عربي21:
2024-10-02@10:13:29 GMT

لغتنا العربية… شجرة الاحتفال وغابة الإهمال

تاريخ النشر: 23rd, December 2023 GMT

وتشتد الحاجة إلى السياسة اللغوية، أي إلى تدخل الدولة، كلما كانت اللغة في موقف دفاع. فقد كان الخوف من الغزو اللغوي الإنكليزي هو الذي أوجب إصدار قانون توبون لحماية الفرنسية عام 1994. ولكن الوضع اليوم أخطر بكثير، حيث إن 4 في المئة فقط من وثائق الاتحاد الأوروبي في بروكسل تحرر في الأصل بالفرنسية.

لا تجري علاقة الأمم بلغاتها وثقافاتها مجرى واحدا، بل إن ثمة اختلافات متعددة المظاهر لعل أبرزها الموقف الذي تتخذه الدولة من لغة البلاد متعيّنا في ما يسمى بـ»السياسة اللغوية».

وهذا هو مصداق قول حنا أرندت إننا كلما فكرنا في اللغة تفكيرا جادا فإننا نخوض في السياسة. ويمكن تصنيف الأمم في هذا الشأن أصنافا ثلاثة. أولا، الأمم التي يكاد يتلاشى الشأن اللغوي عندها في غيابة اللاّ-مفكّر فيه، فهي راضية عن نفسها هانئة بوضعها، ولا ترى السلطات العامة فيها أي مسوغ للتدخل في الحياة اللغوية لا حماية ولا دعما ولا توجيها ولا تقويما. ولعل بريطانيا والولايات المتحدة هما أبرز مثال على هذا الموقف، بل اللا-موقف، المتمثل في انعدام السياسة اللغوية.

ويصدر هذا اللا-موقف عن عاملين: أحدهما هو اطمئنان الأمتين إلى هيمنة الإنكليزية على معظم قطاعات الإنتاج العلمي والتقني والاقتصادي في العالم أجمع، بما يغني عن بذل أي جهد لتدعيم اللغة في الداخل والعمل على انتشارها وإشعاعها في الخارج. أما العامل الثاني فتاريخي، وهو ميراث الامتناع الحكومي (المستمر منذ أكثر من قرنين) عن الاستثمار في المؤسسات الثقافية والأكاديمية بإيكال الأمر كله إلى القطاع الخاص.

ومن تجليات هذه اللامبالاة أن وزارة الثقافة عديمة الأهمية في بريطانيا، فهي تأتي في آخر التراتبية الحكومية، وغالبا ما يكون وزير الثقافة نكرة لدى الجمهور. بل إن قدر هذه الوزارة أن يتوزع دمها بين القبائل، ولذلك فهي تسمى وزارة الثقافة والإعلام والرياضة (قبل أن يضاف للإعلام التواصل الرقمي). وقد سبق لمعلق ثاقب النظر أن نبه إلى أن الأهمية الحقيقية للمجالات هي في علاقة تناسب عكسي مع التسمية الرسمية: فالمجال الأهم الذي يحظى بالسيادة هو الرياضة، ثم يأتي الإعلام لأنه الوسيلة الأقوى للتأثير السياسي والانتخابي، وفي الأخير تأتي الثقافة بنتا من بنات العمومة الأباعد، فقيرة كسيرة لا تدعى إلى المناسبات العائلية إلا على مضض.

ومن المظاهر الأخرى لهذه اللامبالاة أن مستوى اللغة الإنكليزية التي يتحدثها الرؤساء الأمريكيون ورؤساء الحكومات البريطانيون هي أقرب إلى العامية منها إلى الفصاحة، وإذا أردت مثلا على رقي اللغة فلا بد لك من العودة إلى كندي وروزفلت، وإلى هارولد ماكميلان وتشرشل.

الصنف الثاني يشمل الأمم التي تبدو كما لو أنها في خصومة مع لغتها، فدولها مكتفية بفتح المدارس، وإعلامها، خصوصا التلفزيوني والإلكتروني، يسعى في خراب اللغة سعيا حثيثا من حيث لا يدري. أما الحكام فمعظمهم متخصص في ارتكاب الأخطاء اللغوية الفاضحة المخجلة المخزية التي يترفع عنها النجباء من تلاميذ المدارس الابتدائية. ولكن الحكام لا يخجلون لأنهم لا يدركون، وليس ثمة بين أفراد الحاشية من يكترث لتنبيههم أن إتقان اللغة الأم في الخطب العامة والتصريحات الرسمية هو الدرجة الصفر من شروط الاحترام للذات ومن مقومات المصداقية السياسية. ولا شك أن دولنا المكتفية برتابة الاحتفال الشكلي، كل 18 ديسمبر/كانون الأول، باليوم العالمي للغة العربية هي المثال الأبرز على استفحال هذه الرداءة التي بلغت حد التلعثم والتعثر في آيات قرآنية معروفة يحفظها حتى الأميون من أفراد الأمة.

