سلط الزميل غير المقيم بالمركز العربي في واشنطن، جريجوري أفتاندليان، الضوء على الموقف الأمريكي من العدوان الإسرائيل على قطاع غزة، مشيرا إلى أن أي خطاب عقلاني في الولايات المتحدة حول الحرب بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية أصبح عرضة لتحديات سياسية على نحو متزايد، إذ يهاجم أنصار إسرائيل والأعضاء الجمهوريون في الكونجرس أي اقتراح بضرورة وقف إطلاق النار لحماية المدنيين الفلسطينيين ومنع الأزمة الإسرائيلية الفلسطينية من التدهور أكثر.

وذكر أفتاندليان، في تحليل نشره بموقع المركز وترجمه "الخليج الجديد"، أن حالة التأييد لإسرائيل بلغت حد الهجوم على إدارة بايدن، التي لا شك في حسن نواياها المؤيدة لإسرائيل، ودعمها الكامل للدولة العبرية، وذلك بعدما تحدث عدد صغير من الديمقراطيين بالكونجرس علنًا عن الحاجة إلى محاسبة إسرائيل على استخدامها للأسلحة الأمريكية في غزة.

واعتبر أفتاندليان أن المزيد من الديمقراطيين في الكونجرس عليهم أن يفعلوا ذلك لإنقاذ إدارة بايدن من "انغماسها السلبي"، حسب وصفه، مؤكدا أنه "ما لم تكثف إدارة بايدن الضغط على إسرائيل لوقف عمليات القتل العشوائي وتحقيق وقف إنساني حقيقي لإطلاق النار لمساعدة المدنيين الفلسطينيين المنكوبين، فإن مكانة أمريكا في الشرق الأوسط الأوسع ستستمر في التدهور، ما يضر بالمصالح الأمريكية".

وأضاف أنه إذا أصر الرئيس الأمريكي، جو بايدن، على معارضته لوقف إطلاق النار، فمن المرجح أن تكون فرص إعادة انتخابه ضعيفة، حيث لا يزال جزء مهم من قاعدته السياسية غاضبًا من موقفه إزاء حرب غزة.

وأشار أفتاندليان إلى أن بايدن لم يتراجع سوى نصف خطوة إلى الوراء، ففي أعقاب عملية "طوفان الأقصى"، التي نفذتها حركة حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول، ألقى بايدن خطاباً عاطفياً من البيت الأبيض تعاطفاً مع الجمهور الإسرائيلي، وفي 18 أكتوبر/تشرين الأول سافر إلى إسرائيل للقاء أقارب قتلى العملية والاجتماع بحكومة الحرب الإسرائيلية.

وكان واضحا من تعليقات بايدن وأفعاله أنه كان يعطي إسرائيل الضوء الأخضر لمواصلة الحرب لهزيمة حماس، ويعكس موقفه مشاعره المؤيدة للصهيونية بشكل لا لبس فيه.

غير أن المشكلة بالنسبة لبايدن، هي أن إسرائيل أخذت ما وصفه بـ "حقها في الدفاع عن النفس" إلى درجة متطرفة، إذ أسفرت حملة القصف التي شنتها عن مقتل أكثر من 20 ألف شخص، حوالي 70% منهم من النساء والأطفال، واستخدمت إسرائيل "القنابل الغبية" غير الموجهة في 45% من هجماتها الجوية، وهي قنابل تستخدم لإحداث أقصى قدر من الدمار في منطقة واسعة.

مشاعر ملتهبة

وأعادت صور المدنيين الفلسطينيين القتلى من حملة القصف والطوابير الطويلة من الفلسطينيين الفارين إلى الجزء الجنوبي من القطاع بصور نكبة عام 1948 عندما قُتل مئات الآلاف من الفلسطينيين وطرد مثلهم من منازلهم. وألهبت مثل هذه الصور المشاعر الفلسطينية والعربية والإسلامية على نطاق أوسع.

وكان المسؤولون والدبلوماسيون الأمريكيون المتمركزون في المنطقة هم الطرف المتلقي لهذا الغضب وأبلغوا واشنطن عن تزايد العداء لأمريكا. وحتى الدول العربية ذات العلاقات الوثيقة مع الولايات المتحدة، مثل مصر والأردن، كانت صريحة في انتقادها لارتباط واشنطن الوثيق بالعدوان العسكري الإسرائيلي في غزة.

