رؤية تركيا لدورها بعد انتهاء الحرب على غزة
تاريخ النشر: 23rd, December 2023 GMT
بعد أكثر من سبعين يومًا من العدوان "الإسرائيلي" المستمر على قطاع غزة، يبدو أن مواقف مختلف الأطراف الإقليمية والدولية، قد استقرت على ما هي عليه، دون آفاق لتغيّرات جذرية يمكن أن تطرأ عليها، ومنها الموقف التركي الرسمي.
سقف محدودبعد ارتباك ملحوظ في الموقف من عملية "طوفان الأقصى"- وتحديدًا بعد بدء العملية البرية لقوّات الاحتلال والتي تخللها، ولا يزال، جرائم حرب تكاد تصل لحدود الإبادة الجماعية – تطوّر الموقف التركي بشكل ملموس باتجاه ترك مساحة الحياد، نحو دعم الموقف الفلسطيني وإدانة الاحتلال.
وفي مفارقة ذات دلالة، رفضت أنقرة تصنيف حركة حماس بأنها منظمة إرهابية، ووصفت دولة الاحتلال بأنها "دولة إرهاب"، ولوّحت كثيرًا بمحاكمة نتنياهو في المحافل الدولية.
بيدَ أن التغيير بقي حتى اللحظة ضمن إطار المواقف الخطابية والسياسية دون إجراءات عملية مؤثرة. ذلك أن ما يقع في الإطار العملي يكاد لا يتجاوز سحب السفير التركي لدى الاحتلال للتشاور، وليس سحبًا نهائيًا، كما لم يتم طرد السفير "الإسرائيلي، كما أنَّ إلغاء زيارة نتنياهو المفترضة لأنقرة، ووقف التعاون في مجال الطاقة خلال الحرب، هما تحصيل حاصل في أجواء العدوان.
يبدو أن أنقرة ستحاول السعي في مسار المصالحة الفلسطينية الداخلية، حيث استضافت، سابقًا، عدة لقاءات بين حركتي فتح وحماس، كما جمع الرئيس أردوغان قبل أشهر بين رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية
في المقابل، فقد أسقطت أصوات حزبَيْ "العدالة والتنمية" الحاكم، وحليفه "الحركة القومية" مقترحَ بعض أحزاب المعارضة بتدقيق البرلمان في السفن التجارية التي تتجه من تركيا لدولة الاحتلال خلال الحرب، ومدى تأثيرها على قطاع غزة.
وفي هذا الإطار، فقد أوضح لقاء وزير التجارة التركي عمر بولاط – مع موقع الجزيرة نت -الموقفَ الرسمي من التجارة مع "إسرائيل" حتى خلال الحرب، حيث أكّد أنه لا نيّة للقطيعة التجارية أو الاقتصادية معها، حتى فيما يتعلق بالتجارة الرسمية من قبل الدولة؛ (فقد قال إن المعظم مرتبط بالقطاع الخاص، ما يعني أن جزءًا رسميًا "حكوميًا"، ما زال قائمًا)، رغم تأكيده على تراجع حجم التجارة بنسبة تقترب من 50 %، يبدو أن القسم الأكبر منه مرتبط بانخفاض الطلب من قبل دولة الاحتلال.
وأخيرًا، ما زالت أنقرة تلوّح بمحاكمة نتنياهو عن جرائم الحرب التي ارتكبها، ولكنها لم تخطُ – حتى لحظة كتابة هذه السطور وبعد أكثر من سبعين يومًا من العدوان – خطوة عملية باتجاه تقديم شكوى لمحكمة العدل الدولية، ذات المسار الأقصر والأكثر جدوى وتأثيرًا، رغم أن بعض الهيئات الحقوقية قد تقدّمت – فيما أعلِنَ – بشكوى للمحكمة الجنائية الدولية، ذات المسار الأطول، وغير مضمون النتائج.
وفي المحصلة ومع مراوحة الموقف التركي في مكانه في الأسابيع القليلة الماضية – رغم استمرار جرائم الاحتلال – يبدو أنه قد وصل سقفه الممكن من الناحية السياسية النظرية والخطابية، ومن الصعب توقع حدوث تغيير جذري عليه في المدى المنظور، في حال استمرار الحرب على وتيرتها وشكلها الحاليين.
