حدود ملتهبة.. عضوية الناتو تشعل التوترات بين روسيا وفنلندا.. التصعيد الأمريكي يهدد بحرب شاملة في أوروبا.. وهلسنكي تتهم موسكو بالتسبب في أزمة مهاجرين على الحدود
تاريخ النشر: 23rd, December 2023 GMT
رد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على تصريحات الرئيس الأميركي جو بايدن، عن أن روسيا ستهاجم دولة من دول حلف شمال الأطلسي في حالة تحقيق النصر في أوكرانيا، ووصفها بأنها «محض هراء».
وأضاف «بوتين»، خلال مقابلة مع التليفزيون الرسمي، أن روسيا ليس لها مصلحة جيوسياسية ولا اقتصادية ولا سياسية في خوض قتال مع حلف الناتو، كما اتهم الرئيس الروسي نظيره الأمريكي بأنه يعمل على تبرير "سياسته الخاطئة" تجاه روسيا حسب تعبيره.
وقال الرئيس الروسي إن بلاده "ليس لديها سبب ولا مصلحة ولا مصلحة جيوسياسية، لا اقتصادية ولا سياسية ولا عسكرية، للقتال مع دول الناتو"، مضيفًا أن موسكو ليس لديها أي مطالبات إقليمية في دول الناتو.
واعتبر بوتين أن الغرب عمل على ضم فنلندا إلى الناتو. وأنه لم يكن ثمة مشكلات هناك، إلا أن هذه الخطوات ستؤدي إلى وجود خلافات بعد اتجاه روسيا إلى إنشاء منطقة لينينجراد العسكرية ونشر بعض من الوحدات العسكرية هناك.
توترات متبادلة
توترت علاقات فنلندا الودية مع جارتها الشرقية بعد العملية العسكرية الروسية أوكرانيا، وتوقعت فنلندا أن تستخدم موسكو المهاجرين كضغط سياسي، وبدأت في فبراير ٢٠٢٣ ببناء سياج بطول ٢٠٠ كيلومتر على طول حدودها مع روسيا. ولكن تم إنجاز ثلاثة كيلومترات فقط من السياج.
وتأتي تصريحات الرئيس الروسي بعدما أغلقت فنلندا مجددًا خلال الأيام الماضية، حدودها مع روسيا، متّهمة موسكو بالتسبب بأزمة مهاجرين عند حدودها. كما حذرت موسكو من اتخاذ إجراءات مضادة بعد انضمام فنلندا إلى حلف شمال الأطلسي في أبريل ٢٠٢٣ وانهاء هلسنكي سياسة عدم الانحياز العسكري التي انتهجتها منذ عقود.
ورغم أن الجيش الفنلندي صغير نسبة إلى عدد الجنود الذين هم حاليا في الخدمة، فإن فنلندا تمتلك نحو ٢٨٠ ألف عسكري احتياط، يمكن استدعاؤهم إلى الخدمة في أي وقت، وفقا لموقع War on The Rocks للتحليلات العسكرية. كما أن فنلندا تمتلك واحدًا من أقوى أسلحة المدفعية في أوروبا، بنحو ١٥٠٠ مدفع، وأسراب طائرات "إف-٣٦" الأميركية الحديثة التي اشترت فنلندا ٦٤ منها.
ويمثل قبول فنلندا في الناتو ضربة لبوتين، الذي يسعى منذ فترة طويلة لتقويض الحلف، ومطالبته بعدم التوسع باتجاه حدود روسيا. وبدلا من ذلك، دفعت العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، كل من فنلندا والسويد غير المنحازين إلى التخلي عن حيادهما، وطلب الحماية داخل حلف شمال الأطلسي، على الرغم من أن محاولة السويد للانضمام إلى التكتل توقفت، بسبب عضوي الحلف تركيا والمجر. وكانت روسيا قد قالت في أبريل الماضي، إنها ستزيد قواتها بالقرب من فنلندا، إذا أرسل الحلف أي قوات أو معدات إلى الدولة العضو الجديدة.
جبهات مشتعلة
جددت روسيا من تحذيراتها لحلف شمال الأطلسي "الناتو"، من التورط بشكل أعمق ومباشر في الحرب الأوكرانية، مؤكدة أن إقلاع طائرات "F-١٦" الأوكرانية من قواعد في الناتو يعتبر مشاركة للحلف في الصراع. وأكد رئيس الوفد الروسي في محادثات فيينا حول الأمن العسكري والحد من التسلح، كونستانتين جافريلوف، أن الولايات المتحدة وحلفاءها يواصلون افتعال تهديدات أمنية على الحدود الغربية لروسيا.
