رجاء صغير.. تحوّلتُ من الهندسة المعمارية إلى الرسم لإحياء تراث قسنطينة
تاريخ النشر: 22nd, December 2023 GMT
الجزائر «العُمانية»: تنقلُ التشكيليّة الجزائرية، رجاء صغير، من يُشاهد لوحاتها على أجنحة من عبق الماضي، برؤى فنانة مرهفة الإحساس. وتُشكّل النقلة التي قامت بها هذه الفنانة، من الهندسة المعمارية إلى الفن التشكيلي، لحظة انعطاف حافظت فيها على روح الإبداع التي تُميّزُها، ولو أنّ الهندسة المعمارية والفن التشكيلي، يُعدّان مجالين يلتقيان في الكثير من التفاصيل.
وعن هذا التحوُّل في المسار، تقول الفنانة، رجاء صغير في تصريح، لوكالة الأنباء العُمانية: «بدأتُ الرسم عام 2019، بعد ممارستي لمهنة الهندسة المعمارية لمدة 23 سنة. وقد كان الرسم هوايتي، منذ الصغر، وحدث أن مررت بمرحلة مهنيّة صعبة كان الرسم فيها ملجأ لي، وسبيلًا أساسيًّا لتجاوزها». وتلتقي أعمال هذه الفنانة التي تنحدر من مدينة قسنطينة (شرق الجزائر)، مع عدد من الفنانين الجزائريين، في اعتمادها على التراث كمصدر أساسيّ للإلهام؛ فهي تتّخذُ منه الجواد الرابح في الوصول إلى الجمهور المتعطّش لرؤية تاريخه، وماضيه العريق مجسّدًا في أعمال فنيّة، ولذلك تؤكّد ابنة مدينة الجسور المعلّقة بالقول «قسنطينة، هي مسقط رأسي، وأحياؤها، وشوارعها، وأسواقها وجسورها الشهيرة، كانت مسرحًا لحياتي منذ نعومة أظافري، وصار يربطني بها رابط عاطفي قوي،.. لطالما جلستُ وأنا صغيرة أتأمل جدتي أو إحدى نساء عائلتي، وهي ترتدي «الملاية»، وفق روتين دقيق لا يحتمل أدنى تغيير، وقد كان لهذه اللّحظات الصّدى الكبير في مخيّلتي، وهو ما انعكس بصورة جليّة على أعمالي». ويُلاحظ جمهور هذه الفنانة بوضوح تركيزها في أعمالها على تصوير المرأة القسنطينيّة وهي ترتدي اللّباس التقليدي المعروف في الشرق الجزائري، كما أنّها خصّصت جزءا من لوحاتها لإعادة تصوير التراث العمراني الذي تشتهر به هذه المدينة العريقة، مثل الجسور المعلّقة المعروفة، فضلًا عن بعض العمائر التي ظلّت عصيّة على الزوال والاندثار.
ولأنّ الفنانة، رجاء صغير، تعرف قسنطينة عن كثب، فهي لا تخجل من الإقرار بأنّها لم تعد مثلما كانت، وهي تفقد شيئا فشيئا معالم وجهها الأصيل، إذ تقول: «شيءٌ مؤسف أن تتلاشى تدريجيًّا كلُّ مظاهر الجمال في هذه المدينة العريقة. إنّنا نرى الأحياء القديمة تكاد تندثر، يومًا بعد يوم، والبيوت العتيقة تنهار، واحدا تلو الآخر، ويتلاشى معها الكثير من تراثنا وهويتنا، وهذا ما جعلني أحاول، خلال السنوات الماضية، إيقاف نشاط مكتبي للدراسات المعمارية لأكرّس كلّ وقتي لممارسة الرسم، وهذا للفت الأنظار من خلال العديد من لوحاتي، إلى التراث القسنطيني، لعلّنا نسارعُ إلى إنقاذ بعض ما يُمكن إنقاذه».
وتعترف هذه الفنانة بأنّ مغامرتها هذه لن تكون سهلة، ومع ذلك فهي تصرُّ على خوضها إلى النهاية، إذ تقول: «من المعروف عالميًّا أنّ الفنّ ليس من أيسر، ولا من أضمن الطرق لكسب العيش، والجزائر لا تُمثّل استثناء في هذا الميدان، لكن -الحمد لله- لاحظتُ أنّ الجمهور الجزائري، أو على الأقل فئة كبيرة منه، متعطشٌ لكلّ ما هو إنتاج ثقافي جيّد، وهذا ما يُشجّع الفنان على الاستمرار في مساره ويدفعه إلى التحسُّن دوما لإرضاء جمهوره، وهو الأمر الذي يدفعني برفقة الكثير من الفنانين على مواصلة حمل المشعل، ومن هؤلاء الفنانين أخصُّ بالذكر حسين زياني، ورشيد طالبي، وفايزة مغني، وغيرهم». وتعتبرُ رجاء صغير أنّ الجزائر تعرّضت في تاريخها القريب لهجمة استعمارية شرسة سعت لمحو هويتها، ولذلك كان على الفنانين والمثقفين استرداد هذه الهوية بالبحث والحفاظ على التراث الوطني وإدماجه في أعمالهم الفنيّة، وهي الأمانة التي حملها العديد من الفنانين لعلّ أبرزهم إيسياخم، وخدة، وباية، ومرزوقي، وبن يحي، وغيرهم، وكان لكلّ واحد من هؤلاء العمالقة لمستُه الفريدة.
