تحاول روسيا استغلال عملية طوفان الأقصى التي شنتها حركات المقاومة الفلسطينية ضد الكيان الصهيوني في السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ لخلق رواية لصالح موسكو في العالم العربي، والتي روجت من خلالها لإهمال الولايات المتحدة الأمريكية للحقوق التاريخية المشروعة للشعب الفلسطيني، الأمر الذي عزز شرعية روسيا ووجودها في العالمين العربي والإسلامي.

 

وفي هذا السياق، فإن هذه العملية ألقت بظلالها على التحولات الكبيرة التي تمر بها العلاقات الروسية الصهيونية، ولاسيما أن جاءت بعد أسابيع قليلة من توقيع الطرفين لاتفاقية تعاون كبيرة في سبتمبر الفائت، وكان هذا الاتفاق، الذي قوبل باعتراض رسمي من الخارجية الأمريكية، تأكيدًا من تل أبيب على عدم تأثير الحرب الأوكرانية على جهودها الرامية إلى تعزيز علاقاتها مع موسكو، وسببًا لتجاهل الضغوط الأمريكية، الهادفة لعزل روسيا على المستوى الدولي. 

وما يعضد ذلك هو الموقف الإسرائيلي الرافض لتسليم واشنطن وحلفائها في الغرب أنظمة دفاع صاروخية لأوكرانيا، بل ورفض مساعدة كييف عسكريا حتى لا تتأثر علاقتها مع موسكو، ولكن، فإن ذلك كان بمثابة ورقة ضغط لدى تل أبيب كانت تلوح بها وقت الحاجة في مواجهة روسيا. 

 

نقطة تحول جديدة 

بعد ١٠ أيام من هجوم المقاومة الفلسطينية المفاجئ على مستوطنات قطاع غزة في ٧ أكتوبر٢٠٢٣، تحدث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هاتفيًا مع رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو وأعرب عن تعازيه في مقتل عدد من ضحايا الهجوم، لكنها خطوة جاءت متأخرة بعض الشيء من وجهة نظر تل أبيب بالمقارنة مع الدعم الكبير الذي تلقته تل أبيب من زعماء الدول الغربية الذين أعلنوا تضامنهم مع إسرائيل على الفور. 

وفي هذه المحادثة، أعلن بوتين استعداده للمشاركة في الحل السلمي لهذه الأزمة، في حين أعربت معظم الدول الغربية عن دعمها الكامل للهجوم على غزة، لكن بعد المكالمة، اتخذت روسيا خطوات أثارت غضب الكيان الصهيوني، بما في ذلك استخدام حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار في مجلس الأمن يدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة وإدانة حماس.

ومن ناحية أخرى، قدمت موسكو مشروع قرار بديل يطالب بوقف فوري ودائم للحرب في غزة، وقال مندوب روسيا في الأمم المتحدة في ذلك: "إننا سمعنا ادعاءات حول وجود قواعد لحماس في المستشفيات والمساجد، ولكن حتى الآن لم نر أي وثائق في هذا الصدد". 

وكان الإجراء الذي أثار غضب الكيان الصهيوني أكثر هو استضافة وزارة الخارجية الروسية لوفد من حركة حماس برئاسة أحد قادة الحركة موسى أبومرزوق، وهو ما أدانه الكيان. وفي هذا الصدد، اتهم مندوب الصهاينة في الأمم المتحدة جلعاد إردان، موسكو باستغلال هجوم حماس للتغطية على عملياتها المكثفة في أوكرانيا، وقال إن روسيا هي آخر دولة يمكنها تلقين إسرائيل درسًا أخلاقيًا. 

وعليه، طالب البعض في إسرائيل بتغيير السياسة تجاه موسكو وشددوا على ضرورة توحيد المواقف في الغرب بشأن تسليم الأسلحة إلى أوكرانيا، لكن إسرائيل تدرك جيدًا أن هذه الأسلحة المتقدمة من الممكن أن تقع في أيدى روسيا، والتي يمكن أن تتشاركها مع إيران التي يمكن أن تستغلها لتهديد الطائرات المقاتلة الصهيونية بشأن التحليق في الأجواء السورية.

