تحليل لـ"سي إن إن": إسرائيل أسقطت مئات القنابل التي يبلغ وزنها 2000 رطل على غزة
تاريخ النشر: 22nd, December 2023 GMT
كشف تحليل لشبكة "سي إن إن" أن إسرائيل أسقطت مئات القنابل التي يبلغ وزنها 2000 رطل على غزة، منذ 7 أكتوبر (بدء الحرب الأخيرة الجارية بين إسرائيل وحركة حماس).
قتلى وجرحى جراء استهداف الجيش الإسرائيلي لسيارة مدنية في رفح (فيديو) تحديث مستمر.. "القسام" و"السرايا" تعلنان تدمير آليات وقتل جنود إسرائيليين بهجمات نوعية في غزةوبين تحليل عملت عليه شبكة "سي إن إن" وشركة الذكاء الاصطناعي "Synthetaic" أنه "في الشهر الأول من حربها في غزة، أسقطت إسرائيل مئات القنابل الضخمة، الكثير منها قادر على قتل أو جرح الناس على بعد أكثر من 1000 قدم".
وحسب ما ذكرت "سي إن إن"، فقد "كشفت صور الأقمار الصناعية لتلك الأيام الأولى من الحرب عن أكثر من 500 حفرة ارتطام يزيد قطرها عن 12 مترا (40 قدما)، بما يتوافق مع تلك التي خلفتها القنابل التي يبلغ وزنها 2000 رطل"، لافتة إلى أن "هذه القنابل أثقل بأربع مرات من أكبر القنابل التي أسقطتها الولايات المتحدة على داعش في الموصل بالعراق، خلال الحرب ضد الجماعة المتطرفة هناك".
وأفادت بأن "خبراء الأسلحة والحروب يلقون اللوم على الاستخدام المكثف للذخائر الثقيلة مثل القنبلة التي تزن 2000 رطل في ارتفاع عدد القتلى"، حيث أن "غزة مكتظة بالسكان أكثر من أي مكان آخر على وجه الأرض، وبالتالي فإن استخدام مثل هذه الذخائر الثقيلة له تأثير عميق".
من جهته، أوضح جون تشابيل، القانوني في CIVIC، وهي مجموعة مقرها واشنطن العاصمة تركز على تقليل الأضرار التي تلحق بالمدنيين في الصراع أن "استخدام قنابل تزن 2000 رطل في منطقة مكتظة بالسكان مثل غزة يعني أن الأمر سيستغرق عقودا حتى تتعافى المجتمعات".
وتتعرض إسرائيل لضغوط دولية بسبب حجم الدمار في غزة، حتى أن حليفها القوي الرئيس الأمريكي جو بايدن اتهم إسرائيل بـ"قصف عشوائي" للقطاع الساحلي.
من جانبهم، يزعم المسؤولون الإسرائيليون أن "الذخائر الثقيلة ضرورية للقضاء على حماس"، وأن "إسرائيل تبذل كل ما في وسعها لتقليل الخسائر في صفوف المدنيين".
في حين رد الجيش الإسرائيلي في بيان على تقرير "سي إن إن": "ردا على هجمات حماس الوحشية، يعمل جيش الدفاع الإسرائيلي على تفكيك القدرات العسكرية والإدارية لحماس"، مردفا: "في تناقض صارخ مع هجمات حماس المتعمدة على الرجال والنساء والأطفال الإسرائيليين، يتبع الجيش الإسرائيلي القانون الدولي ويتخذ الاحتياطات الممكنة للتخفيف من الأضرار التي تلحق بالمدنيين".
وتعتمد حماس على شبكة أنفاق مترامية الأطراف يعتقد أنها تمر عبر قطاع غزة، حيث يقول أنصار الحملة الإسرائيلية في غزة إن "الذخائر الثقيلة تعمل كخارقة للتحصينات، مما يساعد على تدمير البنية التحتية لحماس تحت الأرض".
في حين أن "القنابل التي تزن 2000 رطل تقتصد الجيوش الغربية في استخدامها عادة"، كما يقول الخبراء، وذلك بسبب "تأثيرها المحتمل على المناطق ذات الكثافة السكانية العالية مثل غزة".
تجدر الإشارة إلى أن القانون الإنساني الدولي يحظر القصف العشوائي.