أما الصنف الأخير فيشمل الأمم التي تقدّر لغاتها وتمضي في الاحتفاء بها إلى حد يقرب من التقديس. ولا شك أن المثال الأبرز هو فرنسا التي يزخر تاريخها بآيات باهرة من الاحتفاء باللغة الوطنية. أما أحدث مظاهر هذا الاحتفاء فقد تمثل، أواخر أكتوبر/تشرين الأول، في تدشين المدينة الدولية للغة الفرنسية في بلدة فيللر-كوتيري. ذلك أنها البلدة التي شهدت إصدار الملك فرانسوا الأول عام 1539 المرسوم الذي جعل الفرنسية اللغة الإدارية للبلاد، تماما كما فعل عبد الملك بن مروان عندما قرر تعريب الديوان. وبهذا تم توحيد فرنسا لغويا وإنهاء الهيمنة النخبوية للغة اللاتينية، والبلبلة الناجمة عن كثرة اللغات الجهوية (المناطقية). كما تمتاز فيللر- كوتري بأنها موطن ألكسندر دوما، أول كاتب فرنسي متعدد الأعراق (كانت جدته سوداء).


المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه بريطانيا فرنسا بريطانيا فرنسا اللغة العربية سياسة صحافة سياسة سياسة صحافة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

سلطنة عمان تؤكد للعالم ضرورة وضع حد للإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل

أكّدت سلطنة عُمان على أنّ سياستها الخارجية تقوم على رؤية ثابتة في تبنِّيها أسس الحوار والتسامح منهجًا لمعالجة كل القضايا والتحدِّيات، وأنها رؤية تسعى لتحقيق السلام وعلاقات تقوم على الاحترام المتبادل والتعاون الإيجابي والوئام بين الدول. 

سفير سلطنة عمان بالقاهرة: تعزيز التعاون العربي الأفريقي خطوة محورية لمواجهة التحديات الراهنة مفتي سلطنة عمان: حسن نصر الله كان شجي في حلق المشروع الصهيوني

جاء ذلك في كلمة سلطنة عُمان في الدورة التاسعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقدة بنيويورك، ألقاها بدر بن حمد البوسعيدي وزيرُ الخارجية.

وأعرب عن تقديره لأنطونيو جوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة على جهوده المضنية التي يبذلها في قيادة منظمة الأمم المتحدة، وسعيه الدؤوب لبسط سيادة القانون الدولي وتطبيقه، تحقيقًا للعدالة والسلام، وبما يعكس رؤية الأمم المتحدة لعالم يعم فيه الأمن والاستقرار والسلام والرخاء للجميع، مؤكدًا على دعم سلطنة عُمان الكامل لمساعي الأمين العام ولجهود الأمم المتحدة في تعزيز السّلم والأمن الدوليين. 

وقال وزير خارجية سلطنة عُمان، إنَّ سلطنة عُمان، قيادةً وحكومةً وشَعبًا، تؤمن باستخدام الوسائل المشروعة والسلمية لحل القضايا والصراعات، داعية إلى الوقف الفوري للقتال وإطلاق النار في قطاع غزَّة وفي لبنان، وفي منطقة البحر الأحمر، ومعالجة أسباب الصراع بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي غير المشروع للأراضي الفلسطينية، وتحقيق العدالة للشَّعب الفلسطيني على أساس حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود عام 1967.

وأضاف أنَّ سلطنة عُمان تؤكِّد على ضرورة منح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة ووضع حدٍّ لسياسة الإبادة الجماعية التي تُمارسها قوات الاحتلال الإسرائيلي على الشَّعب الفلسطيني ورفع المعاناة الإنسانية المفروضة عليه.

وأكَّد وزير الخارجية العُماني على أنَّ سلطنة عُمان تؤمن بأهمية تكثيف العمل على احتواء التصعيد والتوتر وحقن الدماء عبر الاحتكام للحوار العاقل وقواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وقرارات الشرعية الدولية، واحترام سيادة الدول ووحدة أراضيها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية بما يكفل لسائر الأقطار والشعوب حق العيش في أمان وسلام وكرامة.

