أمريكا تتهم إيران بمساعدة الحوثيين في هجمات البحر الأحمر.. ما قصة سفينة التجسس؟
تاريخ النشر: 23rd, December 2023 GMT
اتهمت الولايات المتحدة، إيران بالضلوع في هجمات جماعة الحوثي اليمنية على السفن التجارية في البحر الأحمر، قبل أن يقول مسؤولون غربيون إن سفينة تجسس إيرانية متمركزة بالمنطقة، تزود الحوثيين بالمعلومات الاستخباراتية حول مواقع السفن.
وقالت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي أدريان واتسون، إن إيران متورطة بشكل كبير في التخطيط للعمليات ضد سفن تجارية في البحر الأحمر، مضيفة في بيان صادر عن البيت الأبيض، أنه ليس لدى الولايات المتحدة سبب للاعتقاد بأن إيران تحاول ثني الحوثيين عما وصفته بالسلوك المتهور.
وأضاف البيان أن إيران تقدم للحوثيين دعما قويا يشمل نشر أنظمة الأسلحة المتقدمة والدعم الاستخباراتي والمساعدات المالية والتدريب.
وحسب المسؤولة الأمريكية، فإن الدعم الإيراني مكن الحوثيين، طيلة أزمة غزة، من شن هجمات ضد إسرائيل وأهداف بحرية في البحر الأحمر، رغم أن إيران كثيرا ما أحالت سلطة اتخاذ القرارات العملياتية إلى الحوثيين على حد تعبير واتسون.
وأضافت أن الولايات المتحدة التي شكلت تحالفا عسكريا هدفه المعلن حماية حرية الملاحة البحرية في المنطقة، تجري "مشاورات مكثفة مع حلفائها وشركائها" حول كيفية الرد على هذه الهجمات.
اقرأ أيضاً
أمريكا: أكثر من 20 دولة انضمت لعملية حماية السفن بالبحر الأحمر
وحسب وكالة "رويترز"، يستهدف الحوثيون المدعومون من إيران السفن التجارية في البحر الأحمر بطائرات مسيرة وصواريخ، مما أجبر شركات الشحن على تغيير مسارها واتخاذ مسارات أطول حول أفريقيا.
ويقول الحوثيون إن هجماتهم تهدف لدعم الفلسطينيين الذين تحاصرهم إسرائيل في غزة.
وتنفي إيران من جانبها التورط في هجمات الحوثيين بالبحر الأحمر.
إلا أن تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال"، وترجمه "الخليج الجديد"، كشف أن سفينة تجسس إيرانية تساعد الحوثيين في اليمن على تنفيذ هجماتهم في البحر الأحمر، على السفن الإسرائيلية أو تلك المتوجهة إلى إسرائيل.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين غربيين وإقليميين قولهم إنّ القوات شبه العسكرية الإيرانية تقدم معلومات استخباراتية فورية للحوثيين في اليمن، يستخدمونها في توجيه الطائرات بدون طيار والصواريخ التي تستهدف السفن عبر البحر الأحمر.
اقرأ أيضاً
العملية الأمريكية في البحر الأحمر تحظى بدعم محدود من الحلفاء.. كيف؟
وأكد المسؤولون أن سفينة مراقبة إيرانية تقوم بنقل المعلومات عن السفن المارة في البحر الأحمر إلى الحوثيين، الذين يقومون بمهاجمة سفن تجارية تمر عبر مضيق باب المندب.
وأوضح المسؤولون أن العديد من السفن التي مرت من المضيق أغلقت أجهزة الرادار الخاصة بها لتجنب تعقبها عبر الإنترنت، لكن السفينة الإيرانية المتمركزة في البحر الأحمر تنقل المعلومات بدقة للحوثيين.
وأوضح مسؤول أمني غربي، أن "الحوثيين لا يملكون تكنولوجيا الرادار لاستهداف السفن"، مضيفاً أنهم "بحاجة إلى المساعدة الإيرانية، وبدون ذلك سوف تسقط الصواريخ في الماء".
ونقلت عن مسؤولين غربيين القول، إن ألغاما إسرائيلية كانت قد دمرت في عام 2021 سفينة تجسس إيرانية كانت متمركزة أيضا في البحر الأحمر، وتم استبدالها بالسفينة التي تساعد الحوثيين حاليا.
في المقابل، نقلت "وول ستريت جورنال" عن متحدث باسم "الحوثيين"، نفيه أن تكون إيران وراء دعم الجماعة خلال هجماتها على السفن في البحر الأحمر، مؤكداً أنّ الجماعة لا تحتاج إلى الاعتماد على إيران للمساعدة في هجماتها.
اقرأ أيضاً
الحوثي يهدد باستهداف المصالح والبارجات الأمريكية في البحر الأحمر
وأضاف المتحدث: "من الغريب أن ننسب كل شيء إلى إيران (...) لدينا منشآت استخباراتية أثبتت نفسها على مدى سنوات".
والثلاثاء، أطلقت الولايات المتحدة عملية "حارس الازدهار" قائلة، إن أكثر من 20 دولة وافقت على المشاركة في جهد سيشمل دوريات مشتركة في مياه البحر الأحمر بالقرب من اليمن.
