حروب إسرائيل على غزة منذ عام 1948
تاريخ النشر: 22nd, December 2023 GMT
لا تكل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة من الدفاع عن حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني من خلال استخدام التعويذة المبتذلة التي تنادي بـ"حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها". ففي آب/ أغسطس 2022، قصفت آلة القتل الإسرائيلية الفلسطينيين في غزة على مدار ثلاثة أيام، مما أسفر عن مقتل 49 شخصا، من بينهم 17 طفلا.
ورغم أن تلك كانت المذبحة الكبرى الأخيرة التي ارتكبتها إسرائيل في غزة قبل حرب الإبادة الجماعية الحالية، فإنها لم تكن الأولى بكل تأكيد. فلكي نؤرخ لحروب إسرائيل على غزة وشعبها، ينبغي أن نعود إلى عام 1951، عندما بدأت إسرائيل بالإغارة على قطاع غزة الذي طردت إليه مئات الآلاف من الفلسطينيين بين نهاية عام 1947 وصيف عام 1950، عندما طردت مَن تبقى من الفلسطينيين البالغ عددهم 2500 فلسطيني من مجدل عسقلان، البلدة فلسطينية الواقعة على ساحل البحر الأبيض المتوسط. وقد قام الجيش الإسرائيلي بتحميل فلسطينيي مجدل عسقلان (المعروفة بمستوطنة "عشقلون" اليهودية اليوم) على شاحنات وطردهم إلى غزة.
غم أن تلك كانت المذبحة الكبرى الأخيرة التي ارتكبتها إسرائيل في غزة قبل حرب الإبادة الجماعية الحالية، فإنها لم تكن الأولى بكل تأكيد. فلكي نؤرخ لحروب إسرائيل على غزة وشعبها، ينبغي أن نعود إلى عام 1951، عندما بدأت إسرائيل بالإغارة على قطاع غزة الذي طردت إليه مئات الآلاف من الفلسطينيين
كما قامت إسرائيل بطرد 7000 فلسطيني بدوي إلى مصر خلال تلك الفترة وحتى عام 1955. وفي تشرين الأول /أكتوبر 1951، أغار الإسرائيليون على غزة وقتلوا "العشرات" من الفلسطينيين والمصريين، وهدموا "عشرات المنازل" وفجّروا الآبار، لردع محاولات الفلسطينيين المهجّرين من العودة إلى ديارهم عبر الحدود الدولية الجديدة التي أقامتها المستعمرة-الاستيطانية اليهودية.
وفي وقت سابق من آب/ أغسطس 1949، اعتقل الجنود الإسرائيليون لاجئَيْن فلسطينيَيْن (رجل وامرأة) حاولا العودة إلى وطنهما. فقتلوا الرجل، وتناوب 22 جنديا على اغتصاب المرأة قبل قتلها. وفي آذار/ مارس 1950، اعتقل الجنود الإسرائيليون فتاتين فلسطينيتين وصبيا عادوا من غزة عبر الحدود الجديدة، فقتلوا الصبي واغتصب الجنود الفتاتين ثم قتلوهما.
وقد كان اغتصاب الجنود ورجال الشرطة الإسرائيليين للاجئات فلسطينيات أثناء محاولتهن العودة إلى ديارهن أمرا شائعا في تلك الفترة، ولم يكن أمرا جديدا نظرا لمدى انتشار اغتصاب الصهاينة للنساء الفلسطينيات خلال نكبة 1948، أي قبل ذلك بعامين. فعلى سبيل المثال، في آب/ أغسطس 1950، اغتصب أربعة من رجال الشرطة الإسرائيلية لاجئة فلسطينية كانت تقطف الفاكهة من بستان عائلتها عبر حدود الضفة الغربية.
وقد استمرت الغارات الإسرائيلية على غزة في عام 1952، وبلغت ذروتها في مذبحة مخيم البريج للاجئين في آب/ أغسطس 1953، عندما قتلت الوحدة العسكرية الإسرائيلية رقم 101 ما لا يقل عن 20 لاجئا فلسطينيا، من بينهم سبع نساء وخمسة أطفال، عن طريق إلقاء القنابل عبر نوافذ أكواخ اللاجئين بينما كانوا نائمين، وأطلقت النار على الفارين فأصيب العشرات. وتشير مصادر أخرى إلى أن العدد النهائي للفلسطينيين الذين قتلوا في هذا الهجوم الإسرائيلي لا يقل عن 50 فلسطينيا. لم يذكر المراقبون الأجانب في تلك الفترة "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، بل وصفوا المذبحة بأنها "حادثة مروعة من القتل الجماعي المتعمد".