بدء التوتر بين موسكو وتل أبيب

ظهر التوتر بين روسيا وإسرائيل مع بدء الحرب في أوكرانيا ومع تعميق العلاقات الإيرانية الروسية والتي اتضحت في تعزيز التعاون الوثيق فيما بينهما في مواجهة العقوبات التي فرضها الغرب وإرسال طائرات بدون طيار من طهران إلى روسيا. واتضحت هذه البوادر في عهد الحكومة الإسرائيلية السابقة، عندما قال وزير الخارجية آنذاك يائير لابيد في أبريل ٢٠٢٢ إن روسيا ارتكبت جرائم حرب في أوكرانيا.

وهو ما وصفت الخارجية الروسية في بيان مفصل حينها تلك التصريحات بأنها غير مقبولة، مؤكدة على أن إسرائيل تحاول صرف الانتباه عن الوضع في أوكرانيا إلى معاناة أكثر من ٢.٥ مليون فلسطيني في الضفة الغربية ومعاناة المواطنين في غزة. وفي الشهر التالي، دعت موسكو وفدًا من حماس برئاسة موسى أبو مرزوق، ثم استضافت رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية، ثم قامت وزارة العدل الروسية بتعليق أنشطة المنظمة اليهودية في القدس بموسكو، والتي تم تصفية أعمالها فيما بعد. 

استغلال موسكو للحرب في غزة

ومع بدء الحرب الأخيرة على غزة حققت موسكو إنجازات كان أبرزها صرف الانتباه عن الحرب في أوكرانيا وانخراط الولايات المتحدة الأمريكية في جبهة جديدة، ما أدى إلى تقليص إرسال الأسلحة إلى أوكرانيا. كما حاولت موسكو تسليط الضوء على زيف الادعاءات الغربية حول حقوق الإنسان والعدل العالمية وشرعية المؤسسات الدولية، فضلًا عن النزاهة والشفافية التي تتمتع بها القوى الغربية. وبالتوازي مع ذلك، تحاول روسيا إظهار حرب غزة كسبب لفشل السياسات الغربية في الشرق الأوسط، الأمر الذى يكشف عن ضرورة السعي نحو نظام عالمي جديد يتسم بالتعددية القطبية لإصلاح ما فشلت به الأحادية الأمريكية، وإظهار نفسها كوسيط وباحث عن السلام لإصلاح ما أفسدته الهيمنة الأمريكية على العالم، التي لديها الاستعداد الكامل لتعزيز شن الحروب لمساعدة حلفائها. 

وفي هذا السياق، شددت روسيا على أنها لا تعتبر حماس منظمة إرهابية، والشاهد على ذلك، أنها استضافت وفدا منها بعد عملية طوفان الأقصى، وبالتالي، يمكن القول إن روسيا تستخدم الحرب في غزة لتعزيز مكانتها الدولية واستغلال تداعياتها للتنديد بالجرائم الغربية في حق الإنسانية وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط. 

في النهاية، يمكن القول إنه تجمع روسيا والكيان الصهيوني علاقات جيدة؛ حيث كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أول رئيس روسي يزور الكيان المحتل في عام ٢٠٠٥ ثم في عام ٢٠١٢، وخلال العقود الثلاثة الماضية، كانت لروسيا والكيان الصهيوني مصالح مشتركة، وأعربتا عن قلقهما إزاء ما سمي بثورات "الربيع العربي". ولم تكن إسرائيل مستاءة من التدخل العسكري الروسي في سوريا عام ٢٠١٥، لأنها رأت فيه عقبة أمام توسع حزب الله اللبناني وقوات الحرس الثوري الإيراني في جنوب سوريا بالقرب من الجولان المحتلة.