وتفاقمت الأزمة في البحر الأحمر مع تصاعد الحرب بين إسرائيل وحركة "حماس" في غزة، حيث أطلق "الحوثيون" و"حزب الله" اللبناني صواريخ على إسرائيل منذ بدء الصراع في السابع من أكتوبر.
وكثف "الحوثيون" هجماتهم في البحر الأحمر وهددوا باستهداف جميع السفن المتجهة إلى إسرائيل، وحذروا شركات الشحن من التعامل مع الموانئ الإسرائيلية.
وعطلت الهجمات طريقا تجاريا رئيسيا يربط أوروبا وأميركا الشمالية بآسيا عبر قناة السويس وتسببت في ارتفاع تكاليف شحن الحاويات بشكل حاد مع سعي الشركات لشحن بضائعها عبر طرق بديلة أطول في كثير من الأحيان.
اقرأ أيضاً
فوضى البحر الأحمر.. شركات الشحن دون طريق تجاري رئيسي لأسابيع
المصدر | وول ستريت جورنال - ترجمة وتحرير الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: البحر الأحمر إسرائيل إيران أمريكا سفينة تجسس الحوثيون الولایات المتحدة فی البحر الأحمر اقرأ أیضا فی هجمات
إقرأ أيضاً:
البحر الأحمر..الخليج الجديد في لعبة النفوذ
منذ أن انطلقت عمليات "عاصفة الحزم" في مارس 2015، كان يُفترض أن تكون عدن هي نقطة التحول الإستراتيجي التي تُعيد رسم خرائط الأمن القومي العربي على ضفاف البحر الأحمر، ذلك البحر الذي ظل طويلا مجرد ممر تجاري في حسابات الدول الكبرى، قبل أن يتحول تدريجياً إلى مسرح مفتوح لتصادم الإرادات، وتنافس المشاريع، واختبار التحالفات.
تحرير عدن في يوليو 2015 لم يكن مجرد انتصار عسكري موضعي، بل كان لحظة نادرة في التاريخ العربي الحديث: لحظة يمكن فيها للعرب، وبقيادة خليجية فاعلة، أن يصنعوا توازنا جديدا في الإقليم، يمنع تمدد إيران، ويغلق الباب أمام مغامرات الإسلام السياسي، ويُعيد للبحر الأحمر موقعه الطبيعي كحزام أمني عربي لا يُسمح باختراقه.
لكن بدلا من تحويل هذا الانتصار إلى نقطة انطلاق نحو إعادة بناء منظومة أمنية عربية فاعلة، دخل الملف في دوامة التشويش، وخضعت الأولويات لمساومات جانبية، وتداخلت الحسابات الإقليمية مع المزايدات الأيديولوجية، وأُفرغت عدن من مدلولها الرمزي والسيادي، ودُفع بالملف اليمني من مساره العربي إلى منطقة التدويل، حيث فقدت العواصم العربية زمام المبادرة، وبدأت القوى الدولية ترسم حدود النفوذ، وتوزّع الأدوار وفق مصالحها لا وفق الضرورات الأمنية للمنطقة.
هنا، ضاعت فرصة تاريخية كان يمكن فيها للعرب أن يفرضوا سرديتهم الخاصة، ويعيدوا تعريف البحر الأحمر بوصفه شأناً عربيا خالصا لا يُخترق إلا بإرادتهم، فلحظة عدن كانت قابلة للتحوّل إلى رافعة لإعادة تشكيل مفهوم الأمن القومي العربي، لكنها أُهملت، بل وأُحبطت بفعل التردد من جهة، والحسابات السياسية الضيقة من جهة أخرى، والمناكفة غير الموضوعية والمراهنة على جماعة الإخوان المسلمين في اليمن، واعتبارهم امتداداً قبلياً دون النظر إلى توجهاتهم الأيديولوجية أوقع طرفاً عربياً في تقديرات خاطئة ها هو ومعه المنطقة والعالم كاملا يدفع أثمانا باهظة لم يكن أحد في حاجة إلى دفعها لو أنه استحكم العقل والمنطق وقدم أولوية الأمن القومي العربي على المزايدة والرهانات المحكومة بالفشل سلفا.
ومع ذلك، يُحسب للإمارات، وهي أحد أبرز الفاعلين في التحالف العربي، أنها لم تتورط في الفوضى، بل تصرّفت كفاعل عقلاني يُوازن بين ضرورات الأمن والاستقرار وبين تعقيدات الداخل اليمني، فحافظت على مكتسبات تحرير عدن، ولم تفرّط في التوازنات الدقيقة التي تحكم المشهد، ولم تتعامل مع اليمن كحديقة خلفية، بل كفضاء إستراتيجي يرتبط بأمن الخليج والبحر الأحمر معا، بل يمكن القول إنها، حتى اللحظة، هي الطرف الوحيد الذي يتصرف بهدوء، ويعمل على تثبيت معادلات الحضور من دون ضجيج، وبمنطق إستراتيجي يراعي الجغرافيا والتاريخ معا.