وتلقى وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، الكثير من هذه الانتقادات خلال رحلاته العديدة إلى المنطقة، ما دفعه إلى القول، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إن "عددا كبيرا جدا من الفلسطينيين قتلوا".

كما سعى بايدن، بعد ضغوط متزايدة، إلى النأي بنفسه إلى حد ما عن الهجمات الإسرائيلية في غزة، وقال لمجموعة من الصحفيين في 25 أكتوبر/تشرين الأول إن "على إسرائيل أن تفعل كل ما في وسعها لحماية المدنيين الأبرياء".

 وفي 12 ديسمبر/كانون الأول، ذكر بايدن لمجموعة من المانحين لحملته الانتخابية المقبلة أن "القصف العشوائي الذي يحدث" في غزة يكلف إسرائيل تراجع الدعم في جميع أنحاء العالم.

اقرأ أيضاً

إنترسبت: الإبادة الإسرائيلية لمدنيين غزة لن تهزم حماس.. وبايدن أجرم ويجب محاسبته 

ولكن، رغم أن إدارة بايدن نجحت في الضغط من أجل "وقف مؤقت" للحرب من أجل توصيل المزيد من المساعدات الإنسانية إلى غزة وإطلاق سراح بعض الأسرى، إلا أنها رفضت حتى الآن الدعوة رسميًا إلى وقف إطلاق النار.

واستخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لمنع مثل هذه الدعوة، وكانت من بين 10 دول فقط من أصل 193 دولة صوتت ضد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يطالب بنفس الشيء.

وفيما يتعلق بالحد من الخسائر في صفوف المدنيين الفلسطينيين، ادعى المسؤولون الأمريكيون أن لدى إسرائيل "النية" لحماية المدنيين الفلسطينيين، لكنهم ما زالوا ينتظرون رؤية النتائج، ما وصفه أفتاندليان بأنه "غير مقنع".

ورغم أن المسؤولين الأمريكيين يصرون أيضاً على أنهم كانوا أكثر صرامة مع المسؤولين الإسرائيليين سراً فيما يتعلق بالخسائر في صفوف المدنيين، فإن رسالتهم العلنية تستمر في إظهار موقف دفاعي ومتضامن مع إسرائيل فيما يتعلق بمواصلة الحرب.

وفي 15 ديسمبر/كانون الأول الجاري، قلل مستشار الأمن القومي، جيك سوليفان، من أهمية الخلافات مع إسرائيل خلال زيارته لتل أبيب، قائلا: "أنا هنا اليوم نيابة عن الرئيس بايدن للتأكيد على التزامنا المستمر بدعم إسرائيل في حربها ضد حماس".

وأضاف: "نحن لسنا هنا لنقول لأي شخص أنه يجب عليك القيام بـ X، يجب عليك القيام بـ Y. نحن هنا لنقول أن هذا هو منظورنا كشريك لك، وصديقك".

اقرأ أيضاً

منظمات إنسانية دولية تدعو بايدن لتغيير سياسته تجاه الحرب الإسرائيلية على غزة

وفي حين كان سوليفان يلمح على الأرجح إلى أنه حث المسؤولين الإسرائيليين سراً على ضبط النفس، فإن رسالته العلنية نقلت عدم رغبة الولايات المتحدة في محاولة وقف الحرب رغم العدد الصادم من الضحايا المدنيين.

وفي مؤشر على هذا الدعم العسكري المستمر، حتى في غياب مشروع قانون من شأنه أن يمنح إسرائيل تمويلًا إضافيًا كبيرًا، أبلغت إدارة بايدن الكونجرس، في أوائل ديسمبر/كانون الأول، بأنها ستمضي قدمًا في بيع ذخائر الدبابات لت أبيب بقيمة 106.5 مليون دولار.

غضب جمهوري

ويلفت أفتاندليان إلى أن النصيحة الأميركية بشأن خطر تزايد الخسائر في صفوف المدنيين كانت سبباً في إثارة غضب بعض الجمهوريين البارزين، ومنهم ليندسي جراهام، الذي غضب من تصريح وزير الدفاع، لويد أوستن، أمام جمهور في كاليفورنيا، بأن القصف العشوائي من شأنه أن يدفع المدنيين الفلسطينيين إلى التطرف.

