جاءت هجمات الحوثيين في البحر الأحمر وتشكيل واشنطن لتحالف للتصدي لها لتضيف المزيد من البلة على طين اليمنيين، كما يرى خبراء وأناس عاديون.

 

منذ دخول الهدنة الهشة في اليمن حيز التنفيذ، قبل أكثر من عام ونصف، ظل جمال ناصر، الموظف في مؤسسة حكومية، يتابع باهتمام الأخبار عن المفاوضات الجارية بقيادة المبعوث الأممي، وخاصة فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي ومرتبات الموظفين، الذين انقطعت منذ العام 2016.

 

وبعد أن كان يعتقد أن الخطوة القادمة هي المزيد من التوافق ودفع المرتبات، بدأ الخوف يساوره مجدداً من أن تدخل البلاد تصعيداً من نوع آخر، سواء على الجانب العسكري أو فيما يتعلق بوضع عقبات جديدة أمام الحلول المطروحة، في وقت لم يعد وضعه كما هو حال نسبة كبيرة من اليمنيين قابلاً لمزيد من تمديد الظروف الصعبة التي يعيشها، فضلاً عن إمكانية تطورها على إثر التصعيد الحاصل في البحر الأحمر، منذ إعلان جماعة أنصار الله (الحوثيين)، استهداف السفن الإسرائيلية أو تلك المتجهة إلى إسرائيل.

 

عائلة ناصر المؤلفة من خمسة أطفال، حالها حال الكثير من الأسر اليمنية التي انقطع مصدر دخلها الأساسي بتوقف مرتبات الموظفين أو فقدت مصادر دخلها الأساسية بسبب الحرب، وبينما حالف الحظ موظفين آخرين بالبحث عن مصادر دخل أخرى، لم يجد جمال بديلاً سوى أعمال غير منتظمة تعود له باليسير لأسرته، التي تعيش أيضاً على المعونات وعلى الديون التي تراكمت عليه منذ سنوات. ويقول لـDW عربية، إن الأمل بإعادة حقوق الموظفين وباتفاق يخفف وطأة المعاناة، هو "آخر ما يمني به أطفاله في وجه الضغوط المعيشية". وتبقى مسألة أن تعود الأوضاع إلى الصفر، بدخول مرحلة تصعيد جديدة، أمر يصعب مجرد التوقف معه لمجرد التفكير، وبدلاً عن ذلك، يأمل جمال أن تثمر الأحداث دافعاً إضافياً يسرع من وتيرة الاتفاق.

 

وعلى مدى الاسابيع الماضية، ارتفعت حدة التوتر في البحر الأحمر، وألقت بظلالها على الاقتصاد العالمي، لكن اليمن الذي يقع في قلب الأزمة، بدأ الناس فيه في حالة من الإرباك والخوف والترقب، فيما يحاول الحوثيون إزاحة هذه المخاوف بالظهور بنشوة المنتصر، الذي استطاع أن ينقل نصرة "الفلسطينيين" من القول إلى الفعل؛ إذ أن الجماعة بنظر مؤيديها فعلت ما لم تفعله الدول العربية، وكسبت أصواتاً مؤيدة في العديد من دول المنطقة. لكن معارضيها يرون أنها فتحت جحيماً جديداً على البلاد، وأنها قامت بما قامت به في البحر الأحمر، لتلبية رغبات إيران، أكثر من كونها ثقة بقدرتها على مواجهة التبعات.

 

تبعات مجهولة الملامح

 

تمثل منطقة باب المندب والشريط الساحلي المطل على البحر الأحمر، الأهمية الاستراتيجية لموقع اليمن الجغرافي المطل أيضاً على بحر العرب، ويعتبر ميناء الحديدة المنفذ الأهم الذي تصل إليه الواردات في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية والمرتفعة، شمالاً وغرباً، ومع ذلك فقد ظل مغلقاً أو يعاني من قيود على الحركة التجارية، طوال الأعوام الماضية.

 

وبينما أنعشت الهدنة والتفاهمات التي جرت بين السعودية والحوثيين، الميناء قليلاً، يبعث التصعيد غرباً، المخاوف من أن تعود القيود، فضلاً عن أي تأثيرات ناتجة عن رفع أسعار التأمين على السفن والشحنات الواصلة إلى الميناء.

 

هذه المخاوف بدأت تسري في أوساط التجار والمستوردين، والذين يقول أحدهم لـDW عربية، مفضلاً عدم الكشف عن اسمه، إن هذا التصعيد هو العلاج الخاطئ الذي يهدد بمزيد من الأزمة الاقتصادية ليس بسبب ما قد يعيق الحركة في الميناء فحسب، بل كذلك بسبب أي عقوبات اقتصادية أو قيود قد تفرض على اليمن. ويضيف "مثل هذه التصعيد يؤثر على بلدان قريبة وبعيدة ولا تمر بحرب طاحنة، فما بالك باليمن الذي يعاني ولا يحتمل الاستمرار على هذا الوضع. فكيف بمزيد من التدهور!".