وفي العام نفسه، ذبح الإسرائيليون 70 مدنيا فلسطينيا في قرية قبية بالضفة الغربية، وهو ما دفع حتى جريدة "البريد الوطني اليهودي" الصادرة في مدينة إنديانابوليس والموالية لإسرائيل بمقارنة مذبحة قبية بالمذبحة التي ارتكبها النازيون في مدينة ليديسي في تشكوسلوفاكيا إبان الحرب العالمية الثانية. وفي شباط/ فبراير 1955، أغار الإسرائيليون على معسكر للجيش المصري في غزة، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 36 جنديا مصريا بالإضافة إلى مدنيَيْن فلسطينيَيْن، أحدهما طفل.
وحتى ذلك الحين، كانت السلطات المصرية تعمل على استرضاء الإسرائيليين من خلال حراسة الحدود ومنع "التسلل" الفلسطيني، ولكن بعد الغارة على غزة، انتفض الفلسطينيون ضد السلطات المصرية مطالبين بأسلحة للدفاع عن أنفسهم من الغارات الإسرائيلية المتواصلة. ونتيجة غضبه من الوحشية الإسرائيلية وعدوانيتها وتحت ضغط اللاجئين الفلسطينيين، استجاب الرئيس جمال عبد الناصر للمطلب الفلسطيني. وقامت مجموعة من الفدائيين الفلسطينيين بالانتقام من إسرائيل بمداهمة المستعمرة-الاستيطانية الغاصبة في آب/ أغسطس 1955 والتسلل إلى مسافة تصل إلى 27 ميلا داخل حدودها، ونصبوا كمائن للجنود وزرعوا الألغام وقاموا بمهاجمة المركبات والمباني، مما أسفر عن مقتل خمسة جنود وعشرة مدنيين.
وحتى لا يظن أحد أن الحكومة الإسرائيلية العنصرية اليهودية الحالية هي أول من استحضر قصة "العماليق" التوراتية لتوفير تبرير ديني لحرب الإبادة الجماعية الحالية ضد الفلسطينيين، كما فعل بنيامين نتنياهو مؤخرا، فقد كان في الواقع رئيس الوزراء العلماني ديفيد بن غوريون هو أول من استخدم هذا التشبيه قبل سبعة عقود. فبينما كان عبد الناصر يستعد لصد الغزو الإسرائيلي المتوقع في عام 1956، أعلن بن غوريون أن "جنود العماليق" قد شرعوا في إعادة تسليح أنفسهم من أجل "تدمير دولة إسرائيل وشعب إسرائيل".
وقد سبق كل هذه الأحداث الغزو الإسرائيلي لغزة ومصر في نهاية تشرين الأول/ أكتوبر 1956. وعندما بدأت إسرائيل باجتياحها لغزة، قصف الإسرائيليون مدينة خان يونس في 2 تشرين الثاني/ نوفمبر 1956 من الجو، مما أسفر عن مقتل العشرات من المدنيين قبل أن تدخل الدبابات الإسرائيلية المدينة يوم 3 تشرين الثاني/ نوفمبر. وقد قامت قوات الاحتلال باعتقال المقاومين وإعدامهم ميدانيا أو في منازلهم. وفي تلك الأثناء، وفي مخيم اللاجئين المجاور قام الإسرائيليون بجمع جميع الرجال والفتيان فوق سن 15 عاما في ساحة البلدة وشرعوا في إطلاق النار عليهم، مما أسفر عن مقتل ما بين 300 و500 شخص، الغالبية العظمى منهم من المدنيين ونصفهم من لاجئي عام 1948. وقامت إسرائيل بعد تلك المذابح باحتلال غزة وشبه جزيرة سيناء حتى تم إجبارها على الانسحاب من قبل الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي في شهر آذار/ مارس 1957.
في الأسابيع القليلة الماضية، فقد شملت المجازر الإسرائيلية المتواصلة في خان يونس، وهي ثاني أكبر مدينة في غزة (والتي أطلقت عليها إسرائيل اسم "منطقة قتال خطيرة" بعد أن كانت بمثابة منطقة آمنة لمليون فلسطيني كانوا قد فروا إليها من شمال غزة)،
أما في الأسابيع القليلة الماضية، فقد شملت المجازر الإسرائيلية المتواصلة في خان يونس، وهي ثاني أكبر مدينة في غزة (والتي أطلقت عليها إسرائيل اسم "منطقة قتال خطيرة" بعد أن كانت بمثابة منطقة آمنة لمليون فلسطيني كانوا قد فروا إليها من شمال غزة)، ذبح 30 مدنيا كانوا يحتمون بمدرسة من القصف الإسرائيلي الوحشي. فالمذبحة المستمرة والتي قتلت فيها إسرائيل عشرات الآلاف منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر تجعل المجازر الإسرائيلية الوحشية في عام 1956 تبدو إنسانية ورحيمة بالمقارنة.