وتطلبت هذه الاعتبارات تعزيز العلاقات العسكرية والدبلوماسية بين إسرائيل وروسيا من أجل منع نشوء صراع فيما بينهما في سوريا والتنسيق بشأن الهجمات على أهداف سورية وإيرانية في سوريا، وأيضًا كانت تل أبيب تأمل من علاقاتها المتقدمة مع روسيا في أن تقف هذه الأخيرة كحجر عثرة أمام التوسع الإيراني في سوريا. وبالتالي، يمكن القول أن التوتر سيكون العنوان الذى سيخيم على العلاقات بين موسكو وتل أبيب خلال الفترة القادمة، ولكن ستجبر المصالح المشتركة كلا الطرفين على خفض حدة التصعيد والحفاظ على الحد الأدنى من التنسيق. 

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: طوفان الأقصى روسيا الحرب في غزة الکیان الصهیونی فی أوکرانیا فی سوریا تل أبیب فی هذا فی غزة

إقرأ أيضاً:

بكين تؤكد مسارات الدبلوماسية الصينية وترفع شعار "مجتمع المستقبل المشترك للبشرية"

 

 

◄ وزير الخارجية: الدبلوماسية الصينية ستظل قوة فاعلة في الحفاظ على السلام والاستقرار العالمي

الصين تهدف لتحويل الأرض إلى "قرية كونية" يشارك الجميع فيها

◄ التعريفات الجمركية الأمريكية على الصين "لا تليق بدولة مسؤولة"

◄ لا بُد للصين والولايات المتحدة من التعايش السلمي

◄ الدبلوماسية الصينية أصيلة وملتزمة بالطريق الصحيح

◄ العلاقات الصينية الروسية ناضجة ولا تتأثر بالاضطرابات

◄ لا يجوز للجانب الأمريكي رد الجميل بالإساءة

◄ الصين سترد بكل تأكيد إذا أصرت الولايات المتحدة على فرض الضغوط

◄ قطاع غزة ملك للفلسطينيين.. وما غير ذلك لن يحقق السلام

 

 

بكين- فيصل السعدي

 

عقد معالي وانغ يي وزير الخارجية الصينية مؤتمرًا صحفيًا على هامش الدورة الثالثة للمجلس الوطني الـ14 لنواب الشعب الصيني؛ حيث استعرض وانغ يي وزير الخارجية وعضو المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الصيني، أبرز ملامح السياسة الخارجية للصين والمبادرات الدبلوماسية التي تبنتها البلاد خلال العام الماضي، وتسليط الضوء على رؤية الصين للمستقبل على المستويين الإقليمي والدولي.


 

وقال وزير الخارجية الصيني إن عام 2024 كان عامًا مليئًا بالتغيرات العميقة في المعادلة الدولية؛ حيث سجلت الصين تقدمًا كبيرًا في مجالي الإصلاح والتنمية تحت قيادة الرئيس شي جين بينغ. وأوضح أن الدبلوماسية الصينية لعبت دورًا محوريًا في تعزيز بيئة خارجية داعمة للتنمية عالية الجودة، مع تقديم مساهمة ثمينة في تحقيق الاستقرار لعالم يعاني من الاضطرابات والتحديات المتشابكة. وأشار إلى أن الصين واصلت البناء بخطى ثابتة نحو تحقيق رؤية "مجتمع المستقبل المشترك للبشرية"، رغم الظروف الدولية الصعبة. 

أهداف دبلوماسية

وتابع وانغ يي أنه بالرغم من التحديات، فإن الصين ملتزمة بتحقيق أهدافها الدبلوماسية الأساسية، والعمل مع الدول الأخرى على اتباع طريق ينسجم مع تيار العصر ويدعم العدالة والإنصاف الدوليين، مع الحفاظ على السلام والاستقرار. وأشاد وزير الخارجية بدور الرئيس شي جين بينغ في قيادة الدبلوماسية الصينية؛ حيث شهدت الدبلوماسية الصينية العديد من اللحظات البارزة، ومن بين هذه اللحظات إحياء الذكرى السنوية السبعين لإصدار المبادئ الخمسة للتعايش السلمي، واستضافة قمة بكين لمنتدى التعاون الصيني-الإفريقي، وكذلك منتدى التعاون الصيني-العربي.