من جهته، بين محلل استخبارات الدفاع الأمريكي السابق ومحقق جرائم الحرب السابق في الأمم المتحدة مارك غارلاسكو أن كثافة القصف الإسرائيلي في الشهر الأول على غزة "لم نشهدها منذ فيتنام".
وقام غارلاسكو، الذي يعمل حاليا كمستشار عسكري في "PAX"، وهي منظمة هولندية غير حكومية تدعو إلى السلام، بمراجعة جميع الحوادث التي تم تحليلها في تقرير "سي إن إن".
وعلق غارلاسكو قائلا: "عليك العودة إلى حرب فيتنام لإجراء مقارنة.. حتى في حربي العراق لم تكن الأمور بهذه الكثافة على الإطلاق".
وفق "سي إن إن"، يمكن للذخائر الثقيلة، التي تصنعها الولايات المتحدة في الغالب، أن "تسبب إصابات كبيرة ويمكن أن يكون لها شظايا قاتلة ضمن دائرة نصف قطرها - منطقة معرضة للإصابة أو الوفاة حول الهدف - يصل إلى 365 مترا (حوالي 1198 قدما)، أو ما يعادل 58 ملعب كرة قدم".
ويلقي خبراء الأسلحة والحروب اللوم على الاستخدام المكثف للأسلحة الثقيلة، مثل القنبلة التي تزن 2000 رطل، في ارتفاع عدد القتلى.
ووفقا للسلطات في قطاع غزة، قُتل حوالي 20 ألف شخص منذ 7 أكتوبر، وأغلب القتلى من النساء والأطفال.
هذا ودخلت "سي إن إن" في شراكة مع شركة "Synthetaic" الأمريكية للذكاء الاصطناعي، والتي استخدمت التصنيف التلقائي السريع للصور (RAIC) للكشف عن الحفر وأعمدة الدخان والمباني المتضررة في صور الأقمار الصناعية المخصصة فوق قطاع غزة.
وتمت مراجعة النتائج يدويا من قبل أحد أعضاء "Synthetaic"، وكذلك من قبل صحفيي "سي إن إن"، حيث أن النتائج تكشف وتؤكد شدة القصف الهائل خلال فترة زمنية قصيرة جدا"، وفقًا لآني شيل، مديرة المناصرة الأمريكية في CIVIC.
وعلى مدار أكثر من شهرين، شنت إسرائيل حربا مكثفة على غزة، جمعت بين القصف الجوي العنيف وطلقات المدفعية المتواصلة، فضلا عن الغزو البري الذي بدأ في 27 أكتوبر، حيث أحدثت العملية دمارا امتد عبر مساحات شاسعة من الجيب المحاصر، وفق ما أظهرت صور الأقمار الصناعية وعروض الفيديو.
وفي هذا الصدد، قال لاري لويس، مدير الأبحاث في مركز التحليلات البحرية (CNA) وكبير مستشاري وزارة الخارجية الأمريكية لشؤون الأضرار المدنية سابقا: "في غضون شهرين، شهدنا مستوى من الضربات في هذه المنطقة الصغيرة في غزة يماثل ما رأيناه في الموصل والرقة مجتمعين"، في إشارة إلى عمليات التحالف بقيادة الولايات المتحدة ضد معقلين لتنظيم "داعش"، متابعا: "إنها كمية لا تصدق من الضربات، من ناحية الفترة الزمنية".
وقد أسقطت الولايات المتحدة قنبلة تزن 2000 رطل مرة واحدة فقط خلال حربها ضد داعش ــ أحدث حرب غربية على جماعة مسلحة في الشرق الأوسط. تم اسقاطها على ما يسمى عاصمة الخلافة المعلنة في الرقة بسوريا.
وفي 6 نوفمبر- اليوم الأخير لمجموعة بيانات "سي إن إن" و "Synthetaic" - تجاوز عدد القتلى في غزة 10000 شخص، وفقا لوزارة الصحة الفلسطينية في رام الله، نقلا عن السلطات في غزة.
وفي وقت لاحق من ذلك الأسبوع، أشارت مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، باربرا ليف – وهي أكبر دبلوماسية أمريكية في الشرق الأوسط – إلى أن عدد القتلى قد يكون "أعلى من ذلك".
وصرحت ليف خلال جلسة استماع أمام لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب بالقول: "في هذه الفترة من الصراع وظروف الحرب، من الصعب جدًا على أي منا تقييم معدل الضحايا.. نعتقد أن الحصيلة مرتفعة جدًا، بصراحة. وقد يكون أعلى مما يتم الاستشهاد به".
