انفراجة فى الأسعار.. والتجار يصرون على إشعال الأزمة
تاريخ النشر: 23rd, December 2023 GMT
البصل يباع فى أرضه بـ10 جنيهات.. وفى سوق الجملة بـ13 ويصل للمستهلك بـ 20.. والقديم يتراوح بين 35 و40 جنيهاً
البطاطس تتراوح بين 7 و13 جنيهاً فى الجملة.. وفى أسواق التجزئة تباع بـ15 حتى 25 جنيهاً
المزارعون: تكلفة الإنتاج عالية والتغيرات المناخية أثرت فى المحاصيل
180 ألف طن زيادة فى صادرات البصل.. وغياب الدور الرقابى للحكومة أهم أسباب المشكلة
تجار الطماطم: سوق الخضار أصبح «لعبة قمار» وآليات ضبط الأسعار غير موجودة وخسائرنا فادحة
على الرغم من انخفاض أسعار بعض المحاصيل الأساسية كالبصل، والبطاطس، والطماطم، فى الأراضى الزراعية والمزارع التابعة للدولة وأسواق الجملة، بالتزامن مع دخول بشائر العروة الشتوية من تلك المحاصيل إلى الأسواق، إلا أن تجار التجزئة يصرون على إشعال السوق والبيع بالأسعار المرتفعة، لذلك لم يشعر المواطن بأى تحسن فى الأسعار، ومع ذلك يصر التجار على أن الأسعار تأتيهم مرتفعة من الفلاحين الذين دافعوا عن أنفسهم مؤكدين أن أسعار مستلزمات الإنتاج زادت، ومع ذلك فهم يبيعون بالرخيص لتعود الكرة مرة أخرى إلى ملعب التجار.
فعلى سبيل المثال نجد الأسعار فى أسواق مدينة 6 أكتوبر والعديد من المدن الجديدة ما زالت مرتفعة، على الرغم من أن البصل الجديد يخرج من الأرض بــ10 جنيهات، ويصل إلى تجار التجزئة عبر سوق العبور بــ13 جنيهاً إلا أنه يباع بــ20 جنيهاً والبعض يبيعه بسعر البصل القديم أى بـ40 جنيهاً.
وفى الأسواق الشعبية مثل سوق المغربلين والسيدة زينب وشبرا، يباع البصل القديم بــ35 جنيهاً والجديد بــ20 جنيهاً، وفى ظل هذه الأسعار الفلكية تبادل كل أطراف القضية الاتهامات فتجار التجزئة يدعون أن المنتجات تأتيهم من أسواق الجملة بسعر مرتفع، وتجار الجملة يدعون أن الفلاحين هم السبب، بينما يدعى الفلاحون أنهم المتهم البرىء، لذلك أجرت «الوفد» عملية رصد وتتبع للخضراوات الأساسية، «الطماطم والبصل والبطاطس» مع أصحاب المزارع، مروراً بأسواق الجملة فى «العبور وأكتوبر» وصولاً إلى تجار التجزئة، للوقوف على أسباب ارتفاع أسعارها بهذا الشكل المبالغ فيه.
وتوصلت «الوفد» خلال جولتها فى مزارع الطماطم بطريق مصر إسكندرية الصحراوى، ومنافذ بيع البصل والبطاطس بأسواق الجملة فى طريق مصر- الإسماعيلية الصحرواى إلى أن هناك عدة عوامل أدت إلى زيادة الأسعار بهذا الشكل، فأزمة البصل لها عدة أسباب أهمها: التراجع الكبير فى مساحات الأرض المزروعة بنحو 50% بالوجه البحرى، و60% بالوجه القبلى، نتيجة خسارة الفلاحين فى موسم 2022، بالإضافة إلى زيادة صادرات البصل بنحو مائتى ألف طن خلال 2023، إلى جانب احتكار بعض الوسطاء للمحصول فى المخازن، لرفع الأسعار وتوفير كميات أكبر للمصدرين على حساب المواطن، فضلاً عن تأثير العوامل الجوية والتغيرات المناخية على إنتاجية الفدان.
