قال الشيخ الدكتور عبدالله بن عبدالرحمن البعيجان،  إمام وخطيب المسجد النبوي، إنه ينبغي الإيمان بقضاء الله وقدره، باعتباره ركناً من أركان الإيمان، الذي يستوجب التسليم بأن أقدار الله وقضائه سبحانه خيرها وشرّها التي كتبها الله على الخلائق قبل خلق السماوات والأرض.

الإيمان بقضاء الله

وأوضح " البعيجان "  خلال خطبة الجمعة من المسجد النبوي بالمدينة المنورة ، أن طاعة الله سبب للخير، ومعصيته سبب للشرّ، وأن الصبر عاقبته خير في كل أمور المؤمن، منوهًا بأن  الإيمان عليه مدار السعادة والرضا، والفوز والأمن والأمل، في العاجل والمستقبل.



وأضاف أن حقيقته قولٌ باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالأركان، يزيد بالطاعة، وينقص بالعصيان، وله أركان وأصول، وهي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، وباليوم الآخر، وبالقدر خيره وشرّه، مؤكدًا أن الإيمان بالقضاء والقدر ركن من أركان الإيمان، وأصلٌ من أصول عقيدة الإسلام.

وأكد أنه لا يتم إيمان المسلم حتى يعلم أن كل شيءٍ بقضاء الله وقدره، فقال تعالى :" إنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ" وقال سبحانه: "وَكَانَ أمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا"، ولا يتم إيمان المسلم حتى يعلم أن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، فما يخرج عن إرادته وقضائه وقدرته شيء مهما يكن، فإنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون.

لا يتم إيمان المسلم

وتابع :  لا راد لقضائه سبحانه وتعالى ولا معقّب لحكمه، ولا تبديل لخلقه، ولا حول ولا قوة إلا به، قال جلّ وعلا: " وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ" ، ولا يتم إيمان المسلم حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، قال الله تعالى: " قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا ".

واستشهد بما ورد عن جابر ابن عبدالله رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" لا يؤمن عبدٌ حتى يومن بالقدر خيره وشرّه، حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه" رواه الترمذي، مشيرًا إلى أن الله تعالى كتب مقادير الخلق قبل أن يخلقهم، فعن عبدالله بن عمر ابن العاص - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله تعالى كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلِق السماوات والأرض" رواه الحاكم.

وأفاد بأن من الإيمان بالقضاء والقدر، العلم أن حلو القضاء ومرّه وخيره وشرّه غير خارج عن إرادة الله وقدرته ومشيئته، فحلو القضاء وخيره قدر من الله، وهو من كرمه سبحانه وفضله ونعمته، ومُرّ القضاء وشرُّه قدر من مقدور الله يصيب به من يشاء من عباده، لكن الطاعة سبب للخير، والمعاصي سبب للشرّ، والجزاء من جنس العمل، ولا يظلم ربك أحداً.

ودلل بما قال تعالى: " وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ"، لافتًا إلى أن من الإيمان بالقضاء والقدر الصبر والرضا عدم التسخّط والجزع، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال: "استعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا، ولكن قُل قدرُ الله وما شاء فعل، فإن لو تفتحُ عملَ الشيطان" رواه البخاري.

من نظر بنور الله

وأشار إلى أن من نظر بنور الله وببصيرة المؤمن تلمّس جوانب الخير في كل ما يصيبه، قال تعالى: "وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ"، ناصحًا بالصبر عن المصيبة، فقد وعد الله الصابرين على البلايا والنوائب وبشّرهم بالخير والمثوبة.

واستند لما قال تعالى :" وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ " وقال جلّ وعلا :"إنما يوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب"، مذكراً أن الإيمان بالقضاء والقدر يورث راحة البال، وطمأنينة النفس، واليقين، والتعلّق بالله، وصدق التوكّل عليه، والتوجّه إليه، فكل شيء بقضاء وقدرٍ مكتوب.
 

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: إمام و خطيب المسجد النبوي خطيب المسجد النبوي خطبة الجمعة من المسجد النبوي بقضاء الله قال تعالى لم یکن

إقرأ أيضاً:

