الدكتور بنطلحة يكتب: الجزائر.. حصى الاستعمار في حذاء دول الجوار
تاريخ النشر: 23rd, December 2023 GMT
بقلم الدكتور محمد بنطلحة الدكالي الفكر الكولونيالي الفرنسي كان يخطط قبل استعماره للمنطقة إلى خلق كيان وظيفي ذيلي واعتباره أرضا فرنسية من أقاليم ما وراء البحار من أجل تأمين مصالحه الاستراتيجية في المنطقة، لذا فقد تعمدت فرنسا، منذ 1870، أي بعد أربعين عاما من بدء الاستعمار الفرنسي في الإيالة الجزائرية التي كانت خاضعة للسلطة العثمانية، بتر أجزاء من دول الجوار لتوسيع أراضي الجزائر الفرنسية.
لقد قام الفرنسيون بتسطير الحدود بين المغرب ومقاطعة الجزائر الفرنسية على مقاسهم وبشكل أحادي، ففي مارس 1870، استولى الجنرال الفرنسي دو وينفين، قائد ولاية وهران، على عين الشعير قرب فجيج، ومنطقة واد غير بنواحي بجاية، وهي مناطق كانت مغربية لأن نائب السلطان في فجيج كان قائدا مسؤولا عن تمثيل السلطة المركزية في واحات توات، وفي 5 غشت 1890، وبموجب اتفاقية سيرة، حددت فرنسا وبريطانيا مناطق نفوذهما في إفريقيا، حيث رأت فرنسا أن بإمكانها احتلال المناطق المغربية في توات والقرارة وإيغلي وواد الساورة بناء على مخطط لربط غرب إفريقيا بالبحر الأبيض المتوسط بواسطة السكك الحديدية العابرة للصحراء، وابتداء من دجنبر 1899 استولت فرنسا على عين صالح ومجموعة من واحات تيديكلت والغورارة، بما في ذلك منطقة تيميمون التي تم احتلالها سنة 1901، وفي يونيو 1904 استولت القوات الفرنسية على رأس العين، وهذا ماتؤكده بالدليل الملموس العديد من الخرائط والاتفاقيات ورسومات الحدود.
وفي الاتجاه نفسه، اقتطعت فرنسا جزءً من القطر التونسي وألحقته بالمقاطعة الفرنسية، وهو عبارة عن شريط يضم مئات الكيلومترات يمتد جنوب تونس، علما أن معاهدة 19ماي 1910، التي تم توقيعها بين العثمانيين وفرنسا، تؤكد خرائطيا انتماء الصحراء الجنوبية للأراضي التونسية، هكذا أصبحت تبدو خريطة تونس من جنوبها خطا رقيقا بدون امتداد صحراوي. وفي هذا السياق عمم وزير الخارجية التونسي السابق أحمد ونيس عدة وثائق تؤكد ما تطرقنا إليه.
يقول دوغول في مذكراته: «فقد كان هم بورقيبة استعادة صحرائه الجنوبية، لكن إذا أقدمت فرنسا على قبول ذلك، سيشجع المغرب أيضا على استعادة كولومب بشار وتندوف».
كما نجد أن كل الوثائق والإثباتات التاريخية تؤكد أن منطقة حاسي مسعود الغنية بالثروات البترولية هي جزء من التراب الليبي، لكن وبمجرد انتصار الحلفاء ومن ضمنهم فرنسا على دول المحور ومن بينهم إيطاليا، أبرمت معاهدة بيفن وسيفورزا بين روما التي تحتل ليبيا وباريس محتلة ما يسمى الجزائر حاليا، حيث تمددت فرنسا على أراضي ورغلة الليبية المنتمية لإقليم أزجر الليبي وبقيت هاته الأراضي مستولى عليها إلى يومنا هذا.
إن حكام الجزائر يسعون جاهدين إلى تكريس الحدود الحالية، مستندين في ذلك على مبدأ عدم المساس بالحدود الموروثة عن الاستعمار، مؤكدين أن الاحتكام الصارم لهذا المبدأ يمثل الضامن الوحيد للحفاظ على السلم والأمن في أرجاء القارة الإفريقية، بل ويعملون جاهدين لاستدامة تكريسه كمبدأ قار وأصلي في القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي!