البطاطس
أما عن أسباب ارتفاع أسعار البطاطس مؤخراً، التى وصل سعر الكيلو منها لنحو 20 جنيهاً، فتبين أن فترة فواصل «العروة الزراعية» هى السبب مع وجود نقص شديد فى المخزون الاستراتيجى لها، نتيجة للطلب الزائد عليها فى السوق المحلى، وشهدت الأسعار تراجعاً مع حلول شهر ديسمبر الجارى، بالتزامن مع جمع العروة الأولى من المحصول فى محافظات: المنيا بنى سويف والفيوم.
المجنونة
وأرجعت المصادر أسباب ارتفاع الطماطم «المجنونة» إلى العوامل الجوية وارتفاع درجات الحرارة، التى أثرت على المحصول خلال شهرى يوليو وأغسطس وسبتمبر، وأضرت به، ما أدى إلى نقص المعروض، وبالتالى ارتفاع الأسعار، ولكن مع بداية أكتوبر الماضى تراجعت أسعار الطماطم إلى 50%، نتيجة جمع المحصول فى كفر الشيخ والفيوم، ما أدى إلى زيادة المعروض وخفض الأسعار إلى حد ما.
انعدام الرقابة
وأكدت المصادر أن ارتفاع الأسعار بهذا الشكل جاء نتيجة إخفاق الأجهزة المعنية، فى دورها الرقابى عبر فرض وتطبيق آليات التسعير الإجبارى وفقاً للتكلفة مع تحقيق هامش ربح مناسب لجميع الأطراف، وضبط أسعار الخضراوات بأسواق التجزئة.
وأكد حاتم النجيب، نائب رئيس شعبة الخضار والفاكهة بالغرف التجارية، أن هناك تدنياً فى مساحات الأراضى المزروعة بالبصل خلال الموسم الحالى، مقارنة بالعام الماضى، مع زيادة نسبة الصادرات، مؤكداً: أن موسم البصل بدأ بــ7 جنيهات، لكن بعض الوسطاء حجبوه عن الأسواق للتلاعب بالأسعار، وتوفير كميات أكبر للمصدرين، ما أدى إلى نقص المعروض فى السوق المحلى.
وتابع: أنه ناشد الدولة يوم 25 يونيو 2023، لوقف تصدير البصل، وعلى الرغم من وجود توقعات بالارتفاع الهائل فى الأسعار تأخر القرار، وزادت الصادرات منه بنحو 180 ألف طن، مقارنة بالعام الماضى، فضلاً عن تدنى المساحات المزروعة بنسبة 50% بالوجه البحرى و60% بالوجه القبلى، نتيجة خسارة الفلاحين وعزوفهم عن الزراعة، بالإضافة إلى تراجع إنتاجية الفدان بنسبة 30% بسبب التغيرات المناخية.
وأكد أن أى تحركات سعرية غير مبررة لابد من أن تواجه، لأن المواطن يجب أن يكون أهم الأولويات مع التأكيد على أننا لسنا ضد التصدير، ولكن احتياجات المواطن أهم.
وواصل «النجيب» أنه تم ضخ كميات من البصل الجديد للأسواق منذ منتصف نوفمبر الماضى، وآليات العرض والطلب هى التى تحدد سعر البصل والذى يبلغ فى سوق الجملة 13 جنيهاً للإنتاج الجديد، و26 جنيهاً للقديم، مؤكداً أن الفترة التالية ستشهد انخفاضات كبيرة فى أسعار الخضراوات، مثل: البصل والطماطم والبطاطس، بالإضافة إلى الملوخية والباذنجان والخيار والسبانخ.
المواطن يدفع الفاتورة
وأكد «النجيب» أن المواطن لم يشعر بانخفاض أسعار الخضراوات بسبب الوسطاء، وهناك تجار تجزئة لا يستجيبون لانخفاض الأسعار، بالإضافة إلى أن بعض الأماكن تكون فيها إيجارات المحلات مرتفعة للغاية، إلى جانب أن نسبة الهدر فى الخضراوات تصل إلى 40%، والمواطن يدفع الفاتورة فى النهاية، مطالباً بزيادة المنافذ الثابتة والمتحركة التابعة للدولة لتحقيق التنافسية وزيادة المعروض.