وأضاف أوستن: "إذا دفعتهم إلى أحضان العدو، فإنك تستبدل النصر التكتيكي بهزيمة استراتيجية... لقد أوضحت مراراً وتكراراً لقادة إسرائيل إن حماية المدنيين الفلسطينيين في غزة هي مسؤولية أخلاقية وضرورة استراتيجية على حد سواء".

وقال جراهام، إنه فقد كل الثقة في أوستن بعد تصريحاته، واصفا إياه بـ "الساذج"، وناشده التوقف عن انتقاد إسرائيل وإخبارها بـ "أشياء من المستحيل تحقيقها".

كما دعا السيناتور الجمهوري، ماركو روبيو، حكومة الولايات المتحدة إلى التحقيق مع أكثر من 500 موظف فيدرالي بتهمة "العصيان" لأنهم دعوا إلى وقف إطلاق النار في رسالة مفتوحة إلى إدارة بايدن.

وقال روبيو إن وقف إطلاق النار لا يفيد سوى حماس، ودعا إلى إجراء تحقيق كامل ونشر أسماء أولئك الذين وقعوا على الرسالة الموجهة إلى بايدن.

ولطالما كان روبيو، مثل معظم زملائه الجمهوريين وكذلك عدد كبير من الديمقراطيين في الكونجرس، مؤيدًا منذ فترة طويلة للوبي المؤيد لإسرائيل، الذي تمثله لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (آيباك).

ورغم أنه من غير الواضح ما إذا كان لآيباك يد في دعوة روبيو لإجراء تحقيق مع الموظفين الفيدراليين المعارضين، إلا أن اللوبي الإسرائيلي غالبًا ما يجعل "الدعم الكامل للدولة العبرية" بمثابة اختبار حاسم، وتؤدي أي مراوغة من قبل عضو في الكونجرس، يشكك في تكتيكات إسرائيل، إلى انتقاده ودعم منافسه في السباق الانتخابي في كثير من الأحيان.

اقرأ أيضاً

مشروعون ديمقراطيون يحثون بايدن على دفع إسرائيل لتغيير مسار حربها في غزة 

وهنا يشير أفتاندليان إلى أن هذا هو أحد الأسباب التي دفعت جميع المتنافسين الجمهوريين في انتخابات الرئاسة لعام 2024 إلى التعبير عن "دعم لا يشوبه انتقاد" لإسرائيل وإدانة الملاحظات التحذيرية التي أصدرتها إدارة بايدن بشأن الحاجة إلى الحد من الخسائر في صفوف المدنيين الفلسطينيين.

فبالنسبة للعديد من أصحاب المناصب أو المرشحين الجمهوريين، فإن مقتل الآلاف من الفلسطينيين الأبرياء، بما في ذلك النساء والأطفال، يبدو مسألة غير ذات أهمية.

وعلى الصعيد الديمقراطي، توضح استطلاعات الرأي المختلفة، التي أجرتها منظمات حسنة السمعة بحسب توصيف أفتاندليان، أن العديد من الناخبين الديمقراطيين مستاؤون من إدارة بايدن بشأن حرب غزة.

وأظهر استطلاع أجرته وكالة أسوشيتد برس ومركز NORC لأبحاث الشؤون العامة في أوائل نوفمبر/تشرين الثاني الماضي أنه في حين أن 50% من الديمقراطيين يؤيدون موقف بايدن، فإن نفس النسبة تقريبًا 46% لا توافق على ذلك.

الأكثر إثارة للقلق بالنسبة لحملة إعادة انتخاب بايدن، بحسب أفتاندليان، هو أن ما يقرب من ثلثي الديمقراطيين الشباب (الذين تقل أعمارهم عن 45 عامًا) و58% من الديمقراطيين غير البيض لا يوافقون على موقف الرئيس الأمريكي من حرب غزة، وتشكل هذه المجموعات جزءاً مهماً من قاعدة بايدن السياسية التي حملته إلى الفوز في عام 2020.

وفي ولاية ميشيغان، التي فاز بها بايدن في انتخابات الرئاسة بفارق ضئيل عام 2020، أظهر استطلاع للرأي أجرته شبكة CNN مؤخرًا أن الرئيس السابق، دونالد ترامب، يتقدم حاليًا على بايدن بـ 10 نقاط.

