يقول المثل: "مَن يده في النار ليس كمن يده في الماء". وأهل غزة أياديهم في النار. وهذه هي ليست المرة الأولى التي تقع أياديهم في النار.
كما أن الجزء الأكبر منهم يتألف من لاجئين تقع أرضهم في فلسطين المحتلة. لاجئون مثلهم في ذلك مثل إخوتهم المقيمين في سوريا، والأردن، ولبنان، والعراق غير أنهم يقيمون على جزء آخر من فلسطين الذي يُفترض أن يكون حراً ومستقلاً حسب القوانين الدولية، غير أن الواقع يقول غير ذلك.
أهل غزة الذين تصطلي أياديهم في النار يقولون عن معاناتهم في مواجهة المأساة التي يعيشون فصولها شيئاً مختلفاً عمّا يقوله الذين لا تزال أياديهم تسبح في الماء. ولست هنا أطبّق المثل الذي يقول: "أهل مكة أدرى بشعابها" فقد نعرف نحن المقيمين في بيوتنا الآمنة بعيداً عن القصف اليومي أشياء كثيرة عن أسرار الحرب وما يضمره، ويخطط له طرفاها، وأيضاً مواقف الدول الكبرى السياسية، وما يحدث في الكواليس وحتى حقيقة المسافة التي تفصل بين الشك واليقين في مواقف الدول المعنية بالصراع أكثر من غيرها أكثر مما يعرفون. ولكن المسألة لا يمكن اختصارها في ذلك الحيز الضيق الذي يفصل بين الترف والشظف.
ولأنني جربت شخصياً أوضاعاً شبيهة بأوضاع أهل غزة في ظل حربين كارثيتين أعرف ما الذي يعنيه أن يقيم المرء تحت القصف. يوم كان الآخرون يحللون من فوق ما يجري لنا، كنا نقف حائرين في المسافة التي تفصل بين الضحك والبكاء. كنا نضحك من بلاهة أولئك الآخرين، وفي الوقت نفسه كنا نبكي من بلادتهم. حتى إخوتنا كانوا أشبه بالغرباء. كانوا غرباء عن هلعنا وخوفنا وجوعنا وعطشنا وفزعنا وحرقتنا وعذاباتنا وآلامنا وخساراتنا وفقداننا وهزائمنا الروحية. على الأقل لم يكونوا مثلنا. كانوا بشراً آخرين.
أعرف شخصياً ما الذي يعنيه أن يكون المرء في غزة. أما الحديث عن الصمود والاستبسال والمقاومة والبطولة الاستثنائية فكله يقع خارج الشرط البشري. شرط الحياة الحقيقية التي يرغب الإنسان في أن يأخذ منها كفايته. لا تكفي نظرة نلقيها على الصور التي لا تحمل إلا شيئا من معنى تبسيطي. لا يكفي الاستماع إلى صرخة يطلقها طفل أُخرج من تحت الأنقاض، وهو لا يعرف من الذي أدخل الوحوش إلى حكايته.
لا تكفي الهتافات بلغات لا يفهمها أهل غزة يعبر أصحابها من خلالها عن تضامنهم معهم. ليس صحيحاً أن أهل غزة سيشعرون بالراحة حين يعرفون أن العالم غاضب ومستاء من أجلهم. كل هذا إن وصلهم، وأشك في ذلك، لن يمنع الموت من التقدم إليهم.
لا يعني ذلك أنني أستخف بما يقوم به شباب العالم وهو يسعى إلى إدانة حكوماته التي وقفت مع الهمجية الإسرائيلية، فكل مبادرة من ذلك النوع هي نوع من الواجب الإنساني، الذي يعبّر عن دفاع الإنسان عن نفسه بالدرجة الأساس. ولكنني أقف ضد الترويج الكاذب لفكرة أن العالم قد انقلب رأساً على عقب بسبب المجازر الإسرائيلية، وأن الدول التي ساندت إسرائيل في عدوانها وهي كثيرة في طريقها إلى مراجعة مواقفها، وأن النصر قادم لا محالة بسبب صمود أهل غزة وبطولتهم الأسطورية. ما من أسطورة في غزة بل هناك مدينة تقع تحت قصف أعمى لا يفرق بين مدني ومسلح. إنهم ضحايا همجية عنصرية لن تنفع المعنويات العالية في التصدي لآلة حربها. أعرف أن ذلك الكلام لا يعجب الكثيرين ممَن أياديهم في الماء لكنني أتكلم بلسان الضحايا الحاليين لأني ضحية سابقة.
