يبعد 10 مليارات سنة ضوئية.. اندلاع مذهل لثقب أسود فائق الضخامة بسماء الكون
تاريخ النشر: 14th, July 2023 GMT
من أبعد مناطق الكون المرئية، لاحظ العلماء مؤخرا اندلاعا مذهلا لثقب أسود فائق الضخامة. ويشير الضوء الساطع الذي ينبعث منذ ما يقرب من 10 مليارات سنة إلى أن المركز قد بدأ فجأة في التغذية على كميات ضخمة من المادة.
وقد أودعت الدراسة على موقع "أركايف" (arXiv) المعني بنشر نسخ الأبحاث الأولية غير المحكمة، وستنشر في وقت لاحق في دورية "مانثلي نوتسيز أوف ذا رويال أسترونوميكال سوسايتي" (Monthly Notices of the Royal Astronomical Society).
ويصف العلماء هذا الحدث -الذي منح اسم "جيه 221951" (J221951)- بأنه واحد من أكثر الأحداث المذهلة التي تم رصدها. إذ يصف البيان الصحفي الذي أصدرته "الجمعية الفلكية الملكية" (Royal Astronomical Society)، هذا الحدث باعتباره واحدا من أكثر الأجسام الفلكية الانتقالية (الأجسام الفلكية التي يتغير سطوعها على مدى فترة زمنية قصيرة) المسجلة على الإطلاق.
في أحد الأيام من سبتمبر/أيلول عام 2019، كانت عالمة الفلك سامانثا أوتس وفريقها في "جامعة برمنغهام" (University of Birmingham) بالمملكة المتحدة يجرون بحثا عن الضوء الكهرومغناطيسي المتولد من موجات الجاذبية.
ولهذا الغرض، استخدم الفريق تلسكوب الأشعة فوق البنفسجية والبصرية الموجود في مرصد "نيل جيهريلز سويفت" (Neil Gehrels Swift Observatory)، إذ إنهم كانوا يسعون لاكتشاف حدث فلكي يعرف بـ"كيلونوفا" (Kilonova)، والذي يحدث عند اندماج نجمين نيوترونيين مع بعضهما البعض أو نجم نيوتروني مع ثقب أسود في نظام ثنائي.
وعادة ما تظهر "الكيلونوفا" بلون أزرق ثم تتلاشى وتتحول إلى اللون الأحمر على مدى أيام. غير أن العلماء اكتشفوا شيئا غير عادي وأكثر إثارة مما كانوا يتوقعون. فقد ظهر جسم فلكي مؤقت باللون الأزرق، ولكن لم يتلاش لونه أو يتغير كما يحدث في حالة "الكيلونوفا". وهذا الجسم الفلكي هو "جيه 221951".
ولمتابعة هذا الجسم وتحديد طبيعته، استخدم العلماء عدة تلسكوبات، بما في ذلك تلسكوب هابل الفضائي وتلسكوب جنوب أفريقيا الكبير ومرافق المرصد الأوروبي الجنوبي ومرصد "لا سيلا".
وبفضل هذه التقنيات، توصلت أوتس وفريقها إلى أن مصدر هذا الضوء يقع على بعد حوالي 10 مليارات سنة ضوئية. ورغم المسافة الهائلة التي تفصلنا عن هذا الجسم، فإن سطوعه الهائل يجعله واحدا من أكثر الأجسام الفلكية الانتقالية الساطعة التي تم اكتشافها على الإطلاق.
ووفقا للنتائج، يشير هذا الحدث المثير إلى أن الثقب الأسود فائق الضخامة ابتلع المواد المحيطة به بشكل سريع جدا.
وتجدر الإشارة إلى أنه لوحظ وجود مجرة حمراء في الموقع نفسه قبل اكتشاف هذا الحدث. واللافت للنظر هو تطابق موقع هذا الثقب الأسود مع مركز المجرة التي تم رصدها سابقا.
وقد ظهر هذا الثقب الأسود فائق الضخامة فجأة قبل حوالي 10 أشهر من الكشف عنه، مما يعني أنه بدأ في استهلاك المادة المحيطة به بشكل سريع بعد فترة من الهدوء. ويتضح من الطيف فوق البنفسجي وجود خصائص امتصاص تتفق مع المادة التي تم دفعها للخارج نتيجة لإطلاق كمية هائلة من الطاقة.
ويعزى سبب هذا الالتهام النهم الذي يقوم به الثقب الأسود إلى آليتين محتملتين وفق فريق الباحثين. الآلية الأولى تشير إلى أنه قد يكون نتيجة لحدث تمزق المدار، حيث يتمزق المدار النجمي عندما يمر نجم بالقرب من ثقب أسود فائق الضخامة في مركز مجرته. أما الآلية الثانية، فتشير إلى أنه قد يكون نتيجة لتغير حالة نواة المجرة من خاملة إلى نشطة.
وفي نفس السياق، تشير أوتس إلى أهمية المتابعة المستمرة لهذا الجسم الفلكي. وتقول "في المستقبل، سوف نتمكن من الحصول على أدلة مهمة تساعدنا في التمييز بين السيناريوهين المحتملين (حدث تمزق المدار أو تحول نواة المجرة للوضع النشط). فإذا كان هذا الجسم مرتبطا بنواة مجرة نشطة، فمن المتوقع أن يتوقف عن التلاشي ويعود ليزداد سطوعه. بينما إذا كان الحدث نتيجة لحدث تمزق المدار، فمن المتوقع أن يستمر في التلاشي".
