الفرق بين التوكل والتواكل.. علي جمعة يوضحه
تاريخ النشر: 23rd, December 2023 GMT
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء، إن حقيقة التوكل على الله رعاية الأسباب، إذا راعيت الأسباب فأنت متوكلٌ على الله، إذا تركت الأسباب فأنت متواكل، ولست متوكلًا.
جاؤ في حديث وإن كان بسندٍ ضعيف: أن أحدهم أتى ببعيرٍ فتركه خارج المسجد، وسأل رسول الله ﷺ: يا رسول الله، هذه بعيري أو راحلتي، أعقلها وأتوكل .
فصارت هذه العبارة مثالًا بين الناس. يقول لك: يا أخي، اعقلها وتوكل. يعني: ائتِ من الأسباب ما تستطيع ثم قل: يا رب.
حتى قالوا: إن الفلاح يلقي الْحَبّ ثم يدعو ويقول: يا رب. فإذا لم يلقِ الْحَبّ لن يوجد زرع ، يعني: لو جلس الفلاح ولم يلقِ الْحَبّ وقال: يا رب، أنبت لي هنا قمحًا ، ولا شيء حيطلع .
لكن لو ألقى الْحَبّ -حَبّ القمح- ودعا: يا رب، استرها، يا رب، أنزل المطر، يا رب، طَلَّع النبات. فيطلع النبات .
إذن، ترك الأسباب: جهل، والاعتماد على الأسباب وأن هي الفاعلة شرك .
قال العلماء -وهذا موجود في حديث عمر بن الخطاب : « لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير». وماذا عن الطيور ؟ تغدو وتروح. ولكن إذا جلست في وكناتها، في أوكارها، في عشتها، ولم تسعى ؟ والله في سماه، ما هتاكل ولا هتشرب. لازم الطير يطلع يبحث عن رزقه، فربنا يرزقه.
إذن لابد من السبب «تغدو خماصًا». (خماصًا) يعني: جائعة ، عايزه تاكل، «وتروح ... » ترجع « ... بطانًا». بطنها مليان وشبعانة ، من أين أتت بالرزق ؟ ربنا رزقها، من غير تدبير .
سيدنا النبي ﷺ عندما خرج إلى أُحُد، دخل فلبس درعين، وليس درع واحد، وخالف بينهما. يعني: درع في الوجه ، ودرع بالظهر، الدرع ده عبارة عن زراديات من الحديد؛ علشان السيف لو نزل عليها لا يجرح .
ولكن أليس درع واحد يكفى؟ لأ، درعين، درع فوق درع. ولبس الخوذة، يسموها: اللأمة.
ولكن الله تعالى قال له: {وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} ربنا يحميه فلا يوجد شيء يؤذيه ، ولكن يجب أن نأخذ بالأسباب ونلبس الدرع، ونخالف معه درع أخر، ونلبس الخوذة، ونحضَّر السيف، ونقول: يا رب انصرنا، يا رب استرها معنا.
إذن لابد من الغدو والرواح؛ حتى يتحقق التوكل مع إتيان الأسباب وليس الاعتماد عليها، ونقول دائمًا : يا رب.
فيأتي من يقول: هذا الفلاح الذى ألقى الْحَبّ دعا، وهذا الفلاح الذى ألقى الْحَبّ لم يدع، فهذا حَبّه خرج وهذا حَبّه خرج !
فنرد عليه: ربنا سبحانه وتعالى هو الذى رزق هذا، ورزق هذا ، والذى لم يدع هو حر فـ«الدعاء هو العبادة» فهو عايش في حياته بِرِجْل واحدة، عايش بالحياة الدنيا وأسبابها ، أما الذى دعا فهو في حالة عبادة، في حالة إيمانية، في حالة يرى فيها الحقيقة.
إذن نحن نقرأ القرآن، ونقرأ الأكوان: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}. وهو الأكوان.
{اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ} وهو الوحي، فنحن نرى كتاب الله هذا، وكتاب الله هذا.
هذه الأحاديث رَبَّت في أنفس المسلمين أعلى أنواع التوكل على الله، والتوكل على الله ينتج منه: الرضا بأمر الله.
التوكل على الله ينتج منه: التسليم والرضا بأمر الله، وأنه لا يكون في كونه سبحانه وتعالى إِلَّا ما أراد، فاللهم اجعلنا مِمَّنْ يتوكلون عليك حَقَّا.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: التوکل على الله
إقرأ أيضاً:
هل تخضع معجزة الإسراء والمعراج لقوانين الأرض؟ علي جمعة يجيب
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف، إن معجزة الإسراء والمعراج لا تخضع لقوانين الكون ، إنما هي استثناء ؛ لأن الذي خلق المكان والزمان اختصرهما وطواهما لسيد الأنام.
وأضاف علي جمعة، في تصريح عن الإسراء والمعراج، بأنه لا يمكن تفسير هذه المعجزة وفق قوانين الأرض , فهو خروج جزئي وكلي عن قوانين الأرض ومدارك الإنسان، وهو ما تفرد به سيدنا النبي، حيث جمع الله عز وجل له في حادثة واحدة بين هذين الخروجين.
وذكر علي جمعة، أنه في رحلة الإسراء خروج جزئي وكشف محدد لعالم الغيب أمام الرسول إذ قد أصبح من الممكن للإنسان في العصر الحالي السفر من الشرق إلى الغرب في وقت قصير مما يؤكد إعجاز حادث الإسراء في ذلكم العصر.
وتابع: ويقول الله تعالى فيما يتعلق بإسراء سيدنا النبي: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) إنها لحظة لطيفة لا يدركها الإنسان بحواسه , فهي معجزة زمانية ومكانية وهي منحة إلهية وتسرية ربانية للحبيب المصطفى، حيث تجلى علم الغيب للرسول المجتبى فأصبح علم شهادة , وذلك في انتقاله اللحظي من مكة إلى بيت المقدس.
وأكد علي جمعة، أن معجزة الإسراء هي كشف وتجلية للرسول عن أمكنة بعيدة في لحظة خاطفة قصيرة , وكل من له علم بالقدرة الإلهية وطبيعة النبوة لا يستغرب من ذلك شيئا ؛ فالقدرة الإلهية لا يقف أمامها شيء ، وتتساوي أمامها جميع الأشياء والمقدرات.
وتابع: فما يعتمد الإنسان أن يشاهده ويدركه بحواسه البشرية الضعيفة ليس هو الحكم في تقدير الأمور بالقياس أمام القدرة الإلهية. ومن جهة أخرى ، فإن من خصائص طبيعة النبوة أن تتصل بالملأ الأعلى. وفي هذا الأمر تجليات وفتوحات ربانية يمنحها اللطيف القدير لمن يصطفيه ويختاره من رسله.
وأشار إلى أن الوصول إلى الملكوت الأعلى بأي وسيلة كانت -معلومة أو مجهولة- ليس أغرب من تلقي الرسالة والتواصل مع الذات العلية. ولهذا، فقد صدق أبو بكر رضي الله عنه هذه المعجزة قائلا: "إني لأصدقه بأبعد من ذلك , أصدقه بخبر السماء" (مستدرك الحاكم). وأبو بكر الصديق يشير من واقع إيمانه العميق إلى أن هذه الحادثة ليست قضية مهولة ولا هي ضربًا من الخيال , بل هي مسألة معتادة بالنظر إلى طبيعة العلاقة بين الله ورسله. ومن كشف الغيب لسيدنا رسول الله أنه عندما عاد وجادله المشركون في مكة غير مستوعبين لتلك المعجزة , وطلبوا منه وصف المسجد الأقصى , جلى الله له المسجد رأي العين , فأخذ يصفه لهم ركنا ركنا.