ما بعد الحربفي تفسير ذلك يمكن القول؛ إن الموقف التركي الحالي نتاج جردة حساب لمواقف أنقرة تجاه قضايا المنطقة في العقد الماضي من جهة، ورؤية مستجدة تدفع باتجاه عدم التفرد في المواقف العملية ضد دولة الاحتلال، والسير بالتوازي والتنسيق مع الدول العربية الفاعلة في القضية الفلسطينية، وهو ما تجلَّى واضحًا بين طيات التصريحات الرسمية الصادرة عن أنقرة.
وعليه، تنظر أنقرة إلى مرحلة ما بعد انتهاء الحرب لتضع نفسها موضع الأداء العملي في عدة مسارات ميدانية وسياسية. في مقدمة هذه المسارات المساهمة الفاعلة في إيصال المساعدات ومواد الإغاثة، وهو أمر قد أعدَّت له مستلزماته من خلال قوافل الإغاثة الموجودة حاليًا على الأراضي المصرية، بانتظار السماح لها بدخول غزة، وخطط المستشفيات الميدانية الجاهزة حال الحصول على إذن. كما استضافت أنقرة، فعليًا، عشرات المرضى والمصابين الفلسطينيين من مستشفى الصداقة التركي – الفلسطيني المختص بالأورام بعد استهدافه من الاحتلال وخروجه عن العمل.
وبالتأكيد هناك مسار إعادة الإعمار الذي سيكون ملفًا شائكًا، وعلى قدر كبير من الأهمية على حد سواء. وستكون أنقرة في هذا المجال طرفًا مقبولًا ومطلوبًا من قبل الفلسطينيين، وقد لا تضع "إسرائيل" فيتو على مشاركته. كما أن تركيا ذات خبرة واسعة وسمعة جيدة في هذا المجال.
وبالنظر إلى مستوى الدمار في مجمل محافظات ومناطق القطاع، فثمة حاجة لجهود جبارة لإعادة الإعمار الذي سيُربط بالمسار السياسي، بلا شك، من قبل الاحتلال، وبعض الدول العربية والإقليمية، ومن خلفها الولايات المتحدة الأميركية.
في المجال السياسي، يبدو أن أنقرة ستحاول السعي في مسار المصالحة الفلسطينية الداخلية، حيث استضافت، سابقًا، عدة لقاءات بين حركتي فتح وحماس، كما جمع الرئيس أردوغان قبل أشهر بين رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، دون أن يثمر ذلك عن شيء ملموس.
اليوم، يبدو أن تركيا مقتنعة بأن الأوضاع لن تبقى على حالها في دولة الاحتلال، ولا في الضفة وغزة، ومن هذا المنطلق ستسعى لمحاولة تقريب طرفَي المعادلة الفلسطينية.
وفي هذا الإطار، يمكن فهم زيارة وفد من حركة فتح لتركيا قبل أيام بقيادة أمين سر لجنتها المركزية جبريل الرجوب، (الذي أدار حوارات المصالحة سابقًا مع حماس)، والتي فُهمت على أنها أتت بدعوة من أنقرة؛ لمحاولة ترتيب لقاءات بين الجانبين.
وقد يدعم هذه الفرضية التصريحاتُ "الإيجابية" بخصوص حماس التي صدرت عن الرجوب خلال لقاء مع صحيفة تركية، رغم أنها تتعارض بشكل كبير مع نبرة أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حسين الشيخ تجاه حماس والمقاومة عمومًا، وفيما يتعلق بإدارة قطاع غزة بعد الحرب على وجه الخصوص.
وأخيرًا، وعلى المدى البعيد، تامل تركيا في أن يكون لها دور في الترتيبات السياسية (والأمنية) المرتبطة بإدارة قطاع غزة ما بعد انتهاء الحرب. قد يكون لأنقرة دور ما في أي صفقة مستقبلية لتبادل الأسرى بين حماس والاحتلال، إلا أنها ترى لنفسها دورًا أبرز فيما يتعلق بالترتيبات السياسية والأمنية، حيث تعتقد أنها يمكن أن تحول دون مواجهات مسلحة مستقبلًا.
