الكوادر الطبية في حقول الموت في غزة
تاريخ النشر: 23rd, December 2023 GMT
رعب واعتقال وتعذيب وقنص وتهديد وقتل بدم بارد، هذا ما تواجهه الكوادر الطبية، البلسم الشافي، المرابطة في الخطوط الخلفية في قطاع غزة من شماله إلى جنوبه.
بحت حناجر هذه الكوادر وهي تصرخ في الضمير العالمي لوقف استهداف المستشفيات وكوادرها التي لم تعد قادرة على تقديم أية خدمة للمصابين الذين في غالبيتهم مصابون بجروح خطرة يموتون وهم ينزفون أمام الكاميرات.
غالبية المستشفيات والعيادات والمرافق الصحية والطبية أخرجت من الخدمة بعد قصف الاحتلال لمبانيها، وتحويلها إلى ثكنات عسكرية يحتجز بداخلها عشرات من الكوادر الطبية والمرضى والنازحين.
مصير مجهول يواجهه أكثر من 110 من الكوادر الطبية في غزة الذين قام الاحتلال باختطافهم أثناء قيامهم بواجبهم الإنساني، عقابا لهم على صمودهم في أماكن عملهم، ورفضهم التخلي عن واجبهم المهني والوطني والإنساني.
فيما كتبت الشهادة لأكثر من 300 من العاملين في هذا القطاع، من طب وتمريض ومختبرات وأشعة وصيدلة وإسعاف وغيرها من الخدمات الطبية المساعدة.
لا يتوقف الاحتلال الفاشي الذي تمرد على جميع المواثيق والقوانين والعهود الأخلاقية التي عرفها الإنسان المعاصر، عن عمليات الخطف والتعذيب للأطباء والممرضين الفلسطينيين بشكل ممنهج، واستهداف سيارات الإسعاف، أمام أنظار العالم الذي يتموضع على بعد أمتار من الإبادة.
على رأس الكوادر المختطفة يبدو مدير مستشفى الشفاء الدكتور محمد أبو سلمية الذي اعتقله جيش الاحتلال لأنه رفض أن يتخلى عن مرضاه، وبقي صامدا في خندق الإنسانية يخدم مرضاه في الخطوط الخلفية، خطوط النار والرصاص والمدافع والدبابات.
فيما كانت إصابة الدكتور منير البرش المدير العام لوزارة الصحة في قطاع غزة بجروح مع جميع أفراد عائلته، واستشهاد ابنته الحافظة لكتاب الله في قصف إسرائيلي استهدف منزلا في جباليا، رسالة بأن العقل المريض الذي يدير هذه الحرب في تل أبيب مجرد من أية مشاعر أو أحاسيس وبأنه يعامل الفلسطينيين وكأنهم خارج العنصر البشري.
ورغم أنها تعمل في حقول الألغام، تهز هذه الكوادر ما في العالم من إنسانية وقيم لفتح الأبواب على مصراعيها لإنقاذ حياة 5 آلاف من جرحى العدوان على القطاع الذين يصنفون بأنهم حالات خطرة ومعقدة يجب إخراجهم للعلاج في الخارج لإنقاذ أرواحهم.
ومن بين 53 ألف جريح منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي لم يخرج للعلاج من قطاع غزة سوى 411 مواطنا فقط.
ورصدت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة ما يزيد عن 50 ألف سيدة حامل ونحو 900 ألف طفل يعانون من سوء التغذية.
أمام هذه المحرقة والجرائم المتواصلة تكتفي الجهات الدولية ذات العلاقة والصلة مثل منظمة الصحة العالمية والصليب الأحمر ومنظمة اليونسيف ووكالة "الأونروا" بموقف المتفرج العاجز الحيران والبارد الذي يكتفي بدور إحصاء الموتى والكوارث، وكأنها منظمات حفروا القبور، والبكاء على الأطلال.
الكوادر الطبية يعملون بلا أدوات، والمساعدات التي تدخل قطاع غزة شحيحة ولا تغني ولا تسمن من جوع، لا يتجاوز عددها 70 شاحنة يوميا، في الوقت الذي تتطلب فيه احتياجات السكان دخول ألف شاحنة يوميا وأكثر.