يُشار إلى أنّ الفنانة رجاء صغير تُعدُّ من الفنانات الجزائريّات اللّواتي لا يُخفين تأثُّرهنّ بالفنانة الجزائرية باية محي الدين (1931 /1998)، مع فروقات في الأسلوب الفني، وقد شاركت رجاء صغير في العديد من المعارض، أهمُّها معرضٌ فرديٌّ بمتحف الفنون والتعابير الثقافية التقليدية الحاج أحمد باي (2022)، ومعرض جماعي بمنعة بولاية باتنة، ضمن تظاهرة ثقافية لإحياء تراث الأوراس (2022)، ومعرض جماعي في متحف سيرتا بقسنطينة (2023)، ومعرض جماعي ضمن فعالية ثقافية بمكتبة بوكزون لإحياء تراث مدينة قسنطينة (2023).
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الهندسة المعماریة هذه الفنانة
إقرأ أيضاً:
لقاء السفارة الإيرانية: محاولة لإحياء 8 آذار
كتب اسكندر خشاشو في" النهار":جمع كبير مستشاري المرشد الإيراني علي لاريجاني، ممثلي عدد من الأحزاب اللبنانية في مبنى السفارة الإيرانية في بيروت، خلال زيارته لبنان، في لقاء هو الأول من نوعه منذ بدء الحرب الموسعة على لبنان.
يأتي هذا اللقاء بعد تعرّض "حزب الله" لضربات إسرائيلية قاسية كان أبرزها اغتيال أمينه العام السيد حسن نصرالله، وما تبعها من ارتدادات على الشخصيات والأحزاب الحليفة التي تأثرت بهذا الحدث، حتى بدأت تخرج أصوات ممن كانوا "أهل البيت" لا تنسجم مع خطاب الحزب، فكان لا بد من ترميم هذه الشبكة، وإعادة الثقة إليها عبر التأكيد أن الراعي الإقليمي لا يزال حاضراً وداعماً، توازيا مع الصمود الميداني وإعادة تشكيل القيادة لدى الحزب وبدء عودته السياسية بعد غياب عن السمع لمدة طويلة.
شكلاً، بدا اللقاء صورة مستعادة عن فريق 8 آذار في بداياته، حين كان يقتصر على حلفاء سوريا فقط، ولكن مع تغيّر الراعي الرسمي وانتقاله من السوري إلى الإيراني.
وعلى الرغم من سلسلة الاتصالات الواسعة التي قامت بها شخصيات من "حزب الله" والسفارة الإيرانية في بيروت، لم ينجح اللقاء في ضم أحزاب أو شخصيات من خارج الدائرة اللصيقة بالثناني الشيعي أو بـ"حزب الله"، مع أن الحزب كان قد بنى علاقات تحالفية واسعة خارج إطار ما يسمى الشخصيات أو الأحزاب الوطنية، واستطاع تسجيل خروق واسعة على مستوى الطوائف الأخرى وخصوصاً السنية والمسيحية.
صورة الشخصيات المجتمعة، وجزء منها كان قد غدا طيّ النسيان، وآخرون كان "حزب الله" ابتعد عنهم بنفسه لإدراكه انتهاء دورهم في الحياة السياسية وعدم إمكان تعويمهم، أعادت إلى أذهان اللبنانيين مشهد مرحلة سوداء حملت الكثير من التفجيرات والقتل والتوترات السياسية، عمل معظم الأطراف على طيّها، فإذا بها تعود تحت راية جديدة.
غياب "التيار الوطني الحر" و"الجماعة الإسلامية" وعدد من الشخصيات التي كانت تعدّ حليفة أساسية للحزب، من نواب وعائلات سياسية كفريد هيكل الخازن وأسامة سعد وغيرهما من الشخصيات التي لا تزال تتمتع بحضور سياسي، أثر في شكل كبير على اللقاء وأفقده صفة التنوع، على الرغم من حضور "تيار المردة" والوزير السابق وئام وهاب الذي شنّ أخيرا أعنف هجوم على الجمهورية الإسلامية الإيرانية ودورها، وبدا كأنه حاضر لمحاولة استعادة دور ضاع منه في السنوات الأخيرة.
كان واضحا عدم رضا "حزب الله" عن اللقاء من خلال عدم تظهيره إعلامياً، والاكتفاء بتوزيع خبر لا يتجاوز السطرين عن لقاء مع مستشار السيد خامنئي تبعه اجتماع في الأونيسكو من دون إعلان وثيقة تحدد الأهداف، كما كان مقرراً في أثناء الدعوات، إنما جرى الاكتفاء بتوزيع أجزاء من كلمات وخطابات مكررة عن المقاومة وفلسطين لا تحاكي المرحلة، ولا تقدم أي رؤية مستقبلية، وهذا ما يؤكد عدم تحقيق الغاية التي عقد من أجلها، وصرف النظر عن فكرة إنشاء لجان صادرة عنه للتنسيق في ما بينها.
وعلمت "النهار" أن من بين أهداف اللقاء ليس التشديد على استمرار الرعاية الإيرانية ودعمها المطلق فحسب، بل تظهير نموذج مختلف أو مقابل للقاءات معراب واستعادة المبادرة وتأكيد جهوزية القوى والشخصيات لحماية خياراتها السياسية، وهنا أيضاً لم يؤد غايته، نتيجة الضعف التمثيلي الوطني للحضور.