وهنا، يبرز المقترح التركي الذي يلمس وجود دول ضامنة لكل من الطرفين في غزة وعموم الأراضي الفلسطينية على المدى الطويل. ورغم أن تركيا لم تعلن، حتى اللحظة، التفاصيل الدقيقة المتعلقة بالمقترح- وربما ما زال المقترح غير مكتمل بشكله النهائي وتفاصيله المختلفة- فإن الأساس الذي يقوم عليه هو نموذج شبيه بإطار الدول الضامنة، الذي تشارك به في جنوب القوقاز بين أذربيجان وأرمينيا، وفي قبرص بين الشطرَين: التركي واليوناني، وبشكل مشابه في شمال سوريا.
ومن نافلة القول؛ إن موقف الجانبين: الفلسطيني و"الإسرائيلي"، من هذا المقترح ليس معروفًا بعد، فضلًا عن توفر فرص لمقترح كهذا في التطبيق والنجاح، إلا أنه من المهم الإشارة إلى أن القضية الفلسطينية مختلفة بشكل جذري عن القضايا المذكورة والمطبق فيها نموذج الدول الضامنة، الأمر الذي يجعله في إطار المقترح المطروح للنقاش أكثر منه نموذجًا عمليًا قابلًا للتطبيق.
وفي الخلاصة، فإن الأفق المنظور قد لا يحمل تغيرًا دراماتيكيًا في الموقف التركي الرسمي من العدوان "الإسرائيلي" على غزة، وقد يكون أحد أسباب ذلك أن أنقرة تخطط لمواقف وأدوار لها في مرحلة ما بعد الحرب لا خلالها، فيما يبدو.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: دولة الاحتلال الموقف الترکی قطاع غزة یبدو أن من قبل ما بعد فی هذا
إقرأ أيضاً:
تركيا وسوريا الجديدة.. مكاسب كبيرة وتحديات مقلقة
كما في كل حدث سياسي أو عسكري كبير، دارت الكثير من التقييمات لسقوط النظام السوري (السابق) حول تصنيف الأطراف المختلفة، المحلية والإقليمية والدولية، بين كاسب وخاسر، وكانت تركيا بطبيعة الحال في مقدمة الكاسبين.
السبب الواضح أن تركيا كانت الوحيدة بين الدول المنخرطة مباشرة في سوريا التي بقيت على دعمها للمعارضة وعلاقات الحد الأدنى مع الأسد (يضاف لذلك قطر عربيا)، وبالتالي فسقوط الأخير الذي رفض دعوتها لتطبيع العلاقات، مكسب لها.
يمكن القول إن هذه النظرة مفتاحية لقراءة نتائج "ردع العدوان" وما تلاها من تطورات من زاوية تركية، إذ يصب ذلك في صالح تركيا في توازن القوى والنفوذ مع الأطراف الإقليمية الأخرى وفي مقدمتها إيران وروسيا، فالأولى تكاد تكون خرجت تماما من سوريا والثانية تنتظر تشكيل حكومة مستقرة لبحث مصير قاعدتيها الجوية والبحرية.
يصب ذلك في صالح تركيا في توازن القوى والنفوذ مع الأطراف الإقليمية الأخرى وفي مقدمتها إيران وروسيا، فالأولى تكاد تكون خرجت تماما من سوريا والثانية تنتظر تشكيل حكومة مستقرة لبحث مصير قاعدتيها الجوية والبحرية
يضاف لذلك المكاسب الاقتصادية والتجارية المتوقعة من تغير النظام ووصول أطراف ذات نظرة إيجابية للعلاقات مع تركيا، والتي كانت شريان حياة للشمال السوري لسنوات، ما يعيد دمشق مرة أخرى شريكا تجاريا رئيسا لأنقرة وبوابة لها نحو العالم العربي.