وقد غزت إسرائيل قطاع غزة واحتلته مرة أخرى في عام 1967، وقامت بطرد 75 ألف فلسطيني من القطاع، ومنعت 50 ألف آخرين (كانوا يعملون أو يدرسون أو مسافرين خارج القطاع عندما غزته إسرائيل) من العودة إلى ديارهم. وقد صادرت إسرائيل 60 في المئة من أراضي الفلسطينيين وجميع مصادر المياه، التي خُصص معظمها للاستخدام الحصري للمستوطنين اليهود الذين كانوا يحصلون على 18 ضعف كمية المياه المتاحة للسكان الأصليين الفلسطينيين. وقد خُصص لكل مستوطن من اليهود 85 ضعف مساحة الأراضي (المسروقة) التي خُصصت لأصحاب الأرض الفلسطينيين. وأخضعت إسرائيل كافة السكان
الفلسطينيين لاحتلال عسكري عنصري، دمرت خلاله البنية التحتية الاقتصادية للقطاع حتى عام 2005.
ومنذ إعادة انتشار الجيش الإسرائيلي حول غزة في أيلول/ سبتمبر 2005 واحتجازها لمليونين ونصف مليون فلسطيني في معسكر الاعتقال الذي حوّلت قطاع غزة إليه، شن الإسرائيليون عددا من حملات القصف ضد المدنيين الفلسطينيين والمقاومة الفلسطينية المحتجزين داخل معسكر الاعتقال هذا، بما في ذلك في الأعوام 2006 و2008-2009 و2012 و2014 و2021، قتلت خلالها آلاف المدنيين.
وبما أن النصر الوحيد الذي حققه الجيش الإسرائيلي منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر هو ذبح الآلاف من المدنيين، وإصابة عشرات الآلاف، وتشريد أكثر من مليون فلسطيني، ناهيك عن تدمير المنازل والمباني السكنية والمستشفيات والمدارس والمكتبات والمباني البلدية والكنائس والمساجد، فقد فقدت إسرائيل سمعتها عن جاهزيتها العسكرية في المستقبل المنظور. ومع تزايد التفاصيل التي تتسرب حول قيامها بقتل مدنييها وتدمير منازلهم في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، فسوف تمر فترة طويلة قبل أن تتمكن إسرائيل من استعادة بعض من الجاذبية العسكرية غير المستحقة التي كانت تتمتع بها في الغرب وبين حلفائها العرب في السابق.
بما أن النصر الوحيد الذي حققه الجيش الإسرائيلي منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر هو ذبح الآلاف من المدنيين، وإصابة عشرات الآلاف، وتشريد أكثر من مليون فلسطيني، ناهيك عن تدمير المنازل والمباني السكنية والمستشفيات والمدارس والمكتبات والمباني البلدية والكنائس والمساجد، فقد فقدت إسرائيل سمعتها عن جاهزيتها العسكرية في المستقبل المنظور
لكن إحدى المفارقات الأكثر إثارة للاهتمام في ظل الحرب الإسرائيلية الحالية هي أنه في حين بدأت الإمبراطورية الأمريكية وأذنابها، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، في إعادة تسليح إسرائيل منذ 8 تشرين الأول/ أكتوبر دون توقف حتى تتمكن المستعمرة-الاستيطانية من مواصلة حرب الإبادة الجماعية، فإن المقاومة الفلسطينية التي لم تصلها أية أسلحة جديدة منذ ذلك التاريخ هي من تواصل تحقيق انتصارات عسكرية ضد الغزاة الإسرائيليين القساة الذين يمارسون الإبادة الجماعية. لم يكن الأمريكيون هم الطرف الرئيس في هذه الحرب ضد هذا الشعب المستعمَر والجريح فحسب، بل ذهب جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس بايدن، إلى أبعد من ذلك أيضا من خلال ربطه الولايات المتحدة بإسرائيل لدرجة أنه أشار إلى الفلسطينيين على أنهم "العدو". فقد ذكر سوليفان أنه "ناقش الشروط والتوقيت المناسب لإسرائيل لإنهاء المرحلة الحالية من عملياتها مع القادة الإسرائيليين". لكنه رفض تحديد إطار زمني، قائلا إن أيا منهما لا يريد "إرسال برقية للعدو حول الخطة".
