لطالما غاب البحر الأحمر عن مناقشتانا العربية، أو على الأقل كانت له أهمية منخفضة مقارنة بالبحر الأبيض المتوسط، ربما لأن الأخير كان على مر التاريخ بوابة التفاعل مع الغرب، في الحرب والسلم، لكن البحر الأحمر كانت له خصوصية مميزة كونه يكاد أن يكون بحيرة عربية وممرا هاما صوب المحيط الهندي وآسيا الصاعدة.
يرتبط البحر الأحمر بالمستقبل العربي بدرجة كبيرة، جزءا من الثقل الاقتصادي والسكاني العربي بات يتركز على البحر الأحمر، وخاصة في مصر والسعودية اللتين تمتلكان شواطئ طويلة على الأحمر، وكذلك الأردن الذي يعتبر البحر الأحمر بوابته الوحيدة على العالم الخارجي، بالإضافة إلى السودان الذي يشكل البحر الأحمر له مصدرا مهما لتجارة الترانزيت نتيجة استخدام دول الجوار الأفريقية الحبيسة لموانئ السودان.
الملفت في الآونة الأخيرة، غياب أي دور عربي في الترتيبات الجارية في البحر الأحمر، حيث يتسابق اللاعبون الخارجيون على تثبيت حصصهم وأماكنهم في هذه البقعة، وتحاول الولايات المتحدة الأمريكية تشكيل قوّة دولية لضبط الأمن في البحر الأحمر، بعد قيام الحوثيين باستهداف عدد من السفن العابرة تحت عنوان تخفيف الضغط على غزة في حرب الانتقام والتدمير التي تشنها إسرائيل.
وبعيدا عن مدى تأثير العمليات الحوثية وفعاليتها في تحقيق الهدف المعلن، وتلك قضية أخرى، إلا أنها تصب في سياق إخراج التأثير العربي من البحر الأحمر، لصالح قوى وأطراف خارجية.
ولو أردنا توخي الموضوعية في هذا المجال، لا بد من ذكر حقيقة أن الأطراف العربية لم تطوّر أي استراتيجيات لحفظ المصالح العربية في البحر الأحمر، وسبق أن فشلت مبادرات تم اقتراح بعضها من الجامعة العربية، لتأسيس مجلس من الدول العربية المطلة على البحر الأحمر يتولى إدارة الأمن في هذا الحيز البحري، لكنها لم تر النور، وبالتالي لا يمكن وضع اللوم على الحوثيين وحدهم، وخاصة وأن التنافس الدولي أخذ يشتد منذ فترة بين اللاعبين الإقليميين والدوليين حول النفوذ في البحر الأحمر، فقد أسست الصين قاعدة بحرية في جيبوتي، وتسعى تركيا وروسيا إلى عقد اتفاقيات مع السودان لإيجاد قواعد لهما على الشواطئ السودانية.
الجديد في هذه التطورات، اعتبار إيران البحرَ الأحمر، الذي يبعد أكثر من ألفي كيلومتر عن أراضيها، منطقة نفوذ خاصة بها، أو منطقة هيمنة كما أعلن صراحة وزير الدفاع الإيراني، في تحذيره للأمريكيين من انشاء قوّة أمنية دولية في البحر الأمن، معتبرا ذلك بمثابة خط أحمر لا يمكن حتى النقاش به! ويبدو أن إيران لا تقول ذلك لمجرد الدعاية، بل قامت بتشكيل قوّة بحرية مخصصة للهيمنة على البحر الأحمر، في إطار رؤيتها القائمة على توسيع نفوذها؛ بدءا من المياه الخليجية حتى بحر عمان والمحيط الهندي وبحر العرب والبحر الأحمر خلال الفترة المستقبلية.
هذا يعني أن إيران تكسب ورقة استراتيجية تنتزعها من العرب، مستثمرة في افتقادهم للحس الجيوسياسي وأهمية مثل هذا النوع من الأوراق في اللعبة الدولية. ويبدو أن العرب لديهم فائض من أوراق القوّة يدفعهم للاستغناء عن ورقة بهذا الحجم، لكن القضية أبعد من ذلك بكثير وستكون لها تداعيات خطيرة على الاقتصاد العربي ومستقبل المشاريع العربية في البحر الأحمر، ذلك أن سيطرة إيران على مضيق باب المندب بالإضافة إلى سيطرتها على مضيق هرمز ستجعل النفط والغاز العربي رهائن لديها، ومستقبلا ستفاوض العرب على الحصص المسموح لهم إنتاجها وتصديرها.