ويؤكد «النجيب» أن المؤشر الوحيد لشعور المواطن بانخفاض الأسعار، هو تحديد سعر الحقل، لأنه هو سعر الجملة داخل سوق العبور، ونحن نبيع لحساب الفلاح، ولا نشترى المنتجات الزراعية، كل ما نفعله داخل سوق العبور، هو تسويق وبيع المنتج لحساب المزارع، مقابل عمولة بيع تتراوح بين 3% و7%، لكن ليست المشكلة هنا، فالمشكلة فيما بعد الجملة لأن حلقة الوسطاء تضيف هامش ربح.
وأكد «النجيب»: أنه كان هناك فجوة فى إنتاج البطاطس منذ نهاية أغسطس وحتى منتصف نوفمبر، وكان الاستهلاك المحلى قائم على المخزون الموجود فى «ثلاجات التبريد»، ومع أول ديسمبر دخلت «عروة البطاطس الشتوية» إلى الأسواق، موضحاً أن سعر البطاطس داخل سوق الجملة يتراوح بين 7 جنيهات و13 جنيهاً وفقاً لكل نوع.
وأوضح: أن الدولة لديها أدوات لضبط الأسواق تتمثل فى وزارة التموين والجمعيات الاستهلاكية، والشركة القابضة للصناعات الغذائية والتعاونيات الزراعية، فأين دور هذه الجهات فى توفير المنتجات من المزارع إلى المستهلك، للحفاظ على استقرار الأسعار، وتوفير منتجات بأسعار مخفضة، أو بهامش ربح بسيط.
التموين
والتقط أطراف الحديث أحمد محمد أحمد، عضو مجلس إدارة شعبة الخضار والفاكهة باتحاد الغرف التجارية وعضو لجنة التنبؤ بالأزمات والمخاطر بوزارة التموين، مؤكداً أن الكميات التى خرجت للتصدير أدت إلى الارتفاع غير المبرر فى أسعار البصل، مع قلة المخزون، مشيراً إلى أن قرار وقف التصدير تأخر شهرين، ولو حدث قبل أول أكتوبر لما شهدنا هذه الأزمة، ولحدث توازن فى السوق وضبط الأسعار
وأكد: أن البطاطس ستشهد انخفاضات كبيرة فى الأسعار مع بشائر إنتاجية الموسم الجديد، وسيحدث استقرار فى الأسعار، لأن حركة البيع والشراء ضعيفة فى أسواق التجزئة، كما أن المواطن رشد استهلاكه فى الكثير من المنتجات، وهذا من شأنه العمل على ثبات الأسعار ثم انخفاضها تدريجياً.
الفلاح.. المتهم البرىء
وقال الحاج محمد الجمل، مزارع من محافظة البحيرة، إن تكلفة زراعة فدان البصل تتجاوز 25 ألف جنيه، شاملة الشتلات والأسمدة والعمالة، فى حال إذا كانت الأرض ملكاً للمزارع، أما فى حال الإيجار فتصل التكلفة إلى 35 ألف جنيه، حيث يدفع الفلاح 10 آلاف إيجاراً للأرض خلال ستة أشهر.
وأوضح الجمل: إن إنتاجية فدان البصل تصل إلى 15 طناً، وهناك ثلاثة أنواع من البصل، وهى: الأحمر والذهبى والأبيض، والذهبى هو الأعلى سعراً، لأنه يصدر للخارج، وتم بيعه فى بداية موسم 2023 بـ11 جنيهاً للكيلو، أما البصل الأحمر فتراوح سعره بين 7 و 8 جنيهات على الأرض، أما الأبيض فهو الأرخص وتم بيعه بثلاثة إلى خمس جنيهات.
وأوضح أن بعض الأراضى تنتج نحو 25 طن بصل للفدان، ولكنه يكون أخضر ومع جفافه يصبح الصافى 18 طناً، وهذا الفارق الذى يتحمله المزارع ويتم تعويضه فى حالة تحرك الأسعار.
وأرجع الجمل أسباب ارتفاع الأسعار إلى قلة المعروض بالتزامن مع فواصل العروة الزراعية، وتقلص المساحات المنزرعة بسبب خسائر الفلاحين فى موسم 2022، بالإضافة لزيادة الكميات المصدرة.
تكلفة مرتفعة
وقال عبدالحليم الحوفى، مزارع بطاطس من البحيرة، إن هناك نوعين من البطاطس، الصيفى والشتوى، لافتاً إلى أن تقاوى البطاطس الصيفى يتم استيرادها من الخارج، والفدان الواحد يحتاج لطن ونصف الطن منها، ولذلك تصل تكلفة زراعة فدان البطاطس إلى 42 ألف جنيه، شاملة: التقاوى بــ16 ألف جنيه، و26 ألفاً للسبلة والسماد والكبريت والعمالة.