وذكر وانغ يي أن الرئيس شي جين بينغ استقبل عددًا كبيرًا من الشخصيات السياسية الدولية؛ حيث أجرى أكثر من 130 لقاءً ومحادثة على أعلى المستويات، وأن هذه اللقاءات عززت العلاقات الثنائية مع العديد من الدول، وسطّرت صفحات جديدة من الصداقة بين الصين وشعوب العالم. 

ومضى قائلًا إن الرئيس شي جين بينغ قاد الدبلوماسية الصينية بخطوات متزنة، تعتمد على الابتكار والرؤية العالمية والمسؤولية تجاه العصر. وأكد أن هذا الأسلوب أثَّر إيجابيًا على العلاقات بين الصين والعالم؛ حيث زادت الدول التي تدعم المبادرات الصينية مثل "الحزام والطريق" والمفاهيم التي طرحها الرئيس شي.

وأوضح وزير الخارجية الصيني أن عام 2025 سيكون عامًا مفصليًا بالنسبة للصين والعالم؛ حيث ستشهد الدبلوماسية الصينية المزيد من اللحظات البارزة الجديدة، وبالتالي ستواصل الصين استضافة فعاليات دبلوماسية كبرى مثل قمة منظمة شانغهاي للتعاون، مع الاحتفال بالذكرى الـ80 لانتصار الشعب الصيني في حرب مقاومة العدوان الياباني والحرب العالمية ضد الفاشية. وتوقع وزير الخارجية أن يقوم الرئيس شي جين بينغ بجولات دبلوماسية مهمة إلى الخارج؛ مما سيعزز التعاون الدولي ويدعم العمل المشترك مع دول العالم. 

العلاقات الصينية الروسية

وقال وانغ يي، إن العلاقات الصينية الروسية، علاقات نموذجية من حيث الاستقرار والتعاون، لافتًا إلى نجاح الصين وروسيا في تطوير شراكة استراتيجية شاملة تقوم على مبادئ عدم التحالف وعدم المواجهة وعدم استهداف طرف ثالث.

وأضاف أن العام الماضي صادف الذكرى السنوية الـ75 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين وروسيا؛ حيث التقى الرئيس شي جينبينغ بنظيره الروسي فلاديمير بوتين 3 مرات؛ مما عزز التعاون بين البلدين. وأكد وانغ أن العام الجاري سيشهد المزيد من التعاون بين الصين وروسيا، خاصة في ظل إحياء الذكرى الـ80 لانتصار الحرب العالمية ضد الفاشية.

وعلى الصعيد العالمي، أشار وانغ يي إلى أن العالم يمر بفترة من التحولات والاضطرابات المتشابكة؛ حيث أصبحت عوامل اليقين نادرة، مؤكدًا أن الصين ستقف بثبات إلى جانب العدالة والتاريخ، وستواصل المساهمة في تحقيق الاستقرار العالمي من خلال سياساتها الدبلوماسية.

وذكر وانغ يي أن الصين تتمتع بتقاليد عريقة في تقوية الذات، ولن تخشى التحديات أو الضغوط القصوى. وأوضح أن الشعب الصيني، البالغ تعداده 1.4 مليار نسمة، سيواصل السير بخطى ثابتة نحو تحقيق النهضة العظيمة للأمة الصينية، كما إن الدبلوماسية الصينية ستظل قوة فاعلة في الحفاظ على السلام والاستقرار العالمي، والعمل على توسيع علاقات الشراكة الدولية المبنية على المساواة والانفتاح. ومواصله دعم تطوير النظام الدولي نحو مزيد من العدالة والإنصاف، مع تعزيز التعاون مع دول الجنوب العالمي. 

