بعبع معاداة إسرائيل في حرم الحريات الأكاديمية الأميركية
تاريخ النشر: 22nd, December 2023 GMT
خلال جلسة استماع استغرقت ساعات يوم 5 ديسمبر/كانون الأول الجاري، استجوب أعضاء الكونغرس ثلاثة رؤساء لبعض من أرقى المؤسسات التعليمية في الولايات المتحدة، وهي جامعة هارفارد ومعهد ماساشوستس للتقنية (MIT) وجامعة بنسلفانيا، بشأن مسألة معاداة السامية في جامعاتهم.
وكانت النائبة الجمهورية إليز ستفانيك هي التي جذبت الأنظار، حين سألت الرؤساء ذات السؤال مرارا وتكرارا: هل تعتبر الدعوة إلى إبادة اليهود في حرم جامعتك تحريضا، نعم أم لا؟ متبعة في استجوابها أسلوبا استفزازيا عدائيا لا يليق في مخاطبة رؤساء بعض من أعرق الجامعات في العالم!
وبدت -بشكل واضح- محدودية معرفتها بالكلمات والتعبيرات العربية، مثل "الانتفاضة"، وشعار "من النهر إلى البحر"، التي استخدمها الطلاب المؤيدون لفلسطين في مظاهراتهم، حين فسّرتها -بمنتهى السذاجة والجهل- على أنها دعوة لإبادة اليهود! ومارست خلطا بين رفض السياسات الإسرائيلية من جهة والمطالبة بإبادة اليهود ومعاداة السامية من جهة أخرى!
كان سؤال ستيفانيك فخا، فقد أوحى بأن الدعوات إلى إبادة اليهود في الحرم الجامعي منتشرة، رغم أنها لم تقدّم أي دليل على قيام أيٍّ كان، منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، بالدعوة إلى إبادة اليهود في أي حرم جامعي أميركي، إلى جانب حقيقة أخرى وهي أن هناك يهودا بين المنتقدين لإسرائيل، وعادة ما يقفون جنبا إلى جنب مع الهاتفين ضد مجازر إسرائيل!
لا يمكن الردّ على مثل سؤال ستيفانيك المتعدد الأفكار والمختلط بين الواقع والمفترض بمجرد "نعم" أو "لا"، فالجامعات ملزمة بالدستور الأميركي الذي يحظر سنّ أي قوانين تحدُّ من حرية التعبير، وهي لا تعتبر التعبير بحدّ ذاته تحريضا، ما لم يستهدف الأفراد وأن يكون خطيرا ومنتشرا ومسيئا بشكل موضوعي بحيث يحول دون وصولهم إلى فائدة أو فرصة تعليمية.
وهذا ما ركزت عليه رئيسة جامعة هارفرد وباقي رئيسات الجامعات في ردودهن، متأثرات إلى حد بعيد بمبادئ الحريات الأكاديمية، وربما بما ورد في كتاب "الحرية" لجون ستيوارت، حين أعلى من قيمة حرية الفرد، بما فيها حرية الفكر والمناقشة، واعتبرها واحدة من عوامل رفاه المجتمع.
ورغم أن الجلسة جاءت في خضم تصاعد العداء تجاه مؤيدي القضية الفلسطينية ومنتقدي إسرائيل، وزيادة التهديدات التي يواجهها الطلاب وأعضاء هيئة التدريس من الفلسطينيين والعرب والمسلمين، حيث وصلت إلى حدّ القتل في بعض الحالات، فضلا عن التضييق المؤسسي على الجمعيات الطلابية المتعاطفة مع فلسطين؛ فإن جلسة الكونغرس لم تتطرق إلى هذه القضايا بأي شكل!
وعلى الرغم من توضيحها في مقطع فيديو بعد الجلسة، فإن الضغوط نجحت في إجبار ليز ماغيل رئيسة جامعة بنسلفانيا على الاستقالة، وما زالت رئيسة جامعة هارفارد صامدة رغم كل الضغوط وحالة الذعر الأخلاقي بشأن "إساءة استخدام سلطة المانحين، وجمع مانحين آخرين للضغط على هذه المؤسسات لتتخذ مواقف أقوى ضد الاحتجاجات المناهضة لإسرائيل في الحرم الجامعي، واتهامها بمعاداة السامية".
وعندما وجّهت ستيفانيك سؤالا بشأن التمويل الأجنبي بقيمة 1.5 مليار دولار لقسم دراسات الشرق الأوسط في هارفارد، وهي ذات القضية التي أثارها النائب كومير غريلز في سؤاله لرئيسة معهد ماساشوستس للتقنية سالي كورنبلوث حول ما يقارب 5 مليارات دولار تدفقت على المعهد من مصادر أجنبية وصفها "بالمعادية لقيم الولايات المتحدة والداعمة للإرهاب"، كانت على رأسها دولة قطر ودول عربية أخرى؛ أكدت رئيسات الجامعات على أن التمويل الأجنبي لا يتدخل في طبيعة البحوث واستقلاليتها.