وأشار البوسعيدي إلى أنَّ سلطنة عُمان ماضية ببرامجها في مجال الحماية الاجتماعية، من خلال منظومة متكاملة داعمة لمختلف فئات المجتمع بما فيها المرأة والطفل وكبار السن وذوو الإعاقة، وبرامج التأمين الاجتماعي والأمان الوظيفي، لافتًا إلى أنَّ ذلك يُعدُّ مؤشرًا لمدى التقدم الذي حققته سلطنة عُمان في مجال التنمية المستدامة، وسعيها المتواصل لتطوير هذه البرامج بما يتماشى مع أفضل الممارسات العالمية إلى جانب الاستمرار في توفير الرعاية التعليمية والصحية والاجتماعية لجميع فئات المجتمع.

وأفاد بدر البوسعيدي بأنَّ سلطنة عُمان تؤكد على دعمها المتواصل للشباب وتمكينهم، وتعتبرهم عماد المستقبل ومحور التنمية المستدامة، والقوة الدافعة للابتكار والبناء والتطور، وتوجد لهم الفرص التي تُمكِّنهم من توظيف مهاراتهم والإسهام الفاعل في بناء المستقبل.
ولفَتَ إلى أنَّ سلطنة عُمان تؤكد على أهمية تعزيز الاحترام والتعايش السلمي بين الشعوب، داعيةً إلى مكافحة جميع أشكال التمييز والعنصرية والكراهية والعنف.

وأشار وزير الخارجية إلى أنَّ سلطنة عُمان تبذل جهودًا كبيرة في مجال التعامل مع تحدِّيات التغيُّر المناخي والحدِّ من الانبعاثات، وتحفيز الاستثمار في مشروعات الطاقة المتجددة وفق استراتيجية الحياد الصفري الكربوني لعام 2050، من خلال مشروعات الطاقة النظيفة والهيدروجين الأخضر والحلول التي تعتمد الطبيعة منهجًا لها، مبينًا أنَّ ذلك يأتي انطلاقًا من إيمانها بأهمية حماية البيئة والحفاظ على الموارد الطبيعية للأجيال القادمة، وتحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية والاستدامة البيئية.

وبيَّن  وزير الخارجية العُماني أنَّ جهود سلطنة عُمان وبرامجها التنموية تأتي انسجامًا مع الرؤية الوطنية، التي تجسدها رؤية عُمان «2040»، والتي تُعدُّ ركيزة تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية ومواجهة التحدِّيات المستقبلية، ويعكس تقديمُ تقريرها الوطني الطوعي الثاني الالتزامَ العميق بالمبادئ والأهداف العالمية للتنمية المستدامة، ويُبرز التقدمَ المحرز في مختلف المجالات التنموية.

وأعرب عن ترحيب سلطنة عُمان باعتماد ميثاق قمَّة المستقبل هذا العام، مُثمِّنًا الجهود الدولية المشتركة التي أدَّت إلى تحقيق هذا الإنجاز الذي يضع خريطة طريق للعالم نحو تعزيز التعاون الدولي ومواجهة التحدِّيات العالمية بفعاليَّة وتعاون صادق بنَّاء.

وفي ختام كلمته قال بدر بن حمد البوسعيدي وزيرُ الخارجية إنَّ سلطنة عُمان تدعو جميع الدول الأعضاء إلى الالتزام بتنفيذ هذا الميثاق والعمل على تحقيق رؤيته وأهدافه من خلال التعاون المثمر وتبادل المعرفة، واتِّخاذه مسارًا من مسارات بلوغ مستقبل أفضل وأكثر أمانًا وازدهارًا للأجيال القادمة.

 

مقالات مشابهة

  • المركز التربوي للغة العربية لدول الخليج يطلق برنامج «إمتاع»
  • الملتقى التنسيقي الثالث للمؤسسات السعودية المعنية باللغة العربية ينطلق غدًا في الرياض
  • وزير الثقافة يعتمد برنامج الاحتفال بالذكرى الـ51 لانتصارات أكتوبر
  • مبروكة: الترجمة هدف عام وتقع في صميم اهتمام وزارتي
  • سلطان: اللغة العربية فخرُ الأمة وحاملة معارفها وتاريخها وحضارتها
  • الوزير صباغ: استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية منذ 1967 بما فيها الجولان السوري وارتكابه جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب لا يزال شاهداً ماثلاً على إخفاق الأمم المتحدة في إنهاء هذا الاحتلال العنصري التوسعي ويمثل دليلاً دامغاً على منع الولايات
  • سلطنة عمان تؤكد للعالم ضرورة وضع حد للإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل
  • شاهد بالصور.. المنظمه العربية للتنمية الزراعية تحتفل بيوم الزراعة العربي 2024
  • إصدار جديد عن مجمع اللغة العربية.. «معجم التربية وعلم النفس-جزء 3»
  • نهلة الصعيدي تعلن انطلاق وثيقة إعداد مؤشر الأزهر العالمي للغة العربية