ومن زاوية أخرى فإن ما حصل قد فتح الباب واسعا لعودة السوريين من تركيا، لا سيما إذا ما استقرت الأوضاع. وقد كانت "العودة الطوعية والكريمة" إحدى أهم محاور الخطاب الرسمي التركي منذ سقوط الأسد، لدرجة أن أردوغان أضاف على ذلك الترحيب "بمن أراد البقاء"، في دلالة واضحة على تراجع الضغوط الداخلية على الرئيس وحكومته وحزبه بسبب اللاجئين، فضلا عن دلالات تسويق هذا "الإنجاز" داخليا.
كما أن عملية "ردع العدوان" حققت لتركيا مكاسب ذات طابع استراتيجي فيما يرتبط بأمنها القومي، حيث أطلق "الجيش الوطني السوري" في ظلالها عملية "فجر الحرية" وأخرج قوات سوريا الديمقراطية "قسد" من تل رفعت ثم منبج، بعد سنوات من مطالبة أنقرة بخروجها منهما وتلويحها بعملية عسكرية بخصوصهما. وقد استمر تقلص مناطق سيطرة "قسد" بإعلان "إدارة العمليات العسكرية" عن إخراجها من مدينة دير الزور.
كل ما سبق من مكاسب كبيرة لتركيا قد لا يرقى لأهمية بُعد آخر قلّما يلتفت له، وهو أن سوريا المستقبلية ستُبنى على الأغلب وفق نموذج مختلف عن نظام الأسد، ويكون ذلك عادة في الدول الناشئة أو التي تخرج من حرب كبيرة أو ثورة مسلحة باتخاذ نموذج قائم من الدول الرائدة أو المقربة أو ذات النفوذ، ويبدو أن تركيا ستكون ذلك النموذج التي ستُبنى المؤسسات السورية المستقبلية على غراره.
فتركيا هي الدولة الداعمة للمعارضة السياسية والعسكرية ومحتضنتها على مدى سنوات، وتملك حدودا مشتركة وعلاقات طيبة، وهي التي ساهمت -بدبلوماسيتها بالحد الأدنى- في تذليل العقبات أمام عملية "ردع العدوان" وإقناع روسيا وإيران بعدم التدخل عسكريا لدعم الأسد، وهو ما ساعد على نجاح العملية بوقت أسرع ودون خسائر ودماء كبيرة، على ما جاء على لسان وزير خارجيتها هاكان فيدان.
وهذا كذلك ما يفهم من كون تركيا السباقة لزيارة "سوريا الجديدة" عبر وفد رفيع ترأسه رئيس جهاز استخباراتها إبراهيم كالن، والذي صلى في الجامع الأموي متوجها له في سيارة يقودها أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني سابقا) بنفسه، في إشارة ودلالة ورسالة في عدة اتجاهات. كما يتأكد ذلك من إعلان وزير الدفاع التركي يشار غولر عن استعداد بلاده لتقديم الدعم العسكري لدمشق في حال طلبت الإدارة الجديدة منها ذلك. مكاسب أنقرة كبيرة وسريعة وطويلة المدى، وهذا صحيح، ويتولد انطباع أنها توجت مسار 13 عاما من موقفها من الثورة السورية بـ "نصر" لا خسائر فيه ولا تحديات أمامه، وهذا غير دقيقوبالتالي يمكن توقع أن تلعب أنقرة دورا محوريا في البعد العسكري والأمني مع سوريا، بما في ذلك التسليح والتدريب وإعادة الهيكلة وإبرام الاتفاقات العسكرية والأمنية. ومن البديهي أن ذلك يضيف لقوة تركيا وأوراقها في المنطقة، ويرجح كفتها نسبيا أمام عدة أطراف، فضلا عن تقوية أوراقها إزاء الإدارة الأمريكية المقبلة.
بالنظر لكل ما سبق، تبدو مكاسب أنقرة كبيرة وسريعة وطويلة المدى، وهذا صحيح، ويتولد انطباع أنها توجت مسار 13 عاما من موقفها من الثورة السورية بـ "نصر" لا خسائر فيه ولا تحديات أمامه، وهذا غير دقيق.
ذلك أن أول التحديات الماثلة أمام أنقرة الانطباعُ الذي تولّد لكثير من الأطراف بأنها وقفت خلف العملية وأدارتها، وأنها بالتالي من أسقط النظام عبر "إدارة العمليات العسكرية"، وهو ما نفته أنقرة مرارا، معيدة الأمر للأسباب الداخلية السورية، لتحصر دورها في العمل الدبلوماسي بعد انطلاق العملية وتدحرج أحداثها السريع وبهدف تقليل الخسائر.