وأشير هنا لبحث "التمويل العربي للجامعات الأميركية: المانحون والمستفيدون والأثر" لميتشل جي بارد، حيث يشير إلى أن 258 جامعة أميركية -وفقا لوزارة التعليم الأميركية- قد تلقت بين عامي 1986 و2021 مساهمات تصل قيمتها إلى ما يقرب من 8.5 مليارات دولار من مصادر عربية، أكثر من 80% منها جاءت من ثلاث دول: 51% من قطر، و25% من السعودية، و13% من الإمارات.
ويُلاحظ الباحث أن هذه المساهمات تهدف إلى تعزيز هيمنة الدول العربية وحكوماتها على مجال دراسات الشرق الأوسط في الأوساط الأكاديمية الأميركية، وهذا يأتي في سياق اتهام تلك الدول بدعم التطرف والإرهاب. وبالرغم من تركيز هذه المساهمات على تعزيز العلاقات الأميركية العربية، يؤكد الباحث أنها لا تستهدف انتقاد إسرائيل. وعلى الرغم من طابعها غير السياسي، يشير الباحث إلى أنها تسهم بشكل كبير في مجالات مثل الرعاية الصحية والعلوم. وبينما تسعى لإنشاء فروع للجامعات الأميركية في الشرق الأوسط، أو دعم البحث، أو دعم الطلاب العرب في الجامعات الأميركية؛ فإن معظم هذه المساهمات تركز على التعليم والبحث، وليست بالضرورة على المساحة السياسية.
ولم يقتصر الضغط على الجامعات للدفاع عن إسرائيل من قبل السياسيين والمانحين، بل تعدى ذلك إلى جهات تعمل داخل الحرم الجامعي. ولنأخذ نموذجا يعرفه جيدا كل من يرتبط بالجامعات الأميركية، وهو منظمة "خريجون من أجل العدالة في الحرم الجامعي" (Alums for Campus Fairness) التي تشكل بعبعا مزعجا وسيفا مسلطا على رقاب أساتذة الجامعات، لا يلبث أن يتهمهم بمعاداة السامية لمجرد انتقاد إسرائيل!
هذه المنظمة التي تُعرف اختصارا بـ"أي سي إف" (ACF)، تأسست عام 2015 بهدف توجيه الخريجين من اليهود وتعبئتهم لمحاسبة المؤسسات التعليمية في الولايات المتحدة، لمواجهة ما تعتبره معاداة للسامية وشيطنة لإسرائيل داخل الحرم الجامعي، وتضمّ في الوقت الحالي ما يزيد على 41 ألف خريج موزعين في 60 شعبة جامعية تنتشر في 66 كلية وجامعة أميركية.
تعتمد هذه المنظمة عدة طرق لتحقيق مسعاها، سواء من خلال المسح الذي تجريه للمقالات المنشورة في الصحف الجامعية، أو الاستطلاع الذي تجريه بين الطلاب اليهود، لرصد وردع أي مظاهر معادية للسامية وناقدة لإسرائيل وسلوكها في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، إلى جانب تقديم توصيات محددة للخطوات التي يمكن للخريجين اتخاذها لمكافحة ما تعتبره المنظمة صورا لكراهية اليهود.
بالإضافة إلى ذلك، تدعو "أي سي إف" من خلال موقعها على الإنترنت، الخريجين اليهود للانضمام إلى حملات الالتماس التي تنظمها، وتشجعهم على الإبلاغ عن أي حادث يرون فيه انحيازا ضدهم، كما تدعوهم إلى المشاركة في ندوات الإنترنت الخاصة بها. وفيما يتعلق بمصادر التمويل المعلنة، تتيح المنظمة لأعضائها وأنصارها التبرّع، مع منح المتبرع خيار الحفاظ على سرية ومجهولية تبرعه.
ومن جهة أخرى، تحدد "أي سي إف" بصورة واضحة لا لبس فيها الجهات والمنظمات التي تعتبرها خصوما ومعادية للسامية، ومن أبرزها منظمة "كير" (CAIR) التي تتهم "أي سي إف" بعض أعضائها بالارتباط بكيانات ذات صلة بحماس.
وفي عام 2018، عبّرت "أي سي إف" عن قلقها إزاء قرار جامعة مدينة نيويورك تعيين الأكاديمي والمعلق المناهض لإسرائيل مارك لامونت هيل أستاذا للتعليم الحضري في مركز الدراسات العليا بالجامعة، مبررة ذلك بطرد هيل من شبكة "سي إن إن" بعد دعوته إلى "فلسطين حرة من النهر إلى البحر"، ومناصرته حركة المقاطعة الاقتصادية لإسرائيل "بي دي إس" (BDS)، ودعمه مقاطعتها أكاديميا من قبل جمعية الأنثروبولوجي الأميركية.
