عندما يصبح #الحرف_العربي كبسة
أ.د رشيد عبّاس
أذكر أن حرف الـ(ع) منفرداً في آخر الكلمة قد أخذ مني وقتها خمسة أيام خريفية إلى أن وصلت إلى حد الإتقان التام له في الصف الأول, في حين أن حرف الـ(م) في وسط الكلمة استغرقتُ فيه ثلاثة أيام متتالية تحت تهديد المعلم والأسرة كون الالتفاف فيه حذر شديد, وكما أذكر أن المعاناة كانت أكثر صعوبة عند حرف (ص) في أول الكلمة, ويبدو أن مشكلتي في كتابة هذا الحرف كانت تكمن في سن الصاد العالقة به, القصة طويلة بالنسبة لي وتطول أكثر عند كتابة الهمزات, وبالذات عندما تكون الهمزة على الياء.
وكما أذكر وقتها أن الطالب خالد والذي أصبح طبيب عيون فيما بعد قد هرب مدة أسبوع كامل من المدرسة مع بقاء حقيبته في الصف من جرّاء صعوبة كتابة حرف الـ(ج) منفرداً في آخر الكلمة بالنسبة له, وبقاء الطالب علي داخل الصف في فترة الاستراحة (الفرصة) لمدة ثلاثة أيام دراسية كعقوبة له لعدم قدرته على كتابة حرف الـ(و) في وسط الكلمة, فقد كان عند النزول للأسفل في كتابة هذا الحرف يصل به إلى نهاية الصفحة.. لا اعرف ماذا درس لاحقا هذا الطالب, واغشى أن يكون قد درس هندسة طرق فيما بعد.
مقالات ذات صلة صاحب النّقْب،، 2023/12/23وكلمة حق, وبعد مضي ثلاثة اشهر استطاع المعلم المحترف وقتها من تمكين جميع طلبة الصف دون استثناء لاحد من كتابة جميع الحروف بدقة واتقان وسرعة.. منها ما يكتب على السطر, ومنها ما يكتب فوق السطر, ومنها ما يكتب تحت السطر.
أن طريقة كتابة الحرف العربي على السطر وفوق السطر وتحت السطر, والالتفاف به يميناً ويساراً وثنيها وطعجها ووضع النقط فوقها واسفلها يأخذ ثلاثة أبعاد مترابطة هي: عضلة اليد/ الأصابع أولاً, وعصب اليد/ الأصابع ثانياً, وأجزاء الدماغ المرتبطة بهذه الأعصاب ثالثاً, ويجب أن يكون هناك توافق وانسجام كامل بين هذه العناصر الثلاث عند كتابة الحرف, وتأخذ الأمور أكثر تعقيداً عند كتابة الكلمة, والجملة والفقرة فيما بعد, إلا أن التدريب والممارسة على ذلك يكسب الطالب مهارات عالية جداً في الكتابة فيما بعد, ويصبح تأدية مثل هذه المهارات بشكل آلي وسريع إلى حدٍ ما.
تؤكد كثير من الدراسات التربوية أن كتابة الحرف العربي على السطر وفوق السطر وتحت السطر, والالتفاف به يميناً ويساراً وثنيها وطعجها ووضع النقط عليها يكسب الطفل مهارات عقلية وجسمية ونفسية لا بد منها كي تكتمل شخصية الطفل فيما بعد, وتعمل أيضا على بناء توازنات بصرية لدى الطفل, وتعمل على تحديد المسافات والابعاد فيها, وتنمي العلاقات المكانية أيضاً بين الحروف, وذلك لإيجاد تراكيب لغوية ذات معنى.
كما أشارت العديد من الابحاث التربوية إلى أن طريقة كتابة الحرف العربي بالطريقة الصحيحة سينعكس لاحقاً دون أدنى شك على طريقة تفكير الطفل وطريقة تناوله للمواضيع, وتنعكس أيضاً على طريقة قيادته للمركبة وإعطاء الاولويات عند التعامل مع الدواوير, وتكون ضرورية له عندما يكون مضطراً للالتفاف إلى يمين ويسار الشارع, إضافة إلى تقدير المسافات بين المركبات اثناء القيادة.
التكنولوجيا اليوم للأسف الشديد وضعت الحرف العربي أمام أبناءنا على شكل (كبسات) مكتوب عليها الحروف, وعند كتابة الحرف بهذه التكنولوجيا فانه ليس لعضلة اليد/ الأصابع, وعصب اليد/ الأصابع, وأجزاء الدماغ المرتبطة بهذه الأعصاب اية حاجة تذكر, وليس هناك اية حاجة لتوافق وانسجام بين هذه العناصر الثلاث عند كتابة الأحرف, وبالتالي نكون قد حرمنا أطفالنا من المهارات العقلية والجسمية والنفسية, وعطّلنا عندهم قنوات بناء التوازنات البصرية, وتحديد المسافات والابعاد فيها, وقتلنا فيهم حس العلاقات المكانية.