فالبحر الأحمر، ببساطة، يتحول اليوم إلى "خليجٍ جديد". خليج لا تُطلق فيه الحروب بالصواريخ فقط، بل بالموانئ، وبالقواعد العسكرية، وبالتحالفات التجارية. من قناة السويس في الشمال إلى مضيق باب المندب في الجنوب، يتشكل خط جيوبوليتيكي أشبه بحزام النار، تمر عبره أكثر من 10 في المئة من تجارة العالم، ويتحكم في رئات الاقتصاد العالمي من الصين حتى أوروبا، هذا البحر، الذي ظل لعقود في الظل، بات الآن في قلب الصراع الدولي على النفوذ، وربما في طليعة الحروب القادمة.
تركيا أعادت التموضع في الصومال، وتسعى إلى موطئ قدم دائم في السودان، إيران وجدت في الحوثيين ذراعا إستراتيجية لتهديد الممرات البحرية، بل وتحويل البحر الأحمر إلى ورقة ضغط دائمة على خصومها، إسرائيل فتحت قنواتها مع السودان وإريتريا ضمن هندسة أمنية قديمة–جديدة، الصين تمتلك قاعدة عسكرية في جيبوتي، وتُراكم استثماراتها في الموانئ الأفريقية ضمن مشروع "الحزام والطريق"، وواشنطن، التي كانت غائبة عن مسرح البحر الأحمر لعقود واقتصر دورها على مكافحة القراصنة الصوماليين منذ تسعينات القرن العشرين، ها هي تحاول الآن بناء تحالف بحري موجه ضد هجمات الحوثيين التي أربكت شريان التجارة العالمية، وفضحت هشاشة المعادلات الراهنة.
كل من هذه القوى يتصرف وفق منطق مصالحه، ويعيد رسم خرائط نفوذه، ويُراكم حضوره العسكري والسياسي والاقتصادي، فيما العرب يراوحون مكانهم، أو يتنافسون على المساحات الصغيرة، ويفرّطون بالمشهد الكبير، فلا يزال العقل العربي أسير البرّ، وكأن الجغرافيا البحرية ليست امتدادا لأمنه، ولا معبرا حيويا لسيادته.
تاريخيا، ظل العرب ينظرون إلى البحار بوصفها حدوداً لا فضاءات. لم تكن لدينا إستراتيجية بحرية إلا حين استشعرنا الخطر، ولم يكن هناك تعريف للأمن القومي العربي في العصر الحديث إلا بعد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956. عند تلك الحرب، اتخذ الزعيم جمال عبدالناصر قراره بدعم الثوار في عدن، ليتحقق الاستقلال الأول في 30 نوفمبر 1967، وبعدها، شرعت بريطانيا في الجلاء عن مستعمراتها في شرق قناة السويس، ما أسهم في تحقيق معظم البلاد العربية لاستقلالها الوطني.
ما نعيشه بعد هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023 هو مأزقٌ في البحر الأحمر. حين وصل التهديد إلى السفن والناقلات، تذكرنا أن لدينا ساحلاً طويلاً، لكنه بلا مظلة أمنية عربية مشتركة، ولا مشروعاً جيوسياسياً قادراً على مقاومة التدويل. ما يحدث في البحر الأحمر اليوم لا يمكن فصله عن مأزق العقل الإستراتيجي العربي، الذي لم يُحسن استثمار لحظات القوة، ولم يُدرك أن السيطرة على البر لا تكتمل إلا بالهيمنة على البحر. هذا ما صنعه المصريون عندما كانوا يقودون العالم العربي، حيث ربطوا أمن باب المندب بقناة السويس، فتحقق أمن واحد من أطول البحار في العالم، وفرض العرب سيادتهم عليه لعقود.
لولا ذلك التشويش الذي صاحب تحرير عدن، لربما كان المشهد اليوم مختلفا: ربما كان هناك تحالف عربي صلب، يمنع تدويل باب المندب، ويضع قواعد اشتباك واضحة ضد أي تمدد إيراني أو تركي أو غيره.
ومع ذلك، فإن الوقت لم يفُت بعد، ما زال ممكنا استعادة زمام المبادرة، لا عبر المغامرات، بل ببناء مشروع عربي واضح في البحر الأحمر، يستند إلى ثوابت الأمن القومي، ويضع خطوطاً حمراء لأيّ تمدد معادٍ، ويُعيد تعريف دور الدول العربية في هذه المنطقة التي تُعاد هندستها على نار هادئة.
البحر الأحمر ليس مجرد ممر ملاحي، إنه مرآة لمستقبل الإقليم، ومن لا يملك وزناً فيه، لن يملك صوتاً في تحديد مستقبل المنطقة، فليتحدث العرب مع أنفسهم بصراحة ويعيدوا تصويب المسار، فلا يمكن استمرار الرهان على جماعة الإخوان ولا يمكن أن يترك البحر الأحمر ليقرر مصيره الأتراك أو الإيرانيون أو حتى العم سام، فالقرار يجب أن يكون عربياً خالصاً ولا أخلص من الجنوبيين الذين كانوا وسيبقون في عدن لهم أرضهم وبحرهم.