الحرب ليست قصصا مصورة
تاريخ النشر: 23rd, December 2023 GMT
آخر تحديث: 23 دجنبر 2023 - 9:37 صبقلم:فاروق يوسف يقول المثل “مَن يده في النار ليس كمن يده في الماء”. وأهل غزة أياديهم في النار. وهذه هي ليست المرة الأولى التي تقع أياديهم في النار. كما أن الجزء الأكبر منهم يتألف من لاجئين تقع أرضهم في فلسطين المحتلة. لاجئون مثلهم في ذلك مثل إخوتهم المقيمين في سوريا والأردن ولبنان والعراق غير أنهم يقيمون على جزء آخر من فلسطين الذي يُفترض أن يكون حرا ومستقلا حسب القوانين الدولية، غير أن الواقع يقول غير ذلك.
وهو ما فرضه المحتل الإسرائيلي حين وجد أن في إمكانه اختراق القوانين الدولية برضا عالمي. أهل غزة الذين تصطلي أياديهم في النار يقولون عن معاناتهم في مواجهة المأساة التي يعيشون فصولها شيئا مختلفا عمّا يقوله الذين لا تزال أياديهم تسبح في الماء. ولست هنا أطبّق المثل الذي يقول “أهل مكة أدرى بشعابها” فقد نعرف نحن المقيمين في بيوتنا الآمنة بعيدا عن القصف اليومي أشياء كثيرة عن أسرار الحرب وما يضمره ويخطط له طرفاها، وأيضا مواقف الدول الكبرى السياسية وما يحدث في الكواليس وحتى حقيقة المسافة التي تفصل بين الشك واليقين في مواقف الدول المعنية بالصراع أكثر من غيرها أكثر مما يعرفون. ولكن المسألة لا يمكن اختصارها في ذلك الحيز الضيق الذي يفصل بين الترف والشظف. الحرب ليست هتافات ومظاهرات واعتصامات ومعارض فنية وتبرعات وأدعية ونداءات. الحرب هي قتل ودمار وتشريد وفزع وفقدان وهلع وكوابيس لا نهاية لها ولأنني جربت شخصيا أوضاعا شبيهة بأوضاع أهل غزة في ظل حربين كارثيتين أعرف ما الذي يعنيه أن يقيم المرء تحت القصف. يوم كان الآخرون يحللون من فوق ما يجري لنا، كنا نقف حائرين في المسافة التي تفصل بين الضحك والبكاء. كنا نضحك من بلاهة أولئك الآخرين، وفي الوقت نفسه كنا نبكي من بلادتهم. حتى إخوتنا كانوا أشبه بالغرباء. كانوا غرباء عن هلعنا وخوفنا وجوعنا وعطشنا وفزعنا وحرقتنا وعذاباتنا وآلامنا وخساراتنا وفقداننا وهزائمنا الروحية. على الأقل لم يكونوا مثلنا. كانوا بشرا آخرين. أعرف شخصيا ما الذي يعنيه أن يكون المرء في غزة. أما الحديث عن الصمود والاستبسال والمقاومة والبطولة الاستثنائية فكله يقع خارج الشرط البشري. شرط الحياة الحقيقية التي يرغب الإنسان في أن يأخذ منها كفايته. لا تكفي نظرة نلقيها على الصور التي لا تحمل إلا شيئا من معنى تبسيطي. لا يكفي الاستماع إلى صرخة يطلقها طفل أُخرج من تحت الأنقاض وهو لا يعرف من الذي أدخل الوحوش إلى حكايته. لا تكفي الهتافات بلغات لا يفهمها أهل غزة يعبر أصحابها من خلالها عن تضامنهم معهم. ليس صحيحا أن أهل غزة سيشعرون بالراحة حين يعرفون أن العالم غاضب ومستاء من أجلهم. كل هذا إن وصلهم، وأشك في ذلك، لن يمنع الموت من التقدم إليهم. أعرف شخصيا ما الذي يعنيه أن يكون المرء في غزة. أما الحديث عن الصمود والاستبسال والمقاومة والبطولة الاستثنائية فكله يقع خارج الشرط البشري لا يعني ذلك أنني أستخف بما يقوم به شباب العالم وهو يسعى إلى إدانة حكوماته التي وقفت مع الهمجية الإسرائيلية، فكل مبادرة من ذلك النوع هي نوع من الواجب الإنساني الذي يعبّر عن دفاع الإنسان عن نفسه بالدرجة الأساس. ولكنني أقف ضد الترويج الكاذب لفكرة أن يكون العالم قد انقلب رأسا على عقب بسبب المجازر الإسرائيلية، وأن الدول التي ساندت إسرائيل في عدوانها وهي كثيرة في طريقها إلى مراجعة مواقفها، وأن النصر قادم لا محالة بسبب صمود أهل غزة وبطولتهم الأسطورية. ما من أسطورة في غزة بل هناك مدينة تقع تحت قصف أعمى لا يفرّق بين مدني ومسلح. إنهم ضحايا همجية عنصرية لن تنفع المعنويات العالية في التصدي لآلة حربها. أعرف أن ذلك الكلام لا يعجب الكثيرين ممَن أياديهم في الماء لكنني أتكلم بلسان الضحايا الحاليين كوني ضحية سابقة. صحيح أنني لا أشبه مَن خطفت الحرب حياته، غير أن الصحيح أيضا أنني شاركته هلعه حين كان القصف لا يصطادنا بالأسماء. كان هناك مَن يرغب في أن نكون كلنا أمواتا، ولكن القدر شاء أن أخرج حيا من حربين. الصدفة وحدها جعلتني أغادر في إجازة حجابات عبادان عام 1982 فحدث انهيار الجيش العراقي في شرق البصرة واختفت كتيبتي. ماذا يعني ذلك؟مَن يصف الحرب من خارجها ليس كمَن يعيشها. وهو ما يجعلنا نخطئ في حق الضحايا ونحن نرغب في تقديم صورة عنهم للعالم كما لو أنهم أبطال في القصص المصورة. هناك شيء مضلل في ما نقوله. ليست الحرب هتافات ومظاهرات واعتصامات ومعارض فنية وتبرعات وأدعية ونداءات. الحرب هي قتل ودمار وتشريد وفزع وفقدان وهلع وكوابيس لا نهاية لها.