 

إلى ذلك، يقلل المحلل الاقتصادي رشيد الحداد في حديثه لـDW عربية، من شأن أي تأثيرات على ميناء الحديدة نظراً لأن "شركات التأمين ما تزال تفرض رسوماً كبيرة على ميناء الحديدة"، كما أنه رغم قيام الحكومة في عدن بتقديم وديعة تأمينية عبر الأمم المتحدة منتصف العام الجاري، لخفض تأمين الحرب غير أنها "استثنت ميناء الحديدة، الذي لايزال حتى الآن يعاني من حالة حصار، ويمنع التحالف (بقيادة السعودية) نحو 450 سلعة من الاستيراد عبر الميناء".

 

"تحالف أمني غير تقليدي"

 

لا يختلف المهتمون على أن اليمن غير قادر على تحمل أي نوع من العودة إلى الحرب، بأي شكل من الأشكال، إذ أن النتيجة ستلقي بظلالها من خلال تفاقم الأزمة الإنسانية الكارثية واستمرار التدهور الاقتصادي، في وقت ما يزال يوجد فيه أكثر من ثلاثة ملايين نازح داخلياً، ولم تتحسن أوضاع مئات الآلاف من الأسر، التي حُرمت من مصادر دخلها الأساسية بسبب الحرب. ومع ذلك فإن الأمل السائد لدى أغلبية اليمنيين، يتمثل في أن التصعيد لن يستمر كثيراً، وقد يهدأ بمجرد بدء هدنة جديدة في غزة، حيث يشدد الحوثيون على أن عملياتهم بحراً، مرتبطة بمجريات الصراع بين إسرائيل وحماس، وعلى أن التهديد في البحر الأحمر لا يقتصر سوى على السفن الإسرائيلية وهو مرتبط بالحرب الدائرة حالياً.

 

يُذكر أن حركة حماس، وهي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية.

 

وفي حديثه لـDW عربية، يرى المحلل العسكري والخبير في الأمن البحري علي محمد الذهب أن التحالف الذي أعلنت عنه واشنطن "تحالف أمني غير تقليدي بمعنى أنه لن يخوض مواجهات عنيفة مع الحوثيين، إلا في حدود ضيقة: أي عندما تأتي مصادر التهديدات تجاه السفن من مناطق نفوذ الحوثيين أي من الجزء البري". ويتابع: "أما إذا كانت الهجمات عبر زوارق صغيرة أو سفن أو ما شابه ذلك، عندها ستتولى سفن التحالف حماية السفن التجارية وستبادر إلى التصدي لهذه الزوارق بالضرب المباشر أو الإغراق أو المطاردة أو ما شابه ذلك".

 

تداعيات محلية وعالمية

 

ومن طرفه، يرى رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي اليمني مصطفى نصر في حديثه لـDW عربية، على أن هناك تداعيات كبيرة للهجمات على السفن في البحر الأحمر على الاقتصاد المحلي والعالمي، إذ من المتوقع أن ترتفع كلفة الشحن والتامين بنسب قد تصل إلى 30 بالمئة في حال استمرّت الهجمات".

 

ويرى المتحدث أن إعلان العشرات من شركات الملاحة الدولية العبور عبر رأس الرجاء الصالح، يمثل مؤشراً لهذه التداعيات حيث سيؤدي ذلك الى ارتفاع في الأسعار على المستوى المحلي والدولي. كما أن الهجمات "سيكون لها تداعيات خطيرة على الدول المطلة على البحر الأحمر وعلى قناة السويس بصورة مباشرة".

 

وعلى الرغم من إعلان واشنطن عن تحالف بحري في البحر الأحمر، ما يزال من غير الواضح ملامح التصعيد أو التهدئة، ولهذا فإن نصر يعتقد أن "استمرار التداعيات يعتمد على مستوى ردة الفعل الدولية".


المصدر: الموقع بوست

كلمات دلالية: اليمن البحر الأحمر أمريكا الحوثي الملاحة الدولية فی البحر الأحمر میناء الحدیدة على أن

إقرأ أيضاً:

السيد القائد: المعركة في البحر الأحمر أثبتت أن حاملات الطائرات الأمريكية نظام قديم عفا عليه الزمن

يمانيون../
أكد السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي -يحفظه الله- في كلمته الأسبوعية حول أخر مستجدات وتطورات معركة طوفان الأقصى، والعدوان الإسرائيلي الأمريكي على غزة، أن المعركة في البحر الأحمر أثبتت أن حاملات الطائرات الأمريكية نظام قديم عفا عليه الزمن ولا يستحق التكلفة، وهذا إنجاز كبير لقواتنا.

