مسؤولو البنك المركزي الأمريكي يحاولون التمسك بالهبوط الناعم للاقتصاد
تاريخ النشر: 22nd, December 2023 GMT
عادت الأيام السعيدة مرة أخرى إلى مركز المال والأعمال في وول ستريت بمدينة نيويورك. وجيروم باول رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) هو نجمُ السوق الآن.
في يومي الأربعاء 13 ديسمبر والخميس 14 ديسمبر ارتفعت أسعار الأسهم بعدما أشار باول وزملاؤه في البنك إلى أنهم في الغالب سيخفضون سعرا رئيسيا للفائدة ثلاث مرات خلال عام 2024.
وشهدت أسعار فائدة السوق المرتبطة بإجراءات البنك هبوطا حادا بسبب توقعاتٍ بأن يصبح التحول في سياسة البنك المركزي واقعا فعليا.
قبل فترة وجيزة، ذكر باول الذي قضي العامين السابقين وهو يحاول خفض التضخم أن الوقت مبكر جدا للنظر في إجراء تخفيضات في سعر الفائدة. لكن في مؤتمر صحفي يوم الأربعاء (13 ديسمبر) وعقب اجتماعٍ لواضعي السياسات في البنك قال: " ذلك حقا ما حدث في اجتماع اليوم."
وأظهرت عدة تقديرات جديدة أن مسؤولي بنك الاحتياط الفيدرالي يتوقعون الآن تراجع سعر فائدة أموال المصارف الاحتياطية المودعة لدى البنك والذي يتحكمون فيه إلى حوالي 4.6 تقريبا بنهاية العام القادم. هذا المعدل أقل بحوالي ثلاثة أرباع نقطة مئوية من المعدل الحالي. وترجم المحللون هذه الأرقام إلى ثلاث تخفيضات في سعر الفائدة تساوي كل منها حوالي ربع نقطة مئوية في عام 2024.
"جيروم باول قام بأداء دور سانتا كلوز مبكرا،" حسب عبارة ديانا سوانك كبيرة الاقتصاديين بشركة المحاسبة كيه بي إم جي والتي نقلتها عنها صحيفة وول ستريت جورنال. (تقصد سوانك بذلك أن باول بوعده خفض سعر الفائدة قدَّم هدية عيد ميلاد اقتصادية قبل الموعد الذي يقدم فيه سانتا كلوز عادة هدايا عيد ميلاد السيد المسيح - المترجم).
بالنسبة للمستثمرين كان ذلك صحيحا بالتأكيد. والدلالات التي ينطوي عليها تتجاوز كثيرا سوق الأسهم. فالتخفيضات في سعر فائدة بنك الاحتياط الفيدرالي ستقلل على الأرجح تكلفة الاقتراض لكل شيء من قروض المنازل إلى قروض السيارات والسحب على المكشوف بالنسبة للشركات.
أما فوائد قروض الرهن فتنخفض فعلا. وفي يوم الخميس (14 ديسمبر) تراجعت إلى أقل من 7%. كما يمكن أن تترتب عن انخفاض كلفة اقتراض الأموال عواقب بالنسبة لانتخابات الرئاسية الأمريكية في العام القادم. (سبق أن عزا جورج دبليو بوش خسارته انتخابات عام 1992 لصالح بيل كلينتون إلى السياسات النقدية المتشددة التي طبقها رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي وقتها آلان جرينسبان).
لكل هذه الأسباب يجدر طرح السؤال التالي: لماذا قرر باول وزملاؤه في البنك الفيدرالي أن الوقت حان لإحداث مفاجأة قبل حلول عيد الميلاد؟
التفسير الأكثر إقناعا أنهم يستجيبون لهبوط حاد في معدل التضخم. إنه هبوط جعل معدل الزيادات في أسعار السلع والخدمات قريبا جدا من المعدل الذي يستهدفه البنك وهو 2%. لشهور ظل باول يحاجج بأننا نحتاج إلى رؤية المزيد من التقدم على صعيد التضخم وأن تخفيضات سعر الفائدة لن تكون مبررة حتى يتحقق ذلك التقدم بالفعل.