بعد هجوم طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، أصدرت "أي سي إف" بيانا لإدانة كل أشكال الصمت عن إدانة الهجوم، وشنّت حملة ضد أستاذة في جامعة برنستون العريقة من أصول فلسطينية، بسبب ما اعتبروه تقاعسا منها عن إدانة حماس، على الرغم من أنها انتقدت منذ البداية استهداف المدنيين من قبل الإسرائيليين! وبعد أن أرسلت الأستاذة رسالة اعتراض، اعتذرت لها الجهة بهدوء بعد استهدافها علانية بنشر اسمها على شاحنات متنقلة داخل جامعتها!
يأتي كل ذلك ضمن المضايقات غير المسبوقة التي تشهدها الولايات المتحدة، حيث تشنّ منظمات وسياسيون ومتبرعون داعمون لإسرائيل هجمات وحملات باستخدام مختلف الأساليب والأدوات والتفسيرات، ضد الجامعات والطلاب والأكاديميين الذين يدعمون حقوق الفلسطينيين ويعارضون العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وممارسات الإبادة الجماعية، واتهامهم بمعاداة السامية لمجرد الدعوة إلى وقف إطلاق النار وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وبناء المستوطنات، كأن هذه الأمور كلها أصبحت استثناء من مساحة الحرية في جامعات الولايات المتحدة!
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الولایات المتحدة الحرم الجامعی
إقرأ أيضاً:
جامعة حلوان ممثلة عن الجامعات المصرية في المجلس التنفيذي لاتحاد الجامعات
مثلت جامعة حلوان عن الجامعات المصرية في المجلس التنفيذي لاتحاد الجامعات العربية لمدة عامين، وجاء ذلك على هامش فعاليات الدورة السابعة والخمسين للمؤتمر العام للاتحاد، والذي استضافته الجامعة الدولية للعلوم والتكنولوجيا بدولة الكويت يومي 23 و24 أبريل 2025، تحت شعار "التعليم العالي العربي في ظل التحول الرقمي وتعزيز التكامل الإقليمي.
وقد جاءت هذه الخطوة تتويجًا لحضور فاعل ومؤثر لجامعة حلوان في المؤتمر، حيث شارك الدكتور السيد قنديل، رئيس الجامعة، ضمن وفد أكاديمي مصري رفيع المستوى ترأسه الدكتور أيمن عاشور وزير التعليم العالي والبحث العلمي، بمشاركة نخبة من رؤساء الجامعات المصرية والعربية، وكوكبة من خبراء التعليم العالي على مستوى الوطن العربي، وذلك في إطار التأكيد على مكانة التعليم الجامعي المصري وريادته التاريخية والإقليمية.
ويؤكد الدكتور السيد قنديل، رئيس جامعة حلوان، أن اختيار الجامعة لتمثيل الجامعات المصرية في المجلس التنفيذي لاتحاد الجامعات العربية، يُجسّد ثقة المجتمع الأكاديمي العربي في قدرة الجامعة على المشاركة الفاعلة في صناعة سياسات التعليم العالي إقليميًا، مشيرًا إلى أن جامعة حلوان تسير بخطى واثقة نحو التحول لجامعة ذكية ذات رؤية دولية، ملتزمة بدورها الريادي في دعم قضايا التعليم والابتكار والمعرفة على مستوى العالم العربي.
وقد قدم الدكتور قنديل شكره وتقديره لأعضاء الإتحاد على هذه الثقة، كما قدم شكره للأمين العام لإتحاد الجامعات العربية الدكتور عمرو عزت سلامة.
وتميّزت جلسات المؤتمر بتنوعها وثرائها، إذ تناولت سبل تطوير التعليم العالي العربي من خلال أدوات التحول الرقمي، واستعرضت نماذج للتكامل المؤسسي بين الجامعات، وجاء من أبرزها تجربة "بنك المعرفة المصري" كنموذج ملهم للابتكار المعرفي ودعم الأبحاث العلمية، إضافة إلى مناقشات معمقة حول آليات تعزيز التعاون بين الجامعات العربية وتبادل الخبرات في مجالات الذكاء الاصطناعي، والتكنولوجيا التعليمية، والتدريب الإقليمي المشترك.
وتعكس مشاركة جامعة حلوان في هذا الحدث الإقليمي البارز إيمانها العميق بأهمية بناء جسور أكاديمية ممتدة بين مؤسسات التعليم العالي العربية، كما تمثل تأكيدًا على سعيها الحثيث لتقديم نموذج جامعي حديث يتفاعل مع المتغيرات العالمية، ويضع الابتكار والريادة العلمية في صدارة أولوياته، بما يرسّخ دورها كمنصة فاعلة في محيطها الإقليمي، ويسهم في صياغة مستقبل أكثر تماسكًا وتميزًا للتعليم العربي.