هكذا، وبكل بساطة نجد أن النظام الجزائري، الذي تنكر للعديد من التعهدات مع دول الجوار بعد نيل «الاستقلال»، يحاول اليوم مأسسة الأساطير عبر التضليل والكذب رغم أن التاريخ عصي على التزوير. إن بلد الأربعين مليون شهيد، الذي يعيش على ريع الذاكرة والجماجم وانتقاد الاستعمار ومخلفاته نجده يدافع بكل شراسة عن الحدود التي رسمها الاستعمار وياللمفارقة الغريبة!
إن هذا النظام الوظيفي يحاول جاهدا تطبيق كل التعليمات والأوامر التي تسند إليه، حيث أنه موكول كذلك لزرع الفتنة وإذكاء نعرات الانفصال في كل دول المنطقة، مُحاوِلا الاستقواء على دول الساحل التي تجاوره مقدما بطاقة مزورة كونه «قوة إقليمية»، لكن حكومة مالي التي عيل صبرها من تصرفاته، استدعت سفير النظام الجزائري لديها، الحواس رياش، للاحتجاج على تدخل الجزائر في الشؤون الداخلية لباماكو بعد استضافتهم لانفصاليين من حركة الأزواد. وقد عبرت الخارجية المالية في بيان رسمي عن كون «هاته الاجتماعات المتكررة على أعلى المستويات تمت مع إرهابيين دون علم أو تنسيق مع حكومة باماكو».
وفي الوقت الذي حشرت فيه الجزائر نفسها لإيجاد حل سياسي للأزمة في النيجر على خلفية الانقلاب العسكري الذي عرفه هذا البلد الإفريقي، خرجت الأطراف الموالية للرئيس المنقلب عليه محمد بازوم وعبرت عن رفضها لأي وساطة جزائرية، والطريف في الأمر أن المجلس العسكري الحاكم في النيجر تبرأ هو الآخر من الكراغلة ولم يوافق على مبادرتهم الملغومة، مؤكدا تأييده لـ«منتدى وطني شامل «وأنهم استغربوا لبيان الخارجية الجزائرية الذي يدعي قبول الوساطة الجزائرية الرامية إلى حل سياسي للأزمة القائمة في النيجر.
تلك حالة من التيه والارتجال تطبع العمل الهاوي للديبلوماسية الجزائرية التي تفتقد إلى النضج والوضوح والفهم الدقيق لمتطلبات المرحلة.
وفي الجانب الآخر المملكة المغربية، توجه دعوة رسمية لاجتماع تشاوري من أجل ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي في إطار المبادرة السامية والحكيمة للملك محمد السادس ليكون بمثابة إطار للمناقشة وتعزيز التكامل الإقليمي وتنفيذا للتحول الهيكلي للاقتصادات وتحسين ظروف حياة السكان، إيمانا من المغرب الدولة الأمة بدوره التاريخي والحضاري الذي يؤكد دوما أن المشاكل والصعوبات التي تواجه دول منطقة الساحل الشقيقة لن يتم حلها بالتدخل في شؤونها أو بالأبعاد الأمنية والعسكرية بل باعتماد مقاربة تقوم على التعاون والتنمية المشتركة.
إنها مبادرة تروم تقديم حلول إبداعية لتعزيز الاندماج والتعاون الإقليمي… تلك قافلتنا تسير.
المصدر: مراكش الان
كلمات دلالية: فرنسا على
إقرأ أيضاً:
أي أفق للديمقراطية في ظل منظومة الاستعمار الداخلي؟
بحكم هيمنة الصراعات الهوياتية -الحقيقية أو المفتعلة- على مسار الانتقال الديمقراطي في تونس منذ المرحلة التأسيسية، لم يتوجه السجال العمومي نحو تأسيس المشترك بقدر ما توجه نحو تضخيم الفوارق حتى عشنا ما أسماه أمين معلوف صراع "الهويات القاتلة". فأصبح "القتل" المادي أو الرمزي ومنطق النفي المتبادل هو جذر الخطابات التي تهيمن على الساحة العامة وأفق صراعاتها "الوجودية". ولم تستطع كل الأزمات الدورية التي مرت بها الأحزاب الحاكمة والمعارضة -مع غيرها من الفاعلين الاجتماعيين- أن تحمل هؤلاء على البحث عن "الأزمة البنيوية" التي تثوي وراء ذلك كله.