المستقبل المشترك

وأكد وزير الخارجية الصيني وانغ يي أن الرئيس الصيني شي جينبينغ، انطلاقًا من فهمه للزخم العام للتاريخ ورؤيته لتطور العصر، قد طرح مفهوم بناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية. وأوضح أن هذا المفهوم يدعو دول العالم إلى تجاوز الخلافات والعمل معًا لحماية كوكب الأرض، الذي يعد الموطن الوحيد القابل للحياة للبشرية، كما يهدف إلى بناء "قرية كونية" يشارك الجميع فيها مستقبلًا مشتركًا.

وأشار وانغ يي إلى أن عددًا متزايدًا من الدول باتت تدعم مفهوم "بناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية"؛ حيث شاركت أكثر من 100 دولة في "المبادرات العالمية الثلاث"، وانضمت أكثر من ثلاثة أرباع دول العالم إلى مبادرة "الحزام والطريق". وأكد أن التاريخ سيظهر أن الفائز الحقيقي هو من يضع مصالح الجميع في عين الاعتبار. كما شدد على أن التوجه نحو بناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية سيجعل العالم مكانًا أكثر عدالة وشمولًا لكل الدول، وسيضمن مستقبلًا مشتركًا لكل الشعوب.

أما فيما يخص الأزمات الدولية، فقد أشار وانغ يي إلى أن الصين دعت منذ بداية الأزمة الأوكرانية إلى الحوار والتفاوض كسبيل للوصول إلى حل سياسي، وهذا ما يؤكد على التزام الصين بموقف موضوعي وعادل، وتسعى من خلال صوتها الهادئ إلى تهيئة الظروف الملائمة لتسوية الأزمة والتوصل إلى توافقات بين الأطراف المعنية. وقال إن الصين تدعم جميع الجهود الرامية لتحقيق السلام، لكنها أشارت إلى تعقيد وجذور الأزمة التي لا يمكن حلها بين ليلة وضحاها. ومع ذلك، أكد وانغ أن المفاوضات هي نقطة النهاية للصراع ونقطة البداية للسلام، ودعا كافة الأطراف إلى التوصل إلى اتفاق عادل ودائم ومقبول من جميع الأطراف. كما أبدى استعداد الصين لمواصلة لعب دور بناء بالتعاون مع المجتمع الدولي لضمان تسوية الأزمة بشكل كامل وتحقيق السلام الدائم.

وأشار وانغ يي إلى أن الأزمة الأوكرانية، التي امتدت لأكثر من ثلاث سنوات، كان يمكن تجنبها، ومن الضرورة أن تأخذ الأطراف المعنية الدروس من هذه الأزمة، مشددًا على أن الأمن لا يمكن أن يكون أحادي الجانب أو قائمًا على حساب أمن الآخرين. ودعا إلى تبني مفهوم أمن مشترك ومتوازن ومستدام كسبيل لتحقيق السلام في منطقة أوراسيا والعالم.

مكافحة المخدرات

وفي سياق مكافحة المخدرات، أكد وانغ يي أن الصين تتخذ أكثر السياسات صرامة ودقة في العالم لمكافحة المخدرات، مشيرًا إلى أن الصين فرضت منذ عام 2019 قيودًا صارمة على جميع المواد المتعلقة بالفنتانيل؛ بناءً على طلب الولايات المتحدة. ومع ذلك، أوضح أن مشكلة إساءة استخدام الفنتانيل في الولايات المتحدة هي مسألة يجب أن تعالجها واشنطن بنفسها. وأضاف أن الصين قدمت مساعدات إنسانية مختلفة للولايات المتحدة في هذا السياق، إلّا أنه انتقد فرض الولايات المتحدة تعريفات جمركية إضافية غير مبررة على الصين، مشددًا على أن هذه التصرفات لا تليق بدولة مسؤولة.

وفي إشارة إلى العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الصين والولايات المتحدة، تساءل وانغ يي عن جدوى السياسات الأمريكية في هذا الشأن. قائلًا: "إن لم تنفع جهودكم، ابحثوا عن السبب في أنفسكم". وأكد أن العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين قائمة على مبدأ التكافؤ والمنفعة المتبادلة، وأن التعاون هو السبيل لتحقيق المكاسب المشتركة، ولاكن سترد الصين بحزم إذا لزم الأمر.