ورغم أن هذه الأرقام قد تكون أكثر دلالة على مخاوف الجمهور بشأن القضايا الداخلية، وأن الاستطلاع لا يقسم الأرقام حسب المجموعة العرقية، إلا أن الأمريكيين العرب يمثلون كتلة تصويتية كبيرة في ميشيغان، والعديد منهم غاضبون من بايدن، الذي دعموه في عام 2020، وهذا لا يعني أنهم سيوجهون دعمهم لترامب، حيث يتذكر كثيرون كلماته وأفعاله ضد المهاجرين المسلمين، وهو ما ضاعفه مؤخرا بقوله إن المهاجرين "يسممون دماء بلادنا".

ولذا يرجح أفتاندليان اتجاه العديد من الأمريكيين المسلمين والعرب إلى عدم التصويت في انتخابات الرئاسة المقبلة، كان السباق بين بايدن وترامب.

سياسات بايدن

ويوصف أفتاندليان بدعم انتقاد بايدن لعشوائية الهجمات الإسرائيلية على المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة بتغييرات سياسية أكثر واقعية وصرامة باعتباره زعيم الدولة الوحيدة التي تتمتع بأي نفوذ حقيقي مع إسرائيل، وذلك عبر ممارسة نفوذه على المسؤولين الإسرائيليين وعدم قبول تأكيداتهم الظاهرية بأنهم يبذلون قصارى جهدهم لحماية المدنيين في غزة.

كما يوصي الزميل غير المقيم بالمركز العربي في واشنطن بأن يوقف بايدن المساعدات العسكرية الإضافية حتى ينتهي قتل المدنيين الفلسطينيين وتسمح إسرائيل بدخول المزيد من المساعدات الإنسانية الكافية إلى قطاع غزة، حيث وصلت المعاناة بين المدنيين المعوزين هناك إلى مستويات مثيرة للقلق.

واعتبر أفتاندليان أنه غير المقبول أخلاقياً أن تمتنع الولايات المتحدة عن بذل كل ما في وسعها لوقف مقتل الآلاف من الأبرياء، خاصة أن إسرائيل تشن حملتها العسكرية إلى حد كبير باستخدام الأسلحة التي تزودها بها الولايات المتحدة.

وأشار إلى أن هكذا موقف "قد يبدأ في تحسين الصورة الممزقة للولايات المتحدة في العالم العربي الأوسع. وتحسين مكانة بايدن السياسية في الداخل ووضع نفسه كزعيم ينهي الصراع المميت في الشرق الأوسط"، وهو ما سيكون موضع ترحيب بشكل خاص من الديمقراطيين الشباب والتقدميين الذين يحتاج بايدن إلى دعمهم لإعادة انتخابه.

اقرأ أيضاً

بيان قوي.. رسالة من مجلس الشيوخ لبايدن لوضع حد لحرب غزة وتقييد الأسلحة لإسرائيل

المصدر | جريجوري أفتاندليان/المركز العربي بواشنطن - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: الولايات المتحدة جو بايدن الديمقراطيين الجمهوريين آيباك غزة إسرائيل المدنیین الفلسطینیین الولایات المتحدة فی صفوف المدنیین لحمایة المدنیین من الدیمقراطیین وقف إطلاق النار من الفلسطینیین فی الکونجرس إدارة بایدن اقرأ أیضا حرب غزة فی غزة إلى أن

إقرأ أيضاً:

أيقونة الزمن الآتي ودماء الفلسطينيين واللبنانيين والروس تفتح أبواب العالم الجديد

سبتمبر 29, 2024آخر تحديث: سبتمبر 29, 2024

رامي الشاعر

كاتب ومحلل سياسي

بحث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، منتصف الأسبوع الماضي، المعالم الرئيسية لوثيقة “العقيدة النووية” المحدثة، في اجتماع مع أعضاء اللجنة الدائمة للردع النووي بمجلس الأمن الروسي.

وقد حددت التعديلات الجديدة للعقيدة النووية الروسية حالات واضحة ومحددة يصبح من حق الدولة الروسية حينها استخدام الأسلحة النووية، ومن بينها العدوان على روسيا من قبل أي دولة غير نووية، ولكن بمشاركة أو دعم دولة نووية، وهو ما ستعتبره روسيا بمثابة هجوم مشترك على أراضيها، وفي حالة الهجمات الجوية بأسلحة هجومية عند عبورها حدود الأراضي الروسية، بما في ذلك باستخدام الطائرات الاستراتيجية أو التكتيكية وصواريخ كروز والطائرات المسيرة والأسلحة فرط الصوتية وغيرها من الأجسام الطائرة، وكذلك في حالة العدوان على أراضي بيلاروس، التي تربطها وروسيا “دولة الاتحاد”.

