدولى، دون أن يكون لها من الشرعية فى ميثاق المنظمة الدولية، أى قوة تلزم الدول بتنفيذها!
فى التاريخ المعاصر، لم يمارس مجلس الأمن دوره المنوط به وفقا للميثاق، بفرض السلم الدولى، وأوقف برامجه لمساعدة الدول الساعية للتنمية الاقتصادية، بل تم استخدامه لتبرير غزو الدول واحتلالها، ونهب ثرواتها، وتقسيمها وفرض العقوبات الدولية عليها، كما جرى الحال فى البوسنة والهرسك وأفغانستان والعراق وليبيا. وهو يتكرر الآن بمنح واشنطن، إسرائيل غطاء دوليا لمواصلة حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطينى، باستخدام حقها فى النقض لمنع الموافقة على صدور قرار بوقف الحرب إن فى مجلس الأمن أو حتى فى الجمعية العامة للأمم المتحدة، لمجرد مجاملة حلفائها فى المنطقة العربية، التى يفرض عليهم تحمل النتائج الكارثية لتلك القرارات التى تتمادى فى خرق القوانين الدولية، ومنح الحق فى الاستخدام المفرط للقوة، ومخالفة القوانين التى أرساها القانون الدولى لخوض الحروب، وابتداع شرعية قانونية جديدة، ليست لكل الدول بطبيعة الحال، بل فقط لإسرائيل وحلفائها من القوى الكبرى، التى لم تتخلص بعد من تاريخها الاستعمارى لمواصلة أدوارها التاريخية!
كشفت الحرب الإسرائيلية والدعم الغربى والأمريكى غير المسبوق لاستمرار بشاعتها، حجم الحماية الدولية التى يفخر بها نتيناهو ومجلس حربه، والتى يضفيها الفيتو الأمريكى عليهم لمواصلة كافة أشكال التنكيل بالشعب الفلسطينى. وباتوا من فرط البلادة والعنجهية يسخرون من قرارات الجمعية العامة للهيئة الأممية التى تطالبهم بوقف الحرب، والسماح بإدخال قوافل المساعدات الدولية الإنسانية للقطاع دون تعنت وعراقيل مفتعلة، بوصفها قرارات غير ملزمة، ويشيرون إلى قرارات مجلس الأمن الملزمة، مع أنهم لم ينفذوا قرارا واحدا صادرا عنه بشأن العرب أو القضية الفلسطينية منذ انشاء الهيئة الدولية.
منذ عقود دول كثيرة تطرح مشاريع وأفكارا لإصلاح نظام التصويت فى مجلس الأمن، لبعث العدالة فى القرار الدولى الذى بات محصورا فى يد الولايات المتحدة الأمريكية، وتوسيع صلاحيات الجمعية العامة لأمم المتحدة. وميثاق الأمم المتحدة يقضى فى فصله 109 الفقرة الثانية بأن التعديل لبنوده يحتاج إلى موافقة ثلثى الدول الأعضاء، بمن فيهم كل الأعضاء الخمسة الدائمين فى مجلس الأمن، وبذلك فإن تعديله، بوجود ذلك النص القيد، أصبح غير متاح. وعلى طاولة الاقتراحات فى الساحة الدولية الآن مشروع قرار فرنسى – مكسيكى يدعو إلى وضع قيود على حق النقض داخل مجلس الأمن. من بين القيود المطروحة مبدأ رفض التصويت ضد القرارات الدولية الداعية إلى وقف الجرائم الجماعية، فضلا عن منح الجمعية العامة آلية محددة لمساءلة الأعضاء الدائمين فى حال عدم الالتزام بتطبيق ميثاق الأمم المتحدة. وعلى المجموعة العربية أن تدخل طرفا فى دعم هذا التحرك مع كثيرين من دول الجنوب داخل الأمم المتحدة، حتى لا نفاجأ ذات صباح أن نتيناهو صار بقوة حلفائه، امينا عاما للهيئة الأممية!