وأوضح «الحوفى» أن إنتاجية فدان البطاطس تتراوح بين 14 و20 طناً، حسب جودة الأرض، لافتاً إلى أن سعر البطاطس بموسم 2023 بدأ بــ4200 للطن، ما يعنى أن كيلو البطاطس خرج من الأرض بــ4,20 جنيه، وصعد إلى 6 جنيهات مع ارتفاع الطلب، مضيفاً أنه فى حالة بيع البطاطس إلى تجار يأخذ التاجر 10% عمولة بيع، أما فى حال البيع إلى الوكلاء «تجار أسواق الجملة» مباشرة يأخذ الوكيل عمولة 5% فقط.
وأضاف: أن البطاطس الشتوى تزرع من «فرز صغير» من البطاطس الصيفى، ويتم تخزينها فى الثلاجات، واستخراجها فى أول أغسطس وتركها حتى «تجفف»، ثم تبدأ زراعتها فى أول سبتمبر، لذلك يبلغ سعر التقاوى فى موسم الشتاء 7 آلاف جنيه فقط، إضافة إلى تكاليف الزراعة، التى تتراوح بين 30 و34 ألف جنيه.
وأشار إلى أن إنتاجية الفدان خلال العروة الشتوية، تتراوح بين 7 و10 أطنان للفدان، لافتاً إلى أن أسعار البطاطس فى الشتاء تكون رخيصة وتتراوح بين ثلاث وسبعة جنيهات على الأرض.
الوسطاء لا يمتنعون
وأوضح أحمد محمد أن حلقة الوسطاء فى أسواق الجملة والتجزئة تضيف هامش ربح على كل المنتجات الزراعية الشعبية التى يقوم عليها البيت المصرى، وهناك فرق كبير بين أسعار المنتجات بسوق العبور مثلاً وأسعارها بأسواق التجزئة، بالإضافة إلى أن هناك مشكلة يعانيها المواطن، وهى أن انخفاض أسعار السلع فى أسواق الجملة، لا يستجيب له بائع التجزئة، وهنا يأتى دور الجهات الرقابية فى مراقبة الأسواق وضبط الأسعار.
قمار
ويرى الحاج هانى عبدالقوى تاجر طماطم، من منطقة العامرية- الإسكندرية، أن تجارة الطماطم والخضار أصبحت عملاً سيئاً مثل: «القمار» فالسوق غير مستقر ولا يخضع لأى آليات أو ضوابط.
ويسترسل: تعاقدنا مع أصحاب الأراضى على أسعار مرتفعة، والدفع فورى، نزلنا السوق كان سعر قفص الطماطم يتراوح بين 300 و400 جنيه، وفجأة انخفضت الأسعار للنصف تقريباً لتباع بسعر يتراوح بين بين 120 و150 جنيهاً للقفص وخسرنا الآلاف.
وأضاف: «دبل العمالة» المكون من 10 عمال كانت أجرته 2500 جنيه، أصبحت 6000 جنيه، ويحصل العامل على أجره قبل نزول الأرض، حتى لو حدثت خسائر لا يتنازل عن أجره، وليس له علاقة بتضارب السوق.
وبسؤاله عن المتسبب فى أزمة ارتفاع أسعار الطماطم، قال: يشترك فيها الفلاح والتجار سواء جملة أو تجزئة، بالإضافة إلى العوامل الجوية التى أثرت على إنتاجية الفدان الذى كان ينتج ألف قفص طماطم، أصبحت الآن تتراوح بين 600 و700 قفص، بالإضافة إلى نسبة الهدر التى تصل لــ30%، متابعاً أنه أثناء التعاقد كان كيلو الطماطم على الأرض بسعر 14 جنيهاً، يتراوح الآن بين 5 إلى 6 جنيهات فقط.