والآن مع هبوط التضخم إلى حوالي 3% وهو معدل يقرب من نقطة مئوية واحدة أو نحو ذلك من هدف بنك الاحتياط الفيدرالي (2%) يستجيب باول وزملاؤه للمخاوف من الاشتطاط في محاربة التضخم ودفع الاقتصاد نحو الانكماش.
" لقد انهار التضخم أمام أعينهم ووجب عليهم تغيير (السياسة النقدية) بسرعة،" هذا ما ذكره لي تيم دوي أحد قدامى مراقبي بنك الاحتياط والآن كبير الاقتصاديين المختصين بشؤون الولايات المتحدة في شركة إس جي إتش ماركو آدفايزرز. وأضاف دوي قائلا: " الطريقة التي يفكر بها البنك تجاه التضخم هي أنه إذا هبط ولم يحدث تغيير في أسعار الفائدة سيعني ذلك عمليا تشديد الأوضاع المالية. وهم لا يريدون ذلك".
المفهوم المفتاحي هنا هو التمييز بين أسعار الفائدة الاسمية والحقيقية. فإذا كان سعر الفائدة 5% لكن معدل التضخم يساوي 5% ويتوقع الناس أن يستمر سعر الفائدة عند ذلك المعدل (5%) سيكون سعر الفائدة الحقيقي (بعد حساب معدل التضخم) صفرا. وإذا هبط معدل التضخم إلى 3% لكن ظل سعر الفائدة الاسمي عند 5% سيرتفع سعر الفائدة الحقيقي بنسبة 2% على الرغم من عدم حدوث أي تغيير في سعر الفائدة الاسمي (أي بقاؤه عند نسبة 5%).
ذلك ما ظل يحدث تقريبا منذ شهر مارس هذا العام في الولايات المتحدة. وفيما حافظ بنك الاحتياط على سعر الفائدة بين البنوك عند معدل يتراوح بين 5.25% الى 5.5% هبط المعدل السنوي لتضخم سعر المستهلك من 5% إلى 3.1%. وإذا كان من المتوقع أن يظل التضخم عند حوالي هذه المستويات فقد ارتفع سعر الفائدة الحقيقي من معدل قريب من الصفر إلى حوالي 2% تقريبا خلال الشهور التسعة الماضية.
يعتقد الاقتصاديون أن أسعار الفائدة الحقيقية تؤثر على عدة أنواع من الإنفاق بما في ذلك الاستثمار السكني والتجاري. وإذا لم يكن بنك الاحتياط الفيدرالي قد تجاوب مع الارتفاع في أسعار الفائدة الحقيقية لكان من المتصور أن يهدد "هذا الارتفاع" الهبوط الناعم للاقتصاد والذي يبدو الآن وشيكا ودانية قطوفه. (الهبوط الناعم أو السلس بعكس الهبوط الخشن يعني إبطاء نمو الاقتصاد دون التسبب في انكماشه وذلك بتعديل السياسة النقدية للبنك المركزي من أجل تحقيق أوضاع اقتصادية مستقرة ومستدامة- المترجم)
من وجهة النظر هذه يمكن اعتبار التحول في السياسة النقدية للبنك إجراءً وقائيا ضروريا أكثر منه إعلانا بالانتصار على التضخم.
وفي تعليقاته يوم الأربعاء (13 ديسمبر) بدا جيروم باول حريصا على تأكيد أن بنك الاحتياط الفيدرالي لم يكن يتبع أية قاعدة حسابية تربط سعر فائدة البنك بالتضخم. لكنه أيضا أقر بأن أسعار الفائدة الحقيقية "شيء نحن منتبهون له جدا وواعون به ونراقبه."