صحيح أنني لا أشبه مَن خطفت الحرب حياته، غير أن الصحيح أيضا أني شاركته هلعه حين كان القصف لا يصطادنا بالأسماء. كان هناك مَن يرغب في أن نكون كلنا أمواتاً، ولكن القدر شاء أن أخرج حياً من حربين. الصدفة وحدها جعلتني أغادر في إجازة حجابات عبادان عام 1982، فحدث انهيار الجيش العراقي في شرق البصرة، واختفت كتيبتي. ماذا يعني ذلك؟
مَن يصف الحرب من خارجها ليس كمَن يعيشها. وهو ما يجعلنا نخطئ في حق الضحايا ونحن نرغب في تقديم صورة عنهم للعالم كما لو أنهم أبطال في القصص المصورة. هناك شيء مضلل في ما نقوله. ليست الحرب هتافات ومظاهرات واعتصامات ومعارض فنية وتبرعات وأدعية ونداءات. الحرب هي قتل ودمار وتشريد وفزع وفقدان وهلع وكوابيس لا نهاية لها.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي أحداث السودان سلطان النيادي غزة وإسرائيل مونديال الأندية الحرب الأوكرانية عام الاستدامة غزة وإسرائيل فی النار أهل غزة
إقرأ أيضاً:
“معرض طويق للنحت” يروي قصصاً منحوتة على أحجار سعودية
أنجز ثلاثون فناناً من داخل السعودية وخارجها أعمالهم في النسخة السادسة من «ملتقى طويق الدولي للنحت 2025»، التي انطلقت منتصف يناير (كانون الثاني) الماضي، تحت شعار «من حينٍ لآخر… متعة الرحلة في صعابها».
و وفقاً لـ “الشرق الأوسط” انطلق، الثلاثاء، العرض الخاص للمنحوتات في «طويق للنحت 2025»، في أمسية فنيّة استثنائية التقت فيها الثقافات من مختلف أنحاء العالم، لتروي قصصاً منحوتة على أحجار محلية من السعودية، وتُعرض أعمال نخبة من الفنانين من مختلف أنحاء العالم في تجربة فنية مميزة.
وقال الفنان السعودي علي الطخيس، الذي انتهى من تحويل قطعة الجرانيت الصلد إلى منحوتة ملهمة نابضة بالحياة من خلال مشاركته في هذه النسخة من الملتقى، إن عمله تعبير فني عما «تجده السعودية بجميع مناطقها، من تطلع تقوده (رؤية 2030)، التي أولت عنايتها بتنمية الإنسان والمكان، وكان الوطن بمثابة الحاضن الأمين للتنوع والتعدد الذي تتمتع به مناطق السعودية في إطار وطني واحد».
أخبار قد تهمك القوات البحرية تشارك في تمرين “نسيم البحر 15” في باكستان 11 فبراير 2025 - 5:59 مساءً القوات الجوية تشارك في تمرين “محارب الكوبرا 25-1” بالمملكة المتحدة 11 فبراير 2025 - 4:19 مساءًويشارك الطخيس في الملتقى الذي يساهم في إبراز دور السعودية بوصفها مركزاً عالمياً للإبداع والثقافة، مع 30 فناناً من 23 دولة من حول العالم، أنشأوا أعمالاً فنية عامة، باستخدام أحجار الجرانيت والبازلت من أرض السعودية، لتكون جزءاً من المشهد الفني والثقافي للعاصمة.
واحتفى طويق للنحت بنسخة هذا العام، بأعمال متميزة قدمها نخبة من النحاتين المحليين والعالميين، ويتيح المعرض الخاص الذي انطلق، الثلاثاء، ويستمر حتى 24 فبراير (شباط) الحالي، فرصة مشاهدة ما أنجزه الفنانون من أعمال فنية، والتواصل والتفاعل المباشر معها، وتبادل الثقافات، واكتشاف الأساليب والأدوات المستخدمة في الأعمال.
وشهدت نسخة هذا العام إقبالاً كبيراً، حيث تلقّى فريق الملتقى، ما يزيد على 750 طلب مشاركة من 80 دولة حول العالم، مبيّنة أن ذلك يعكس مكانة الحدث بوصفه منصة حيوية للإبداع النحتي والتبادل الثقافي.
ويعدّ الملتقى أحد مشاريع برنامج «الرياض آرت» التي تهدف إلى تحويل مدينة الرياض لمعرض فني مفتوح عبر دمج الفن العام ضمن المشهد الحضري للعاصمة، وإتاحة المجال للتعبير الفني، وتعزيز المشاركات الإبداعية، بما يتماشى مع مستهدفات «رؤية السعودية 2030».