الأدهى من كل ذلك، أن تجارة العرب مع آسيا تمر عبر البحر الأحمر، وهي تجارة حيوية وضرورية لشمولها على الأجهزة بمختلف أنواعها والسلع التي باتت آسيا تنتجها، والبديل عن البحر الأحمر، الالتفاف على رأس الرجاء الصالح، ستترتب عليه زيادة في أجور النقل سيدفع ثمنها المستهلك العربي الذي لا يملك بدائل عن المنتج الأسيوي، هذا فضلا عن تضرر اقتصاد مصر نتيجة انخفاض عائدات قناة السويس التي تشكل أهم مداخيل الميزانية في مصر، بالإضافة بالطبع إلى موت آلاف المشاريع الصغيرة والكبيرة التي تأسست أو بصدد التأسيس على البحر الأحمر.
وهذه التصرفات ستعجّل بتشغيل الممر الهندي الذي يربط آسيا بأوروبا عبر المحيط الهندي والخليج، وسيشكّل ميناء حيفا صلة الوصل بين القارتين، وهو ما يُضعف إلى حد ما دور البحر الأحمر في حركة التجارة الدولية.
ولعل إسرائيل أقل الأطراف تضررا في كل ذلك، نظرا لضعف اعتمادها بالأصل على ميناء إيلات. ولا يحق لإيران ركوب تضحيات الفلسطينيين لتحقيق مكاسب استراتيجية باسم مساعدة أهل غزة الذين تُمارس عليهم حرب إبادة بدون عون الأشقاء أو الأصدقاء، فليس لغزة سوى أهلها، كما لا يحق لحكام المرحلة العربية الراهنة التفريط بالأوراق الإستراتيجية، التي هي في النهاية مُلك للعرب ولخدمة قضاياهم.
twitter.com/ghazidahman1
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الحوثيين غزة إسرائيل إيران إيران إسرائيل غزة الحوثيين البحر الاحمر مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة على البحر الأحمر فی البحر الأحمر
إقرأ أيضاً:
اليمن والبحر الأحمر على طاولة قمة الناتو المرتقبة
يمن مونيتور/ صنعاء/ خاص:
يستضيف الرئيس الأمريكي جو بايدن قمة الناتو المرتقبة التي ستبدأ يوم الثلاثاء. ومن المتوقع أن تكون هجمات جماعة الحوثي من اليمن على السفن التجارية في البحر الأحمر ضمن الأجندة الخارجية لقمة الناتو.
ومع بدء زعماء حلف شمال الأطلسي ــ إلى جانب شركاء الحوار من مختلف أنحاء منطقة المحيطين الهندي والهادئ ــ في واشنطن مشاوراتهم التاسع من يوليو/تموز، سوف تتاح لهم الفرصة لصياغة استجابات استراتيجية للتحولات والتحديات الخارجية للحفاظ على التجارة العالمي، والتحديات التي تفرضها المنافسة بين القوى العظمى.
بين تلك الأجندة المرتبطة بالمنطقة، تقييم التهديدات المتعددة التي تمثلها إيران في منطقة الشرق الأوسط وكيفية التعامل مع أدواتها حيث يشكل حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن والميليشيات الشيعية في سوريا والعراق معًا “محور المقاومة” بقيادة إيران في جميع أنحاء الشرق الأوسط: من إيران إلى الحدود الشرقية مع أفغانستان وباكستان، وحتى أقصى الغرب مثل ساحل البحر الأبيض المتوسط في سوريا ولبنان وإسرائيل، وجنوبًا إلى القرن الأفريقي والبحر الأحمر والبحر العربي.
وقال جون سيتيليدس زميل أول في برنامج الأمن القومي في معهد أبحاث السياسة الخارجية الأمريكية إن تعرض الشحن العالمي للهجوم في نقطة الاختناق الحيوية في البحر الأحمر سيكون ضمن أجندة قمة الناتو.
هل غيّر الحوثيون استراتيجيتهم الحربية مع توسيع عملياتهم البحرية؟… مركز أبحاث أمريكي يجيب البحر الأحمر وعملية السلام اليمنية.. لعبة الأمن البحري رافعة الحوثيين السياسية الجديدة (تحليل)وحول أسباب ذلك قال: يواصل الحوثيون مهاجمة الشحن العالمي في البحر الأحمر، مما أدى إلى خنق خطوط الاتصال البحرية الإقليمية بين المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط، وتعطيل سلاسل الإمداد الأوروبية وإعادة توجيه الشحن التجاري والطاقة.