ورغم أن الطماطم تباع على الأرض بـ6 جنيهات إلا أنها تصل إلى الأسواق بضعف هذا السعر أوأكثر، ومع ذلك يبشرنا عبدالقوى بحدوث انفراجة قريبة فى الأسعار، فالمحصول الجديد بدأ يثمر فى جميع المحافظات، بالإضافة إلى أن محافظتى كفر الشيخ والفيوم زرعتا مساحات كبيرة، وسيكون هناك وفرة فى الإنتاج، وعلى الحكومة مساندة الفلاحين والتجار، وذلك بضبط السوق وتحديد الأسعار، مشيراً إلى أن فدان الطماطم يكلف الفلاح ما بين 60 و80 ألف جنيه، ويتعاقد مع التجار على 200 ألف، ووقت ارتفاع الأسعار تعاقدنا على 300 ألف لفدان الطماطم.
نقص المخزون
من ناحية أخرى أوضح ياسر على، تاجر بطاطس بسوق العبور، أن سبب ارتفاع أسعار البطاطس يرجع إلى نقص المخزون بسبب فواصل العروة الزراعية، ولكن الإنتاج الجديد دخل إلى الأسواق، وبالفعل جنى الفلاحون فى بعض المحافظات العروة الأولى من محصول البطاطس فى أول ديسمبر الجارى، ويتراوح سعر البطاطس بين 7 جنيهات و13,5 جنيه فى سوق العبور.
وأكد: أن الدولة ومزارع الجيش تشارك فى ضخ كميات كبيرة من المنتجات الزراعية إلى سوق العبور، موضحاً: أن مزارع الجيش تجلب لنا الطماطم وأنواع من الفلفل والخيار، بالإضافة إلى الخضراوات والفاكهة.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: أسعار الأزمة والطماطم البطاطس البصل التجزئة صادرات البصل
إقرأ أيضاً:
جديد مصر.. هل هي انفراجة سياسية؟!
لم أكن قد فرغت بعد من مطالعة قائمة "المبشرون بالموافقة الأمنية" على تجديد واستخراج جوازات سفرهم، ولم يكن اسمي من بينهم، عندما تم الإعلان عن رفع 716 اسما من قوائم الإرهاب، ولهذا فإنني أجبت على سؤال هل القرار يمكن قراءته على أنه تعبير عن انفراجة سياسية؟ بأنه: لا قواعد حاكمة. فهل نحن بصدد انفراجة سياسية فعلا؟!
من المعروف أن السلطات الأمنية في مصر استنت إجراء غير مسبوق عند استخراج جواز السفر من سفارات بلدان بعينها مثل قطر وتركيا، بجانب دول أفريقية بعينها، يبدو أن عددا من الإخوان قد استقروا بها، يتمثل هذا الإجراء في الموافقة الأمنية ابتداء على استخراج جواز السفر، فلا يكون التقديم لتجديد الجواز أو استخراج جواز بالنسبة للمواليد الجدد، مباشرة، كما هو الحاصل في عموم العالم، ففي هذه السفارات بالذات يجب تعبئة استمارة لطلب التجديد أو استخراج الجواز، فيما يعرف بـ"الاستعلام الأمني". ومن هنا فإن المتابعين لصفحات هذه السفارات يعرفون، دون غيرهم، نشر قوائم تطلب فيها السفارة من الواردة أسماؤهم أو أولياء أمورهم الحضور لتقديم الطلبات! فقد جاء الفرج!
وفي البداية، كانت السفارة تنشر أسماء قائمة المرفوضين، ما بين كتابة كلمة "رفض"، أو استخراج الجواز من مصر، وهي العبارة التي سهّلت مهمة طالبي اللجوء في الدول الغربية، فكان التوقف عن نشر مثل هذه البيانات!
مع هذه الأجواء الاحتفالية تصعب القراءة الموضوعية لهذه القرار، وكثيرون شاركوا في زفة الحوار الوطني، باعتباره اتجاها للمصالحة، لدرجة أنني وجدت نفسي في حرج عند السؤال التلفزيوني: ماذا لو دعيت للمشاركة؟ والحرج مبعثه تصوير سلطة الحكم كما لو كانت تفتح ذراعيها لنا وترحب بالاستماع لأصواتنا من الداخل، فإذا رفضنا فالمعنى أننا مستفيدون من وجودنا في الخارج، ولا نريد حلحلة الموقف، أو فتح صفحة جديدة خوفا على مصالحنا المستقرة
والرفض المكتوب أو الشفهي، فضلا عن الموافقة الأمنية، أمر ليس معروفا في أي مكان في الدنيا، وقد جمعني بزملاء من دول عدة لقاء في الأسبوع الماضي، ودولهم ليست خارج دائرة الاستبداد، لكنهم كانوا في دهشة وهم يسمعون أنه يمكن أن يصل الحال بنظام حكم أن يحرم الناس من وثائقهم، وكان من بينهم من هم محسوبون على معارضة الحكم العسكري في السودان، لكنهم لم يواجهون بهذا المستوى من الطغيان!
