خطبتا الجمعة بالحرمين: الستر والتستر مما يُميّز الإنسان عن الحيوان.. والرضا بالقدر من لوازم الإيمان
تاريخ النشر: 22nd, December 2023 GMT
ألقى فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد خطبة الجمعة بالمسجد الحرام اليوم، وافتتحها بتوصية المسلمين بتقوى الله وعبادته، والتقرب إليه بطاعته بما يرضيه، وتجنب مساخطه ومناهيه.
وقال فضيلته: “كرّم الله بني آدم بالستر واللباس دون سائر المخلوقات، كما كرمهم بالزينة والتزين، وحين وسوس الشيطان لآدم وحواء عليهما السلام، وأكلا من الشجرة، كانت العقوبة أن بدت لهما سوءاتهما”.
وأشار فضيلة الشيخ ابن حميد إلى أن الله تعالى أحكم الستر بالدين والشرع، فبيّن للإنسان ما يجب عليه ستره من بدنه، وأفعاله، ومشاعره، وبيّن له ما يكشف وما لا يكشف، وبيّن له حدود الإظهار والإخفاء، بل ربط الله الستر بالجمال: جمال اللباس، وجمال الصورة، وجمال التقوى.. موضحًا أن الستر يحافظ على طهارة المجتمع، ويبقي على سمته ووقاره، فتحفظ الآذان عن سماع البذيء من الأقوال، وتغض الأبصار عن المستقبح من المناظر. والستر هو تغطية المسلم عيوبه، وإخفاء هناته، وما يقع منه، وعدم كشفها للناس مع ما يطلب من الندم، والتوبة، والاستغفار. والستر إخفاء، وصون، وحفظ.. والستر مقرون بالأدب، والحكمة، والذوق، ورهافة الحس.
وأكد فضيلته أن من أعظم علامات الصلاح “ستر العبد على أخيه عيبه، وحسن ظنه بإخوانه، واشتغاله بعيبه عن عيوب الناس، وما ستر الناس عليهم بيوتهم”.
والتجسس والتحسس مفسد لدينك، ومفسد لأخلاق الناس. مشيرًا إلى أن الستر منة عظيمة، ونعمة جسيمة، لو كشفها الله عن الناس لافتضحوا، ولما نظر أحد إلى وجه أخيه، ولعمت العداوة والبغضاء.
* وفي المدينة المنورة تحدّث فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور عبدالله بن عبدالرحمن البعيجان عن فضل الإيمان بقضاء الله وقدره، باعتباره ركناً من أركان الإيمان، الذي يستوجب التسليم بأقدار الله وقضائه سبحانه خيرها وشرّها التي كتبها الله على الخلائق قبل خلق السماوات والأرض. ومذكراً بأن طاعة الله سبب للخير، ومعصيته سبب للشرّ، وأن الصبر عاقبته خير في كل أمور المؤمن.
وأوضح الشيخ البعيجان في خطبة الجمعة أن الإيمان عليه مدار السعادة والرضا، والفوز والأمن والأمل، في العاجل والمستقبل، وحقيقته قولٌ باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالأركان، يزيد بالطاعة، وينقص بالعصيان، وله أركان وأصول، وهي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، وباليوم الآخر، وبالقدر خيره وشرّه.
وبيّن أن الإيمان بالقضاء والقدر ركن من أركان الإيمان، وأصلٌ من أصول عقيدة الإسلام، فلا يتم إيمان المسلم حتى يعلم أن كل شيءٍ بقضاء الله وقدره، قال تعالى: {إنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاه بِقَدَرٍ}، وقال سبحانه: {وَكَانَ أمْرُ اللَّه قَدَرًا مَقْدُورًا}. ولا يتم إيمان المسلم حتى يعلم أن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، فما يخرج عن إرادته وقضائه وقدرته شيء مهما يكن؛ فإنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون؛ فلا راد لقضائه سبحانه وتعالى، ولا معقّب لحكمه، ولا تبديل لخلقه، ولا حول ولا قوة إلا به، قال جلّ وعلا: {وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّه بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَه إِلَّا هُو وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ}.
ولا يتم إيمان المسلم حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، قال الله تعالى: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلا مَا كَتَبَ اللَّه لَنَا}. وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “لا يؤمن عبدٌ حتى يومن بالقدر خيره وشرّه، حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه” رواه الترمذي.
وأضاف فضيلته: إن الله تعالى كتب مقادير الخلق قبل أن يخلقهم، فعن عبدالله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: “إن الله تعالى كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلِق السماوات والأرض” رواه الحاكم.
وأوضح الشيخ عبدالله البعيجان،أن من الإيمان بالقضاء والقدر العلم أن حلو القضاء ومرّه وخيره وشرّه غير خارج عن إرادة الله وقدرته ومشيئته، فحلو القضاء وخيره قدر من الله، وهو من كرمه سبحانه وفضله ونعمته، ومُرّ القضاء وشرُّه قدر من مقدور الله، يصيب به من يشاء من عباده، لكن الطاعة سبب للخير، والمعاصي سبب للشرّ، والجزاء من جنس العمل، ولا يظلم ربك أحداً، قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَة فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ}.
وأضاف فضيلته: إن من الإيمان بالقضاء والقدر الصبر والرضا وعدم التسخّط والجزع، فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: “استعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا، ولكن قُل قدَّر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتحُ عملَ الشيطان” رواه البخاري.