فإذا كان أمريكيون مؤيدون لإسرائيل قد شبهوا مذبحة قبية عام 1953 بالمذبحة النازية في ليديس، وكتب كاتب العمود الإسرائيلي الأشكنازي الشهير يهوشوا رادلر فيلدمان، المعروف بالاسم المستعار "الحاخام بنيامين"، عن المذبحة التي ارتكبها الجنود الإسرائيليون في قرية كفر قاسم داخل إسرائيل في عام 1956 والتي راح ضحيتها 50 فلسطينيا من "مواطني إسرائيل": "إننا قريبا سنصبح مثل النازيين ومرتكبي المذابح"، فإنه يشير اليوم كل من المسؤولين الإسرائيليين والمتحدثين باسم المقاومة الفلسطينية إلى بعضهم البعض بصفة "نازيين".
ولكن إذا كان المسؤولون الفلسطينيون في المقاومة يشيرون إلى الحكومة الإسرائيلية وجيشها على أنهم نازيون وفاشيون، فإن المسؤولين الإسرائيليين يشيرون إلى الشعب الفلسطيني ككل على أنهم "نازيون". ونظرا للخطاب العنصري البغيض الذي تستخدمه إسرائيل الرسمية بشأن الفلسطينيين باعتبارهم "حيوانات" و"دون البشر"، والقوة غير العادية لآلة القتل الإسرائيلية العشوائية، والنطاق الفلكي لفظائع الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل، فإن مدى ملاءمة أو عدم ملاءمة هذا التشبيه هو أمر متروك للمراقبين. ولكن الحقيقة الساطعة أنه وعلى الرغم من أن الحجم المهول للفظائع الإسرائيلية في غزة لم يسبق له مثيل، إلا أن طبيعة هذه الجرائم غير الإنسانية تبقى جزءا لا يتجزأ من حلقات الحرب المستمرة التي تشنها إسرائيل بدعم لا محدود من حلفائها الأمريكيين وأتباعهم على الشعب الفلسطيني منذ عام 1948.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه إسرائيل الفلسطيني غزة المذابح إسرائيل فلسطين غزة مذابح مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة حرب الإبادة الجماعیة الجیش الإسرائیلی الولایات المتحدة من الفلسطینیین تشرین الأول من المدنیین إسرائیل فی فلسطینی من العودة إلى الدفاع عن ن فلسطینی الآلاف من قطاع غزة على غزة فی عام فی غزة
إقرأ أيضاً:
أشهر 7 حروب تجارية أميركية عبر التاريخ من الدجاج إلى الموز
تثير الحرب التجارية -التي بدأها الرئيس الأميركي دونالد ترامب فور توليه السلطة مع عدد من أبرز الاقتصاديات في العالم مثل الصين والاتحاد الأوروبي وكندا والمكسيك- العديد من التساؤلات حول دوافع الحروب التجارية وأهدافها والمنتصرين والخاسرين بها عبر التاريخ.
حرب ترامب التجاريةوفور توليه منصبه نفذ ترامب تهديداته التي أطلقها أثناء حملته الانتخابية، ففي مطلع فبراير/شباط الماضي وقّع أمرا تنفيذيا بفرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 25% على السلع المستوردة من كندا والمكسيك، و10% على الواردات من الصين.
ومن المرجح أن تؤدي التعريفات الجمركية، التي فرضها ترامب على العديد من القوى العظمى، إلى تقويض النظام الاقتصادي العالمي ونفوذ القوة الناعمة الأميركية في جميع أنحاء العالم وفقا للبروفيسور ساشا دومينيك باخمان والدكتور ناوايز ماكدونا في مقالة مشتركة لهما نشرها المعهد الأسترالي للشؤون الدولية.
وكان الرئيس الأميركي قد شن حربه التجارية الأولى مع العالم عام 2018 حيث شملت معارك متعددة مع الصين وكذلك حلفاء أميركا.
واستخدمت كل معركة مبررا قانونيا أميركيا معينا، مثل وصف الواردات الأجنبية بأنها تهديد للأمن القومي، يليه فرض ترامب للرسوم الجمركية أو الحصص على الواردات.
إعلانوقد أدى الانتقام اللاحق من قبل الشركاء التجاريين إلى إعاقة التجارة والاستثمار بشكل كبير في العالم، وفقا لمعهد بيترسون للاقتصاد الدولي "بي آي آي إي" (PIIE).
وكانت الصين الهدف الرئيسي للحرب التجارية التي شنها ترامب في فترته الرئاسية الأولى، وكان من أبرز نتائجها تخفيض بكين من اعتمادها التجاري الكبير على الولايات المتحدة حيث عززت مبيعاتها إلى جيرانها جنوب شرق آسيا وروسيا.