الترحيب بالخطوة:
وفي هذه الأجواء عندما يصدر قرار برفع أسماء 716 من قوائم الإرهاب، فلا بد من التعامل بدرجة من التحفظ، يتحفظ عليها البعض في الخارج، وقرأت لثلاثة حتى الآن يعتبرون أن من لم يرحب بهذه الخطوة هو مستفيد من وجوده في المهجر، أحدهم لا يستطيع أن يعود لمصر، لكنه في اندفاعه للترحيب بأي خطوة، وحمله على المعارضة؛ كما لو كان الأمين العام لحزب مستقبل وطن!
ومع هذه الأجواء الاحتفالية تصعب القراءة الموضوعية لهذه القرار، وكثيرون شاركوا في زفة الحوار الوطني، باعتباره اتجاها للمصالحة، لدرجة أنني وجدت نفسي في حرج عند السؤال التلفزيوني: ماذا لو دعيت للمشاركة؟ والحرج مبعثه تصوير سلطة الحكم كما لو كانت تفتح ذراعيها لنا وترحب بالاستماع لأصواتنا من الداخل، فإذا رفضنا فالمعنى أننا مستفيدون من وجودنا في الخارج، ولا نريد حلحلة الموقف، أو فتح صفحة جديدة خوفا على مصالحنا المستقرة!
وبعد أن اقتصرت الدعوة على تجمع 30 يونيو، لم يعتذر هؤلاء عن الابتزاز الذي مارسوه، ولكنهم انتظروا حتى رفع 716 اسما من قوائم الإرهاب، فصاحوا هذا ربي هذا أكبر، وأن على من في الخارج تثمين هذه الخطوة، وإلا فإنهم مستفيدون من وجودهم في الخارج ولا يريدون العودة!
أحفظ لنفسي أنه سبق لي القول إنني مستعد لأي ثمن مقابل الإفراج عن المعتقلين، ولو كان اعتزال السياسة كتابة وممارسة، أو اعتزال القراءة والكتابة بالكلية، لكن ما هكذا تورد الإبل!
المهم في قرار رفع أسماء 716 من قوائم الإرهاب، أنه كان مفاجأة وبدون مقدمات، وهذا جيد لأن هناك من يقفون للساقطة واللاقطة، فإن اتصل علمهم باتجاه ما، مثل الإفراج عن معتقلين ونحو ذلك، استبقوا ذلك بالإعلان عن أن ذلك ثمرة نضالهم وحوارهم مع السلطة!
ولعل المفاجأة هي المسؤولة عن هذا الترحيب بدون تفكير، وحمل الآخرين على الترحيب بها، وإلا فإنهم مستفيدون من وجودهم في الخارج، ولا يبغون العودة!
ولكي نضع النقاط فوق الحروف، فليس كل من في الخارج سواء، فمنهم من يريد العودة، لكن بكرامته، اليوم قبل الغد، ومنهم من يريد العودة ولو بدون كرامته، وهناك من سووا مواقفهم في الخارج، ويريدون أن يعودوا زيارة، والسفر من جديد بجوازات سفرهم الأجنبية، فلا يتخيلون العودة الى ماضيهم الأليم، وعشر سنوات من شأنها أن تغير ترتيب الأولويات!
ليس كل من في الخارج سواء، فمنهم من يريد العودة، لكن بكرامته، اليوم قبل الغد، ومنهم من يريد العودة ولو بدون كرامته، وهناك من سووا مواقفهم في الخارج، ويريدون أن يعودوا زيارة
إبراهيم منير وحق العودة:
وعندما التقيت بالقيادي الإخواني إبراهيم منير في لندن قبل الثورة، حزنت لحاله، عندما قال لي إنه هنا منذ نصف قرن ولا يستطيع العودة لأن اسمه مدرج على قوائم ترقب الوصول، فلما قامت الثورة لم أتواصل معه، فقد كان الجميع يخطب ود القوم، ولا أدرك إن كانت سماحة الرجل الذي كتبت عنها وقتئذ، ستظل تلازمه مع هذه الانتصارات الكبرى أم لا!