وقال السيد القائد: “معركة الأمريكي مع شعبنا كشفت عجز وضعف حاملات الطائرات الأمريكية رغم سمعتها التاريخية، وكان استخدام أمريكا لحاملات الطائرات لإرهاب بقية الدول وإخافة الشعوب، لكن عملياتنا أجبرتها على الهروب”، مشيراً إلى أن حاملات الطائرات الأمريكية لم تُخف بلدنا وشعبنا كما فعلت مع أنظمة وحكومات أخرى، وهذا من مظاهر تأييد الله، وينبغي أن نقدر قيمة مثل هذه الانتصارات التاريخية ونتوجه إلى الله بالشكر له عليها، لافتاً إلى أن القطع البحرية الحربية الأمريكي في البحر الأحمر ، تطارد بالصواريخ والمسيرات، وهي في حالة فرار بأقصى سرعة تستطيعها.

ونوه السيد القائد إلى أن الأمريكيين يدركون فاعلية ضرباتنا وأقروا بإبعادنا البحرية الأمريكية بأكملها، وهي بمثابة درس ثمين لهم، وأن العدو بدأ يعيد النظر في إمكاناته وتكتيكاته وطريقة محاربته ومواجهته لهذا المستوى من التهديد والخطر، مستدلاً بما قاله أحد المسؤولين الأمريكيين الذي اعترف بقوة وصلابة موقف الشعب اليمني وثباته المبدئي وقوة الدافع التي ينطلق منها.

كما أشار السيد القائد إلى التقارير الأمريكية التي تعترف بأن العمليات اليمنية في تصاعد وتطور، بعد أن أطلقوا حملة إعلامية تزعم تراجعها، ورد عليهم بقوله: “الذي تراجع هو حركة السفن الأمريكية والبريطانية كما قلنا ذلك سابقا بكل وضوح وصدق.

وتابع: ” مع كل الأحداث منذ الحرب العالمية الثانية يرى الأمريكي أن ما يجري في البحر الأحمر هو متميز وأكثر استدامة، وموقفة وصلابة الشعب اليمني في مواجهة الأمريكي ثمرة الانتماء الإيماني ، والمواقف المبدئية واستمرارية عملياتنا وتصعيدها بنجاح والتطوير هو الذي أدهش الأعداء وأقلقهم وأخافهم”.

وفي سياق العمليات اليمنية قال قائد الثورة: “أن عمليات الإسناد لجبهة اليمن هذا الأسبوع بلغت 12 عملية في إطار المرحلة الرابعة من التصعيد، نفذت بـ 20 صاروخا باليستيا ومجنحا وطائرة مسيرة وزورق على طول مسرح العمليات البحرية، وستهدفنا 6 سفن ليصل إجمالي السفن المستهدفة منذ بداية عمليات الإسناد 162 سفينة”.

وأكد أن معركة الأمريكي لإيقاف عمليات الجيش اليمني في البحر لم تكن عملية سهلة أو بسيطة، حيث اعتاد الأمريكي أن يحسم معاركه أو أن يوقف أي طرف بتهديداته أو فرض العقوبات والإجراءات، مؤكداً أن جيشنا وشعبنا ثابتون، وتطوير القدرات مستمر بفضل الله لتجاوز تقنيات الأعداء للحد منها”، لافتاً إلى أن الأعداء اعترفوا بتطور الصواريخ والمسيرات والزوارق البحرية من شدة ودقة الضربات الأخيرة، وأن قواتنا المسلحة تستفيد من تقييم الأعداء لعملياتها، في تطوير نفسها، وتحقق للأمريكي ما قلناه إن عدوانه سيسهم رغم أنفه في تطوير قدراتنا.

وأردف: “ثبات شعبنا الذي ينبهر به الأعداء من مصاديق إنجاز الوعد الإلهي لعباده المؤمنين “إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم”

مقالات مشابهة

  • بعد تزايد مخاطر استهدافها.. بريطانيا تسحب آخر قطعها العسكرية من البحر الأحمر
  • قلقٌ أمريكي بريطاني متزايدٌ من تطور العمليات اليمنية واتساع نطاقها
  • الإتحاد الأوروبي يقر بتفوق اليمنيين وفشله في حماية الملاحة للكيان
  • تقرير استخباري أمريكي: هجمات الحوثيين على السفن تعيق جهود السلام الدولية وأضرت بالأمن الإقليمي (ترجمة خاصة)
  • التوتر في البحر الأحمر دفع أسعار الحاويات إلى الارتفاع بنسبة 120٪ خلال الأشهر ال 6 الماضية
  • التكتيكات اليمنية تُحرج الأسلحة الغربية وتُخرجها عن الخدمة تخوف أمريكي – بريطاني من إرسال حاملات الطائرات للبحر الأحمر
  • منظمة بحرية دولية توجه دعوة لدرء التسرب في سفينة شحن هاجمها الحوثيين في البحر الأحمر
  • قائد البحرية الأوكرانية: روسيا تفقد السيطرة على محور شبه جزيرة القرم
  • السيد القائد: المعركة في البحر الأحمر أثبتت أن حاملات الطائرات الأمريكية نظام قديم عفا عليه الزمن
  • محافظ البحر الأحمر يكشف توجيه الرئيس السيسي للمحافظين عقب أداء اليمين الدستورية