وبيّن أن من نظر بنور الله وببصيرة المؤمن تلمّس جوانب الخير في كل ما يصيبه، قال تعالى: {وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُو خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُو شَرٌّ لَّكُمْ وَالله يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}.
وحضّ فضيلته على الصبر عن المصيبة، فقد وعد الله الصابرين على البلايا والنوائب، وبشّرهم بالخير والمثوبة، فقال تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إذا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَة قَالُوا إِنَّا لِلَّه وَإِنَّا إِلَيْه رَاجِعُونَ}. وقال جلّ وعلا: {إنما يوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب}.
وختم فضيلته الخطبة مذكراً بأن الإيمان بالقضاء والقدر يورث راحة البال، وطمأنينة النفس، واليقين، والتعلّق بالله، وصدق التوكّل عليه، والتوجّه إليه، فكل شيء بقضاء وقدرٍ مكتوب.
المصدر: صحيفة الجزيرة
كلمات دلالية: كورونا بريطانيا أمريكا حوادث السعودية الله تعالى قال تعالى الله علیه الله عن ر الله لم یکن
إقرأ أيضاً:
الإيمان والعلم
الإيمان والعلم يتكاملان ولا يتناقضان، وصحيح العقل لا يتناقض مع صحيح فهم الشرع، فبالعلم نصل للإيمان، حيث يقول الحق سبحانه: «فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ»، ويقول سبحانه: «أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ»، والإيمان يحثنا على طلب العلم، حيث يقول الحق سبحانه: «قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ»، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «مَن سلَكَ طريقًا يلتَمِسُ فيهِ علمًا، سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طريقًا إلى الجنَّةِ، وإنَّ الملائِكَةَ لتَضعُ أجنحتَها لطالِبِ العلمِ رضًا بما يصنعُ وإنَّ العالم ليستغفِرُ لَهُ مَن فى السَّمواتِ ومن فى الأرضِ، حتَّى الحيتانِ فى الماءِ، وفضلَ العالمِ على العابدِ كفَضلِ القمرِ على سائرِ الكواكبِ، وإنَّ العُلَماءَ ورثةُ الأنبياءِ إنَّ الأنبياءَ لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا إنَّما ورَّثوا العلمَ فمَن أخذَهُ أخذَ بحظٍّ وافرٍ».
كما أنه لا تناقض بين الإيمان والعلم على الإطلاق، فالعلم قائم على الأخذ بالأسباب، والإيمان يدعونا إلى الأخذ بأقصى الأسباب، وكان سيدنا عمر بن الخطاب (رضى الله عنه) يقول: «لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق» ويقول: اللهم ارزقنى، وقد علمتم أن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة، وحتى فى حديث نبينا (صلى الله عليه وسلم): «لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى الله حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُوا خِمَاصًا وَتَرُوْحُ بِطَانًا»، قال أهل العلم وشراح الحديث: إن الطير تأخذ بالأسباب، فتغدو وتروح، ولا تقعد فى مكانها وتقول: اللهم ارزقنى.
ونقل بعض الرواة أن أحد الناس خرج فى تجارة فلجأ إلى حائط بستان للاستراحة فيه، فوجد طائرًا كسير الجناح، فقال: يا سبحان الله ما لهذا الطائر الكسير كيف يأكل؟ وكيف يشرب؟ وبينما هو على هذه الحال إذا بطائر آخر يأتى بشىء يسير من الطعام فيضعه أمام الطائر كسير الجناح، فقال: يا سبحان الله، سيأتينى ما قسمه الله لى، فقال له صاحبه: كيف رضيت لنفسك أن تكون الطائر المسكين الكسير مهيض الجناح؟ ولم تسع لأن تكون الطائر الآخر القوى الذى يسعى على رزقه ويساعد الآخرين من بنى جنسه، وقد قال أحد الحكماء: لا تسأل الله أن يخفف حملك، ولكن اسأله سبحانه أن يقوى ظهرك.
ويقول الحق سبحانه: «فَامْشُوا فِى مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُور»، ولم يقل اقعدوا وسيأتيكم الرزق حيث كنتم، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «تَدَاوَوْا فَإِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلاَّ وَضَعَ لَهُ دَوَاءً غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ الْهَرَمُ»، ولم يقل أحد على الإطلاق إن الدعاء بديل الدواء، إنما هو تضرع إلى الله (عز وجل) بإعمال الأسباب التى أمرنا سبحانه وتعالى بالأخذ بها لنتائجها.
ولم يقل أحد على الإطلاق من أهل العلم إن الفقه بديل الطب بل إن الفقه الصحيح يؤكد أن تعلم الطب من فروض الكفايات، وقد يرقى فى بعض الأحوال إلى درجة فرض العين على البعض.
ونؤكد أن ثواب تعلم الطب لا يقل عن ثواب تعلم الفقه، وأن الأولوية لأحدهما ترتبط بمدى الحاجة الملحة إليه، فحيث تكون حاجة الأمة يكون الثواب أعلى وأفضل ما صدقت النية لله (عز وجل).
وعلينا ونحن نأخذ بأقصى الأسباب ألا ننسى خالق الأسباب والمسببات، مَنْ أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون، فنجمع بين أسباب العلم وأسباب الإيمان معًا، مؤكدين أنه لا تناقض بينهما بل الخير كل الخير والنجاء كل النجاء أن نحسن الجمع بينهما والأخذ بهما معًا.
الأستاذ بجامعة الأزهر