كانت دول كل من هولندا والدنمارك وافقت على تسليم مقاتلاتها من طراز "إف-١٦" لأوكرانيا وتخطط هولندا لإرسال أول المقاتلات الموعودة إلى كييف في عام ٢٠٢٤، ويبقى الأمر مرهونًا بالخطوة الفعلية، ومدى الرد الروسي.
من ناحية أخرى، يدرك حلف الناتو أن الأهداف الأميركية للمرحلة الحالية، قد تؤدي إلى دخول أوروبا في حرب شاملة ومباشرة مع روسيا؛ وبالتالي تلك التحركات تأتي لممارسة ضغوط على الجانب الروسي بدخول مقاتلات (إف ١٦) شديدة القوة وتعزيز المدى الهجومي الفعال على الأهداف الروسية.
وضمن هذا السياق، حصنت فنلندا نفسها بمجموعة من الإجراءات لردع روسيا منذ يونيو ٢٠٢٢، طوال ١٥ شهرًا، آخرها نزع ملكية أراض على الحدود مع موسكو، وذلك لتحصين نفسها ضد أي اعتداء محتمل، ولمنع تمدد الحرب الأوكرانية المندلعة منذ فبراير ٢٠٢٢ إلى أراضيها.
ووسط اتهامات روسية لها بأنها تمثل تهديدا للأمن العسكري الروسي بعد أن أصبحت في أبريل الماضي، ضمن دول حلف الناتو، تبنت هلسنكي خلال شهر سبتمبر ٢٠٢٣ أربعة قرارات متعاقبة، سبقها قرار خامس في أغسطس ٢٠٢٣، بشراء المنظومة الدفاعية "مقلاع داود" من إسرائيل بقيمة ٣٤٥ مليون دولار، يضاف لهم الإجراء السادس في ٣ يوليو ٢٠٢٣، بالبدء في تجديد خط السكة الحديدية "لوريلا - تورنيو - هابراندا"، الذي يربطها بالسويد لتسريع نقل قوات الناتو في حال حدوث صراع محتمل مع روسيا، وسبق ذلك جميعًا الإجراء السابع في يونيو ٢٠٢٢ بحظر استيراد الوقود من روسيا. بالإضافة إلى ذلك، وقعت فنلندا والولايات المتّحدة في ١٨ ديسمبر ٢٠٢٣ اتفاقًا لتعزيز التعاون العسكري بين البلدين، وذلك غداة التحذير الذي وجّهه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الدولة الاسكندنافية ردًّا على انضمامها إلى حلف شمال الأطلسي. ويضفي هذا الاتّفاق طابعًا رسميًا على العلاقات الوثيقة بين واشنطن وهلسنكي، أشاد به وزير الدفاع الفنلندي أنتي هاكانن باعتباره علامة قوية على التزام الولايات المتّحدة الدفاع عن فنلندا وشمال أوروبا بأسرها، وخلال مشاركته مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في واشنطن في حفل توقيع الاتفاق قال الوزير الفنلندي "لا نتوقع أن تتولى الولايات المتحدة الدفاع عن فنلندا، لكنّ هذا الاتّفاق يحسّن كثيرًا قدرتنا على العمل سويًا في كلّ المواقف".
من جانبه، قال وزير الخارجية الأمريكي إنّ فنلندا ًتعرف أكثر من أي أحد آخر ما هو على المحكّ بالنسبة لأوكرانيا، ويمكن إرجاع أسباب ذلك، إلى أن الحرب الأوكرانية والهجوم الروسي على أراضي كييف، دفع فنلندا مثل السويد إلى البحث عن مأمن عبر الانضمام إلى حلف الناتو، وهو ما تحقق على أرض الواقع، وحاليًا إن أرادت موسكو مهاجمة هلسنكي عليها أولًا محاربة كل دول حلف الناتو وهذا يعني اندلاع حرب عالمية ثالثة لا يقدر أي طرف على تحملها.
