عربي21:
2024-11-07@22:30:51 GMT

لغتنا العربية… شجرة الاحتفال وغابة الإهمال

تاريخ النشر: 23rd, December 2023 GMT

وتشتد الحاجة إلى السياسة اللغوية، أي إلى تدخل الدولة، كلما كانت اللغة في موقف دفاع. فقد كان الخوف من الغزو اللغوي الإنكليزي هو الذي أوجب إصدار قانون توبون لحماية الفرنسية عام 1994. ولكن الوضع اليوم أخطر بكثير، حيث إن 4 في المئة فقط من وثائق الاتحاد الأوروبي في بروكسل تحرر في الأصل بالفرنسية.

لا تجري علاقة الأمم بلغاتها وثقافاتها مجرى واحدا، بل إن ثمة اختلافات متعددة المظاهر لعل أبرزها الموقف الذي تتخذه الدولة من لغة البلاد متعيّنا في ما يسمى بـ»السياسة اللغوية».

وهذا هو مصداق قول حنا أرندت إننا كلما فكرنا في اللغة تفكيرا جادا فإننا نخوض في السياسة. ويمكن تصنيف الأمم في هذا الشأن أصنافا ثلاثة. أولا، الأمم التي يكاد يتلاشى الشأن اللغوي عندها في غيابة اللاّ-مفكّر فيه، فهي راضية عن نفسها هانئة بوضعها، ولا ترى السلطات العامة فيها أي مسوغ للتدخل في الحياة اللغوية لا حماية ولا دعما ولا توجيها ولا تقويما. ولعل بريطانيا والولايات المتحدة هما أبرز مثال على هذا الموقف، بل اللا-موقف، المتمثل في انعدام السياسة اللغوية.

ويصدر هذا اللا-موقف عن عاملين: أحدهما هو اطمئنان الأمتين إلى هيمنة الإنكليزية على معظم قطاعات الإنتاج العلمي والتقني والاقتصادي في العالم أجمع، بما يغني عن بذل أي جهد لتدعيم اللغة في الداخل والعمل على انتشارها وإشعاعها في الخارج. أما العامل الثاني فتاريخي، وهو ميراث الامتناع الحكومي (المستمر منذ أكثر من قرنين) عن الاستثمار في المؤسسات الثقافية والأكاديمية بإيكال الأمر كله إلى القطاع الخاص.

ومن تجليات هذه اللامبالاة أن وزارة الثقافة عديمة الأهمية في بريطانيا، فهي تأتي في آخر التراتبية الحكومية، وغالبا ما يكون وزير الثقافة نكرة لدى الجمهور. بل إن قدر هذه الوزارة أن يتوزع دمها بين القبائل، ولذلك فهي تسمى وزارة الثقافة والإعلام والرياضة (قبل أن يضاف للإعلام التواصل الرقمي). وقد سبق لمعلق ثاقب النظر أن نبه إلى أن الأهمية الحقيقية للمجالات هي في علاقة تناسب عكسي مع التسمية الرسمية: فالمجال الأهم الذي يحظى بالسيادة هو الرياضة، ثم يأتي الإعلام لأنه الوسيلة الأقوى للتأثير السياسي والانتخابي، وفي الأخير تأتي الثقافة بنتا من بنات العمومة الأباعد، فقيرة كسيرة لا تدعى إلى المناسبات العائلية إلا على مضض.

ومن المظاهر الأخرى لهذه اللامبالاة أن مستوى اللغة الإنكليزية التي يتحدثها الرؤساء الأمريكيون ورؤساء الحكومات البريطانيون هي أقرب إلى العامية منها إلى الفصاحة، وإذا أردت مثلا على رقي اللغة فلا بد لك من العودة إلى كندي وروزفلت، وإلى هارولد ماكميلان وتشرشل.

الصنف الثاني يشمل الأمم التي تبدو كما لو أنها في خصومة مع لغتها، فدولها مكتفية بفتح المدارس، وإعلامها، خصوصا التلفزيوني والإلكتروني، يسعى في خراب اللغة سعيا حثيثا من حيث لا يدري. أما الحكام فمعظمهم متخصص في ارتكاب الأخطاء اللغوية الفاضحة المخجلة المخزية التي يترفع عنها النجباء من تلاميذ المدارس الابتدائية. ولكن الحكام لا يخجلون لأنهم لا يدركون، وليس ثمة بين أفراد الحاشية من يكترث لتنبيههم أن إتقان اللغة الأم في الخطب العامة والتصريحات الرسمية هو الدرجة الصفر من شروط الاحترام للذات ومن مقومات المصداقية السياسية. ولا شك أن دولنا المكتفية برتابة الاحتفال الشكلي، كل 18 ديسمبر/كانون الأول، باليوم العالمي للغة العربية هي المثال الأبرز على استفحال هذه الرداءة التي بلغت حد التلعثم والتعثر في آيات قرآنية معروفة يحفظها حتى الأميون من أفراد الأمة.