ونقلت "سي إن إن" في الأسبوع الماضي، عن مصادر استخباراتية أمريكية لشبكة أن "40-45% من ذخائر جو-أرض البالغ عددها 29 ألفا التي تم إسقاطها على غزة بحلول ذلك الوقت كانت ما يسمى بالقنابل الغبية"، وهي ذخائر غير موجهة يمكن أن تشكل تهديدا أكبر للمدنيين، خاصة في المناطق المكتظة بالسكان مثل غزة.
ومن المحتمل أن تكون بعض هذه القنابل عبارة عن قنابل تزن 2000 رطل التي تم رصدها في صور الأقمار الصناعية للحفر، إذ تمتلك إسرائيل ترسانة ضخمة من القنابل الكبيرة المعروفة باسم "MK-84" ، وعندما يتم إضافة نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) إلى "MK-84"، تصبح القنبلة معروفة باسم "GBU-31".
وذكرت "سب إن إن " نقلا عن شخصين مطلعين على الأمر، أن الولايات المتحدة زودت إسرائيل بأكثر من 5400 من "MK-84" منذ 7 أكتوبر.
ولفت تشابيل من CIVIC إلى أن "الدمار الذي رأيناه للمجتمعات في غزة، للأسف، شاركت في التوقيع عليه الولايات المتحدة"، مستطردا: "يتم تنفيذ الكثير منها بواسطة قنابل مصنوعة في الولايات المتحدة".
و"تظهر القنابل التي تزن 2000 رطل بشكل بارز في الهجمات على محيط مدينة غزة، مركز العملية العسكرية الإسرائيلية في أكتوبر ومعظم نوفمبر"، حسب "سي إن إن".
وأظهرت صور الأقمار الصناعية في مخيم جباليا للاجئين شمال غزة حفرتين كبيرتين تتفقان مع القصف الإسرائيلي في 31 أكتوبر، والذي نددت به الأمم المتحدة ووصفته بأنه "هجوم غير متناسب يمكن أن يرقى إلى مستوى جرائم حرب"، حيث أدى الهجوم إلى مقتل أكثر من 100 شخص، وفقا لمتابعة الأضرار المدنية في منظمة "Airwars"، وتسبب في أضرار كارثية في المنطقة المكتظة بالسكان.
ويبلغ عرض الحفرتين اللتين خلفهما الهجوم، والذي وصفه الخبراء بـ "الزلزال" من حيث تأثيره، 24 مترا (حوالي 79 قدمًا) و13 مترا (حوالي 43 قدمًا) على التوالي، وفقًا لصور الأقمار الصناعية.
كما "تظهر حفرة كبيرة تشبه ما تحدثه قنبلة تزن 2000 رطل على الطريق السريع الساحلي الذي يمر عبر مخيم الشاطئ، وفي أحد الأحياء الواقعة شمال المخيم مباشرة، تظهر 14 حفرة تشير إلى قنابل تزن 2000 رطل في كيلومتر مربع واحد"، وفق "سي إن إن".
ويعتبر مخيم الشاطئ أحد المناطق الأولى في غزة التي أنشأت فيها القوات البرية الإسرائيلية موطئ قدم راسخ، فيما أظهرت صور الأقمار الصناعية لمخيم اللاجئين في 6 نوفمبر أنه قد تم تدميره بالكامل بسبب القصف.
ويتجلى تأثير القنابل ذات شظايا قاتلة ضمن دائرة نصف قطرها يصل إلى 365 مترًا، ويبلغ وزنها 2000 رطل، في العديد من مقاطع الفيديو التي استعرضتها "سي إن إن"، حيث شوهد العديد من المباني وقد سويت بالأرض في ضربة واحدة.
بالإضافة إلى ما سبق، حددت شبكة "سي إن إن" مقطع فيديو وطابقته مع حفر بعمق 12 مترًا و15 مترًا، بما يتوافق مع مفعول القنابل التي تزن 2000 رطل، في صور الأقمار الصناعية.