المصدر: شبكة اخبار العراق
كلمات دلالية: فی النار أن یکون أهل غزة
إقرأ أيضاً:
ما هي فرصة وقف النار في لبنان خلال الفترة الانتقاليّة للحكم الأميركي؟
كتب محمد بلوط في "الديار": وفق مصادر سياسية فان الخسارة المذلة التي لحقت بهاريس وبالحزب الديموقراطي، تجعل ادارة بايدن في الفترة القصيرة الباقية من عمرها ضعيفة ومسلوبة الارادة، الامر الذي يعطي انطباعا بانها لن تستطيع في هذه الفترة ان تحقق ما عجزت عنه قبل الانتخابات وفوز ترامب والحزب الجمهوري. وترى هذه المصادر انه من الصعب بعد الانقلاب الكبير الذي احدثته الانتخابات الاميركية، التعويل على قدرة او رغبة ادارة بايدن في الضغط على نتنياهو لوقف الحرب في لبنان وغزة. كما أن رئيس وزراء العدو، الذي تخلص من خصومه او من الذين عارضوا رأيه مثل وزير الدفاع غالانت، لن يعطي هذه الادارة المنصرفة ما لم يعطها في أوج حضورها . وبرأي هذه المصادر ان هناك آمالا في التوصل الى وقف النار في لبنان في غضون اسابيع قليلة، لاسباب مهمة ومؤثرة بشكل اساسي . ولعل ابرز هذه الاسباب التطورات الميدانية التي عكست منذ اندلاع المعركة البرية في الجنوب، صورة لم يكن العدو الاسرائيلي يتوقعها، حيث تمكن حزب الله والمقاومة من افشال هجمات فرق النخبة لهذا العدو على كل المحاور، واوقع فيها خسائر كبيرة غير محسوبة .ورغم حدة وشراسة الهجمات «الاسرائيلية» المدعومة بالطيران والمدرعات والمدفعية، لم تتمكن القوات «الاسرائيلية» بعد اكثر من شهر من تحقيق نجاح يذكر، سوى التدمير وشن الغارات على المدن والقرى بحجة استهداف مراكز للحزب.
والى جانب هذا النجاح في المواجهات البرية، اكد حزب الله احتفاظه بقدرة عالية من الصواريخ والمسيرات الهجومية وغيرها، واستمر منذ اندلاع الحرب على جبهة لبنان، رغم ما اصابه من ضربات مؤلمة، بقصف كل مناطق الجليل، ووسع دائرة استهدافاته مؤخرا بشكل شبه يومي لتشمل «حيفا» و"عكا» و"صفد» و"طبريا» و"تل ابيب» وما يسمى بمناطق الوسط او المركز.
وبرأي المصادر، ان الميدان يشكل عاملا اساسيا لاجبار العدو على القبول بوقف النار، وان ما حصل حتى الآن يعزز اسقاط رهانات نتنياهو على الاستمرار في الحرب طويلا. وباعتقاد هذه المصادر ان نتنياهو بدأ يواجه معارضة متنامية على المستوى السياسي بعد تخلصه من خصومه، حتى الذين كانوا محسوبين على حزبه مثل غالانت، وكذلك من الجيش ايضا.
وعلى صعيد تأثير فوز ترامب المعروف بعلاقته المتينة بنتنياهو، تذكر المصادر بكلامه الشهير الذي وجهه منذ فترة وقوله له «انه الوضع» قبل موعد الولاية الرئاسية الجديدة . وترى المصادر ان هناك اكثر من تفسير لهذه العبارة، لكن يبدو واضحا ان ترامب لا يريد ان يتحمل ثقل هذا الوضع مع بداية عهده، ويفضل انهاء الحرب في لبنان وغزة قبل مباشرة مسؤولياته، بغض النظر عن طريقة تحقيق وقف النار على الجبهتين . ويمكن القول ان فرصة وقف النار في لبنان في الفترة الانتقالية للحكم في اميركا تبقى موجودة بنسبة جيدة، لكن تحقيق هذا الهدف خلال الاسابيع القليلة يعتمد على ٣ عناصر اساسية: الميدان، الضغط الدولي والاميركي على «اسرائيل»، وسقوط وتراجع نتنياهو عن الاستمرار في الرهان على الحرب .