أما الصنف الأخير فيشمل الأمم التي تقدّر لغاتها وتمضي في الاحتفاء بها إلى حد يقرب من التقديس. ولا شك أن المثال الأبرز هو فرنسا التي يزخر تاريخها بآيات باهرة من الاحتفاء باللغة الوطنية. أما أحدث مظاهر هذا الاحتفاء فقد تمثل، أواخر أكتوبر/تشرين الأول، في تدشين المدينة الدولية للغة الفرنسية في بلدة فيللر-كوتيري. ذلك أنها البلدة التي شهدت إصدار الملك فرانسوا الأول عام 1539 المرسوم الذي جعل الفرنسية اللغة الإدارية للبلاد، تماما كما فعل عبد الملك بن مروان عندما قرر تعريب الديوان. وبهذا تم توحيد فرنسا لغويا وإنهاء الهيمنة النخبوية للغة اللاتينية، والبلبلة الناجمة عن كثرة اللغات الجهوية (المناطقية). كما تمتاز فيللر- كوتري بأنها موطن ألكسندر دوما، أول كاتب فرنسي متعدد الأعراق (كانت جدته سوداء).


المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه بريطانيا فرنسا بريطانيا فرنسا اللغة العربية سياسة صحافة سياسة سياسة صحافة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

أوقاف الفيوم: ختام دورة اللغة العربية للأئمة بالمركز الثقافي

اختتمت فعاليات دورة اللغة العربية للأئمة بمقر المركز الثقافي بالفيوم اليوم الأربعاء، بتوجيهات من وزير الأوقاف الدكتور أسامة السيد الأزهري، وبحضور كل من: الدكتورمحمود الشيمي، مدير المديرية، والدكتور وليد الشيمي، وكيل كلية دار العلوم سابقا، ورئيس قسم النقد والأدب بكلية دار العلوم بالفيوم محاضرا،والشيخ يحى محمد، مدير الدعوة، وذلك في إطار الدور التنويري والتثقيفي الذي تقوم به وزارة الأوقاف المصرية.

 

وفي بداية اللقاء رحب فضيلة الدكتورمحمود الشيمي وكيل وزارة الأوقاف بالفيوم بالحضور جميعًا، مؤكدًا أنه حين تتوقف عن تطوير ذاتك يسبقك الزمن ويسبقك الآخرون، وتصبح في المؤخرة أو تزحزح عن المقدمة التي كنت فيها أو عليها، ولم يعد حاضرك كماضيك بل يصير عبئا عليه منتقصا منه،لأن الرصيد الذي تنفق منه حينئذ ينفد ولا ينمو، وقد قالوا: إن الحفاظ على القمة أصعب من الوصول إليها، بل إن الحفاظ على أي مكتسب حققته والبناء عليه أصعب بكثير من الوصول إليه في عالم متسارع في كل شيء ولا ينتظر الكسالى ولا المترددين ولا المتخاذلين.


وشدد على ضرورة مراعاة التيسير في مجال الدعوة، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «إِنَّما بُعِثْتُم مُيَسِّرينَ ولَمْ تُبْعَثوا مُعَسّريْنَ»، فبشروا ولا تنفروا، فعلينا أن نرغب الناس في الدين بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن نحببهم في المساجد من خلال إقامة المقارئ القرآنية والابتهالات الدينية والأنشطة الدعوية الأخرى، مؤكدًا على ضرورة إخلاص العمل لله (عز وجل)، وأهمية الصدق مع الله (عز وجل)، فما على المرء إلا أن يؤدي دوره، وأمر النتائج إلى الله وحده، حيث يقول سبحانه: «إِن علَيك إِلا البلاغ».

 

وأوضح أن الوزارة تهدف إلى أن تصل بالدعوة الوسطية إلى جميع ربوع مصر، حتى لا تبقى نقطة لا تصلها هذه الأنشطة فالأمانة تقتضي أن نصل لكل الناس، كما وجه بضرورة تنويع الأنشطة ونشرها على الصفحة الرسمية للمديرية،وصفحات المساجد "أئمة قادة فكر"؛ليتم الاستفادة منها حتى نملأ الفضاء الإلكتروني بما هو نافع.

 

من جانبه أكد الدكتور وليد الشيمي على ضرورة التمكن من اللغة العربية لأداء الرسالة الدعوية على الوجه الأكمل فإمام عالم ومخلص ومحبوب ومتمكن من اللغة لا يمكن لأي شخص آخر متطرف أو غير متخصص أن يعمل إلى جانبه،أو ينال من المنطقة التي يعمل بها، كما أكد أن المنبر لا يتحمل اللغة العامية على الإطلاق، ولو كان ذلك على سبيل التوضيح.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أوقاف الفيوم توزع 2 طن من اللحوم على الأسر الأولى بالرعاية 3908e9bf-2bdb-4049-8800-3f45c0425519 e538d18b-4c97-458f-98ac-33c11b7ce0a5

مقالات مشابهة

  • معرض الشارقة الدولي للكتاب.. مجمع اللغة العربية يحتفي بإنجازات "المعجم التاريخي"
  • في قصور الثقافة بالشرقية.. الاحتفال بأسبوع العلم والسلام والتوعية بسبل مواجهة التنمر
  • مجمع اللغة العربية بالشارقة يحتفي بإنجازات "المعجم التاريخي"
  • مختصون: «المعجم التاريخي» إنجاز يصون إرث لغة الضاد للأمة العربية
  • د. محمد سليم شوشة: استخدام الذكاء الاصطناعي في اللغة يُهدد الحضارة العربية
  • الثقافة العربية في مواجهة الذكاء الاصطناعي.. «فخ الحضارة»
  • أوقاف الفيوم: ختام دورة اللغة العربية للأئمة بالمركز الثقافي
  • أوقاف الفيوم تختتم فعاليات دورة اللغة العربية للأئمة
  • حاكم الشارقة يستقبل رؤساء المجامع اللغوية العربية
  • سلطان القاسمي يلتقي رؤساء المجامع اللغوية العربية