وأكد الرئيس الروسي أن مسودة العقيدة النووية المحدثة تعمل على توسيع فئة الدول والتحالفات العسكرية التي يتم تطبيق مظلة الردع النووي عليها، حيث تابع: “نحن نحتفظ بالحق في استخدام الأسلحة النووية في حالة العدوان على روسيا وبيلاروس كعضو في دولة الاتحاد، بما في ذلك عند استخدام العدو للأسلحة التقليدية وتشكيله تهديداً خطيراً لسيادتنا”.

وشدد بوتين على أن روسيا تتبع نهجاً مسؤولاً تجاه قضية الأسلحة النووية، وتسعى إلى منع انتشارها حول العالم، مؤكداً على أن الثالوث النووي الروسي يظل أهم ضمان لأمن الدولة الروسية وسلامة مواطنيها، وأداة فعالة للحفاظ على التكافؤ الاستراتيجي وتوازن القوى في العالم.

على الجانب الآخر، تقدم الرئيس الأوكراني المنتهية ولايته فلاديمير زيلينسكي لرعاته في واشنطن بما أسماه “خطة النصر”، والتي كانت بمثابة قبعة تسول الصدقات والمنح من الغرب، حيث يتوهم الممثل الكوميدي الذي ضل طريقه إلى السلطة في أوكرانيا أنه من الممكن “إجبار روسيا على الجلوس إلى طاولة المفاوضات العام المقبل” من خلال “تسريع إدارة بايدن شحنات الأسلحة وإعطاء الضوء الأخضر لضربات صاروخية ضد عمق الأراضي الروسية”.

لم ينجح زيلينسكي في هذه الزيارة بإقناع المسؤولين الجمهوريين، لا سيما أنه انجرف إلى المعركة الحزبية بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي بانحياز فج لصالح الحزب الديمقراطي، وهو ما دفع رئيس لجنة الرقابة والمساءلة في مجلس النواب جيمس كومر (الجمهوري من ولاية كنتاكي) فتح تحقيق رسمي في زيارة الرئيس الأوكراني إلى بنسلفانيا، والتي يرى أعضاء الحزب الجمهوري أنها كانت بمثابة “فعالية انتخابية” بأموال دافعي الضرائب، وفقا لتعبير مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب، حيث استخدم زيلينسكي في الزيارة طائرة نقل عسكرية من طراز C-17 تابعة للقوات الجوية الأمريكية، وقال رئيس مجلس النواب مايك جونسون (الجمهوري من ولاية لويزيانا)، في رسالة إلى زيلينسكي، إن الزيارة تمت “على خلفية معركة سياسية جدلية يقودها بديل سياسي كبير لكامالا هاريس، وفشلت في ضم جمهوري واحد لأنه لم تتم دعوة أي جمهوري عمداً”.

وأرسل جيمس كومر رسائل إلى البيت الأبيض ووزارة الدفاع ووزارة العدل يطالب فيها بمعلومات عن الزيارة، وقال إن تحقيقه سيصل إلى حقيقة ما إذا كان هناك “إساءة استخدام للموارد الحكومية سمحت لزيلينسكي بالتدخل في الانتخابات الرئاسية لعام 2024”.

إن “خطة النصر” المزعومة من قبل زيلينسكي هي نسخة معدلة من “خطة السلام” لزيلينسكي، والتي تحمل أوهاماً وأسئلةً أكثر من الوقائع والأجوبة على أرض المعركة، حيث ينتقد الخبراء العسكريون والمحللون السياسيون مغامرة كورسك غير المحسوبة من قبل زيلينسكي، والتي أقال من أجلها رئيس أركانه زالوجني، الذي تجرأ وطرح سؤالاً منطقياً:

“ماذا سيحدث في اليوم التالي؟”، وهو السؤال الذي يتعين على زيلينسكي وأعوانه الآن في كييف الإجابة عليه أمام الشعب الأوكراني الذي يدفع فواتير هذه المغامرات الرعناء والطائشة.