حفظ العهد من الإيمان

حفظ العهد من الإيمان ومن أخص صفات المؤمنين الأتقياء، والنبلاء الأصلاء، وأصحاب الشرف والبيوتات العظيمة، ولاسيما مع من ربطتك به عشرة أو صلة، أو كان له فى عنقك دين أو جميل أو مروءة، أو أحسن إليك يوما ما، أو صاحبك فى عمل أو سفر أو جوار، أو علمك حرفة أو صنعة، يقول الحق سبحانه «ولا تنسوا الفضل بينكم»، ويقول نبينا صلى الله عليه وسلم: «من لم يشكرِ النَّاسَ لم يشكرِ اللَّهَ»، ويقول صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أتى إليكم معروفًا فكافِئوه فإن لم تجدوا فادعوا لهُ حتى تعلموا أن قد كافأتموهُ»، ويقول صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أُتِيَ إليهِ معروفٌ فلِيكافئَ بهِ ومَنْ لمْ يستطعْ فلِيذكرْهُ فإنَّ مَنْ ذكرَهُ فقد شكرَهُ».
وكان صلى عليه وسلم أحفظ الناس للعهد والجميل، ومن ذلك ما كان منه صلى الله عليه وسلم فى إكرام امرأة عجوز ومبالغته فى الاهتمام بها، فلما سئل عن ذلك قال: «إنها كانت تأتينا على عهد خديجة وإن حسن العهد من الإيمان»، وكان (صلى اللّه عليه وسلم ) يقول : «ما لِأَحدٍ عندَنَا يَدٌ إلَّا وقَدْ كافأناهُ ما خلَا أبا بكرٍ فإِنَّ لَهُ عِندنَا يَدًا يُكافِئُهُ اللهُ بِها يَومَ القيامَةِ، ومَا نفَعَنِى مَالُ أحَدٍ قَطُّ مَا نَفَعِنى مالُ أبى بِكْرٍ».
وعلى نهجه (صلى الله عليه وسلم) فى الوفاء سار أصحابه الكرام، ومن ذلك ما كان من سيدنا عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عنْه مع ابنة خُفَافِ بنِ إيْمَاءَ الغِفَارِيِّ، حين شكت إليه حاجتها، فَقالَ: مَرْحَبًا بنَسَبٍ قَرِيبٍ، ثُمَّ انْصَرَفَ إلى بَعِيرٍ قوى، فَحَمَلَ عليه غِرَارَتَيْنِ مَلَأَهُما طَعَامًا، وحَمَلَ بيْنَهُما نَفَقَةً وثِيَابًا، ثُمَّ نَاوَلَهَا بخِطَامِهِ، ثُمَّ قالَ: اقْتَادِيهِ، فَلَنْ يَفْنَى حتَّى يَأْتِيَكُمُ اللَّهُ بخَيْرٍ، فَقالَ رَجُلٌ: يا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ، أكْثَرْتَ لَهَا؟ قالَ عُمَرُ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ! واللَّهِ إنِّى لَأَرَى أبَا هذِه وأَخَاهَا قدْ حَاصَرَا حِصْنًا زَمَانًا، فَافْتَتَحَاهُ، ثُمَّ أصْبَحْنَا نَسْتَفِىءُ سُهْمَانَهُما فِيه.
ومنه ما كان من عبدالله بن عمر رضى الله عنهما عندما لقى أعرابيا فبالغ فى إكرامه وأهداه عمامته وألبسه إياها، فسئل عن ذلك فَقالَ: إنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يقولُ: «إنَّ مِن أَبَرِّ البِرِّ صِلَةَ الرَّجُلِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ بَعْدَ أَنْ يُوَلِّيَ»، وإنَّ أَبَاهُ كانَ صَدِيقًا لِعُمَرَ.
وقد قالوا: أسوأ الناس خلقا من إذا انتفت مصلحته عندك نسى فضلك وتنكر لك وأنكر معروفك، وربما قال عنك ما ليس فيك، وقالوا: إذا لم تستطع أن ترد الجميل فكن أرقى من أن تنكره أو تتنكر له.
والعرب تعد نكران الجميل مخلا بالشرف مذهبا للمروءة، وتعد من ينكر الجميل غير أصيل، فالأصيل هو من يحفظ العهد ويرد الجميل كما علمنا القرآن الكريم فى رد التحية «فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا».
والذى لا شك فيه أن حفظ العهد يسهم فى ترابط المجتمع وتماسك عراه، وأن عدم الوفاء يخل بالأمن المجتمعى ويورث الأثرة والأنانية، وهما من أخطر الأدواء على السلام الاجتماعى.


الأستاذ بجامعة الأزهر

مقالات مشابهة

  • وزير الأوقاف يحضر أول جمعة بمسجد مصر الكبير.. والمفتي خطيبًا
  • لماذا يصاب المسلم بالسحر والحسد؟ خطيب المسجد الحرام: لـ3 أسباب
  • حياته كلها هبة .. خطيب المسجد النبوي: مهما علا شأن العبد يظل فقيرا
  • خطيب المسجد النبوي: يزداد التعظيم لحرمات الله بالأشهر الحرم
  • خطيب المسجد الحرام: التحصن والتحصين أهم ما يحتاجه الناس بهذا الزمان
  • أحمد صيام يروي تفاصيل موقف صعب في المسجد النبوي: بكيت بشدة (فيديو)
  • إمام المسجد النبوي: هذه الآية تختصر مسار الحياة في كلمات بليغة ومعانٍ عميقة
  • خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي
  • حفظ العهد من الإيمان
  • المسجد النبوي يستقبل أكثر من 5.4 ملايين مصلٍ خلال الأسبوع الماضي