وفي الشهر الماضي أشار كريستوفر وولر وهو أحد زملائه إلى تغيير سياسة البنك في الأسبوع الماضي وحاجج بأن الهبوط في التضخم يبرر انخفاض أسعار الفائدة على أساس كل قاعدة من قواعد السياسة النقدية تقريبا بصرف النظر عن كيفية أداء باقي الاقتصاد.
يقينا أكد باول أيضا عزم البنك على تحقيق هدفه المتمثل في الوصول الى معدل تضخم يبلغ 2%، بل حتى رفع أسعار الفائدة مرة أخرى إذا دعت الضرورة. وقال في مؤتمره الصحفي "هذه التوقعات لم تتولَ صياغتها أو تقررها لجنة." وأضاف "إذا لم يتطور الاقتصاد بناء على التوقعات المرسومة سيتم تعديل مسار السياسة النقدية متى اقتضى الأمر ذلك."
لكن باول قال أيضا أنه وزملاؤه في البنك لا يتوقعون رفعا آخر لسعر الفائدة. هذا فيما تتوقع أسواق المال أول خفض لسعر الفائدة في مارس القادم. وفي يوم الخميس 14 ديسمبر توقع بنك جولدمان ساكس أن تكون هنالك تخفيضات في ثلاثة اجتماعات متتالية لبنك الاحتياط الفيدرالي في مارس ومايو ويونيو. إذا اتبع البنك هذا الجدول الزمني ربما سيُثبِّت أسعار الفائدة في النصف الثاني من عام 2024.
لقد شدد باول على أن السياسة لا تلعب دورا في مداولات بنك الاحتياط الفيدرالي. لكن كل رؤساء البنك تقريبا سيفضلون النأي بعيدا وتجنب جذب الانتباه أثناء الحملات الانتخابية إذا أمكن ذلك.
كاسيدي كاتب ومحرّر بمجلة نيويوركر
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: السیاسة النقدیة أسعار الفائدة سعر الفائدة معدل التضخم تخفیضات فی فی البنک فی سعر
إقرأ أيضاً:
عاجل - ما هو مصير سعر الفائدة؟ البنك المركزي يستعد لاتخاذ قرار مهم في اجتماعه المقبل
اجتماع البنك المركزي المصري المقبل غدا الخميس الموافق 21 نوفمبر 2024 يأتي في سياق اقتصادي يشير إلى استقرار نسبي في المؤشرات الرئيسية، مع استمرار نهج تثبيت أسعار الفائدة في الاجتماعات السابقة لهذا العام. حتى الآن، لم تتخذ لجنة السياسة النقدية أي قرارات لرفع أو خفض أسعار الفائدة منذ مارس 2024، حيث تم رفعها حينها بمقدار 600 نقطة أساس.
من المتوقع أن يواصل البنك المركزي المصري سياسته الحذرة ويُبقي على أسعار الفائدة عند مستوياتها الحالية في اجتماع نوفمبر 2024، مع تأجيل أي تخفيضات حتى يتم التأكد من استقرار التضخم واستمرار تحسن المؤشرات الاقتصادية.
التوقعات لقرار الاجتماع المقبلالتثبيت المحتمل لأسعار الفائدة:مع تحسن المؤشرات الاقتصادية، مثل استقرار التضخم عند مستويات أقل من التوقعات الأخيرة (26.5% في أكتوبر)، وارتفاع احتياطيات النقد الأجنبي، يبدو أن البنك المركزي قد يستمر في تثبيت أسعار الفائدة عند مستوياتها الحالية.هذا التوجه يتماشى مع خطط الحكومة المصرية المعلنة لتقليل أسعار الفائدة تدريجيًا إلى 15% بحلول نهاية 2025، ولكن عبر مراحل تتطلب تخفيضًا مدروسًا يتزامن مع السيطرة على التضخم.أسباب تثبيت أسعار الفائدةاستقرار التضخم:
على الرغم من الزيادة الأخيرة في أسعار الوقود، لم يشهد التضخم ارتفاعًا كبيرًا، مما يعطي مساحة للاستقرار النقدي.
