لا يوجد مسلم في قلبه مثقال ذرة من إيمان ولا حتى إنسان ينتمي إلى الإنسانية بمعانيها ومراميها -كما حدث من شعوب العالم الحر- يرضى عن ما حدث لأهلنا وسادتنا في غزة من خسف وحرق ودمار فاق كل تصور. ولقد ذهبت المقارنات بين ما حدث من جرائم في العهود الماضية والعقود التي خلت؛ وبين ما ارتكبته الآلة الصهيونية الإجرامية المدعومة عسكريا واستخباراتيا من أمريكا وأوروبا، واتفقت جميع المقارنات على أن الجرائم الوحشية التي ارتكبها الصهاينة الجبناء تخطت كافة الحدود، حتى بلغت أوزان الذخائر والمتفجرات التي ألقيت على غزة وحدها ضعف ما ألقاه الجيش الأمريكي على مدينتي هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين إبان الحرب العالمية الثانية!

وكل ذلك الألم زاده الخذلان من أولي القربي وتحولت بسببه الأحزان إلى أوجاع ثم إلى جراح عميقة؛ بحجم ما تحدثه القنابل الأمريكية في أرض غزة من حفر عميقة ودمار شامل قد استحالت الحياة بسببها!.

.

ورغم كل ذلك فلقد كانت محنة غزة منحة للعالمين العربي والإسلامي، وقد تفاجأت الأمة بصلابة أهل غزة وشموخ هامتهم ورسوخ عقيدتهم، ولم يقف الأمر عند الرجال الأشداء أو النساء الفضليات المربيات، بل تخطاه إلى الصبيان والأطفال ممن كانوا مع براءتهم وعفويتهم في قمة الوقار ومنتهى الاتزان وهم يُعبِّرون عن مواقفهم التي سبقت أعمارهم الصغيرة، ولا يسعك إلا الإجلال لتلك الأم الرؤوم والأب القدوة ممن كان لهما الفضل في إخراج تلك النماذج المشرّفة من صبايا غزة وصبيانها..

تُرى متى تعلم هؤلاء كل هذا الثبات والشموخ وهم في هذا العمر؟! ونظراؤهم في الجوار العربي يعيشون حالة من التدليل الممجوج التي لا تُخرج إلا النماذج التي لا تحمل لأي قضية همّا! وحال أولياء الأمور من الآباء هو التألم لفساد أبنائهم ممن أحسنوا تغذيتهم! لكنهم فشلوا في تعليمهم الرجولة حتى اشتكى قطاع كبير منهم من جحود الأبناء وسوء أدبهم! والنتيجة كانت تخريج أجيال لا تحمل همّا لقضية أو انتماء لأمة، وربما ساءت الأمور أكثر من مجرد فقدان الانتماء، فكان منهم ما لا طاقة للحديث عنه في مقالنا هذا ونحن نتحدث عن رجال في عمر الصبيان من أهل غزة!

من رأى الطفل المعجزة بحقٍ "رمضان أبو جزر"؟! وقد جرت العادة السيئة في وسائل الإعلام العربية على إطلاق لقب الطفل المعجزة على أحد المواهب الصغيرة البارعة في الرقص والغناء أو التمثيل! إنه رمضان الصغير الذي أبكى الكبار من الدعاة والعلماء وهم يستمعون إلى كلمته المسجلة وخلفه ركام المنازل الفلسطينية المتهدمة بأيدي الصهاينة، وعرّف بنفسه قائلا: اسمي رمضان محمود أبو جزر، عمري 9 سنوات، ولدت في حرب 2014 على غزة! بعيدا عن بيتي الذي قصفته طائرات الاحتلال الغادر فأصيب أبي واستشهد عمي "رمضان أبو جزر" الحافظ والمُحفظ لكتاب الله تعالى في نفس اليوم الذي ولدت فيه وتسميت على اسمه.