وأكد وانغ يي على التزام الصين بمفهوم "مجتمع المستقبل المشترك للبشرية"، الذي طرحه الرئيس شي جين بينغ؛ وهذا ما يعكس القيم الثقافية الصينية ويضع رفاهية البشرية فوق كل الاعتبارات. وأوضح أن هذه الرؤية حظيت بدعم عالمي واسع؛ حيث انضمت العديد من الدول إلى مبادرات مثل "الحزام والطريق". وأوضح أن التاريخ سيثبت أن التعاون لتحقيق مصلحة الجميع هو السبيل لتحقيق مستقبل مشترك للبشرية، مشيرًا إلى أن الصين من خلال رؤيتها الدبلوماسية والتنموية، تسعى إلى صنع عالم أكثر عدالة واستدامة؛ حيث يكون المستقبل ملكًا لجميع شعوب الأرض.

وبيَّن وانغ يي أهمية الدور الذي تؤديه منظمة شانغهاي للتعاون في تعزيز التعاون الإقليمي والدولي؛ إذ إن هذا العام يحمل دلالة خاصة للصين، كونها الرئيس الدوري للمنظمة، مما يمنحها فرصة لدفع عجلة التعاون بين الدول الأعضاء. وشدد وانغ يي على أن الصين تعمل بجدية من أجل تنفيذ أكثر من 100 فعالية متنوعة في مجالات السياسة، والأمن، والاقتصاد، والتبادل الثقافي والشعبي، مؤكدًا أن العمل يتم تحت عنوان "تكريس روح شانغهاي". وأعلن وزير الخارجية الصيني عن استضافة الصين لقمة المنظمة هذا العام في مدينة تيانجين؛ حيث سيُناقش خلالها قادة المنظمة سبل تعزيز التعاون والتنمية المشتركة؛ مما يعكس التزام الصين بإعلاء روح شانغهاي ودفع المنظمة نحو مستقبل أكثر إشراقًا.

القضية الفلسطينية

وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، أكد وانغ يي أن قطاع غزة هو جزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية، مشيرًا إلى أن أي محاولات لتغيير وضع غزة قسرًا لن تسهم في تحقيق السلم؛ بل ستؤدي إلى اضطرابات جديدة. ودعا إلى ضرورة وقف إطلاق النار الشامل والدائم في غزة، وتعزيز المساعدات الإنسانية، ودعم إعادة الإعمار من خلال الخطط  التي أطلقتها الدول العربية مثل مصر. وأكد أن "حل الدولتين" هو السبيل الوحيد لتحقيق سلام دائم بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وطالب وانغ يي المجتمع الدولي إلى تكثيف جهوده لدعم إقامة دولة فلسطين المستقلة. موضحًا أن تأسيس دولة إسرائيل قد تم بالفعل منذ عقود، بينما ما زالت الدولة الفلسطينية هدفًا بعيد المنال، وهو ما يشكل لبّ الأزمة في الشرق الأوسط.

وشدد وانغ يي على أهمية تحقيق الوحدة بين الفصائل الفلسطينية، داعيًا لتنفيذ "إعلان بيجينغ" كخطوة مُهمة لتعزيز التضامن الفلسطيني. كما دعا الأطراف المعنية في الشرق الأوسط إلى تجاوز الخلافات ودعم الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة، مؤكدا على أن الصين، شريك استراتيجي لدول الشرق الأوسط وصديق مخلص للدول العربية، ستواصل الوقوف بجانب شعوب المنطقة لتحقيق العدالة والسلم والتنمية. وأعرب والنغ يي عن أمله في أن يتحقق السلم والنهضة في الشرق الأوسط في أقرب وقت ممكن، بما ينعكس إيجابًا على مستقبل شعوب المنطقة.