وفي الوقت نفسه، قادت فيتنام والمكسيك الطريق في تعميق العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة، وفقًا لتحليل بلومبيرغ نيوز للبيانات التجارية.
ويتجلى الانفصال الجزئي بين أكبر اقتصادين في العالم في الأرقام.
ففي الفترة من عام 2018 إلى 2024، انخفضت حصة الصين من إجمالي التجارة الأميركية (التي تقاس بمجموع صادرات وواردات السلع) من 15.7% إلى 10.9%، في حين انخفضت حصة الولايات المتحدة في تجارة الصين من 13.7% إلى 11.2%. وفقا لبلومبيرغ.
في هذا التقرير تسلط الجزيرة نت الضوء على أبرز حروب أميركا التجارية منذ تأسيسها وحتى عهد ترامب، كحرب الشاي بين أميركا وبريطانيا العظمى عام 1773، والحرب التجارية مع اليابان عام 1987، وغيرها من الحروب.
لكن قبل الدخول في التفاصيل لنتعرف على ماهية الحرب التجارية وسلبياتها وإيجابياتها.
ما الحرب التجارية؟هي نزاع اقتصادي بين بلدين، قد يحدث عندما تنتقم دولة من ممارسات تجارية تراها غير عادلة من دولة أخرى بفرض قيود مثل التعريفات الجمركية، على الواردات من تلك الدولة وفق منصة إنفستوبيديا.
وتبدأ الحروب التجارية غالبا عندما تعتقد حكومة دولة ما أن دولة أخرى تتبع ممارسات تجارية غير عادلة تضر بأسواق الدولة الأولى، وفي محاولة لحماية صناعتها المحلية أو إيجاد فرص العمل، قد تفرض الدولة حاجزًا تجاريًا، مثل فرض تعريفات جمركية على منتج رئيسي مستورد من الدولة الأخرى، وقد ترد الدولة الأخرى، وتتصاعد هذه المعركة المتبادلة إلى حرب تجارية وفقا لمنصة "سي إف آي".
إعلانوتعد الحروب التجارية عادة من الآثار الجانبية للسياسات الحمائية، وتشير الأخيرة إلى الإجراءات والسياسات الحكومية التي تقيد التجارة الدولية.
وتتخذ دولة ما عادة إجراءات حمائية بهدف حماية الشركات والوظائف المحلية من المنافسة الأجنبية، كما تستخدم الحمائية وسيلة لموازنة العجز التجاري بين الدول المتصارعة.
ويحدث العجز التجاري عندما تتجاوز واردات دولة ما كميات صادراتها، والتعريفة الجمركية هي ضريبة أو رسم مفروض على السلع المستوردة إلى دولة ما.
آثار الحروب التجارية على الاقتصادتُقسّم تأثيرات الحروب التجارية على الاقتصاد إلى تأثيرات قصيرة الأمد وأخرى طويلة الأمد. وفي الأمد القريب، يؤدي فرض الحواجز التجارية عموما إلى تحقيق هدف حماية الشركات المحلية وفق منصة "سي إف آي".
لكن في حالة اندلاع حرب تجارية، فإن الدولة الأخرى ترد بفرض سياساتها الحمائية الخاصة، وما يحدث في كثير من الأحيان أن الشركات المحلية التي تحظى بالحماية قد تستفيد من السياسات الموضوعة، ولكن العديد من الشركات الأخرى تنتهي إلى المعاناة لأن الدولة الأجنبية سوف تفرض حواجز على السلع الأخرى.
ويتفق خبراء الاقتصاد عموما على أن الحروب التجارية تضر بالاقتصاد على المدى الطويل، وتؤدي إلى تباطؤ الناتج المحلي الإجمالي، وتجعل الدولة أقل قدرة على المنافسة في السوق الدولية بشكل عام.
والفكرة وراء هذا هي مفهوم الميزة النسبية، فعندما تزيد الحكومة من تكلفة استيراد المنتجات، تنتقل بعض هذه التكاليف المرتفعة إلى المستهلك.
وحتى لو واجهت الصناعات المحلية الخاضعة للحماية قدرا أقل من المنافسة، فإنها لا تنتج بتكلفة أقل مما كانت عليه قبل تطبيق سياسة الحماية.
وتؤدي هذه الكلفة المرتفعة بشكل غير فعال بالنسبة لمستهلكي المنتج إلى انخفاض الاستهلاك، وتباطؤ الاقتصاد بشكل عام. وفي الأمد البعيد، قد يؤدي هذا في الواقع إلى انخفاض عدد الوظائف التي يتم إنشاؤها بالمجمل وفقا للمصدر السابق.