وكان عندما يحضر على سطح الذاكرة أتصوره أكثر سعادة بالثورة التي ستمكنه من العودة إلى مصر، فلا بد أن يكون قد عاد واستقر بها. لكني عندما التقيت به رحمة الله عليه في الدوحة، بعد الانقلاب، وسألته في لهفة إن كان قد استقر في مصر كما كنت أعتقد، فأخبرني إنه عاد لأيام انتهى خلالها سريعا من تجديد وثائق سفره ثم سافر مسرعا إلى لندن. فهذا هو حال الدنيا!
وهناك من اتخذ قراره بالاستمرار في الخارج، ولن يعود لمصر ولو تغير النظام، وسمعت هذا من بعضهم، وهم من شريحة الشباب. وليس كل الشباب في الخارج استطاع التمكن من الاستقرار الوظيفي، والأولون هم مع حلحلة الموقف، لحل مشكلة إخوانهم في السجون ليمكنهم الاستمتاع الكامل بحياتهم في الغربة بدون تأنيب ضمير!
ومهما يكن، فحديث أن هناك من يرفض الترحيب بهذه الخطوة باعتبارها تعبيرا عن توجه جديد للسلطة، هو تزيد في تقدير الحالة، والخفة في تقدير الأمور!
أولادي المغرر بهم:
وعامة، فلم تكن المفاجأة فقط هي سمة هذا القرار الذي أربك المحللون، ولكن في أنه تزامن مع خطاب رأس النظام بالحرص على "أبنائه" وفتح صفحة جديدة لهم للانخراط في المجتمع كمواطنين صالحين، وأنه قد وجّه بمراجعة المواقف القانونية للمتهمين، سواء المحبوسين أو المدرجين على قوائم الإرهاب، وسرعة التصرف معهم!
ولعلنا منذ عهد السادات لم نسمع وصف "الأبناء"، ولكم كان يدهشنا الرئيس الأسبق وهو يخاطب خصومه بأنهم أبناؤه، حتى وإن اشتمل الوصف على صفات أخرى سلبية، فأبنائي المغرر بيهم، وأولادي في الجماعات الإسلامية المتطرفة، وهكذا!
ربما كان الخطاب متسقا مع حالة السادات، وكان يهمه أن يصور نفسه على أنه "كبير العيلة"، وعندما أسس مجلس الشورى قال في وصفه إنه "مجلس العيلة". والسيسي من ثقافة مختلفة، إنه ابن المدينة، في حين كان السادات ابن القرية وإن لم يعش فيها طويلا، إلا أنها كانت تعيش فيه!
تطور مهم، ولا ريب، في الخطاب وفي القرار، حتى وإن كان رفع عدد 716 اسما من قائمة واحدة لم يشمل الجميع في القائمة، ولم يشمل القوائم الأخرى، فمشوار الألف ميل يبدأ بخطوة، فهل هو أول الغيث، والذي يكون قطرة ثم ينهمر!
بالسوابق، فإنه إذا وجد حاكم جاد لتصفية ملف المعتقلين فإن الأمر يحتاج إلى فترة تتراوح بين 3 و4 سنوات ليبدأ الإفراج عنهم خلالها فوج فوج، وبالتالي يعتبر هذا العدد من الذين رفعت أسماؤهم كبيرا إذا تم النظر اليه على أنه خطوة، فهل المصالحة في الطريق؟!
من العبث الطلب من الإخوان اعتزال السياسة تماما وللأبد، وهم إن وافقوا فإنهم يمارسون المناورة، وطبيعة التنظيم التي تكشفت على مدى عهود سابقة مع أجهزة الدولة المصرية، جعلتهم مكشوفين للطرف الأمني، فالإخوان أصلا حزب سياسي فلا يجدون أنفسهم إلا في عالم السياسة، وليس في حلقات الذكر!
