حوار مع سيناتور أمريكي.. السياسة كفن الممكن
تاريخ النشر: 23rd, December 2023 GMT
قبل أيام قليلة، تواصل معى مكتب السيناتور الأمريكى مايكل بينيت، وهو عضو مجلس الشيوخ عن ولاية كلورادو والمنتمى إلى الحزب الديمقراطى ويشارك فى لجنة التمويل والاستخبارات ومعروف عنه توجهاته الليبرالية، وذلك لترتيب لقاء معه لمناقشة الأوضاع فى غزة وتداعياتها على مصر. امتد اللقاء لمدة ٤٥ دقيقة، وشارك به أيضا متخصص فى القضايا الأمنية والسياسية من إسرائيل، هو الدكتور أرييل لفيتى، للحديث عن توجهات الرأى العام هناك والموقف العام من الحرب.
أدار السيد بينيت النقاش بتوجيه أسئلة متنوعة لى وللمشارك الآخر، وكان واضحا أنه يبحث عن إجابات على سؤالين محددين. السؤال الأول هو إذا كانت مصر على استعداد لتحمل مسئولية إدارة قطاع غزة أو مسئولية المشاركة فى إدارته بعد أن تضع الحرب أوزارها. السؤال الثانى هو ما إذا كانت أغلبية المجتمع الإسرائيلى ترفض أم تقبل الانفتاح، أيضا بعد انتهاء الحرب، على عملية تفاوضية بين حكومتهم وبين الجانب الفلسطينى على أساس حل الدولتين. كان واضحا أيضا أن السيناتور لا يبحث عن مواقف، بل عن معلومات وتحليل ومناقشة للممكن فعليا على أرض الصراع دون مبالغات كلامية أو أيديولوجية.
فى بداية حديثى سجلت ارتياحى بشأن ابتعاد النقاش داخل الكونجرس الأمريكى، بمجلسيه الشيوخ والنواب، عن الأفكار الجنونية المتعلقة بالتهجير القسرى للفلسطينيين من غزة باتجاه الأراضى المصرية والتى روج لها البعض بعد ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ فى تهديد صريح للسيادة الوطنية ولاعتبارات الأمن القومى لبلادنا ومسعى لتصفية القضية الفلسطينية يجرمه القانون الدولى وعديد قرارات الأمم المتحدة. أشرت أيضا إلى أن إدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن انتقلت فى مواقفها من إشارات ملغومة حول إمكانية التهجير القسرى تواترت فى الأيام الأولى للحرب إلى اعتماد للموقف المصرى الرافض للتهجير والمؤيد فلسطينيا وأردنيا وعربيا.
أما فيما خص السؤال عن إدارة غزة بعد الحرب، فأكدت للرجل على أن الأولوية الآن ينبغى أن تكون لوقف إطلاق النار وإنهاء الحرب حماية لأرواح المدنيات والمدنيين الفلسطينيين وللمنشآت العامة والخاصة فى قطاع غزة من الدمار، وتحجيما لمخاطر امتداد رقعة الحرب إقليميا إن باتجاه لبنان أو باتجاه المزيد من التصعيد من قبل الحوثيين فى البحر الأحمر وميليشيات إيران الأخرى فى العراق وسوريا. أكدت كذلك على أن الموقف المصرى من غزة له محددات واضحة وهى رفض الوجود الأمنى الإسرائيلى فى القطاع بعد وقف إطلاق النار، رفض دور طويل المدى لإسرائيل فى حكم وإدارة غزة، التمسك بعودة السلطة الفلسطينية الوطنية كجهة الحكم والإدارة الشرعية للشعب الفلسطينى إلى القطاع وربط العودة بصناعة توافق واسع بين كافة القوى والفصائل، الإصرار على الربط بين نقاشات «اليوم التالى فى غزة» وبين إقرار آلية دولية ملزمة لإدخال المساعدات الإنسانية ثم إطلاق جهود إعادة الإعمار والربط بينها وبين أفق سياسى يستند إلى تفاوض مدعوم إقليميا ودوليا بين إسرائيل وفلسطين على أساس حل الدولتين.
أما أمور كتحمل مسئولية إدارة القطاع إنسانيا وأمنيا وسياسيا أو المشاركة فيها أو قبول إدارة خارجية وبغض النظر عن الصيغ الإقليمية والدولية المتداولة، فتلك جميعا مرفوضة مصريا ولأسباب تتعلق بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى فى تحمل مسئوليات الحكم والأمن فى الأراضى المحتلة فى ٥ يونيو ١٩٦٧ ومن بينها غزة، وتتعلق أيضا باعتبارات الأمن القومى المصرى التى يهددها استمرار الحرب وتصاعد المأساة الإنسانية وغياب الاستقرار فى القطاع. كذلك ترفض مصر فصل المسارات بين الضفة الغربية وغزة الذى تمارسه إسرائيل ويستهدف تفريغ حل الدولتين من المضمون والقضاء على فرص تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية ومواصلة سياسات الفصل العنصرى والاستيطان والعدوان.
أظهر السيد بينيت تفهمه، وتحدث عن الضغوط الأمنية والاقتصادية المتراكمة التى تواجهها مصر، وعقب السيناتور بسؤال عن الموقف المصرى من حماس التى توافق الإدارة الأمريكية ويوافق الكونجرس بأغلبيته الساحقة من الحزبين الديمقراطى والجمهورى على الهدف الإسرائيلى المتمثل فى القضاء عليها واستبعادها التام من ترتيبات حكم وأمن وإدارة غزة.