أرى هنا ضرورة تأخير كتابة الأطفال للحروف العربية أو الكلمات العربية أو الجمل العربية على الأجهزة الالكترونية والتي جميعها تتطلب من الطفل مجرد كبسة على الزر المعني عند كتابة الحرف او الكلمة او الجملة, إلى ما بعد المرحلة الأساسية الدنيا, حيث اكتمال عضلة اليد/ الأصابع, واتزان عصب اليد/ الأصابع, ونضج أجزاء الدماغ المرتبطة بهذه الأعصاب, فكتابة الحرف او الكلمة او الجملة العربية بالطريقة التقليدية دون تدخل التكنولوجيا بالطريقة التقليدية إلى نهاية سن المرحلة الأساسية الدنيا يمكننا من تهيئة وبناء طفل المستقبل, بحث يكون هذا الطفل مكتمل الشخصية بأبعادها الثلاثة.. البعد العقلي والبعد الجسمي والبعد النفسي.
وهذه الخطورة تنسحب أيضاً على رسم الأطفال للأشكال الهندسية (مثلث, مربع, مستطيل, دائرة,..) بالأجهزة الالكترونية قبل نهاية سن المرحلة الأساسية الدنيا, فالأصل أن يتم رسم الطفل لهذه الاشكال الهندسية قبل نهاية سن المرحلة الأساسية الدنيا باليد/ الأصابع, كما هو الامر بالنسبة لكتابة الحروف, كيف لا وقد حذّر علماء الأعصاب على ضرورة عمل عضلة اليد/الأصابع, واتزان عصب اليد/ الأصابع, وتفعيل أجزاء الدماغ المرتبطة بهذه الأعصاب للطفل في هذه المرحلة عند كتابة الحرف ورسم الشكل.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: الحرف العربي الحرف العربی فیما بعد ما بعد
إقرأ أيضاً:
جمعية الخبراء: الإعفاءات الضريبية تحمي الحرف اليدوية والإبداعية من الاندثار
أكدت جمعية خبراء الضرائب المصرية، أن الحرف اليدوية والإبداعية ومنها صناعة الفوانيس والخيام تنتظر شهر رمضان المبارك لتعويض خسائر العام لأن القطاع غير الرسمي يسيطر على 97% من صناعة الحرف اليدوية والإبداعية في مصر وذلك يستلزم إعفاءات ضريبية خاصة لإعادة تنظيم هذه الصناعة وإنقاذها من الاندثار حفاظًا علي الهوية والتراث المصري و لأهمية هذه الصناعة اقتصاديًا واجتماعيًا.
المحاسب الضريبي أشرف عبد الغني، مؤسس جمعية خبراء الضرائب المصرية، قال إن مصر تمتلك تراثًا عريقًا وحضارة فريدة من نوعها تجمع بين الفرعوني والقبطي والإسلامي وكذلك اليهودي، ويجب أن ينعكس ذلك على صادراتنا من الحرف اليدوية والإبداعية وأن تتضاعف حصة مصر في الأسواق العالمية للحرف اليدوية.
أوضح "عبد الغني"، أن حجم سوق الحرف اليدوية في مصر يصل إلى 22.5 مليار جنيه سنويًا يتم إستهلاك 85% منها محليًا ولا تزيد الصادرات عن 15%، مشيرًا إلى أن صناعة الحرف اليدوية والإبداعية تتميز بأنها لا تستلزم رأس مال كبير بالإضافة إلى أن احتياجاتها من البنية الأساسية محدودة للغاية كما أنها تعتمد إلى حد كبير على مستلزمات الإنتاج المتوفرة محليًا.
أكد "مؤسس الجمعية"، أن مضاعفة صادرات قطاع الصناعات اليدوية والإبداعية يتطلب مجموعة من الإجراءات أولها منح إعفاء ضريبي لمدة 5 سنوات لتقنين أوضاع هذا القطاع وإدخاله في المنظومة الرسمية.
وقال أشرف عبد الغني، إننا نطالب أيضًا بتوفير التمويل المُيسر لهذه الصناعات إلى جانب تقديم الدعم اللوجيستي والفني ودعم مشاركتها في المعارض الدولية، داعيًا لإنشاء مركز للتدريب المهني ومدارس حرفية لنقل التراث الحضاري والحفاظ عليه وتطويره واستخدام الوسائل الحديثة في تنفيذه.
وطالب مؤسس جمعية خبراء الضرائب المصرية، بمكافحة التهريب والتقليد والغش التجارى وهي من أكثر الظواهر التي تهدد صناعة الحرف اليدوية والإبداعية.