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: على فكرة نيتنياهو
إقرأ أيضاً:
5 مبعوثين في أسبوع.. حراك دولي مكثف لاحتواء أزمة السودان
الخرطوم – بعد إجهاض روسيا مشروع قرار بريطاني في مجلس الأمن لوقف القتال وحماية المدنيين في السودان عبر استخدام حق النقض (الفيتو)، استقبلت بورتسودان العاصمة الإدارية المؤقتة للبلاد 5 مبعوثين دوليين، في خطوة عدّها مراقبون تصاعدا في قلق المجتمع الدولي إزاء الأوضاع الإنسانية ومحاولة لإنعاش عملية السلام المتوقفة منذ نحو عام.
وزار السودان خلال أسبوع خمسة مبعوثين دوليين هم: المبعوث الأميركي توم بيرييلو، والألماني هايكو نيتشكي، والنرويجي أندريا أستايسن، والسويسري سيلفان إستييه، والياباني شيميزو شنسوكي.
وركزت مشاورات المبعوثين مع رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان وكبار المسؤولين في الدولة على الأوضاع الإنسانية، وتسهيل توصيل المساعدات الإنسانية، وفرص تحقيق السلام ووقف الحرب، لكنها لم تحمل مقترحات محددة في هذا الشأن، حسب ما ذكرت مصادر قريبة من مجلس السيادة للجزيرة نت.
كما زارت المبعوثة البريطانية إلى القرن الأفريقي والبحر الأحمر أليسون بلاكبيرن العاصمة الإثيوبية أديس أبابا خلال اليومين الماضيين، في حين تعتزم مبعوثة الاتحاد الأوروبي إلى القرن الأفريقي السفيرة أنيتا ويبر زيارة بورتسودان مطلع ديسمبر/كانون الأول المقبل.
تفعيل الدور الأفريقيوعلى الصعيد الإقليمي، رفض الاتحاد الأفريقي إعادة عضوية السودان التي تم تعليقها عقب إجراءات البرهان في أكتوبر/تشرين الأول 2021 بحل مجلسي السيادة والوزراء وفرض حال الطوارئ، التي اعتبرها الاتحاد انقلابا.
وقال مفوض الاتحاد الأفريقي بانكول أديوي خلال الاجتماع التشاوري السنوي بين مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي ونظيره التابع للاتحاد الأوروبي، في أديس أبابا، إن الاتحاد الأفريقي يعمل بالتنسيق مع منظمة "إيغاد" والأمم المتحدة لإيجاد حل عملي للأزمة السودانية يركز على تحقيق وقف إطلاق النار وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية.
وأفاد أديوي بأن نشر بعثة الاتحاد الأفريقي في السودان لا يزال مشروطا بالتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بشكل مستدام.
وذكر ناشطون على منصات إعلامية ومواقع تواصل اجتماعي أن معارضين سودانيين شرعوا في تحركات لدعوة الاتحاد الأفريقي لتفعيل المادة الرابعة من دستوره، التي تتيح التدخل في أي دولة عضو حال وقوع جرائم حرب إنسانية أو إبادة جماعية دون الحاجة للرجوع إلى مجلس الأمن.
غير أن متحدثا سياديا -طلب عدم الكشف عن هويته- يوضح أن وفد مجلس السلم والأمن الأفريقي الذي زار بورتسودان في أوائل أكتوبر/تشرين الأول الماضي، اتفق مع المسؤولين في السودان على خريطة طريق لإنهاء تجميد عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي ولعب دور في السلام والعملية السياسية.
تسوية في الطريقمن جانبه، قال كاميرون هدسون، المحلل السابق في وكالة المخابرات المركزية والباحث في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية بواشنطن، إنه زار مدينة بورتسودان وأمضى فيها أسبوعا، وألمح إلى تسوية متوقعة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
وقال هدسون في منشور على منصة "إكس" إنه خرج بانطباع مختلف تماما، على الأقل من جانب الجيش.