الصين وأفريقيا

وقال وانغ يي ووزير الخارجية الصيني إن العلاقات بين الصين وإفريقيا لطالما كانت نموذجًا للصداقة العميقة والشراكة الاستراتيجية؛ حيث دخلت هذه العلاقات أفضل مراحلها التاريخية تحت القيادة المشتركة للرئيس الصيني شي جين بينغ وقادة الدول الإفريقية. ووصف وانغ يي الصين وإفريقيا بأنهما "أخوين شقيقين" يعملان معًا لتحقيق مستقبل مشترك يستند إلى الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.

وأوضح وانغ يي أن الصين أقامت شراكات استراتيجية مع كل الدول الإفريقية التي تربطها بها علاقات دبلوماسية، وتم تعزيز مفهوم "مجتمع المستقبل المشترك" ليشمل كافة المجالات. وأضاف أن هذا العام يصادف الذكرى الخامسة والعشرين لتأسيس منتدى التعاون الصيني الإفريقي، الذي كان له دور محوري في تطوير العلاقات بين الجانبين.

وشدد وانغ يي على أن تايوان تعد جزءًا لا يتجزأ من الأراضي الصينية، وهو ما تؤكده الحقائق التاريخية والقانونية. وأشار إلى أن هذا العام يصادف الذكرى السنوية الـ80 لاستعادة الصين سيادتها على تايوان بعد انتصارها في حرب المقاومة ضد العدوان الياباني. واستشهد وانغ يي بإعلانات تاريخية مثل "إعلان القاهرة" و"إعلان بوتسدام"، اللذين نصا بوضوح على إعادة تايوان إلى الصين، وأكد أن استسلام اليابان دون شروط كان بمثابة اعتراف صريح بهذه الحقيقة.

كما أشار وانغ يي إلى القرار رقم 2758 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1971، الذي أكد الاعتراف بجمهورية الصين الشعبية كممثل شرعي وحيد للصين في الأمم المتحدة، وطرد ممثلي سلطات تايوان. وأكد أن أي محاولات للترويج لـ"استقلال تايوان" أو خلق نموذج "صين واحدة وتايوان واحدة" تتعارض مع النظام الدولي ما بعد الحرب العالمية الثانية، وتشكل تهديدًا لاستقرار مضيق تايوان.

وحذر وانغ يي من أن "استقلال تايوان" يعني تقسيم الصين والتدخل في شؤونها الداخلية، مؤكدًا أن مثل هذه المحاولات لن تؤدي سوى إلى زعزعة الاستقرار. وقال: "من يروج لاستقلال تايوان يلعب بالنار، وسينتهي به الأمر بحرق نفسه".

وفي سياق آخر، أكد وانغ يي أن العلاقات الصينية الأوروبية قطعت شوطًا كبيرًا خلال الخمسين عامًا الماضية؛ حيث ارتفعت قيمة التبادل التجاري بين الجانبين من 2.4 مليار دولار إلى 780 مليار دولار، بينما تجاوز حجم الاستثمارات المتبادلة 260 مليار دولار. كما أصبحت السكك الحديدية التي تربط الصين بأوروبا "ممرًا ذهبيًا" يعزز التجارة بين القارتين. وأشار إلى تصريحات الرئيس الصيني شي جين بينغ، الذي أكد في مكالمة هاتفية مع رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا، أن العلاقات الصينية الأوروبية يجب أن تستمر على أساس الاحترام المتبادل والتعاون الاستراتيجي، مشددًا على أن الصين ترى أوروبا شريكًا موثوقًا به.

وفيما يخص العلاقات مع اليابان، أشار وانغ يي إلى أن العام الحالي يصادف الذكرى السنوية الـ80 لانتصار الشعب الصيني في حرب المقاومة ضد العدوان الياباني، وهي مناسبة للتأكيد على أهمية مواجهة التاريخ بشفافية. وأكد أن النزعة العسكرية اليابانية خلال الحرب العالمية الثانية ألحقت كوارث بالشعبين الصيني والياباني، مشددًا على ضرورة منع إحياء هذه النزعة بأي شكل من الأشكال.