ومن الواضح أن روسيا تختبر حدود الاتحاد الأوروبي في فنلندا؛ حيث تحشد روسيا طالبي اللجوء والمهاجرين، وعادةً ما يكونون من الشرق الأوسط وشمال البلاد الدول الافريقية. ومثل مناورات بيلاروسيا على الحدود البولندية في عام ٢٠٢١، كما تتضمن الاستراتيجية الروسية احتمالية منح طالبي اللجوء والمهاجرين تأشيرة دخول إلى روسيا (وإلا فلن يتمكنوا من العبور وسيتم إبعادهم على الحدود). ثم تقوم روسيا بتسهيل وصول هؤلاء المهاجرين وطالبي اللجوء إلى المعابر الحدودية الخارجية للاتحاد الأوروبي. ويتطلب ذلك بعض وسائل النقل، وفي الحالة الفنلندية يتم استخدام الدراجات وإمدادات كافية للوصول إلى الحدود، ولكن ليس ما يكفي للعودة: روسيا تفعل ذلك لا تسمح لأحد بالعودة.
وتمثل هذه الاستراتيجية وسائل ضغط سياسية وإنسانية وأخلاقية - مع اقتراب طالبي اللجوء والمهاجرين من الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي عند المعبر الفنلندي، دون موارد كافية أو وثائق مناسبة أو مستقبل معين، وأنه في حال كانت روسيا تقصد أن يكون هذا التدفق من طالبي اللجوء عملية هجينة، فإن العملية قد حققت هدفها إلى حد كبير. وقد سببت ضائقة في فنلندا وأثارت انقسامات سياسية محلية.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: روسيا انضمام فنلندا إلى الناتو أزمة المهاجرين روسيا وفنلندا فلاديمير بوتين جو بايدن حلف شمال الأطلسی الرئیس الروسی طالبی اللجوء حلف الناتو على الحدود مع روسیا إلى حلف
إقرأ أيضاً:
موقع إيطالي: ليبيا قد تصبح مسرحا جديدا للنزاع بين روسيا والناتو
سلّط موقع "إنسايد أوفر" الإيطالي الضوء على الجسر الجوي الذي أقامته روسيا مع ليبيا خلال الأيام الماضية، معتبرا أن الضفة الجنوبية للبحر المتوسط قد تصبح مسرحا جديدا للتوتر والتجاذبات الجيوسياسية بين موسكو وحلف شمال الأطلسي ( الناتو).
وقال الكاتب جوزيبي غاليانو في التقرير إن المعلومات التي نشرها موقع "إيتاميل رادار" حول الجسر الجوي بين روسيا وليبيا خلال الأيام الأخيرة يكشف عن طموحات موسكو في البحر المتوسط ويشير إلى تحوّل في إستراتيجيتها الجيوسياسية.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2غارديان: لا تقيسوا مستقبل سوريا بخيبات الأمل من الثورات السابقةlist 2 of 2لوموند: نشوة النصر لم تلملم جراح 13 عاما من القمع في غوطة دمشقend of listووفقا لما كشفه الموقع المتخصص في رصد الرحلات الجوية، فإن طائرتين روسيتين من طراز "إليوشن 76 تي دي" تابعتين لوزارة الطوارئ الروسية تتناوبان في تأمين الجسر الجوي بين روسيا وقاعدة الخادم الجوية في برقة شرقي ليبيا.
لحظة تغيير إستراتيجيوحسب الكاتب، فإن هذا التحرك يأتي في لحظة تغيير إستراتيجي بالنسبة لموسكو، حيث بدأت بسحب قواتها من قاعدة حميميم الجوية في سوريا، وركزت اهتمامها مجددا على قواعدها في ليبيا.
وأشار الكاتب إلى أن اختيار برقة كوجهة لهذا الجسر الجوي ليس اختيارا عشوائيا، إذ إن الشرق الليبي الخاضع لسيطرة قوات الجنرال خليفة حفتر، يمثل منطقة نفوذ إستراتيجي لروسيا.
وأوضح أن موسكو عملت خلال السنوات الأخيرة على ترسيخ نفوذها في شمال أفريقيا، وهي منطقة مهمة للسيطرة على البحر المتوسط وتدفقات الهجرة نحو أوروبا، مضيفا أنه مع تراجع النفوذ الروسي في سوريا بسبب الأوضاع الحالية واستنزاف الموارد الروسية في الصراع خلال السنوات الماضية، تبرز برقة كبديل واعد.
إعلان
سيثير مخاوف الناتو
واعتبر الكاتب أن احتمال إنشاء موسكو قاعدة جوية وبحرية دائمة على سواحل ليبيا لا يثير مخاوف الدول الأوروبية المطلة على المتوسط فحسب، بل حلف الناتو أيضا، إذ إن وجودا روسيا مستقرا في ليبيا سيمثل تهديدا مباشرا للأمن البحري والجوي في المتوسط، ويعزز قدرة روسيا على إرسال قواتها العسكرية إلى شمال أفريقيا ومنطقة الساحل، حسب تعبيره.
ووفقا لما ذكره موقع "إيتاميل رادار"، فإن روسيا توظف ضمن جهودها الحالية أفرادا وقدرات عسكرية كانت مرتبطة سابقا بمجموعة فاغنر، والتي أعيد تنظيمها ضمن ما يُعرف بـ"الفيلق الروسي في أفريقيا".
فبعد مقتل يفغيني بريغوجين القائد السابق لقوات فاغنر، قررت موسكو إعادة هيكلة عملياتها شبه العسكرية في أفريقيا، مع الحفاظ على حضور كبير في ليبيا ومالي وجمهورية أفريقيا الوسطى.
وحسب الكاتب، فإن التشكيل العسكري الجديد قد يعمل في ليبيا كأداة لترسيخ السيطرة الروسية ويضمن حضورا إستراتيجيا في البحر الأبيض المتوسط والوصول إلى حقول الطاقة في المنطقة.
المعضلة التركية للناتووأوضح الكاتب أن من أبرز المفارقات ضمن هذه الجهود الروسية، أن الجسر الجوي بين روسيا وليبيا يتم بالتعاون مع تركيا، العضو الوحيد في حلف الناتو الذي لم يُغلق مجاله الجوي أمام الطائرات الروسية.
وأضاف أن تركيا، رغم عضويتها في حلف شمال الأطلسي، تبنت مرارا مواقف مستقلة، وتتعارض في أحيان كثيرة مع السياسة العامة للناتو، كما يتضح من خلال شرائها منظومة الدفاع الجوي الروسية "إس400".
وحسب رأيه، تلعب أنقرة دورا غامضا في ليبيا، حيث تدعم حكومة طرابلس ضد قوات حفتر، وتحافظ في الوقت ذاته على قنوات اتصال مفتوحة مع موسكو، وهذا الغموض يُعقّد مهمة حلف الناتو في الرد بطريقة متسقة على التحركات الروسية في المنطقة، ويزيد من مخاطر الانقسام داخل الحلف.
إعلان مزيد من التوتر في المتوسطواعتبر الكاتب أن الجسر الجوي بين روسيا وليبيا والانسحاب من قاعدة حميميم يمثل تغييرا في نهج موسكو الإستراتيجي، ويكشف أن موسكو تُعيد حاليا توزيع مواردها لتعزيز نفوذها في مناطق يوفر فيها الفراغ السياسي وعدم الاستقرار فرصًا إستراتيجية، ومنها ليبيا التي تعيش حالة من الانقسام والتوتر السياسي.
أما بالنسبة لأوروبا وحلف الناتو، فإن تعزيز روسيا حضورها في البحر المتوسط خطر لا يمكن تجاهله، ولا يتعلق فقط بالجانب العسكري، بل يتعدّاه إلى قضايا أخرى أبرزها تدفقات الهجرة وأسواق الطاقة والأنظمة السياسية في المنطقة.
ولفت الكاتب إلى أن العمليات الروسية في ليبيا تمثل إشارة أخرى إلى أن العالم يتجه نحو مزيد من التفتت والتعددية القطبية، حيث تُظهر روسيا رغم الصعوبات الاقتصادية والعسكرية الناتجة عن الحرب في أوكرانيا، قدرتها ورغبتها في تعزيز نفوذها خارج حدودها التقليدية.
وحسب رأيه، فإن ليبيا بسبب موقعها الإستراتيجي ووفرة موارد الطاقة لديها، من المنتظر أن تصبح بؤرة جديدة للتوترات الجيوسياسية.
ويتساءل الكاتب في الختام عن مدى قدرة حلف الناتو وأوروبا على تطوير إستراتيجية فعالة لمواجهة التوسع الروسي في ظل الانقسامات والموقف المتراخي تجاه موسكو التي تواصل تحريك قطعها على رقعة الشطرنج المتوسطية، مُظهرة أن الفرص في السياسة الدولية غالبا ما تنشأ في ظل الأزمات.