وسيتعين على الفريق مراقبة هذا الثقب الأسود خلال الأشهر والسنوات القادمة لرصد سلوكه في مراحله المتأخرة.
ويختتم الفريق قائلا "لقد توسعت معرفتنا في السنوات الأخيرة بطبيعة ما يمكن للثقوب السوداء فائقة الضخامة أن تقوم به. ويعد الحدث المكتشف أحد أكثر أمثلة الثقوب السوداء تطرفا، والتي أتتنا بالمفاجآت".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: هذا الجسم التی تم إلى أن
إقرأ أيضاً:
لمحة مبكرة عن فجر الكون من مجرّة بعيدة
يبدو أن مجرة اكتُشفت عند أطراف الزمن الكوني تمثل أقدم دليل معروف على إعادة تأيّن الكون، وهي المرحلة التي أُضيئت فيها أرجاء الكون للمرة الأولى بعد عتمة الانفجار العظيم.
فعقب الانفجار العظيم مباشرة، امتلأ الكون المبكر بغاز الهيدروجين والهيليوم الساخن، وهو ما تسبب في تبعثر الفوتونات وجعل الكون شبه معتم. لكن ومع مرور مئات الملايين من السنين، بدأت النجوم الأولى في التشكل وبثّ الضوء، مما أدى إلى تأيّن هذه الغازات، أي تفكيك ذراتها إلى مكوناتها الأساسية، فأتاح ذلك للفوتونات أن تتدفق بحرية، وبدأ الكون يصبح شفافًا شيئًا فشيئًا. إلا أن التوقيت الدقيق لهذه العملية لا يزال موضعًا للدراسة والنقاش.
وفي هذا السياق، استخدم الباحث يوريس ويتستوك من جامعة كوبنهاجن في الدنمارك، وزملاؤه، تلسكوب جيمس ويب الفضائي (JWST) لدراسة مجرّة تُعرف باسم JADES-GS-z13-1-LA، تُرصد كما كانت قبل 330 مليون سنة من الانفجار العظيم، مما يجعلها واحدة من أقدم المجرات المعروفة حتى الآن.
تشير بيانات الضوء فوق البنفسجي المنبعث من هذه المجرة إلى أنها كانت محاطة بفقاعة كونية يبلغ قطرها نحو 200 ألف سنة ضوئية، ويُعتقد أن هذه الفقاعة تشكلت نتيجة تفاعل ضوء النجوم في المجرة مع الهيدروجين المحيط بها في الكون المبكر (كما ورد في دورية «نيتشر» - doi.org/g89w79). ويقول ويتستوك معلقًا: «رؤية هذا النوع من الدلائل في وقت مبكر جدًا من عمر الكون يتجاوز أكثر توقعاتنا تفاؤلًا».
وقد علّق الباحث ميشيل ترينتي من جامعة ملبورن على هذه النتائج قائلًا: إن الملاحظات تتوافق مع المراحل الأولى من عملية إعادة التأيّن الكوني، وأضاف: «إنه أمر مدهش ومثير للحماسة. لم أكن أتوقع أن يتمكن الضوء فوق البنفسجي الصادر عن هذه المجرة من الوصول إلى تلسكوب جيمس ويب، فقد كنا نتوقع أن الغاز الهيدروجيني البارد والمتعادل الذي يحيط بها سيحجب الفوتونات. لكننا الآن نشهد بداية عملية إعادة التأيّن».
أما طبيعة هذه المجرة الصغيرة نفسها فلا تزال غير مفهومة تمامًا؛ فقد يكون توهجها الساطع ناتجًا عن وجود عدد كبير من النجوم الضخمة، الساخنة، والشابة، أو ربما لوجود ثقب أسود مركزي بالغ القوة. ويعلق ترينتي على ذلك بالقول: «إن صح هذا الاحتمال، فسيكون هذا أول دليل معروف على وجود ثقب أسود فائق الكتلة في مركز مجرة بهذا القِدم».
أول فقاعة.. وأول دليل
ورغم أن الفلكيين قد رصدوا في السابق مجرات لاحقة في عمر الكون تمتلك فقاعات مشابهة، إلا أن JADES-GS-z13-1-LA تظل حتى اللحظة أقدم مثال معروف لمثل هذه الحالة.
وفي هذا الشأن، يقول ريتشارد إيليس من جامعة كوليدج لندن: «هذه المجرة تُعد معيارًا مرجعيًا. وجود هذه الفقاعة يشير إلى أن المجرة كانت نشطة منذ فترة طويلة، ويمنحنا لمحة أعمق عن اللحظة التي بدأت فيها المجرات بالخروج من ظلام الكون المبكر».
وقد استغرق تلسكوب جيمس ويب قرابة 19 ساعة من الرصد المتواصل لاكتشاف أسرار هذه المجرة، وهو وقت طويل نسبيًا يعكس صعوبة التحدي.
ويأمل ويتستوك أن تقود هذه النتائج إلى اكتشاف دلائل إضافية على فجر إعادة التأيّن الكوني، قائلا: «لدينا عدد من الأهداف الأخرى قيد الدراسة. قد نجد دلائل أقدم، أو ربما نكون قد بلغنا أقصى حدود هذا النوع من الاكتشافات».
جوناثان أوكالاهان
خدمة تربيون عن مجلة «New Scientist»