أما عن الاتحاد الأوروبي، الذي يهذي بما يسميه “إشارات قوية” لبوتين، استنادا لتعبير وزير الدفاع الألماني أمام مجلس النواب في فيلنيوس عاصمة ليتوانيا، حيث قال إن “أمن ليتوانيا هو أمن ألمانيا” احتفاء بنقل لواء ألماني إلى ليتوانيا، فيصرح هذا الاتحاد بعدم قبوله تهديد من روسيا، لكنهم في الاتحاد الأوروبي وفي “الناتو” بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية يستقبلون زيلينسكي، ويعلنونها بالفم الملآن أنهم يريدون “هزيمة روسيا استراتيجيا في أرض المعركة”، بل إن مناقشة “خطة النصر” لزيلينسكي في حد ذاتها ليست سوى إعلان حرب على روسيا، في الوقت الذي يندهشون فيه من تعديل روسيا لعقيدتها النووية، لحماية سيادتها ووحدة أراضيها وسلامة مواطنيها.

 

بنفس الكيفية، تمرح إسرائيل وترتكب جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في فلسطين ولبنان والعالم يشهد على ذلك دون أن يعبر حتى عن “قلقه العميق والبالغ”، أو حتى يشجب تصرفات الدولة المحتلة في عرف القانون الدولي وباعتراف الأمم المتحدة. وما باليد حيلة فجميع الدول العربية والشرق أوسطية استقبلت رسائل واضحة، من خلال قنوات مختلفة، تهددها باستخدام إسرائيل للسلاح النووي حال تعرضها للخطر، ويقف وراء ذلك بالطبع البيت الأبيض، الذي يستخدم ذراعين أحدهما في أوروبا (أوكرانيا)، والآخر في الشرق الأوسط (إسرائيل) لتنفيذ مخططاته الخبيثة الهادفة للإبقاء على الهيمنة الأمريكية والغربية على مقدرات الدول والشعوب.

إلا أن ما يزيد من هستيريا الغرب اليوم هو إدراكه، استنادا للمعارك الضارية التي تجري على الأرض، لاستحالة إضعاف روسيا بهزيمتها عسكرياً، لهذا يلجؤون إلى إغلاق كافة المنافذ الإعلامية، وتهديد كل من تسول له نفسه التعامل معها، ومحاولة حصار كل من يتعامل معها.

ولا شك أن ما صرح به الرئيس الأمريكي السابق والمرشح الجمهوري الحالي دونالد ترامب بقدرته على “إنهاء الأزمة الأوكرانية” أو “الحرب في غزة ولبنان” ليس سوى اعتراف واضح أن الولايات المتحدة هي من يقف وراء تلك الأزمات ويتحكم في مسارها. وهل ننسى أن ترامب كان الرئيس الأمريكي الذي أعلن ضم القدس إلى إسرائيل ونقل السفارة وأعلن الجولان أراض إسرائيلية وأعطى بذلك الضوء الأخضر للقيادة الصهيونية الفاشية للبدء بتصفية الشعب الفلسطيني عن بكرة أبيه.

إن الفرق بين بايدن وترامب بسيط، فالأول يداه ملطختان بدماء الشعب الأوكراني والفلسطيني واللبناني، بينما خطط الأخير، بخبث ودهاء، لكل ما سبق ذلك من أحداث أدت لكل هذه المآسي والكوارث الإنسانية المفجعة، والآن يستخدم ترامب الدماء التي تلطخ يدي بايدن في تشويه سمعة إدارته، في حين أن الإدارتين مذنبتان تقريباً بنفس القدر، وعلى نفس الدرجة من الإجرام والغطرسة الأمريكية.

لقد أصبح واضحاً للعيان الآن أن الحل الوحيد للخروج من هذا المأزق العالمي هو تحول العالم إلى عالم التعددية القطبية، لا سيما بعد أن اتضح لكل دول العالم، وخاصة الجنوب العالمي الذي ذاق مآسي الحروب الأهلية والصراعات والانقلابات، فشل السياسات الأمريكية في أوروبا والشرق الأوسط وفيتنام وأفغانستان والعراق وسوريا وليبيا واليمن وجميع أنحاء العالم. ولن ينقذ الولايات المتحدة لا ترامب ولا هاريس ولا الحزب الجمهوري أو الديمقراطي. إنما سينقذنا جميعاً عالم متعدد الأقطاب، ونظام عالمي جديد يحقق العدالة والمساواة لجميع الدول ذات السيادة.