واضطر الأطباء أحيانا لإجراء عمليات جراحية دون تخدير لعدم توفره، وبعض المصابين مات من الصدمة وبعضهم مات وهو ينزف، ومن كتبت له النجاة لا يزال يعاني من أثار الإصابة والصدمة العصبية.
مشهد لا ينسى من الذاكرة قيام أحد الأطباء بإجراء عملية جراحية صعبة لأبنه دون تخدير، ولم يحتمل الابن صدمة الألم فصرخ صرخته الأخيرة تاركا والده يكافح دموعه وانهياره الأبوي.
كانت مشاهد هذه الكوادر وهم يتلقون أنباء وفاة عائلاتهم وهم على رأس عملهم مؤثرة، ومغرقة في التراجيديا والمأساة والعويل الذي هو إعلان رسمي عن موت الضمير والقيم.
وتعمد استهداف الكوادر الطبية يضع سكان قطاع غزة في دائرة الموت بالاستهداف المباشر أو القتل في ظل نقص الوقود والأطقم الطبية والإمداد، مما قد يدفعهم إلى المغادرة القسرية بحثا عن العلاج والمأوى.
مئات الآلاف من الجرحى والحوامل والأطفال والمرضى المزمنين، بلا خدمات صحية ويقضون أياما كاملة دون تناول الطعام، فيما تقترب غزة من المجاعة بسبب الحصار وإغلاق أهم معبر والمتنفس الوحيدة لغزة، معبر رفح الحدودي مع مصر.
حملة ممنهجة وشرسة، ضد مستشفيات القطاع، خاصة في المناطق الشمالية تتراوح بين الاستهداف الجوي، والمدفعي والمحاصرة والاقتحام والاعتقال والقصف، الأمر الذي هدد حياة آلاف المرضى والجرحى في مناطق عمل هذه المستشفيات.
خروج 25 مستشفى عن الخدمة من أصل 35، وخرج 53 عيادة صحية من أصل 72، ومن بقي يعمل لا تتوفر له أية أدوات مساعدة.
ويبرر الاحتلال استهدافه مستشفيات القطاع بأنها تضم مراكز لإدارة عمليات حركة حماس، على حد زعمهم، وهو الأمر الذي تنفيه دائما، وزارة الصحة في قطاع غزة وحركة حماس على حد سواء، ولم يقدم الاحتلال أي دليل على زعمه الذي انكشف أمام العالم وتهاوى.
الاحتلال حول المستشفيات إلى مقابر وإلى مراكز للمعاناة والموت والتحقيق بفعل الصمت العالمي ودفاع الولايات المتحدة الأمريكية عن جرائم الاحتلال، وبعد أن فجر الاحتلال المستشفى المعمداني وتسبب في مقتل أكثر من 500 فلسطيني ولم يعاقب، فقد اعتبر ذلك تصريحا بالقتل وتدميرا لكل معاني الحياة في غزة.
العالم بصمته وتخاذله وإنكاره للمعاناة الفلسطينية يسمح للاحتلال بارتكاب جميع الجرائم والموبقات والفظائع التي لم يعرف لها التاريخ مثيلا.
رغم كل ذلك تبقى الكوادر الطبية والصحية مرابطة في الخطوط الخلفية تحت أحزمة النار والبارود، وعلى صوت الدبابات والصواريخ ورصاص البنادق.
فتستحق أن تكون من بين أبرز وجوه عام 2023 إلى جانب الإعلاميين والصحفيين ورجال المقاومة وجيل "زد" من الشبان الذين يحركون الرأي العالم.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي عالم الفن كاريكاتير بورتريه بورتريه الكوادر الطبية غزة جرائم غزة جرائم الكوادر الطبية بورتريه بورتريه بورتريه بورتريه بورتريه بورتريه سياسة سياسة عالم الفن عالم الفن عالم الفن عالم الفن عالم الفن عالم الفن عالم الفن سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الکوادر الطبیة قطاع غزة فی غزة
إقرأ أيضاً:
هكذا أفشل صحفيو غزة خطط إسرائيل
لم يشهد أي مكان في العالم في أي مرحلة من مراحل التاريخ قتل عدد من الصحفيين والإعلاميين مثلما حدث في قطاع غزة خلال حرب الإبادة منذ ما بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
لقد قتل الاحتلال الإسرائيلي الصحفيين قصفًا ونسفًا وقنصًا، وهدم بيوتهم فوق رؤوسهم هم وعائلاتهم بوحشية لم يعرفها العالم من قبل. فارتقى 207 من الصحفيين والإعلاميين رجالًا ونساء وشبابًا وشيوخًا دون تمييز بمعدل ثلاثة أسبوعيًا، وهو أعلى بثلاث مرات من معدل قتل الصحفيين في كل دول العالم مجتمعة في أسوأ الأعوام التي شهدت استهداف الصحفيين خصوصًا في مناطق النزاعات، أو على خلفية استقصائهم في ملفات الجريمة المنظمة، أو الاتجار بالبشر، أو ملفات الفساد، وغير ذلك.