تحسن في السيولة النقدية:
تدفق الاستثمارات الأجنبية، وارتفاع صافي احتياطيات النقد الأجنبي إلى 46.94 مليار دولار، يشيران إلى تحسن الوضع المالي الخارجي.
التزام بجدول تخفيض الفائدة:
الحكومة والبنك المركزي يعملان على تخفيض تدريجي للفائدة ضمن خطة طويلة الأجل لتقليل تكلفة التمويل وتحفيز النمو الاقتصادي.
تجنب تأثير سلبي على الجنيه:
الإبقاء على أسعار الفائدة عند مستوياتها المرتفعة يدعم استقرار الجنيه المصري ويجذب المستثمرين الأجانب للاستثمار في أدوات الدين.
نظرة على القرارات السابقة في 2024:مارس: رفع الفائدة بـ600 نقطة أساس لمواجهة الضغوط التضخمية.مايو، يوليو، سبتمبر، وأكتوبر: تثبيت الفائدة عند مستويات 27.25% للإيداع و28.25% للإقراض.
وفي مذكرة بحثية حديثة توقعت إدارة البحوث المالية بشركة "أتش سي" للأوراق المالية والاستثمار تثبيت لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزي المصري أسعار الفائدة في اجتماعها المقرر عقده الخميس المقبل.
وقالت محلل الاقتصاد الكلي بالشركة هبة منير إن مصر شهدت استقرارًا في موقفها الخارجي، بل وتحسنًا في بعض المؤشرات، منها ارتفاع صافي احتياط النقد الأجنبي بنحو 205 مليون دولار على أساس شهري في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي إلى 46.94 مليار دولار من 46.73 مليار دولار في سبتمبر (أيلول) الماضي.
وصعد مركز صافي أصول القطاع المصرفي المصري من العملة الأجنبية 6.0 في المئة على أساس شهري إلى 10.3 مليار دولار في سبتمبر، مقارنة بمركز صافي التزامات للقطاع المصرفي من العملة الأجنبية يبلغ 26.8 مليار دولار في الشهر نفسه من العام السابق.
تداعيات زيادة أسعار الوقودوفي سياق المؤشرات الإيجابية انخفض مؤشر قيمة مبادلة أخطار الائتمان في مصر مدة عام واحد إلى 349 نقطة أساس حاليًا، من 857 نقطة أساس في الأول من يناير (كانون الثاني). وأشارت "أتش سي" إلى أنه على صعيد النشاط الاقتصادي ارتفع مؤشر مديري المشتريات في مصر بشكل طفيف إلى 49.0 في أكتوبر، بعدما سجل 48.8 في سبتمبر، ليظل دون مستوى الـ50.0، مما يشير إلى استمرار حال عدم نمو القطاع غير النفطي في مصر. ومع ذلك، أظهرت المكونات الفرعية لحساب مؤشر مديري المشتريات مؤشرات مختلطة، إذ كان مكونا الإنتاج والطلبات الجديدة فقط السبب في بقاء قيمة المؤشر دون مستوى الـ 50.0 نقطة. وذكرت أن معدل التضخم انخفاض في أكتوبر إلى 26.5 في المئة، أي أقل من التوقعات البالغة 28.5 في المئة، على رغم زيادة أسعار البنزين بنسبة بين 11 و13 في المئة والسولار بنسبة 17 في المئة منتصف أكتوبر الماضي، لكن من المتوقع استمرار الضغوط التضخمية، إذ من المرجح أن يشهد نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري التأثير الكامل لزيادة أسعار الطاقة، علاوة على أن حجم التدفقات المستفيدة من فروق السعار في مصر لا تزال جذابة نظرًا إلى عدم وجود توقعات بتراجع كبير في قيمة الجنيه المصري حتى نهاية العام الحالي وفي عام 2025.