إذ أن من شأن هذا الانطباع أن يوتّر علاقات أنقرة مع عدة أطراف ليست سعيدة بالضرورة بما حصل، كل لأسبابه، وفي مقدمتها روسيا وإيران وبعض الدول العربية. فقد ركز الخطاب الإعلامي في كل من موسكو وطهران في الأيام الأولى للعملية على فكرة "خديعة" تركيا لهما، ووصل الأمر بالمنظّر الروسي المعروف ألكسندر دوغين لتهديدها بدفع الثمن، فضلا عن عودة خطاب بعض الدول العربية للتحذير من "الأطماع التركية".
من جهة ثانية، ورغم الخطوات المشار لها بخصوص قسد، إلا أن ما حصل قد يرتد بشكل سلبي، من حيث تثبيت مناطق سيطرتها الحالية، وتحولها لشريك محتمل في رسم مستقبل سوريا، وبما يمكن أن يذكي مخاطر التقسيم أو الفدرلة، خصوصا أن مسار العمليات توقف بعد دمشق إلى حد كبير ولا يبدو أن منهج التعامل مع قسد سيكون نفسه المنتهج مع الأسد.
تبدو "إسرائيل" في مقدمة المستفيدين مرحليا من التغير الحاصل في دمشق والذي استغلته سريعا باحتلال أراض إضافية وقصف وتدمير مقدرات عسكرية واستراتيجية للدولة السورية، ما يفرض ضغوطا وتحديات غير مسبوقة على النظام الجديد في البلاد، وعلى الأطراف الداعمة له وفي مقدمتها تركيا
ولذلك، فقد ركز خطاب وزير الخارجية فيدان والدفاع غولر (وغيرهما) على أن أولوية أنقرة في القضية السورية مستقبلا إنهاء "ملف الإرهاب" فيها وإخراج حزب العمال الكردستاني منها، مرجحين أن يتم ذلك عبر الإدارة الجديدة التي تشاطر تركيا نفس التوجهات، وملوّحين باضطرار الأخيرة لفعل ذلك بنفسها.
ولا شك أن هذا مقلق لأنقرة مع مجيء ترامب الذي لم تتضح بعد معالم سياسته السورية، التي تراهن على أن تغيير المعادلات بهذا الشكل قد يساعدها على إقناعه ثانية بالخروج من سوريا ووقف دعم قسد. بيد أن خطابه لم يمنحها الثقة تماما، وهو ما يترك الباب مواربا على خطوات دراماتيكية كعملية عسكرية في شرق الفرات، أو حلول وسطى من قبيل إعادة هيكلة و"سورنة" قسد وفك ارتباطها بالعمال الكردستاني.
أيضا، ثمة تحد كبير أمام القيادة الجديدة لسوريا، وهو ضمان الاستقرار ومنع سيناريو الاقتتال الداخلي و/أو الفوضى، والذي إن حصل ستكون له تداعيات سلبية على كل من دمشق وأنقرة أمنيا وسياسيا واقتصاديا، وهو سيناريو محتمل وينبغي التحوط له والعمل على منعه وفق ما جاء على لسان فيدان نفسه.
وأخيرا، تبدو "إسرائيل" في مقدمة المستفيدين مرحليا من التغير الحاصل في دمشق والذي استغلته سريعا باحتلال أراض إضافية وقصف وتدمير مقدرات عسكرية واستراتيجية للدولة السورية، ما يفرض ضغوطا وتحديات غير مسبوقة على النظام الجديد في البلاد، وعلى الأطراف الداعمة له وفي مقدمتها تركيا. إذ أن الأخيرة حذرت مرارا من خطر "إسرائيل" على الأمن القومي التركي بأشكال مباشرة وغير مباشرة بما فيه ذلك إشارة أردوغان إلى أنها "على بعد ساعتين من حدودنا"، وهي المسافة التي باتت أقصر بكثير الآن رمزيا وعمليا.
x.com/saidelhaj