ولا يبدو أن "تصحيح المسار" باعتباره انقلابا على الثورة أو تصحيحا لمسارها -من خلال إزاحة "الخطر الجاثم" المتمثل في الديمقراطية التمثيلية وأجسامها الوسيطة ونظامها البرلماني المعدّل- قد غيّر في "روح" تلك الصراعات ومفرداتها ورهاناتها شيئا معتبرا أو دفع بها إلى هامش المشهد العام، حتى فيما يتصل بالعلاقات البينية داخل أطياف المعارضة.
في ظل هذا الواقع الذي لا ينكره إلا مكابر أو واهم، لم يكن للنخب الأكاديمية وللمثقفين دور يتخارج مع منطق السياسي أو النقابي أو الناشط المدني، ذلك المنطق الموجّه نحو إعادة هندسة المشهد العام وتعديل موازين القوى المتحكمة فيه "الآن-وهنا". ورغم وجود بعض الاستثناءات غير المؤثرة، فإن الأغلب الأعم من الشخصيات الاعتبارية "الحداثية" كانوا -منذ المرحلة التأسيسية- في ضرب من التماهي التام أو التطابق مع استراتيجيات مختلف مكوّنات ما يسمى بـ"العائلة الديمقراطية". وهي قوى سياسية غير متجانسة أيديولوجيا في الأصل، ولكنها استطاعت تذويب خلافاتها الأيديولوجية لبناء "تجمّع" ما بعد أيديولوجي لا يختلف في جوهره ولا في دوره عن "التجمع الدستوري الديمقراطي": تجميع كل أعداء الإسلاميين للدفاع عما يسمونه بـ"النمط المجتمعي التونسي". وهو "نمط" تقتضي رهانات الصراع تضخيم "مكاسبه" الحقيقية والمتخيلة (في مستوى حقوق المرأة وبعض الحريات الفردية) وتغييب كل آفاته في المستويين الاقتصادي والاجتماعي (الجهوية، الزبونية، الاقتصاد الريعي، اللاتكافؤ بين الجهات، الفساد القيمي، التبعية الحضارية، تدمير التعليم والأسرة، تدجين النخب وتحول أغلبهم إلى كائنات وظيفية في خدمة منظومة الاستعمار الداخلي.. الخ).
نجاح "تصحيح المسار" هو أعظم تعبير على هشاشة الانتقال الديمقراطي في المستويين السياسي والاقتصادي، وخصوصا من مستوى المَأسسة، وهو ما يجعلنا لا نرى في "تصحيح المسار" انقلابا على الانتقال الديمقراطي بقدر ما نرى فيه تعبيرا عن تناقضاته الداخلية وعطالة العقل السياسي الذي أداره. فـ"تصحيح المسار" هو في وجه من وجوهه الابن الشرعي للانتقال الديمقراطي الفاشل، أو هو محاولة للخروج من أزمة التأسيس (أو الأزمة البنيوية) بطرح تأسيس جديد من خارج الديمقراطية التمثيلية
أما من جهة "حركة النهضة"، فإن رهان "التَّونسة" -سواء كان خيارا حرا أم استجابة لضغط خصومها- مصحوبا بالسعي إلى الاندماج في الدولة بدل مواجهتها، قد دفعا بها، في إطار منطق التوافق منذ أشغال "الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة" وليس منذ التحالف مع نداء تونس كما هو سائد في أغلب التحاليل السياسية، إلى التطبيع مع المنظومة القديمة وفق شروط تلك المنظومة، أي وفق شروط منظومة الاستعمار الداخلي. وهو ما يعني أن النهضة قد ربطت نفسها استراتيجيا بمنظومة الاستعمار الداخلي من خلال ما أسمته بالتنازلات "المؤلمة" تحت يافطة "المصلحة الوطنية". فمنذ أعمال هيئة تحقيق أهداف الثورة قبلت النهضة بمنطق "القوة النوعية" أو بوجود شرعية غير مستمدة من التمثيل الشعبي، ومرتبطة في العديد من مكوناتها بالمنظومة القديمة، ثم تواصل تأثير تلك "القوة النوعية" ذات التمثيل المحدود شعبيا في المجلس التأسيسي وفي العديد من المؤسسات الدستورية وغير الدستورية.