وفي الوقت نفسه، رحب وانغ يي بالجهود المشتركة لتعزيز العلاقات الصينية اليابانية، مشيرًا إلى أن التعاون القائم على المنفعة المتبادلة يمكن أن يسهم في تحسين العلاقات الثنائية وخلق مستقبل مشترك يستند إلى حسن الجوار.

وحذر وانغ يي من أن أي محاولة لاستخدام تايوان كوسيلة لاستفزاز الصين ستعود بالضرر على اليابان نفسها، مشددًا على أن الصين ستدافع بحزم عن سيادتها ووحدة أراضيها.

وتحدث وانغ يي عن موضوع الفلبين في بحر الصين الجنوبي قائلا: "سيواصل الجانب الصيني الحفاظ على سيادته الإقليمية وحقوقه ومصالحه البحرية وفقًا للقانون، وسيظهر أيضًا روحه الإنسانية وفقًا للاحتياجات الواقعية عند إدارة شعاب رنآي جياو وجزيرة هوانغيان داو. من الضروري توضيح أن الانتهاكات والاستفزازات لن تمر بدون عواقب، ومن يقدم نفسه كقطعة شطرنج سيتم التخلص منه في النهاية".

وأكد وانغ يي أن التعاون بين الصين وأمريكا اللاتينية يُعتبر نموذجًا للتعاون بين دول الجنوب ويتميز بالدعم المتبادل بعيداً عن المصالح السياسية؛ حيث تلتزم الصين بمبادئ المساواة والمنفعة المتبادلة، ولا تسعى للنفوذ أو استهداف أي طرف. وأشار إلى أن شعوب أمريكا اللاتينية تبني ديارها وتطمح للاستقلال وليس الاستعمار الجديد.

وتابع أن التعاون مع الصين يحظى بالترحيب في دول أمريكا اللاتينية، حيث يلبي احتياجاتها ويقدم آفاقًا واعدة للنمو، مشيرا إلى أن الجانبين حققا نتائج مثمرة في إطار بناء مجتمع المستقبل المشترك، مستفيدين من آلية منتدى الصين ومجموعة دول أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي. وأوضح أنه في هذا العام، يحتفل الجانبان بالذكرى العاشرة لتأسيس المنتدى، حيث سيُعقد الاجتماع الوزاري الرابع في الصين.

وعبَّر وانغ يي عن موقف الصين الثابت في الحفاظ على سيادتها وحقوقها البحرية، مشيداً بالجهود المشتركة مع دول مجموعة "آسيان" لتعزيز السلام في بحر الصين الجنوبي. وأكد أن الحوار والتعاون هما السبيل لحل أي قضايا عالقة، مشيرًا إلى أهمية وضع قواعد سلوك واضحة في المنطقة.

مقالات مشابهة

  • مسؤول عسكري سابق: إذا تجددت الحرب لن تُهزم حماس و”إسرائيل” ستفقد شرعيتها الدولية 
  • مقررة أممية: سلوك إسرائيل بالضفة الغربية مخزٍ والموقف العربي صادم
  • الحشد العربي والإسلامي لدعم القضية الفلسطينية
  • بكين تؤكد مسارات الدبلوماسية الصينية وترفع شعار "مجتمع المستقبل المشترك للبشرية"
  • القوات الروسية تسترد 3 قرى من أوكرانيا في منطقة كورسك
  • الخارجية الأمريكية تؤكد حرص ترامب على إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية في أقرب وقت
  • هجوم إسرائيلي على وكالة USAID الأمريكية بزعم تعاطفها مع حماس
  • أوكرانيا تدرس الانسحاب من كورسك الروسية
  • إسرائيل طالبت الإدارة الأمريكية بعدم إجراء مناقشات مباشرة مع حماس
  • وزارة الخارجية الروسية: موسكو تشعر بالقلق من التدهور الحاد للأوضاع في سوريا