إنما يستطيع السيسي استلهام تجربتي السادات ومبارك معهم، ويصل إلى اتفاق بعدم ممارسة السياسة تماما في عهده، والثمن هو الافراج عن المعتقلين، وعدم مطاردتهم، وسيوافقون، وأي كلام غير ذلك هو من باب مزايدة فصيل على فصيل ضمن الصراع على السلطة داخل الجماعة، ولن يستمر الصراع مع المصالحة!
وبالمصالحة يضمن السيسي حكما مستقرا من الناحية السياسية، فمن يمثل القوة غيرهم؟ حزب الوفد الجديد؟!
لكن السيسي أمامه تحديات كبيرة، إنه نفسه مؤمن أن السبب في ثورة يناير هو حالة السماح الديمقراطي في عهد مبارك، ثم إن الإخوان بالذات ملف إماراتي، فضلا عن أن هناك أصحاب مصالح ممن يلتفون حول الحكم، راجت بضاعتهم في ظل التخويف من البعبع الإخواني، فما القيمة الدفترية لكل المشاركين في الحوار الوطني مع خالص احترامنا للجميع لولا البعبع الإخواني؟!
السيسي أمامه تحديات كبيرة، إنه نفسه مؤمن أن السبب في ثورة يناير هو حالة السماح الديمقراطي في عهد مبارك، ثم إن الإخوان بالذات ملف إماراتي، فضلا عن أن هناك أصحاب مصالح ممن يلتفون حول الحكم، راجت بضاعتهم في ظل التخويف من البعبع الإخواني، فما القيمة الدفترية لكل المشاركين في الحوار الوطني مع خالص احترامنا للجميع لولا البعبع الإخواني؟!
حلحلة بدون مصالحة:
ومن هنا يمكن حلحلة الموقف بدون مصالحة، على قواعد عبد الناصر بعد أزمة 1954، حيث لم يمكث الإخوان طويلا في السجون، وخرجوا منها إلى بيوتهم، واتخذ ناصر خطوة متقدمة بعودتهم إلى وظائفهم بذات امتيازاتهم المالية. وأرجو ألا يستدعي أحد سياسة التخويف على قاعدة وماذا كانت النتيجة؟ المؤامرة عليه في سنة 1965، وأنهم خططوا لنسف القناطر الخيرية وما إلى ذلك؟ فهذا اختراع أمني أولا، وأخيرا، والأمن كان يخلق عفاريت لتخويف عبد الناصر، وكانت لعبة صلاح نصر، وشمس بدران، وغيرهما، لنأتي إلى التحدي الأهم!
لا يخفي على متابع، أن هناك جهازا من أجهزة الدولة المصرية لا يرى ضرورة لهذا الاحتقان السياسي، ومع حلحلة الموقف، وقبل عام وربما أكثر كان هناك اتجاه للإفراج عن خمسة آلاف معتقل مرة واحدة، وربما راقت الفكرة للجنرال، لكن جهازا أمنيا آخرا حذر من خطورة الخطوة، فاستسلم لمخاوفه!
وهذه المعضلة قائمة، فضلا عن أن هذه الخطوة المحمودة برفع 716 اسما من قوائم الإرهاب دفعة واحدة، لا تعبر عن اتجاه عام، وعندما أراد مبارك أن يفتح صفحة جديدة، أرسل نقيب الصحفيين إلى بلاد الصمود والتصدي (العراق وسوريا) بجانب فرنسا؛ لإقناع الصحفيين المهاجرين بالعودة، وكان هذا جزءا من معالجة الاحتقان في عهد السادات وبدأ في معالجة ملف المعتقلين، وإن استمر لثلاث سنوات إلى أن تمت تصفيته!
والآن، فلا يزال هناك معتقلون مسالمون، من القوى المدنية، ومن الصحفيين، ومن النساء، وكبار السن، لم يتم الافراج عنهم كبادرة جيدة مع رفع الأسماء، ومثلي قد يتفهم تصفية ملف المعتقلين دون إحداث تحول في مجال الحريات، وحتى هذه لا تبدو قائمة الآن، وكيف يمكن تفهم ذلك من نظام يحرم الناس من حقهم في تجديد واستخراج وثائقهم الخاصة؟ هل هو قرار أمني لا علم للرئاسة به؟
هذه هي المعضلة أيضا، فالأمن هو سلطة حكم، وليس أداة في يد الحاكم!
إنها خطوة، قد تتبعها خطوات، لكنها ليست اتجاها عاما.
x.com/selimazouz1