وفيما يلي قائمة بأبرز 7 حروب تجارية أميركية عبر التاريخ وفقا لمنصة "هيستوري" (history.com) وغيرها:
إعلان1- حرب الشاي 1773
طرفا الحرب: المستعمرون الأميركيون وبريطانيا العظمى. أدوات الحرب: الشاي.الضرائب بلا تمثيل" (Taxation without representation) كانت هذه صرخة التجمع الأميركي في 16 ديسمبر/كانون الأول 1773، في رصيف جريفين في بوسطن، عندما شن المستعمرون الأميركيون احتجاجا سياسيا على الضرائب التي فرضتها بريطانيا العظمى، بما في ذلك قانون الطوابع لعام 1765 وقوانين تاونسند لعام 1767 التي فرضت ضرائب على كل شيء من الصحف وأوراق اللعب إلى الطلاء والزجاج، وحتى الشاي.
وفي أعقاب مذبحة بوسطن عام 1770 (عندما أطلق جنود بريطانيون النار على بعض الأميركيين وقتلوا 5 منهم) ألغت بريطانيا كل هذه الضرائب باستثناء ضريبة الشاي، مما أدى إلى مقاطعة المستعمرات الأميركية لشركة الهند الشرقية البريطانية وتهريب الشاي.
وفي ليلة "حفل الشاي" الذي نظمته جماعة أبناء الحرية (التي ضمت جون هانكوك وجون آدامز وبول ريفير بين أعضائها) ذكرت التقارير أن 116 رجلا أميركيا ألقوا في البحر 342 صندوقا من الشاي أي نحو 92 ألف رطل من الشاي تقدر قيمتها بنحو مليون دولار وفقاً لمعايير اليوم.
نتائج الحرب: دفع ذلك البرلمان البريطاني والملك جورج الثالث إلى إصدار قوانين قسرية تضمنت، من بين أوامر أخرى، إغلاق ميناء بوسطن حتى يتم دفع ثمن الشاي، ووقف الانتخابات الحرة في ولاية ماساتشوستس، وإلزام الأميركيين بإيواء القوات البريطانية عند الطلب.وردا على ذلك، أرسلت المستعمرات الأخرى الإمدادات وحثت على إعلان حق المستعمرات في الحكم بشكل مستقل، وكان من أهم نتائج هذه الحرب بداية حرب الاستقلال الأميركية عن بريطانيا بعد فترة وجيزة، في 19 أبريل/نيسان 1775 وفقا للأرشيف البريطاني الوطني.
2- قانون سموت هاولي لعام 1930
أطراف الحرب: الولايات المتحدة وكندا وأوروبا ودول أخرى أدوات الحرب: آلاف السلع المستوردة إعلانكان الرئيس الأميركي هربرت هوفر قد بدأ في التعامل مع أزمة المزارع خلال السنوات الأولى من الكساد الكبير، فاقترح فرض تعريفات جمركية على الواردات الزراعية من الدول الأخرى.
ونتيجة لهذا الطلب، عرض السيناتوران ريد سموت وويليس سي. هاولي تشريعهما الخاص بالضرائب والتعريفات الجمركية على الدول المعنية، كما أضافا مجموعة من التعريفات الصناعية وفقا لمنصة مجلس الشيوخ الأميركي.
وجاء ذلك على الرغم من عريضة وقعها ألف خبير اقتصادي أميركي يطالبون فيها الرئيس هوفر برفض الخطة. لكن بلا جدوى، وردت الدول الأخرى بفرض تعريفات جمركية على الصادرات الأميركية، مما أضاف المزيد من الضغوط على الاقتصاد المدمر بالفعل.
نتائج الحرب: اعتبر الكثيرون أن قانون سموت هاولي كان كارثة، وأدى إلى ردود فعل انتقامية من دول أخرى، بما في ذلك كندا، كما ساهم في انخفاض الصادرات الأميركية بنسبة 61% عام 1933، وعرقل التعافي الاقتصادي خلال فترة الكساد.وبفضل فشل قانون سموت هاولي إلى حد كبير، خسر هوفر الانتخابات التالية أمام فرانكلين روزفلت (تم إقصاء سموت وهاولي كذلك) وحل قانون روزفلت لاتفاقيات التجارة المتبادلة لعام 1934 محل قانون سموت هاولي، مما سمح للرئيس بالتفاوض على تخفيض التعريفات الجمركية مع الدول المشاركة في الحرب بما فيها كندا.