المصدر: "سي إن إن"
المصدر: RT Arabic
كلمات دلالية: أسلحة ومعدات عسكرية الجيش الإسرائيلي الحرب على غزة تل أبيب تويتر جرائم حرب حركة حماس طوفان الأقصى غوغل Google فيسبوك facebook قطاع غزة صور الأقمار الصناعیة الولایات المتحدة القنابل التی عدد القتلى سی إن إن أکثر من على غزة فی غزة إلى أن
إقرأ أيضاً:
«معلومات الوزراء» يستعرض في تحليل جديد صناعة بناء السفن عالميا
أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تحليلا جديدا حول «صناعة بناء السفن»، استعرض من خلاله مراحل وعمليات صناعة بناء السفن وواقع سوق تلك الصناعة عالميًّا، بالإضافة إلى عرض لأبرز التجارب الدولية في هذا المجال، والجهود المصرية في هذا الشأن، حيث أشار إلى أن صناعة بناء السفن تُعد إحدى الركائز الأساسية للنشاط الاقتصادي العالمي، وذلك نظرًا لما يشكله النقل البحري من أهمية بالغة في التجارة الدولية والاقتصاد العالمي، إذ يتم نقل أكثر من 80% من حجم التجارة الدولية في السلع من خلال البحر، وترتفع تلك النسبة في أغلب البلدان النامية، وهو ما يعني توافر الطلب على السفن الجديدة بشكل مستمر، وتهيمن منطقة شرق آسيا على صناعة بناء السفن، إذ استحوذت الصين وكوريا الجنوبية واليابان على النسبة الكبرى من إجمالي الإنتاج العالمي لتلك الصناعة في عام 2022.
وأوضح التحليل، أن عملية بناء السفن تُعد واحدة من أكثر أنظمة الأعمال والإنتاج تعقيدًا، وذلك نتيجة التعقيد في منتجاتها النهائية، حيث تتطلب تلك العملية عددًا كبيرًا من المكونات والمنتجات الوسيطة، مضيفاً أن أن عملية بناء السفن تنقسم إلى ثلاث مراحل تشمل: عملية بناء هيكل السفينة، وعملية التجهيز، وعملية الطلاء.
وتتم عملية بناء الهيكل عبر تصنيع مكونات هيكل السفينة، ثم بعد ذلك يتم تجميعها ولحامها لتصبح منتجات وسيطة في صورة مجمعة، ثم يتم رفعها إلى الرصيف لتجميعها في الهيكل، ويدخل في تلك المرحلة العديد من المنتجات الوسيطة كالحديد والألومنيوم والنحاس والخشب واللدائن الهندسية والأسمنت والسيراميك والمطاط والزجاج.
أما عملية التجهيز فيتم خلاها تجهيز غرفة المحرك، وتجهيز سطح السفينة، وتجهيز المقصورة، وأخيرًا التجهيز الكهربائي. وتتضمن عملية الطلاء -إزالة الصدأ ووضع الطلاءات المختلفة على الأسطح الداخلية والخارجية لبدن السفينة وأجزاء التجهيز- وفقًا للمتطلبات الفنية التي تقضي بفصل السطح المعدني عن الوسط المسبب للتآكل، وذلك بهدف منع تعرض بدن السفينة للتآكل.
أشار التحليل، إلى أن السفن تُصنَّف إلى خمس تصنيفات أساسية، وهي: السفن التجارية، والسفن البحرية، وسفن الصيد، وسفن خدمات، والسفن الداخلية، ومع التطور التكنولوجي، أصبحت اتجاهات تكنولوجيا بناء السفن تشمل بشكل أساسي تكنولوجيا إنتاج السفن منخفضة استهلاك الوقود وعالية الكفاءة، وتكنولوجيا بناء السفن الخضراء، وتكنولوجيا بناء السفن الرقمية، وتكنولوجيا بناء السفن الذكية.