بهدوء بالغ، فالرجل بسؤاله أدخلنى فى حقل ألغام أمريكى بامتياز، ذكرته أن مصر أدانت قتل وخطف وترويع السكان المدنيين الإسرائيليين فى ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ مثلما أتبعت ذلك بإدانة العنف المفرط للجيش الإسرائيلى تجاه الشعب الفلسطينى فى غزة ومن قبل المستوطنين المتطرفين فى الضفة الغربية والقدس. ذكرته أن الشكوك داخل إسرائيل كما فى الإقليم والعالم تتصاعد فيما خص واقعية هدف القضاء على حماس واستئصالها، خاصة فى ضوء ارتفاع معدلات تأييد المقاومة المسلحة فى عموم الأراضى المحتلة على وقع خرائط الدماء والدمار والنزوح داخل غزة التى ترتبها الحرب وعلى وقع تمكين الحكومة الإسرائيلية للمستوطنين المتطرفين من ممارسة العنف واقتطاع المزيد من الأراضى الفلسطينية فى الضفة والقدس. ذكرته، أخيرا، أن الواقعية السياسية تحتم افتراض بقاء حماس فاعلة فى المعادلة الوطنية الفلسطينية ومعها بقية الفصائل المسلحة، وتحتم أيضا البحث عن سبل فعالة لصناعة التوافق الوطنى بين مختلف القوى والفصائل الفلسطينية باتجاه تفضيل الحل التفاوضى والسلمى للصراع مع إسرائيل على أساس حل الدولتين وتحقيق الأمن وتخفيف المعاناة الإنسانية الرهيبة على الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى.
ثم ختمت بالإشارة إلى أن مصر تستطيع فى كافة هذه السياقات الاضطلاع بأدوار مركزية نظرا لعلاقاتها الجيدة مع القوى الفلسطينية ولكونها شريك سلام بالنسبة إلى إسرائيل ولها حلفاء فى الإقليم ينسقون معها بقوة كالأردن وتنفتح على التعاون مع من توترت علاقتها معهم خلال السنوات الماضية كقطر وتركيا.
عندها توقف دورى فى اللقاء باستثناء البقاء على شاشة «زووم» مع السيناتور بينيت والمشارك الإسرائيلى الذى وجهت له بقية الأسئلة وتلك ارتبطت بتفضيلات الرأى العام فى بلاده لمواصلة الصراع مع الجانب الفلسطينى فى مقابل الانفتاح على حل الدولتين. والحقيقة أن إفادة السيد لفيتى كانت موضوعية، حيث أكد على أن الأغلبية الساحقة داخل الدولة العبرية لا ترى راهنا فرصا لصناعة السلام مع الجانب الفلسطينى وذلك بسبب الصدمة النفسية الهائلة لما حدث فى ٧ أكتوبر ٢٠٢٣، ولاستمرار احتجاز الرهائن الإسرائيليين فى غزة، وكذلك بفعل تفريغ عملية السلام من المضمون طوال السنوات الماضية. تحدث أيضا عن أن ارتفاع أعداد الضحايا المدنيين بين الفلسطينيين والمشاهد المروعة للدماء والدمار فى غزة لا تؤثر على نحو واسع فى توجهات الرأى العام فى إسرائيل، وذلك لكونها إما توضع فى سياق الهدف المتوافق عليه فى صفوف الأغلبية وهو القضاء على حماس أو لأن التعامل معها يكون على نحو مسيس وموجه وغير صادق يحمّل حماس والفصائل المسلحة الأخرى مسئولية الضحايا المدنيين بادعاء استغلالهم كدروع بشرية.
ختم السيد لفيتى ملاحظاته بالتذكير على أن الأمل الوحيد فى تغير مواقف وتفضيلات الأغلبية فى إسرائيل سيرتبط بتغير محتمل فى الحكومة بعد انتهاء الحرب، تغير يمكّن قوى يمين الوسط من إدارة السلطة التنفيذية وربما الانفتاح تدريجيا على عملية تفاوضية مع الفلسطينيين وتهدئة أو هدنة واسعة مع حماس والفصائل وكذلك مع حزب الله فى لبنان.
(الشروق المصرية)
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة مصر حماس مصر امريكا حماس غزة مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة صحافة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة حل الدولتین على أن فى غزة
إقرأ أيضاً:
باحثة سياسية: إسرائيل تركز على المناطق تحت السيطرة المدنية الفلسطينية
قالت الدكتورة تمارا حداد، كاتبة وباحثة سياسية من رام الله، إن إسرائيل تستغل الأحداث والمتغيرات الإقليمية والدولية وأيضا المحلية في الداخل الفلسطيني، إذ أنها تضع أعينها على المناطق المصنفة تحت السيطرة المدنية للسلطة الفلسطينية، وتستهدف توسيع حالات الاستيطان في الضفة الغربية.
انتهاكات الاحتلال في حق الفلسطينيينوأضافت خلال حوارها عبر فضائية القاهرة الإخبارية، أن دولة الاحتلال الإسرائيلي يهدم منازل الفلسطينيين ويطردهم من أماكنهم، وأيضا التهجير القسري الصامت الذي يحدث كل يوم على أرض الواقع، وتحديدا في بيت لحم ومنطقة جنوب الخليل، علاوة على شمال الضفة الغربية، مشددة على أن تلك الانتهاكات والاعتداءات الإسرائيلية مخالفة للقانون الدولي واتفاقية جنيف الرابعة فضلا عن اتفاقية أوسلو.
إسرائيل لا تعترف بأي اتفاقية دوليةوأوضحت أن إسرائيل لا تعترف بأي اتفاقية دولية، ولا تريد تشكيل الدولة الفلسطينية بل تقليص الوجود الفلسطيني ومساحة أراضيه لتصبح فقط 9%، مشيرة إلى أن دولة الاحتلال تضغط على الفلسطينيين للنزوح من خلال انتهاكاتها وأفعالها واعتداءات.