كما بعث السيناتور بن كاردين رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، الجمعة الماضي، رسالة إلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن والسفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد يحثهما فيها على استمرار الدور القيادي لحل أزمة السودان خاصة وأن الولايات المتحدة ستتولى رئاسة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الشهر المقبل.
ورأى المشرع الأميركي أن الولايات المتحدة تستطيع أن تستخدم رئاستها لمجلس الأمن لتسليط الضوء على الأزمة في السودان وتحفيز اتخاذ إجراءات جريئة، بعد فشل مشروع قرار مجلس الأمن الذي تقدمت به المملكة المتحدة للاستجابة للأزمة في السودان.
تنشيط المسار السياسيوعن التحركات الدولية الجديدة، يرى المحلل ورئيس تحرير صحيفة "التيار" عثمان ميرغني أن هناك اهتماما دوليا بالأوضاع الإنسانية التي توصف بأنها أعظم كارثة إنسانية يشهدها العالم.
وفي حديثه مع الجزيرة نت، قال ميرغني إن المجتمع الدولي وصل إلى قناعة بأن ضعف الاستجابة من الدول المانحة مرتبط بصعوبة تمرير الإغاثة وبالمعلومات عن إساءة استخدامها، مع بقاء الحالة الإنسانية للمتضررين دون تغيير.
وأضاف أن المجتمع الدولي وصل إلى قناعة أيضا بأن استمرار الحرب يعني عمليا استمرار وربما تفاقم الأزمة الانسانية، مما يتطلب تركيز الجهود على إنهاء الحرب كأولوية لحل الأزمة الإنسانية.
وحسب المتحدث، فإن هناك محاولة جادة من سويسرا -التي استضافت في أغسطس/آب الماضي مشاورات دولية بشأن السودان- لتنشيط المسار السياسي بوصفه مدخلا لإنهاء الحرب، وهو المسار الذي بدأ بمؤتمر القاهرة في يوليو/تموز الماضي، ثم مؤتمرين في أديس أبابا للفرقاء السودانيين، ولا يزال يراوح مكانه دون تحقيق تقدم مؤثر.
وستنطلق اليوم الاثنين بمدينة جنيف السويسرية اجتماعات المائدة المستديرة الثالثة وتستمر يومين، بمشاركة قوى سياسية ومدنية متباينة في مواقفها بشأن حل الأزمة السودانية، بتنظيم ورعاية منظمة "بروميديشن" السويسرية.
خطوات متوقعةبدوره، رأى الباحث السياسي سر الختم خيري أن تزايد الاهتمام بالأزمة السودانية على مساري الأوضاع الإنسانية والعملية السياسية يرجع لقناعة قوى دولية وإقليمية بأن استمرار الأزمة ينعكس على الأوضاع الأمنية في المنطقة، ويثير هواجس الأوروبيين من الهجرة غير النظامية، ووصفها بالصحوة المتأخرة بعد أكثر من 18 شهرا منذ اندلاع الحرب.
ولا يستبعد الباحث -في حديث للجزيرة نت- عقد جلسة جديدة لمجلس الأمن خلال رئاسة الولايات المتحدة للمجلس في ديسمبر/كانون الأول المقبل، خصوصا أن إدارة الرئيس جو بايدن تسعى لتحقيق إنجاز سياسي في ملف السودان قبل مغادرتها في يناير/كانون الثاني المقبل إثر فشلها في حرب غزة ولبنان وأوكرانيا.
كما يتوقع خيري أن تسعى واشنطن ولندن لترتيب زيارة مشتركة من مجلس الأمن الدولي ومجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي إلى بورتسودان لممارسة ضغط على الحكومة وإظهار إرادة ورغبة المجتمع الدولي والأفريقي في إنهاء الحرب.