وأضاف سيتيليدس: انهار الشحن في البحر الأحمر بنسبة 80 في المائة، ويتم إعادة توجيه سفن الحاويات حول أفريقيا، مما يتسبب في تأخيرات تتراوح بين أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع، وإرهاق الموانئ الأفريقية بحركة شحن متزايدة، وإضافة تكاليف إلى التجارة الدولية بين أوروبا والشرق الأوسط وآسيا.
وقالت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية الأسبوع الماضي. إن الولايات المتحدة دعت وزراء خارجية قطر والإمارات والبحرين والأردن ومصر وتونس و”إسرائيل” إلى قمة الناتو ضمن 31 دولة دعتها لها شراكات مع واشنطن.
ومنذ نهاية العام الماضي يستهدف الحوثيون السفن التجارية في البحر الأحمر وخليج عدن، ومؤخراً وسعوا عملياتهم إلى المحيط الهندي. وقالوا إنهم يستهدفون السفن المرتبطة بإسرائيل التي تشن هجوماً وحشياً على قطاع غزة. لكن الحكومة اليمنية وخبراء يقولون إن أهداف الحوثيين محلية للهروب من الأزمات الداخلية وتحسين صورتهم في المنطقة.
ورداً على ذلك تشن الولايات المتحدة وبريطانيا منذ 11 يناير/كانون الثاني حملة ضربات جوية ضد المسلحين الحوثيين المدعومين من إيران. ونتيجة ذلك أعلن الحوثيون توسيع عملياتهم لتشمل السفن الأمريكية والبريطانية.
ومنذ نوفمبر سجلت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أكثر من 190 هجوما على السفن التجارية أو العسكرية الأميركية قبالة سواحل اليمن، بما في ذلك ما يقرب من 100 هجوم منذ بدء الضربات الجوية الأميركية على البر اليمني.
لماذا لا تردع الحملة الأمريكية الحوثيين؟!.. (واشنطن بوست) تجيب حصري- أبو علي الحاكم.. ذراع “استراتيجي” لأشد عمليات الحوثيين سرية!وفي فبراير/شباط الماضي أطلق الاتحاد الأوروبي عملية عسكرية في البحر الأحمر وخليج عدن باسم “أسبيدس”، بهدف مكافحة التهديدات الأمنية المتزايدة في البحر الأحمر، وتعزيز حرية الملاحة، ودعم الاستقرار الإقليمي. استجابة لهجمات الحوثيين المتكررة على السفن التجارية في البحر الأحمر، مما تسبب في اضطراب التجارة ورفع أسعار السلع.
ويتم مناقشة هجمات البحر الأحمر إلى جانب تزايد الهجمات الإرهابية على أوروبا خلال الأعوام الماضية. و”استمرار غزو روسيا لأوكرانيا، وتدمير اقتصاد البلاد وبنيتها الأساسية وقدرتها الإنتاجية بشكل تدريجي” بما في ذلك الدول الأوروبية مثل مولدوفا، الواقعة بين أوكرانيا ورومانيا العضو في حلف شمال الأطلسي؛ وجورجيا، التي غزتها روسيا في عام 2008 لتأسيس جمهوريتين انفصاليتين موالتين لموسكو؛ والصراع المستمر بين أذربيجان الغنية بالطاقة وأرمينيا الفقيرة على نحو متزايد؛ ومنطقة البلقان، حيث يهدد الصرب العرقيون بالانفصال عن البوسنة بعد ثلاثين عامًا من الصراعات الإقليمية التي أسفرت عن مقتل 150 ألف أوروبي.
إلى جانب ذلك تناقش قمة الناتو التنافس الاستراتيجي بين الصين والدول الغربية حيث يستمر التوتر في بحر الصين الجنوبي ومع تايوان. إلى جانب هيمنة بكين على سلسلة التوريد العالمية.
الحوثيون مركز إقليمي جديد لتصدير الثورة الإيرانية… صنعاء بدلاً من طهران وبيروت! الحوثيون يعلنون وضع أيديهم على “طيران اليمنية” والبدء “بتصحيح أوضاعها”
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
Δ
شاهد أيضاً إغلاق أخبار محليةسلام الله على حكم الامام رحم الله الامام يحيى ابن حميد الدين...
سلام الله على حكم الامامه سلام الله على الامام يا حميد الدين...
المذكورون تم اعتقالهم قبل أكثر من عامين دون أن يتم معرفة أسب...
ليست هجمات الحوثي وانماالشعب اليمني والقوات المسلحة الوطنية...
الشعب اليمني يعي ويدرك تماماانكم في صف العدوان ورهنتم انفسكم...