إن تاريخ المنطقة، منطقة الشرق الأوسط، وتاريخ شرق أوروبا والعالم يتشكل الآن بدماء الفلسطينيين واللبنانيين والروس، ولعل الجميع يدرك الآن حجم المعركة الكبرى التي تخوضها البشرية دفاعاً عن مستقبلها، بعد أن أصبحت على شفا حفرة من الحرب العالمية الثالثة والصدام النووي الذي لن ينجو منه أحد. الآن أصبحنا نرى جميعاً أن نتنياهو كفأر مذعور يسعى بكل قواه وطاقته ودماء أبنائه للاستمرار في الحرب وتوسيع رقعتها من أجل توريط الولايات المتحدة بها، وأن زيلينسكي فأر مذعور آخر يحاول بكل ما أوتي من قوة أن يقحم الولايات المتحدة و”الناتو” في حرب نووية مع روسيا، لهذا أتمنى أن يكون الجميع على قدر من الوعي والمسؤولية والإدراك لأهمية المرحلة الحساسة والحاسمة التي تمر بها البشرية، ولنحاول جميعاً أن ننقذها من هيمنة اللوبي الصهيوني الأمريكي الإسرائيلي، ومن سيطرة اللوبي الأوكراني الأهوج، الذي يحاول برعونة وطيش أن يقنع “الناتو” والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بأن روسيا “تهدد بالعصا النووية وهي لا تقدر على استخدامها!”، فما ندفعه كشعوب في الشرق الأوسط وفي روسيا من دماء غالية زكية لا شك سيفضي في نهاية المطاف إلى قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، واستعادة لبنان لكامل أراضيها وحريتها غير المنقوصة، وتحرير الأراضي الروسية المحتلة من قبل النازيين الجدد في أوكرانيا، وإقامة نظام عالمي متعدد الأقطاب ينعم فيه الجميع بالازدهار والتنمية والحق في الأمن والاستقرار والحياة.

وأثناء الانتهاء من كتابة هذه المقالة، جاء خبر استشهاد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله وقد كان هذا الاغتيال متوقع أن يحدث، خاصة بعد أن تم تجنيد كل الأجهزة والامكانيات الأمريكية الصهيونية والغربية الخاصة لتنفيذ عمليات تصفية الشخصيات القيادية لمحور المقاومة وتحرير فلسطين وجميع الأراضي العربية المحتلة والسيد حسن نصرالله ورفاقه الذين مضوا معه كانوا يعلمون أنهم سيلتحقون بقافلة الشهداء وعملية الاغتيال هذه والتي استخدمت فيها أشد وأقوى الصواريخ الأمريكية اختراقاً وتدميراً، لا يجوز ابداً تقيمها على أنها انتصار لإسرائيل، بل عكس ذلك سيزداد محور المقاومة قوةً و إصراراً في الكفاح وسيزداد توسعه وتأييده من قبل الملايين من أجل تحرير فلسطين وعاصمتها القدس الشريف.

يبقى أملنا أن يستوعب الأعداء بعد ادخال التعديلات على العقيدة النووية الروسية والتي سيتم تبنيها رسمياً خلال الأيام القريبة القادمة أنه لا يجوز استباحة أمن وسيادة أي دولة في العالم. وأنا على أمل أنه في المستقبل القريب ستشارك روسيا دول حليفة أخرى إلى جانب بيلاروسيا لتكون فعالية التعديلات للعقيدة أشمل وسوف تشمل منطقة الشرق الاوسط أيضاً بالإضافة إلى مناطق أخرى.

مقالات مشابهة

  • في الضفة الغربية وغزة..أمريكا تدعم الفلسطينيين بـ 300 مليون دولار
  • سلطنة عمان تؤكد للعالم ضرورة وضع حد للإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل
  • لافروف: يجب وقف قتل المدنيين الفلسطينيين بالأسلحة الأمريكية على الفور
  • رئيس الوزراء الكندي يعرب عن قلقه إزاء تأثير الأحداث الأخيرة على المدنيين في لبنان
  • إسرائيل تضرب قلب اليمن: هل تستهدف الحوثيين أم تدمر حياة المدنيين؟
  • أيقونة الزمن الآتي ودماء الفلسطينيين واللبنانيين والروس تفتح أبواب العالم الجديد
  • بايدن يعلق على اغتيال نصر الله: إجراء عادل وندعم إسرائيل
  • بايدن يعلق على اغتيال نصرالله: إجراء عادل وندعم إسرائيل
  • أول تعليق من بايدن على الغارة التي استهدفت حسن نصرالله في بيروت
  • بايدن: أمريكا لم تكن على علم ولم تشارك في هجوم إسرائيل على بيروت