ولن يكون مفيدًا هنا أن نسأل الاحتلال عن سبب هذا الاستهداف المتعمد – في أغلب الأحيان إن لم يكن في جميعها- فقد نسج الاحتلال على الدوام روايات خيالية عن علاقة الصحفي الفلسطيني في غزة بقضيته الوطنية وبمعاناة شعبه، وكذلك بفصائل المقاومة.
ولفق الاحتلال التهم جزافًا لبعض من أثار قتلهم ردود فعل كبيرة نسبيًا، وحرك حالة من الاستنكار على المستوى العالمي، كما حدث بعدما اغتال الاحتلال الإسرائيلي الصحفي إسماعيل الغول، ذلك الشاب الواعد المتألق الذي نقل للعالم عبر قناة الجزيرة ومنصاتها أصعب مراحل العدوان على مدينة غزة وحصار واقتحام مستشفى الشفاء، وقد اعتقل من هناك لبضع ساعات، ثم أطلق سراحه لتنقض عليه صواريخ الغدر الإسرائيلية في يوم إخباري كبير كان يغطي فيه تداعيات اغتيال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، فارتقى الإسماعيلان شهيدين في نفس اليوم وبنفس الطريقة تقريبًا، الأول في طهران، والثاني في مدينة غزة.
إعلان إستراتيجية ممنهجة للتعامل مع الإعلاممنذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول منع الاحتلال دخول الصحفيين الأجانب إلى قطاع غزة، وكان ذلك لسببين:
الأول: رفع الحصانة عن الصحفيين في غزة، فوجود صحفيين أجانب أو أي موظفين دوليين، خصوصًا من الغربيين، كما في كل الحروب السابقة، يعني أن على الاحتلال تحري الدقة في توجيه القصف والتدمير. وهذه المرة أراد الاحتلال التخلص من ذلك العبء. والثاني: أن يكون الاحتلال بمأمن من ملاحقة الصحفيين الأجانب الذين سيوثقون -بغض النظر عن مواقفهم السياسية- ما تقع عليه عيونهم وكاميراتهم، وسينشرون القصص والحكايات عما يرتكبه الاحتلال من فظائع وجرائم.وهذه النقطة تحديدًا نجح الصحفيون الفلسطينيون في تعويضها، فانتشروا واستعدوا ونقلوا الصورة للعالم بأقصى ما يمكن من تفاصيلها وتحملوا أعباء ذلك. إجراءات متنوعة
أمام ذلك اتخذ الاحتلال سلسلة من الإجراءات على النحو التالي:
أولًا: إخلاء صحفيي الوكالات والمؤسسات الإعلامية الأجنبية، وهم أصحاب التجربة الطويلة والخبرة العالية، فضلًا عن ارتباطهم بالعالم الخارجي وراكموا قدرًا عاليًا من المهنية والمصداقية فيما يقدمونه من أخبار وصور. ومما يدفع للاستغراب أن ذلك حدث بطلب من تلك المؤسسات تحت عنوان حمايتهم، وتم إجلاء الغالبية العظمى منهم إما لمصر أو قطر أو دول أخرى. ثانيًا: تدمير المؤسسات الإعلامية الفلسطينية والمعدات من استوديوهات وكاميرات وعربات للنقل الخارجي أو الفضائي وغير ذلك. ثالثًا: الاغتيال المباشر لعدد كبير من الصحفيين العاملين في المؤسسات الإعلامية الفلسطينية وقناة الجزيرة بقصف بيوتهم أو قنصهم أثناء عملهم بالرصاص أو بالمسيرات. رابعًا: التشكيك في رواية الصحفيين ومهنيتهم واختراع