3- حرب الدجاج 1962
أطراف الحرب: الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا الغربية. أدوات الحرب: الدجاج والشاحنات وسلع أخرى.مع صعود تربية الدجاج الصناعي المنتج بكميات كبيرة في أميركا، استجاب العالم بشراء الدواجن الأميركية الأرخص، وارتفعت واردات الدجاج في أوروبا مما أدى لكساد صناعة الدجاج الأوروبية.
ولم يرق هذا لفرنسا وألمانيا الغربية وعدد من الدول الأوروبية، فبدأت حرب الدجاج منتصف عام 1962 عندما رفعت الدول الأعضاء الست في السوق المشتركة (فرنسا وألمانيا الغربية وإيطاليا وبلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ) التعريفة الجمركية الخارجية المشتركة على الدواجن إلى 13.43 سنتاً للرطل. وفي ألمانيا، أكبر سوق لصادرات الدجاج الأميركية، كانت التعريفة الجمركية 4.8 سنتات للرطل، وفقا لصحيفة نيويورك تايمز.
إعلانوأدت الضرائب الأوروبية الجديدة إلى خسائر كبيرة في صناعة الدواجن الأميركية. ومع تزايد الغضب، ردت الولايات المتحدة بقيادة الرئيس ليندون جونسون بفرض ضريبة بنسبة 25% على "الشاحنات الخفيفة" بما في ذلك حافلات فولكس فاغن، ونشا البطاطس، والديكسترين.
نتائج الحرب: تضررت صناعة السيارات في أوروبا وكذلك في اليابان أيضا بشدة من الضريبة، التي لا تزال مفروضة على الشاحنات الخفيفة. وقد وجدت بعض العلامات التجارية، بما في ذلك تويوتا وإيسوزو، ثغرات في القانون مثل إنشاء مصانع تجميع على الأراضي الأميركية، للالتفاف على هذه الضريبة.4- حروب الأخشاب بين كندا والولايات المتحدة 1982
طرفا الحرب: الولايات المتحدة وكندا أدوات الحرب: الأخشاب اللينة (مثل أشجار الصنوبر والأرز والتنوب)تحصد كندا الأخشاب من الأراضي العامة أي غير المملوكة لأحد، وتحدد الحكومة أسعار السوق. أما الولايات المتحدة فتحصد الأخشاب في الغالب من الأراضي الخاصة، حيث يحدد السوق الأسعار.
وعام 1982، زعمت الولايات المتحدة أن كندا تدعم "الأخشاب اللينة" بشكل غير عادل مما أدى إلى سنوات من النزاعات واستمرار فرض التعريفات والرسوم الجمركية على الأخشاب الكندية.
نتائج الحرب: في حين كان من المتوقع أن تدفع كندا مئات الملايين من الدولارات رسوما جمركية على الأخشاب اللينة، واجه المستهلكون الأميركيون كذلك أسعارا قياسية للأخشاب مع ازدهار بناء المنازل على مدى سنوات طويلة وصولا لوقتنا الحاضر.ووفقًا لمؤسسة "راندوم ليننقز للنشر" ارتفعت كلفة الأخشاب الكندية بنحو 40% بحلول عام 2018 على المستهلكين الأميركيين.
5- الحرب التجارية مع اليابان عام 1987
طرفا الحرب: الولايات المتحدة واليابان أدوات الحرب: السيارات، والإلكترونيات، والدراجات الناريةفي ثمانينيات القرن العشرين، كانت اليابان بمثابة الشر الأكبر، وكان اقتصادها مزدهراً، واحتل المركز الثاني بين أكبر اقتصادات العالم، وكان كثيرون في الولايات المتحدة يخشون أن يتصدر.
إعلانونُشرت مقالات تحذر من "تحول أميركا إلى اليابان" أو "بيرل هاربور الاقتصادية" واستحوذت الشركات اليابانية على شركات ومعالم أميركية، وحذر المشرعون والمعلقون من العجز التجاري المتزايد بين البلدين، واشتكوا من قيام الشركات اليابانية بسرقة الملكية الفكرية الأميركية واستغلال الصفقات التجارية غير العادلة وفقا لشبكة "سي إن إن) ولنلاحظ أن هذه هي نفس التهم الموجهة للصين حاليا.
وعام 1987، ضاعف الرئيس رونالد ريغان أسعار الواردات من أجهزة الحاسوب والأدوات الكهربائية وأجهزة التلفاز اليابانية بقيمة 300 مليون دولار، وقالت الإدارة إن الرسوم الجمركية المفروضة كانت ردا على فشل اليابان في الامتثال لاتفاق يقضي بأن تسمح البلاد بمزيد من الواردات الأميركية إلى أسواقها وتتوقف عن تسعير رقائق الحاسوب الأميركية شبه الموصلة بأقل من قيمتها الحقيقية، كما خضعت السيارات اليابانية كذلك لرسوم جمركية مرتفعة.