أشار التحليل إلى أن صناعة بناء السفن عالميًّا مرت بمراحل مختلفة من الهيمنة التي مارسها عدد من الدول على هذه الصناعة، ففي البداية احتلت بريطانيا المركز الأول عالميًّا في تلك الصناعة، وكان ذلك في خمسينيات القرن التاسع عشر، ثم فقدت هذا المركز بسبب فشلها في تطوير أحواض بناء السفن الخاصة بها من الناحية الفنية، ثم انتقلت هيمنة تلك الصناعة إلى اليابان لتحتل الترتيب الأول عالميًّا بفضل النمو السريع للنظام المالي الياباني بعد الحرب العالمية الثانية، والمبادرات الحكومية اليابانية لتشجيع بناء السفن، واستمرت هيمنة اليابان على هذه الصناعة الحيوية إلى أكثر من ثلاثة عقود، حتى واجهت أحواض بناء السفن اليابانية تعقيدات في توظيف المهندسين من الشباب الكفء، وارتفاع تكلفة العمالة في ذات الوقت، وهو ما فتح الأفق أمام كوريا الجنوبية لتتولى المركز الأول عالميًّا في منتصف تسعينيات القرن العشرين، وبمرور الوقت أصبحت الصين رائدة عالميًّا في بناء السفن تحديدًا في عام 2010، حيث زاد إنتاج بناء السفن التجارية الصينية بنحو 13 مرة بين عامي 2002 و2012.
وأوضح مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، أن حجم السوق العالمية لبناء السفن قد بلغ في عام 2023 نحو 158.25 مليار دولار، ومن المتوقع أن يواصل السوق العالمي نموه ليصل إلى 221.37 مليار دولار بحلول عام 2032، وذلك بمعدل نمو سنوي مُركَّب نحو 40%، ومن حيث الترتيب العالمي للدول في صناعة بناء السفن في عام 2022، فقد هيمنت منطقة شرق آسيا على تلك الصناعة، إذ استحوذت الصين وكوريا الجنوبية واليابان على 93% من إجمالي الإنتاج العالمي.
وأوضح التحليل، أن الصين وكوريا الجنوبية تُعد من أبرز التجارب الدولية في مجال النهوض بصناعة بناء السفن واحتلال الريادة عالميًّا في هذا المجال، ويرجع ذلك إلى السياسات الحكومية المُتبعة في تلك الدول والتي كان لها المردود الإيجابي في تحقيق الهدف منها، فقد أولت جمهورية الصين الشعبية أهمية كبيرة لصناعة بناء السفن، وذلك من خلال التعامل معها كصناعة استراتيجية تدعم التنمية الاقتصادية، واعتماد سياسات مختلفة لتعزيز تلك الصناعة، ومن أبرز تلك السياسات ما يلي:
-تشجيع تصدير السفن في ثمانينيات القرن العشرين: حيث جعلت الحكومة الصينية تصدير السفن إلى السوق العالمية أحد التدابير المهمة للإصلاح الاقتصادي وسياسة الباب المفتوح، التي اعتمدتها في عام 1979، واعتبرت تطوير صناعة بناء السفن مهمة استراتيجية.
-تقديم الحكومة الصينية سياسات محفزة لصناعة بناء السفن: وذلك في تسعينيات القرن العشرين، اقتداءً بنجاح التجارب اليابانية والكورية، بما في ذلك تقديم الدعم، والقروض الميسرة، والحوافز الضريبية لشركات بناء السفن، والاستثمار المباشر الواسع في صناعة بناء السفن، كما تبنَّت الحكومة الصينية سياسة "المالك المحلي لبناء السفن" لدعم أحواض بناء السفن الصينية.
-وضع الحكومة الصينية في أغسطس 2006 خطة تنمية متوسطة وطويلة الأجل (2006 - 2015) لصناعة بناء السفن، وذلك ضمن هدف أكبر وهو جعل الصين أكبر دولة لبناء السفن في العالم بحلول عام 2015.
-إصدار وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات الصينية (MIIT) في يونيو 2009 خطة إعادة هيكلة وتنشيط صناعة بناء السفن، وذلك بعد أزمة ركود تجارة السفن نتيجة الأزمة المالية العالمية في عام 2008، وهدفت الخطة إلى توفير التمويل اللازم لأحواض بناء السفن، وتقديم الدعم الفني والمالي.
-إطلاق الخطة الخمسية الثانية عشرة في ديسمبر 2011، والتي ركزت على تعزيز الابتكار التكنولوجي والاستثمار في البحث وتطوير تكنولوجيا صناعة بناء السفن، وإعادة الهيكلة من خلال الاندماج والاستحواذ، وتحسين جودة بناء السفن ونظام الإدارة لتعزيز القدرة على المنافسة، وتحسين ترويج صناعة بناء السفن.