لقد كان اتساع الهوة بين "القوة الانتخابية" (المرتبطة بالإرادة الشعبية) وبين "القوة النوعية" (المرتبطة باللوبيات الوظيفية) حركة تراكمية تجسدت مؤقتا في تغوّل "القوة النوعية"، بدعم من الرئيس (قصد نزع الشرعية عن القوة الانتخابية المتمثلة أساسا في البرلمان)، ثم وجدت مستقرّها في انتفاء حاجة الدولة العميقة للديمقراطية التمثيلية وأجسامها الوسيطة كلها، بما فيها تلك "القوة النوعية" ذاتها. وهو ما عبّر عنه "تصحيح المسار" الذي يستمد شرعيته -على الأقل نظريا- من عدم حاجته للقوة النوعية (الأجسام الوظيفية المعارضة للإسلاميين والمساندة للانقلاب عليهم بمنطق الاستئصال الناعم أو الصلب)، الأمر الذي دفع بمنظومة الحكم إلى إقصائها وتهميشها تحجيم دورها التقليدي أو حتى شيطنته في إطار "التأسيس الثوري الجديد".
إذا كان فشل الانتقال الديمقراطي دليلا على بؤس الوعي السياسي لمختلف مكونات المشهد التونسي حكما ومعارضةً (عدم التجاوز الجدلي للبورقيبية والأساطير المؤسسة للكيان الوظيفي المسمى مجازا دولة وطنية، الخضوع لمنطق استمرارية الدولة، العجز عن بناء سردية جماعية مرافقة للثورة، استمرار التبعية لمنظومة الاستعمار الداخلي من خلال دورها "التحكيمي" في آليات الصراع ورهاناته ومخرجاته، حرف الصراع عن مداراته القيمية والاجتماعية والاقتصادية وتضخيم صراع "الهويات القاتلة"، غياب الثقافة الحوارية وغلبة أحادية الصوت، تسفيه الإرادة الشعبية أو التلاعب بها أو إقصاؤها عند صياغة السياسات العامة.. الخ)، فإن نجاح "تصحيح المسار" هو أعظم تعبير على هشاشة الانتقال الديمقراطي في المستويين السياسي والاقتصادي، وخصوصا من مستوى المَأسسة، وهو ما يجعلنا لا نرى في "تصحيح المسار" انقلابا على الانتقال الديمقراطي بقدر ما نرى فيه تعبيرا عن تناقضاته الداخلية وعطالة العقل السياسي الذي أداره. فـ"تصحيح المسار" هو في وجه من وجوهه الابن الشرعي للانتقال الديمقراطي الفاشل، أو هو محاولة للخروج من أزمة التأسيس (أو الأزمة البنيوية) بطرح تأسيس جديد من خارج الديمقراطية التمثيلية ذاتها وبإنهاء الحاجة إلى أجسامها الوسيطة ومنطق لا مركزية السلطة.
نظريا، يطرح "تصحيح المسار" نفسه باعتباره أطروحة مناقضة للتأسيسين أو على الأقل متجاوزة لهما جدليا (التأسيس للدولة الوطنية والتأسيس للثورة التونسية)، وهو يطرح الديمقراطية المباشرة أو المجالسية والنظام الرئاسوي والشركات الأهلية باعتبارها ركائز هذا التأسيس الجديد. وفي إطار هذه السردية، فإن الديمقراطية المباشرة تنهي الحاجة للأحزاب وللمال السياسي الفاسد الذي يحكم علاقتها بالناخب وبأجهزة الدولة، والنظام الرئاسوي يُنهي حالة الفوضى ويُجنّب البلاد التفتت، أما الشركات الأهلية فإنها تبشر بميلاد اقتصاد تضامني يحد من هيمنة الاقتصاد الريعي ويقوم بإنتاج الثروات وتوزيعها على أسس أكثر عدلا وإنصافا.