نتائج الحرب: اختارت اليابان عدم الرد، وقال وزير التجارة الدولية حينها، هاجيمي تامورا، للصحافة "على أمل منع هذه القضية من التسبب في أضرار جسيمة لنظام التجارة الحرة العالمي، قررت الحكومة، من هذا المنظور الأوسع، عدم اتخاذ أي تدابير انتقامية على الفور".ويقول الاقتصاديان آنا تشو وإيثان هاريس من بنك أوف أميركا إن الرسوم الجمركية لم تبطئ العجز التجاري للولايات المتحدة، وشهدت السيارات اليابانية انخفاضا بنسبة 3% في أميركا، ودفع المستهلكون الأميركيون ما يقدر بنحو 53 مليار دولار إضافية بسبب الرسوم الجمركية على الواردات.
6- حرب الموز عام 1993
أطراف الحرب: الولايات المتحدة، أوروبا، أميركا اللاتينية. أدوات الحرب: الموز والسلع الفاخرة الأوروبية.لا يزرع الموز بكثرة في الولايات المتحدة باستثناء ولايتي هاواي وفلوريدا، لكن ماذا عن مزارع الموز في أميركا اللاتينية؟ علما بأن العديد منها مملوكة لشركات أميركية.
إعلانوقد اشتكت الولايات المتحدة عام 1993 عندما فرضت أوروبا تعريفات جمركية عالية على الفاكهة القادمة من أميركا اللاتينية حتى تتمكن مستعمراتها السابقة في منطقة الكاريبي من الحصول على ميزة بالسوق.
ورداً على ذلك، فرضت الولايات المتحدة تعريفات جمركية على سلع مثل حقائب اليد الفرنسية والمفروشات البريطانية ولحوم الخنزير الدانماركية.
نتائج الحرب: بعد تقديم 8 شكاوى إلى منظمة التجارة العالمية، وافق الاتحاد الأوروبي عام 2009 على تخفيف التعريفات الجمركية تدريجيًا. وعام 2012، انتهت حرب الموز أخيرًا، وقالت وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك مادلين أولبرايت "لم أتخيل قط في حياتي أنني سأقضي كل هذا الوقت في تناول الموز".7- حرب الصلب لعام 2002
طرفا الحرب: الولايات المتحدة وأوروبا. أدوات الحرب: الفولاذ والبرتقال.في محاولة لتعزيز صناعة الصلب المتدهورة في أميركا، فرض الرئيس جورج دبليو بوش تعريفات جمركية مؤقتة تتراوح بين 8% و30% على واردات الصلب.
وتم إعفاء كندا والمكسيك بسبب قضايا اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية، لكن الاتحاد الأوروبي رد بسرعة بفرض تعريفات جمركية على البرتقال من فلوريدا والسيارات الأميركية وغيرها من السلع.
كما تم تقديم شكوى ضد الولايات المتحدة لمنظمة التجارة العالمية التي وجدت أن الولايات المتحدة تنتهك التزاماتها بمعدلات التعريفات الجمركية، وهو ما أدى لإنهاء بوش التعريفات الجمركية في غضون 18 شهرا، وذلك قبل فترة السنوات الثلاث المخطط لها سابقا.
نتائج الحرب: على الرغم من أن خبراء الاقتصاد يعتبرون هذه الرسوم الجمركية مجرد هراء، إلا أنها أدت إلى ارتفاع أسعار الصلب، ووفقا لمؤسسة "تاكس فاونديشن" أدت إلى خسارة ما يقرب من 200 ألف وظيفة في قطاع استهلاك الصلب، وهي خسارة أكبر من إجمالي عدد الوظائف في قطاع إنتاج الصلب في ذلك الوقت والذي بلغ 287 ألفا و500 وظيفة. إعلانوفي الختام، وكما يلاحظ من حروب أميركا التجارية عبر التاريخ، فقد أدت إلى حدوث نتائج عكسية في الغالب الأعم، من فقدان الوظائف إلى تباطؤ الاقتصاد، فضلا عن تأثيراتها السلبية الكبرى على التجارة والاقتصاد العالمي، ولا يتوقع أن تؤدي حروب ترامب الحالية لنتائج مغايرة وفقا لعدد كبير من الخبراء والمحللين الاقتصاديين عبر العالم.