-إطلاق خطة دعم بناء السفن لمدة ثلاث سنوات وذلك في يونيو 2013، بهدف إنقاذ صناعة بناء السفن المتعثرة، والحفاظ على حصة الصين في السوق العالمية لبناء السفن، وتحقيق حصة سوقية عالمية بنسبة 20٪ و25٪ للسفن عالية التقنية والمرافق البحرية على التوالي، من خلال التركيز على تسريع الابتكار التكنولوجي وتطوير تكنولوجيا التصميم والبناء للمنتجات البحرية، وزيادة العرض المحلي للمعدات البحرية والشاطئية الرئيسية، بالإضافة إلى دعم المنتجين المحليين وتوسيع الدعم المالي للاندماج والاستحواذ وجذب المشترين الأجانب.
وتعتمد الصين على تمويل السفن كسياسة تحفيزية لتقديم الدعم لأحواض بناء السفن المحلية وتعزيز الأسطول الصيني، ففي النصف الأول من عام 2017 أنفقت الحكومة الصينية ما قيمته 17.7 مليون دولار للصناعة بهدف تشجيع تطوير تصميمات جديدة للسفن، وقد ذهب معظم هذا التمويل إلى تصميم مشروعات لناقلات النفط الكبيرة.
أما عن تجربة كوريا الجنوبية فقد بدأت حكومة كوريا الجنوبية أولى خطواتها في ريادة صناعة بناء السفن عالميًّا من خلال تنفيذ سياسات تُشجع تلك الصناعة، والتي بدأت بإصدار "قانون تشجيع بناء السفن" في عام 1958، إلا أن القانون لم يحقق أي إنجاز بسبب نقص الميزانية، ثم تحولت بعدها الجهود الحكومية إلى اتخاذ مجموعة من التدابير والسياسات، من أهمها:
-إعلان الحكومة الكورية عن "خطة إعادة هيكلة صناعة بناء السفن وتعزيز القدرة التنافسية" لعام 2009، بمشاركة العديد من الوزارات، بهدف إعادة هيكلة شركات بناء السفن المتأخر تسليمها، وحل الصعوبات المؤقتة المتعلقة بالتمويل في أحواض بناء السفن التي تفاقمت جراء الأزمة المالية العالمية.
-كشفت وزارة المحيطات ومصايد الأسماك بكوريا في أبريل 2018 عن خطة إحياء تهدف إلى بناء 200 سفينة بما في ذلك 60 حاوية و140 ناقلة للبضائع السائبة خلال ثلاث سنوات، ووفقًا للخطة يتم دعم مالكي السفن بنسبة تصل إلى 10٪ من تكلفة بناء الهيكل الجديد إذا استبدلوا بسفنهم القديمة سفنًا جديدة صديقة للبيئة.
-أنشأت الحكومة الكورية في يوليو 2018 شركة كوريا لأعمال المحيطات (KOBC)، برأس مال أولي بلغ 2.77 مليار دولار، والتي هدفت إلى دعم صناعة الشحن وبناء السفن المحلية من خلال الاستثمار في السفن الجديدة وتوفير ضمانات الدفع لطلبات البناء الجديدة، وتقديم خدمات استشارية للاستثمارات في الصناعة البحرية.
-إطلاق "الاستراتيجية الوطنية الأولى لتطوير وتعميم السفن الخضراء (2021 - 2030)" وذلك في ديسمبر 2020، حيث تركز الاستراتيجية على التقنيات المتقدمة الخالية من الانبعاثات التي تُمكِّن من التخلص التدريجي من انبعاثات الغازات الدفيئة (GHG) بنسبة تصل إلى 70% بحلول عام 2030، وذلك في مجالات تصميم السفن والوقود المستقبلي والطاقة المتجددة والمعدات، حيث تستهدف الاستراتيجية تحويل 15٪ من السفن التي ترفع العلم الكوري إلى سفن أكثر اخضرارًا.
-نشر قانون رقم 19909 الخاص بتعزيز تطوير وتسويق السفن ذاتية القيادة وذلك في يناير 2024، والذي يهدف إلى تعزيز تطوير التكنولوجيا والمعدات الرئيسة لتلك السفن، ووضع الأساس لتشغيلها الآمن، بالإضافة إلى إنشاء نظام لوجستي بحري لتسويقها.