ولكن بين النظرية وتطبيقاتها (البراكسيس) توجد هوّة لا يمكن ردمها بغياب "النخب البديلة"، وفي إطار علاقة "التعامد" بين الرئيس ومنظومة الاستعمار الداخلي. فالتناقض الأساسي في تصحيح المسار أنه يطرح تأسيسا جديلا دون تصعيد نخب جديدة لإدارتهن ولذلك فإنه يستعمل نخب المنظومة القديمة أو النخب الوظيفية التي ارتبطت بورثتها وحلفائها بعد الثورة، وهو ما يجعله -بصرف النظر عن النيات "الصادقة"- عاجزا عن التحرك خارج الإطار العام الذي ترسمه منظومة الاستعمار الداخلي، بل تجعله -في التحليل الأخير- مجرد واجهة سياسية جديدة لها على الأقل في السياق الحالي.
الشعب التونسي في أغلبه الأعم لا يريد ديمقراطية "شكلية" تجعل الناخب في مركز الشرعية دون أن تكون مصالحه وانتظاراته المشروعة هي مركز القرار السياسي. وهو واقع لا يبدو أن أطياف المعارضة تتعامل معه بالجدية اللازمة؛ بحكم ما أسلفنا من "آفات" العقل السياسي التونسي الذي ما زال يتغنى بالكيان الوظيفي باعتباره دولة، وما زال ممثلوه يطرحون خدماتهم على مع منظومة الاستعمار الداخلي باعتبارها سلطة "ما فوق سياسية" يجب استرضاؤها قبل الإرادة العامة أو حتى ضدها
تعلم المعارضة التونسية بمختلف أطيافها أن قوة "تصحيح المسار" الأساسية ليست مستمدة من الدعم الشعبي، بل من حاجة منظومة الاستعمار الداخلي ونواتها الصلبة له. كما تعلم هذه المعارضة أن انتفاء الحاجة إليها أو إعادة تأهيلها في إطار تسويات ممكنة مع السلطة ليس مجرد شأن داخلي صرف، ولكنه لا ينفصل عن موازين القوى الداخلية، خاصة قوة المعارضة وما تملك من مصداقية لدى عموم المواطنين. ولكنّ هذا الوعي لا يتجلى في أغلب خطابات المعارضة التي ما زالت محكومة بآفتين هما: أولا منطق الصراعات البينية ذات الجذر الهوياتي-الأيديولوجي، وهو منطق يضعفها أمام السلطة ويجعلها غير قادرة على التحرك باعتبارها "كتلة" أو هوية جماعية ذات بديل واضح أمام الرأي العام؛ ثانيا إدارة الصراع السياسي باعتباره صراعا ضد المنظومة الحاكمة وسرديتها السياسية؛ لا ضد منظومة الاستعمار الداخلي وخياراتها التأسيسية منذ الاستقلال الصوري عن فرنسا.
ختاما، لا شك في أنّ هذا السرديات السياسية التي يضع أصحابها أنفسهم -قصديا أو بصورة غير قصدية- في خدمة منظومة الاستعمار الداخلي (بدعوي استمرارية الدولة أو الوحدة الوطنية أو مواجهة "الخطر الجاثم" المتمثل في الأجسام/المؤسسات الوسيطة المعبّرة عن تعدد الشرعيات التمثيلية)، لا يمكن أن تنتج إلا ديمقراطية "صورية" كما كان الشأن زمن الانتقال الديمقراطي، أو نسفا للديمقراطية بمعناها الليبرالي كما هو الشأن في "تصحيح المسار". وهو ما يعني أن سعي المعارضة للعودة إلى تصدر المشهد العام بمنطق ما قبل 25 تموز/ يوليو 2021 هو سعي محكوم بالفشل، ولا يمكن -حتى في صورة نجاحه المستبعدة- أن يكون حاملا لمشروع ديمقراطي صلب.
فالشعب التونسي في أغلبه الأعم لا يريد ديمقراطية "شكلية" تجعل الناخب في مركز الشرعية دون أن تكون مصالحه وانتظاراته المشروعة هي مركز القرار السياسي. وهو واقع لا يبدو أن أطياف المعارضة تتعامل معه بالجدية اللازمة؛ بحكم ما أسلفنا من "آفات" العقل السياسي التونسي الذي ما زال يتغنى بالكيان الوظيفي باعتباره دولة، وما زال ممثلوه يطرحون خدماتهم على مع منظومة الاستعمار الداخلي باعتبارها سلطة "ما فوق سياسية" يجب استرضاؤها قبل الإرادة العامة أو حتى ضدها.
x.com/adel_arabi21