ثم يكمل متحدثا عن شوقه للقاء الدعاة المشرفين على برنامج "سواعد الإخاء" للحصول على وسام سفراء الحب قائلا: وقد كنت أعُدُ الأيام والليالي بعدما انتهيت من التأشيرات والإجراءات مع أبي وأخي وليد، ثم اشتريت ملابسي مع أمي! ويقول: والله لقد كان بِودّي أن ألتقيكم وفي قلبي كثير من الشوق أن أقبل رؤوسكم فردا فردا ولكن قدر الله لىّ الخير، وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم.

ويكمل قائلا: أُطلُ عليكم من الأرض التي أشار إليها الحبيب صلى الله عليه وسلم فقال: "خير رباطكم عسقلان"، مضيفا: غزة التي قاومت وما زالت تقاوم حتى وهي تنزف! غزة ورغم ما حدث فيها من أزمات ومجازر إلا أن فيها قوما جبارين! (انتهى).

الحقيقة أن الكلمات لتعجز عن توصيف حال هذا الشبل المبارك "رمضان أبوجزر" وعن رباطة جأشه وعلو همته وتفويضه لقضاء الله بكلمات رائعة أبكت الحضور من الدعاة والعلماء، واستشعروا منها أنهم يجلسون في حضرة المُعلم وليس التلميذ!

ومن استمع إلى كلمات الطفلة التي لم تتجاوز السابعة من عمرها وهي ترد على سؤال لأحد المحاروين في أحد شوارع القطاع بكلمات تقشعر لها الأبدان وبصوت جهوري دافئ من صدق لهجتها وعذوبة منطقها، موجهة بإصبعها الحديث إلى بني صهيون فتقول: أنتم فئران يا بني صهيون ونحن أسود! ثم تقسم متوعدة واثقة بالله عز وجل فتقول: سنسجد ونصلي شكرا لله في ساحة الأقصى! إن شاء الله.. (انتهى).

ومن استمع إلى كلمات الطفلة الصغيرة التي لم تتجاوز السادسة من عمرها! وهي تقول للكاميرا والمحاور أمامها يسألها مطمئنا عن حالتها النفسية نتيجة الدمار والقصف اللعين الموجه من "الصهاينة" فترد بكلمات يعجز الكثير من أشباه الرجال عن قولها وعن إدراك معانيها قائلة: لا نخشى جيشهم فالله أكبر منهم! يا االله.. متى تعلمتِ بُنيتي هذا الشموخ الذي قَصُر مليار ونصف مسلم عن بلوغه -إلا من رحم ربي-؟! وفي أي مدرسة تخرجت بهذه الحالة الإيمانية الفريدة وأزيز الطائرات يسمع في أرجاء القطاع؟! فمن في مثل عمرك يهنأ بالرعاية والتدليل الممجوجين دون فائدة، بل ربما أفسدهم التدليل وتمردوا على أسرهم فيما بعد، ولا حول ولا قوة إلا بالله..

فلله درّ أهل غزة من صبيانها وفتياتها ممن أخجلونا بثباتهم ورسخوهم.. فكيف اللحاق بهم؟!

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة الفلسطينية فلسطين غزة أطفال صمود مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة ما حدث غزة من

إقرأ أيضاً:

رمضان عبدالمعز: أبو طالب كان يصدق النبي لكنه رفض الإسلام خوفا من ملامة قريش

في حديثه عن آيات القرآن الكريم، استعرض الشيخ رمضان عبد المعز، الداعية الإسلامي، مشهدا تاريخيا مهما من السيرة النبوية، في إطار تفسيره لآيات من سورة الأنعام.

وقال الشيخ رمضان عبد المعز، خلال حلقة برنامج «لعلهم يفقهون»، المذاع على قناة «dmc»، اليوم: «الآيات التي تتحدث عن مشهد لقاء النبي صلى الله عليه وسلم مع قريش، توضح لنا كيف كانت قريش تعامل النبي في بداية دعوته، فقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم الناس ليبلغهم رسالة الله، فقال لهم: 'يا بني فلان، يا بني فلان'، وبعد أن تحدث معهم عن حقيقة الدين الذي جاء به، طلب منهم أن يصدقوه، وأن يلتزموا بدعوة الله، ورغم أن قريش كانت تعلم جيدًا صدق النبي وأمانته، إلا أنها رفضت دعوته».