وأشار التحليل إلى أنه في ظل الأهمية الاقتصادية لصناعة بناء السفن عالميًّا، وأهميتها الاستراتيجية في دولة كمصر، التي تمتلك إمكانات تدعمها لتلعب دورًا محوريًّا في تلك الصناعة بمنطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، تسعى الحكومة المصرية لتوطين صناعة بناء السفن وتعزيز مكانة مصر كمركز إقليمي للصناعات البحرية، ولتحقيق ذلك تم تنفيذ العديد من الجهود والمبادرات في هذا القطاع، ومن أبرزها:
-إطلاق برنامج تطوير صناعة السفن وفقًا لاستراتيجية الدولة من أجل تطوير قطاع النقل البحري واللوجستيات حتى عام 2030، وذلك ضمن رؤية 2030 التي تم إطلاقها في فبراير 2016، ويهدف البرنامج إلى توطين وتطوير الصناعة في مصر بحلول عام 2030.
-تتبنى وزارة النقل خطة شاملة لتطوير قطاع النقل البحري واستعادة قوة الأسطول التجاري المصري، وذلك بهدف جعل مصر مركزًا عالميًّا للتجارة واللوجستيات، وتستهدف الوزارة الوصول بحجم أسطول الشركات التابعة لها، (وهي شركات: الملاحة الوطنية - الجسر العربي للملاحة - القاهرة للعبارات - المصرية لناقلات البترول)، إلى 31 سفينة بحلول عام 2030، وذلك لزيادة قوة الأسطول المصري بحيث يصبح قادرًا على نقل 20 مليون طن بضائع سنويًّا من البضائع الاستراتيجية كالحبوب والنفط، ونقل الركاب بين مصر وباقي دول العالم.
-تطوير الترسانة البحرية بالإسكندرية، وهي أقدم شركة في مصر والشرق الأوسط في مجال بناء وإصلاح السفن، وتضمنت عملية التطوير رفع قدرة وكفاءة الشركة الفنية، وقد نجحت الشركة بعد تطويرها في تدعيم الأسطول البحري لشركات البترول الوطنية وشركة التعاون للبترول، من خلال تقديم ناقلتي بترول مزدوجة البدن حمولة 1600 طن، والقاطرة "درويش" إلى هيئة ميناء الإسكندرية، بالإضافة إلى تصنيع أولى قاطرات الجيل الجديد من طراز (ASD) بقوة شد 90 طنًّا لتكون نواة أسطول القاطرات البحرية بهيئات مواني جمهورية مصر العربية.
-إنشاء شعبة جديدة لصناعة وبناء السفن كشعبة تابعة لغرفة الصناعات الهندسية باتحاد الصناعات المصرية في يناير 2023، وتضم في عضويتها نحو 70 شركة عاملة بالمجال، وتتركز خطة عملها في تعزيز التعاون بين شركات الشعبة من أجل توطين صناعة وبناء وإصلاح السفن.
-إنشاء جامعة تكنولوجية جديدة بقناة السويس تضم تخصص صناعة بناء السفن.
وأوضح التحليل أن مصر لم تكن بعيدة عن مجال صناعة بناء السفن، فهي تمتلك عددًا من الترسانات البحرية كترسانات (بورسعيد وبورتوفيق والسويس والإسكندرية)، والتي يمكن أن تساهم في توطين هذه الصناعة، كما تُوجِّه مصر جزءًا من تلك الصناعة لديها إلى الخارج، ففي عام 2022 صدَّرت مصر سفنًا وقوارب وعائمات بما قيمته 3.2 ملايين دولار، وكان عام 2021 هو الأعلى في قيمة الصادرات خلال الفترة (2019 - 2022)، حيث بلغت صادراتها آنذاك نحو 67.4 مليون دولار.
وأفاد التحليل في ختامه أنه في الوقت الذي تُعَد فيه صناعة بناء السفن من الركائز الاستراتيجية للتجارة الدولية والاقتصادات الوطنية، أظهرت التجارب الدولية، مثل تجربة الصين وكوريا الجنوبية، مدى تأثير تبني استراتيجيات تنافسية على تحقيق الريادة العالمية. هذا، وتقدم تجربة مصر نموذجًا ناشئًا يُظهِر الإمكانات الواعدة لهذه الصناعة في المنطقة، خاصة مع موقعها الجغرافي الاستراتيجي.
اقرأ أيضاًاتحاد عمال مصر: مبادرة تأهيل مليون عامل خطوة مهمة للاستثمار في رأس المال البشري
خبير اقتصادي: الدعم النقدي يتفادى عيوب العيني