الروايات الكاذبة لإضعاف مصداقيتهم مما يسهل استهدافهم بأي وقت وبأي نوع من الاستهداف. خامسًا: الاعتقال، وقد اعتقل الاحتلال بشكل متكرر الصحفيين والإعلاميين ونكّل بهم وبأسرهم، وفي بعض الحالات أحرق بيوتهم، كما حدث مع الصحفي القدير عماد الإفرنجي أبو مصعب الذي مازال يرزح خلف القضبان. سادسًا: الإصابات ومنع الخروج للعلاج، وهو ما يثبت نظرية التعمد في الاستهداف. فلو كان ذلك مجرد حدث عارض تسببت به ظروف المعركة وطبيعة المواجهة لكان الاحتلال حريصًا على تقديم العون والمساعدة مباشرة كما يفعل لجنوده الذين يتعرضون للإصابات في ميدان المعركة، أو على الأقل لكان سمح لهم بالحصول على الرعاية الطبية في أقرب نقطة ممكنة، أو السفر للخارج لتلقي العلاج إذا لم يتوفر ذلك في غزة التي دمر الاحتلال مؤسساتها الطبية وأصبحت عاجزة عن تقديم الخدمات الكثيرة التي احتاجها أهل غزة في ظروف الحرب الهمجية. سابعًا: التهديد عبر الاتصالات الهاتفية وعبر شاشات التلفزيون ضمن برامج القنوات الإسرائيلية، وهو الشكل الذي تكرر مع عشرات الصحفيين والمصورين، وكان هدفه التخويف والترهيب لوقف التغطية بأي شكل من الأشكال. إعلان كيف واجه الصحفيون الفلسطينيون كل ذلك؟لم يستسلم الصحفيون أمام هذا الاستهداف الواسع، بل واصلوا التغطية وجعلوا ذلك شعارهم، وأبدعوا في إيجاد البدائل والوسائل لتوصيل الصوت والصورة المباشرة ما أمكن أو المسجلة والثابتة أو المعلومة والخبر، ونجحوا في فضح ممارسات وجرائم الاحتلال في كل مناطق القطاع، واستندوا إلى خبرات توارثها الصحفيون عبر ثلاثة أجيال منذ الانتفاضة الفلسطينية الأولى المعروفة بانتفاضة الحجارة عام سبعة وثمانين.
كما استندوا إلى ما يحملونه من إيمان بدورهم وقوة تأثيرهم وقدرتهم على حماية شعبهم من خلال هذا العمل الصحفي والإعلامي، كما فعلوا في كل الحروب التي مرت على غزة خلال العقدين الأخيرين، وإلى استعدادهم الدائم لأداء الواجب والحفاظ على التغطية مستمرة وعدم السماح بسقوط الصورة.
نتائج مذهلةانضمت أجيال جديدة من الصحفيين للعمل، وحملوا راية زملائهم ولم يسمحوا بالتعتيم. وتناقل العالم في أطرافه الأربعة المعلومة والصورة الموثوقة، وإن كانت أحيانًا مصحوبة بمشاعر وتعليقات هؤلاء الصحفيين أو النشطاء الإعلاميين، وتحول معظمهم بسرعة البرق إلى نجوم نظرًا لوجودهم الدائم في دائرة الخطر، وتشابك علاقتهم بما حولهم، فبيوتهم مستهدفة كما كل أهل غزة، وعائلاتهم أيضًا قصفت أو نزحت كما كل غزة، ورآهم العالم يصرخون خوفًا أو يهربون فزعًا أو يرتجفون بردًا أو يتضورون جوعًا أو يتألمون من الجراح والإصابات، أو يودعون أحبابهم وأقاربهم الشهداء. ولم تعد قصتهم حدثًا شخصيًا بل جزءًا أساسيًا من مشهد شعب يتعرض كل ما فيه لعدوان همجي رهيب.