وأضاف: «كانوا يعرفون النبي جيدًا، وكانوا يطلقون عليه في مكة 'الصادق الأمين'، لكنهم رغم ذلك لم يصدقوه في دعوته، وقد جاءوا إليه ينهون عنه، ويبعدون الناس عن سماع دعوته، كما ورد في قوله تعالى: 'وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيُنَأُونَ عَنْهُ'، هذا 'النهى' كان يشمل تحريض الناس على الابتعاد عن النبي، حيث كان هناك من يحاول إقناع الناس بأن دعوته تفرق بين الزوج وزوجته، وبين الأب وابنه، ويجعل حياتهم في مكة مشوشة».

وقال: «تعالوا نشوف أبو طالب قال إيه للنبي صلى الله عليه وسلم: 'والله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أوسد في التراب دفينا'، هو بيقول للنبي: 'أنت اجهر بدعوتك، ما عليك غضاضة، وأنا معاك، والله لن يستطيع أحد أن يصل إليك'، يعني كان يحمى النبي صلى الله عليه وسلم بكل ما أوتي من قوة، ويدافع عنه ضد قريش التي كانت تلاحقه وتؤذيه، ولكن رغم هذه الحماية، كان أبو طالب يرفض أن يؤمن برسالة النبي صلى الله عليه وسلم».

وتابع: «وبعدين نسمع أبو طالب بيقول للنبي صلى الله عليه وسلم: 'أصدع بأمرك، ما عليك غضاضة، ابشر وقر بذاك منك'، هو في الحقيقة كان بيقول له: 'افعل ما تريد، اجهر بالدعوة، وبلغ رسالة ربك، وأنا لن أترك أحدًا يضرك أو يسيء إليك'، وبالرغم من ذلك، أبو طالب نفسه لم يُسلم ولم يقتنع برسالة النبي صلى الله عليه وسلم، بل كان يرى أن ما جاء به النبي هو من خير الأديان، ولكنه كان يخشى من الملامة أو اللوم من قومه».

واستكمل: «أبو طالب بيقول للنبي صلى الله عليه وسلم: 'لولا الملامة أو حذاري سبه لوجدتني سمحًا بذاك مبينًا'، يعني كان مستعدًا أن يتبع النبي ويؤمن برسالته، ولكنه كان يخشى عواقب ذلك من قومه، وكان يخاف من السخرية أو العتاب بسبب إيمانه، فكانت هذه المفارقة، حيث كان أبو طالب يعترف بصدق النبي صلى الله عليه وسلم وأمانته، وكان يعترف بأن الدين الذي جاء به النبي هو من خير الأديان، لكنه في النهاية ضيع نفسه لعدم إيمانه».

مقالات مشابهة

  • أدعية قضاء الحوائج.. ردد هذه الكلمات التي لا ترد
  • تخلى عني وترك مصير زواجنا معلقاً.. فكيف أتصرف؟
  • رمضان عبدالمعز: أبو طالب صدق النبي لكنه رفض الإسلام خوفا من ملامة قريش
  • رمضان عبدالمعز: أبو طالب كان يصدق النبي لكنه رفض الإسلام خوفا من ملامة قريش
  • رمضان عبد المعز يروي مشهدًا تاريخيًا مهمًا من السيرة النبوية.. فيديو
  • تخلى عني وترك مصير زواجنا معلق.. فكيف أتصرف؟
  • لماذا يبتلينا الله؟.. الشيخ رمضان عبدالمعز يجيب
  • آخر تطورات إصابة زيزو وموقفه من اللحاق بمباراة المصري في الدوري
  • بالفيديو.. لماذا يبتلينا الله؟.. الشيخ رمضان عبدالمعز يجيب
  • ما هي الأعمال التي تجعلنا نرى رسول الله في الجنة؟