لاشك أن غزة استطاعت أن تحكي قصتها بكل جرأة ووضوح من خلالهم، وفشل الاحتلال فشلًا ذريعًا في كتم الحقيقة، وفشلت معه مؤسسات إعلامية دولية كانت تبدو عملاقة حتى رآها العالم متقزمة وفاشلة وربما متآمرة، فلا هي قاتلت من أجل الصحفيين في غزة ولا من أجل الدخول إلى غزة والمشاركة في تغطية حرب عظيمة ومدمرة جعلتنا نسميها "حرب الإبادة"، ولا قامت بواجبها في نقل الصورة الصحيحة أو الدفاع عن حق الصحفيين الفلسطينيين بأن يتمتعوا بما تنص عليه مواثيق العالم من حصانة وحرية .
إعلانأما صحفيو غزة فاستحقوا أن يحصدوا كل جوائز الشجاعة في كل المهرجانات أو المحافل العالمية، فقد ثبتوا وصمدوا وتحملوا وكابدوا والتصقوا بشعبهم وقضيته، ونقلوا كل صور المعاناة التي لم تغب آثارها عن تعبيرات وجوههم أو حدقات عيونهم أو نبرات أصواتهم أو على أجسامهم وممتلكاتهم.
الأجيال الثلاثةربما يكون ذلك نوعًا من التأريخ الشخصي لمهنة الصحافة في غزة، وليس تأريخًا علميًا دقيقًا، فالمهنة لم تبدأ عندما بدأت، بل سبقني وجيلي صحفيون على مدى سنوات طويلة، لكنني لاحظت أن جيلنا كان طبقة كاملة من الصحفيين في تخصصات مختلفة، وغالبيتهم واكبوا الانتفاضة الشعبية الفلسطينية الكبرى المعروفة بانتفاضة الحجارة التي انطلقت عام 1987.
ثم واكبوا ما تبعها من تطورات سياسية خصوصًا "عملية السلام" واتفاقيات أوسلو وإقامة السلطة بعد عودة ياسر عرفات ومنظمة التحرير. وقد نشأت علاقتي بالصحافة مع هذا الجيل الذي استهدفه الاحتلال أيضًا في حرب الإبادة، كما كان في استهداف الصحفي الكبير مصطفى الصواف فارتقى شهيدًا هو وعدد من أفراد أسرته.
أما الزميل الآخر الذي ينتمي لهذه المرحلة أيضًا فكان الزميل وائل الدحدوح، مدير مكتب الجزيرة الذي استهدف هو وعائلته وبيته وأصيب هو، بينما استشهد عدد من أفراد أسرته.
والصحفي القدير عماد الإفرنجي وهو من رموز صحفيي غزة أيضًا، فقد نكل به الاحتلال بعد اعتقاله، كما أحرق بيته وهجر أسرته إلى جنوب القطاع بطريقة شديدة الوطأة تدل على سادية ووحشية منقطعة النظير.
ولا أبالغ إن قلت إن معظم أبناء الجيلَين: الأول والثاني، هم الذين خرجوا من رحم انتفاضة الأقصى عام 2000، وعاشوا حروبًا متتالية منذ 2008، وهؤلاء من أمثال الصحفي القدير تامر المسحال ومؤمن الشرافي وهشام زقوت وغيرهم ممن يعملون بالمؤسسات الإعلامية المتنوعة، قد تمرسوا على تغطية الحروب منذ 2008 وحتى 2021. وتعرضوا أيضًا للاستهداف بالقتل أو الإصابة أو التهديد أو الاعتقال واستهداف أسرهم وبيوتهم.
أما الجيل الثالث، فهم ربما ظهروا بعد حرب 2021 أو قبلها، ولكنهم تميزوا وبرزوا بعدما حملوا الراية باقتدار خلال أصعب المعارك الفلسطينية على الإطلاق منذ انطلاق طوفان الأقصى نهاية العام 2023، وقدموا صورة مشرفة عن بطولتهم وشجاعتهم ومهنيتهم وانتمائهم الوطني وحمْل قضية شعبهم، وحق لنا أن نفخر ونحتفي بهم، وأن نترحم على 207 من الزملاء الشهداء، ونتمنى الشفاء التام للجرحى، والحرية للأسرى والمعتقلين منهم، وأن يعوض الله كل المتضررين خيرًا.
وليست حكاية الصحفيين في غزة سوى نموذج مصغر من كل شرائح الشعب الفلسطيني في غزة، فقد عركتهم التجارب وصقلتهم الحروب وألهمتهم تجارب الأجيال السابقة ورموزها، وأجبروا على تحمُّل أعباء ثقال، فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلًا.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline