"أعطني السلاح الذي طلبته منك وأنا أستردّها، ولقد كانت خطتي إلى الآن أن أحاصر القدس والمستعمرات اليهودية وباب الواد، وأن أمنع وصول النجدات والمؤن إلى اليهود، ونجحت هذه الخطة… أما الآن فقد تطورت الحال، وأصبح لدى اليهود مدافع وطائرات ورجال، وليس باستطاعتي أن أحتل القسطل إلا بالمدافع، أعطني ما طلبت وأنا كفيل بالنصر".

(عبد القادر الحسيني موجِّها كلامه لقائد جيش الإنقاذ العربي إسماعيل صفوت باشا)

كان الاحتلال البريطاني لفلسطين بين عامي 1917-1947 المحفز الأبرز للهجرة اليهودية المليونية الجائرة إليها، وتكوينهم المستوطنات المختلفة، وتسليحهم بالعتاد والسلاح بل والطيران، ناهيك بدعم القوات البريطانية أو تغاضيها عن مذابحهم التي ارتكبوها تحت حماية بريطانيا، وقد اعترف بذلك عدد من كبار القادة البريطانيين مثل المارشال (المشير) برنارد مونتغمري، أشهر قادتهم أثناء الحرب العالمية الثانية في شمال أفريقيا، حين قال بعد زيارته إلى فلسطين في أواخر سنة 1946: "كان المفوّض البريطاني في فلسطين في هذا الوقت السير ألان كننغهام.. اجتمعت به يوم 29 نوفمبر/تشرين الثاني 1946 واستعرضنا الحالة، فأقرَّ كننغهام أن الجيش (البريطاني) لا يمكنه أن يقوم بالمهام المتعلقة به بسبب التضييقات المفروضة عليه بسبب تدخل الجهات العليا والنفوذ الصهيوني المنتشر في لندن، وأن هناك خططا موضوعة بإحكام للقضاء على البقية الباقية من العرب في فلسطين لتصبح فلسطين يهودية"[1].

كان أول القرارات التي اتخذها هربرت صمويل أن فتح هجرة اليهود إلى فلسطين دون قيد أو شرطٍ، وقد خوّلت المنظمةُ الصهيونيةُ بموجب قراره صلاحية إحضار 16.500 يهودي سنويًا (مواقع التواصل)

لم يكن اعتراف مونتغمري المتأخر الدلالة الوحيدة على محاباة البريطانيين لليهود وتآمرهم لمنحهم أرض فلسطين؛ حيث كانت نِيَّات لندن واضحة قبل ذلك بثلاثين عاما حين أطلقت وعد بلفور سنة 1917، وحين قررت تعيين اليهودي الصهيوني السير هربرت صمويل أول مندوب سامي بريطاني في فلسطين عام 1920، وكان أول القرارات التي اتخذها صمويل أن فتح هجرة اليهود إلى فلسطين دون قيد أو شرط، وقد مُنحت المنظمةُ الصهيونيةُ بموجب قراره صلاحية إحضار 16.500 يهودي سنويا، وأمام هذه الهجرات التي كانت تتوالى بصورة أكبر من الأرقام المعلنة، وهي بمنزلة جيوش احتلال قادمة من أوروبا ومدججة بالسلاح والعتاد والمال، شرع الفلسطينيون في المقاومة عبر الصحافة والإضرابات، وبالسلاح أيضا.

وأمام هذه المقاومة اضطر الإنجليز إلى تعديل نظام الهجرة اليهودية أكثر من مرة في أعوام 1925 و1926 و1927 و1929، ثم أخذ شكله النهائي في عام 1932، وكان المقصود بهذه التعديلات التي أُدخلت وضع بعض القيود على الهجرة بسبب تصاعد المقاومة العربية للانتداب وسياسته التي فتحت الباب أمام المهاجرين اليهود، ولكن هذه التعديلات كانت شكلية ولم تغير جوهر نظام الهجرة؛ الأمر الذي أدى إلى ثورات الثلاثينيات في فلسطين، مثل ثورة 1935 وثورة 1936-1939، واللافت أن الولايات المتحدة الأميركية ساعدت بريطانيا في إنجاح المشروع الصهيوني، حيث عمدت مع بعض الدول الأوروبية الأخرى سنة 1921 إلى وضع قيود على هجرة اليهود إلى أراضيها لدفعهم إلى الهجرة إلى فلسطين، وقد أدى ذلك إلى تقليل عدد المهاجرين اليهود إلى الولايات المتحدة من 120 ألفا سنة 1921 إلى 54 ألفا سنة 1922، ثم أصبحوا 10 آلاف مهاجر بحلول سنة 1925، ثم خُفض العدد مُجددا إلى أربعة آلاف سنويا، هذا في وقت كانت أميركا بحاجة ماسّة إلى هجرة الأيادي العاملة إليها[2].

عبد القادر الحسيني ونضاله المبكر

وسط هذه الأجواء بزغ نجم عدد من الشخصيات الفلسطينية الكبيرة ممن قادوا المقاومة والثورة ضد الوجود الصهيوني والبريطاني في بلادهم، وكان على رأسهم عدد من آل الحسيني في القدس، مثل كاظم الحسيني والمفتي أمين الحسيني وابن عمه الشهيد عبد القادر الحسيني الذي عاش أربعين عاما فقط، ولكنها كانت مليئة بمواقف البطولة والثبات أمام البريطانيين والعصابات الصهيونية، لا سيما في منطقة القدس وما حولها، وهذا الرجل هو أبرز القادة العسكريين الوطنيين الفلسطينيين في تلك المرحلة بحق.

وُلد عبد القادر الحسيني في إسطنبول بتركيا عام 1908، حيث كان والده موسى كاظم الحسيني من أشهر الشخصيات الفلسطينية في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين ممن عملوا ضمن الإدارة العثمانية في الأناضول وسوريا والعراق وفلسطين، كما كان عضوا في مجلس المبعوثان (البرلمان) العثماني، بينما نال ابنه عبد القادر تعليمه الابتدائي والإعدادي والثانوي في القدس، قبل أن يلتحق بكلية العلوم بالجامعة الأميركية بالقاهرة في وقت كانت الحركة الوطنية المصرية في أواخر العشرينيات نشطة في وجه الاحتلال البريطاني، فاحتك بحزب الوفد المصري، كما مارس نشاطه السياسي من خلال رابطة الطلبة الشرقيين، غير أنه فطِن إلى الدور الثقافي الذي تلعبه الجامعة الأميركية فانتهز فرصة تخرجه وقام في صيف عام 1932 خطيبا في حضور شمل وزراء ورجال سلطة، وكشف "خطورة ما تقوم به هذه الجامعة في هدم ثوابت الدين الإسلامي، ودعم المحتل البريطاني في المنطقة"، كما طالب المصريين بمقاطعتها، الأمر الذي اضطر رئيس الوزراء المصري وقتها إسماعيل صدقي باشا إلى طرده خارج مصر[3].

الشهيد عبد القادر الحسيني

وبالفعل عاد عبد القادر الحسيني إلى القدس في عام 1933، وعمل محررا في صحيفة الجامعة الإسلامية، كما انضم إلى الحزب العربي الفلسطيني الذي ترأسه قريبه جمال الحسيني، ثم عمل مأمورا في دائرة تسوية الأراضي في فلسطين، وأثناء عمله في هذه الوظيفة تمكن من إحباط وكشف أكثر من محاولة صهيونية وبريطانية للاستيلاء على أراضٍ عربية، ولما كان طموحه وهدفه الأكبر طرد المحتل البريطاني وأتباعه من الصهاينة من بلاده استقال من هذه الوظيفة وشرع في التحضير للثورة التي انطلقت عام 1936 وظلت ثلاث سنوات كاملة حتى قيام الحرب العالمية الثانية سنة 1939.

كان والده موسى كاظم الحسيني قد استقر في فلسطين بعد سقوط الدولة العثمانية وترسخ الاحتلال الفرنسي في سوريا ولبنان، وكان متوقّدا عزيمة وحماسة -على كبر سنّه فهو من مواليد عام 1853- في مواجهة المحتل البريطاني والعصابات الصهيونية، وقد اشترك موسى وابنه عبد القادر في العديد من الانتفاضات التي وقعت حينئذ في القدس ويافا وحيفا وغيرها، بيد أنه استُشهد في إحدى المظاهرات بمدينة يافا في 27 أكتوبر/تشرين الأول 1934، وهو ابن 81 عاما، فأقسم ابنه عبد القادر على الثأر لدماء والده، وقد أصيب في تلك المرحلة في عدد من المظاهرات التي اشترك بها، ثم أُصيب إصابات بالغة في ثورة 1936-1939، التي لمع نجمه فيها[4].

احتجاجات يافا عام 1933 التي قادها موسى الحسيني حولتها الآلة البريطانية إلى مجزرة

ولأن دوره كان مفصليا وقياديا في هذه الثورة؛ طارده الإنجليز في القرى الفلسطينية قبل وبعد استشهاد القائد الفلسطيني سعيد العاص، أحد الذين قادوا هذه الثورة، ومع جراحه البليغة التي أُصيب بها هرب إلى العراق ثم عاد إلى دمشق ومنها عاد إلى فلسطين سنة 1938، حيث التحق بالعمل المسلح ضد البريطانيين في منطقة الخليل، وهناك أُصيب من جديد في إحدى المعارك ضد الإنجليز في قرية تُسمَّى النعيم، وكانت إصابة بالغة كادت تودي به، وبعد علاج سريع قرر رفاقه تهريبه إلى سوريا ومنها سافر إلى العراق سنة 1939، وفي هذه المرة الثانية قرر الالتحاق بالكلية العسكرية فتخرج فيها ضابطا احتياطيا، واشترك مع رفاقه الفلسطينيين في ثورة رشيد عالي الكيلاني ضد المحتل البريطاني سنة 1941، ولكن هذه الثورة فشلت، الأمر الذي اضطره إلى الهرب صوب إيران ثم عاد إلى بغداد واعتُقل في شمال العراق في منطقة زاخو، ومكث فترة طويلة في هذا المعتقل حتى سنة 1944، حيث سمحت له الحكومة العراقية بالمغادرة مع جراحه التي راحت تلتهب من جديد بسبب الإهمال[5].

موسى كاظم الحسيني (الجزيرة)

هذه المرة، لجأ عبد القادر إلى السعودية، حيث استقبله الملك عبد العزيز آل سعود واحتضنه، فقرر البقاء في الحجاز، وأمضى فترة عامين في السعودية، وسافر منها سرًّا إلى ألمانيا، حيث قضى ستة أسابيع في أحد المعاهد العسكرية الألمانية للتدرب على صنع المتفجرات والألغام واستخدامها، ثم انتقل عبد القادر الحسيني بعد نهاية الحرب العالمية الثانية مع أسرته إلى القاهرة في أوائل سنة 1946، وعزمت الحكومة المصرية على إبعاده، لكنها تراجعت عن ذلك بعد تدخل القوى الوطنية المصرية.

وفي تلك الأثناء جاءته أخبار قرار مجلس الأمن بتقسيم فلسطين بين اليهود والعرب في أواخر عام 1947، وإعلان الإنجليز الانسحاب في عام 1948 تاركين المجال للصهاينة إعلان دولتهم، فقرر على الفور البحث عن السلاح في المناطق التي اشتعلت فيها معارك الحرب العالمية الثانية بين الإنجليز والألمان والطليان في ليبيا ومرسى مطروح، بل انطلق صوب بيروت ودمشق لإنجاز هذه المهمة، وفي تلك الأثناء اختارته اللجنة العسكرية التي شُكِّلت لتحرير فلسطين وقتئذ تحت رعاية الجامعة العربية قائدا لحركة النضال والمقاومة في الجبهة الوسطى في فلسطين (القدس وما حولها) وذلك في أوائل سنة 1948[6].

شهيد القسطل! "الجهاد المقدس" أول جيش تأسس لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي بقيادة عبد القادر الحسيني (الصحافة العربية)

هذه الأشهر الأربعة الأخيرة من عمر عبد القادر الحسيني كانت جحيما ونشاطا محموما ضد العصابات الصهيونية وقواعدهم التي أقاموها في القدس ومستوطناتها، فقد استهدف عبد القادر ورجاله الوجود الصهيوني في المنطقة مثل تدميرهم شارع هاسوليل ومطبعة البالستاين بوست في فبراير/شباط عام 1948، وأيضا شارع بن يهودا، كما قام بنفسه مع رفاقه من شباب حركة "الجهاد المقدس" بتدمير طريق باب الواد وأنابيب المياه التي كانت تجري إلى الأحياء الصهيونية المحتلة، فضلا عن حرب الشوارع التي خاضها مع إخوانه في شوارع وأزقة القدس ضد الصهاينة، ولكن مع كل هذه المعارك وحروب الاستنزاف والخسائر التي كان يُنزلها بالعدو، فإنه كان يدرك أنه يواجه مشكلة بسبب ضعف السلاح والعتاد ونفاده، ولهذا السبب قرر السفر إلى اللجنة العسكرية العليا في دمشق وهي التي أُنشئت لدعم فلسطين في أواخر عام 1947.

مكث عبد القادر الحسيني 12 يوما لإقناع رجال الهيئة العربية العليا واللجنة العسكرية لدعم فلسطين لإمداده بالعتاد والسلاح، وكان لديه نقص شديد في المدافع الرشاشة وبعض القنابل وغيرها، وعبثا حاول ذلك، وبينما هو مستغرق في البحث عن الدعم، واللقاء بكبار الشخصيات في سوريا من العراقيين والمصريين والسوريين وغيرهم، سقطت مدينة القسطل، وهي أول بلد عربي يسقط في يد الصهاينة، وكانت في موقع إستراتيجي غرب القدس على تلة مرتفعة، سمّاها الفرنسيون زمن الاحتلال الصليبي بـ"القلعة" لحصانتها ومناعتها، وكانت تشرفُ على القرى القريبة منها وعلى الطريق الرئيسية بين القدس وتل أبيب، وقد جاء الخبر إلى عبد القادر الحسيني والحاضرين فزادت نقمته وغضبه، خصوصا على القائد العراقي إسماعيل صفوة باشا، الذي يقول عنه حسنين هيكل في كتابه "العروش والجيوش": "كانت تحت القيادة العليا التي يتولاها الملك عبد الله الأول ملك الأردن قيادة عامة للجيوش العربية أُسندت إلى اللواء العراقي إسماعيل صفوت باشا، وضعت هذه القيادة خططا طموحة على الورق؛ لكن الذين وضعوها كان يعرفون مسبقا أنها مستحيلة التحقيق، فالقائد العام صفوت باشا لن تكون له في حقيقة الأمر أي سلطة على بقية الجيوش العربية… كان إسماعيل صفوت باشا ضابطا لم يعش تجربة ميادين القتال، وقد ترقى لرتبته الرفيعة -كما هو الحال في معظم الجيوش العربية وقتها بحكم الأقدمية- وبتقدير أنه ضابط مأمون لا يتجاوز تفكيره حدود خرائطه".

هذا الضابط ذو الخبرة المحدودة لما سقطت القسطل في أيدي الصهاينة قال لعبد القادر الحسيني: "ها قد سقطت القسطل، عليك أن تسترجعها يا عبد القادر، وإذا كنتَ عاجزا عن استرجاعها فقل لنا لنعهد بهذه المهمة إلى القاوقجي"، وفوزي القاوقجي هو قائد جيش الإنقاذ العربي الذي عيّنته جامعة الدول العربية واللجنة العسكرية بعد قرار التقسيم في أواخر 1947.

وقد غضب عبد القادر الحسيني من هذه الإهانة، وراح يوضح لإسماعيل صفوت معنى القسطل وأهميتها الإستراتيجية، وأنه لا يمكن استرجاعها بالبنادق الإيطالية والذخائر القليلة عديمة النفع، ثم قال له: "أعطني السلاح الذي طلبته منك وأنا أستردّها، ولقد كانت خطتي إلى الآن أن أحاصر القدس والمستعمرات اليهودية وباب الواد، وأن أمنع وصول النجدات والمؤن إلى اليهود، ونجحت هذه الخطة… أما الآن فقد تطورت الحال، وأصبح لدى اليهود مدافع وطائرات ورجال، وليس باستطاعتي أن أحتل القسطل إلا بالمدافع، أعطني ما طلبت وأنا كفيل بالنصر"[7].

رفض إسماعيل صفوت هذا الطلب، وقال له: "ماكو مدافع"، بل زاد وزير الدفاع السوري وقتها أحمد الشراباتي قائلا: "إذا احتل اليهود القدس فسنأتي ونخرجهم منها أو نقتلهم فيها"، ولم يعطوه من الأسلحة والذخائر إلا القليل، عند ذلك اشتعل غضب عبد القادر الحسيني، وألقى بالأوراق والخرائط التي كانت معه في وجه وزير الدفاع وصفوت باشا، واتهمهما بالخيانة والتقاعس والتسبب في ضياع فلسطين كلها، وعزم على الرجوع إلى القسطل لاستعادتها على ضعف بضاعته وعتاده، ولو بلغ به الأمر برمي نفسه في أتون المعركة ونيل الشهادة.

وبالفعل ما إن عاد في يوم 6 أبريل/نيسان 1948 إلا وانطلق مع أصحابه بعتادهم القليل وسلاحهم الضعيف صوب القسطل مساء يوم 7 أبريل/نيسان، وهناك وزع نفسه وأصحابه على محاور البلدة وعددهم وقتئذ لا يزيد على ثلاثمئة، وكادت مجموعات الميمنة والميسرة أن تخترق حصون الصهاينة في البلدة وتستعيدها لولا نفاد الذخيرة فتراجعت، عند ذلك اشتد غضب عبد القادر الحسيني الذي كان في مقدمة الصفوف حينها لاستطلاع خبر مجموعة كان قد أرسلها لضرب الاستحكامات الصهيونية في مقدمة المدينة، والقضاء على المتاريس التي فيها بالقنابل والمتفجرات، فلما تأخرت هذه المجموعة ولم تتم عملها ذهب مع مجموعة صغيرة من ثلاثة أو أربعة أشخاص للوقوف على الخبر، وأيضا لدعمهم بمزيد من المتفجرات، لكن اليهود اكتشفوهم فأطلقوا عليه النيران بعد نفاد ذخيرتهم.

وأمام مدينة القسطل سقط عبد القادر الحسيني شهيدا فجر يوم 8 أبريل/نيسان 1948، ولم يعلم أهل القدس ولا القرى المجاورة من المقاومين إلا بأنه جُرح وأن اليهود يحاصرونه، حينها هبّوا لنجدته، واستطاعوا استعادة القسطل في الساعة الرابعة عصر ذلك اليوم ورفعوا الأعلام فوقها، ولكنهم اكتشفوا وقتها استشهاده، وقد حزن عليه الجميع؛ لأنه كان أكبر قيادات المقاومة الفلسطينية في قطاع القدس وما حولها، وأكثرهم خبرة ودربة وحماسة لا متناهية لقضيته، وعقب صلاة الجمعة يوم 9 أبريل/نيسان صلّى عليه 10 آلاف شخص في المسجد الأقصى ثم دُفن بجوار والده في ضريح واقع بين باب القطانين والباب الحديد[8].

ورغم استعادة المقاومين للقسطل، فإن اليهود والبريطانيين استغلوا تشتت المقاومين بسبب وفاة عبد القادر الحسيني والانشغال بالصلاة عليه، وذهاب البعض الآخر إلى بيوتهم بهدف الراحة بعد أيام طوال من المقاومة والقتال، فهجموا على البلدة بعد ساعات ليلة 8-9 أبريل/نيسان واستعادوها بعدما قضوا على الأعداد القليلة المتبقية من المقاومين فيها. وهكذا بلغت رحلة عبد القادر الحسيني نهايتها بعد أربعين عاما فقط، قضى جلّها ثائرا ومقاوما، وختمها شهيدا في سبيل ما آمن به ودافع عنه.

____________________________________

المصادر:

[1] مذكرات المريشال مونتغمري ص302. [2] الموسوعة الفلسطينية 4/518. [3] الموسوعة الفلسطينية 3/168. [4] عارف العارف: النكبة الفلسطينية والفردوس المفقود 1/166، 167. [5] عارف العارف: السابق 1/167. [6] موسوعة فلسطين 3/169. [7] عارف العارف: السابق 1/159، 160. [8] عارف العارف: السابق 1/ 162- 168.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الحرب العالمیة الثانیة المحتل البریطانی أبریل نیسان الیهود إلى إلى فلسطین فی فلسطین التی کان فی أواخر فی القدس التی أ عدد من فی تلک

إقرأ أيضاً:

إيران باعت نصر الله.. من هو الحسيني وما علاقته بالسعودية والموساد؟ (شاهد)

أثار رجل الدين الشيعي اللبناني محمد علي الحسيني جدلا واسعا خلال الأيام الماضية، بعد تنبؤه باغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله.

وظهر الحسيني عدة مرات على شاشة قناة "العربية" السعودية، وحذر نصر الله قبل اغتياله من أن "إيران باعته" للاحتلال الإسرائيلي، داعيا إياه إلى كتابة وصيته.

وبعد اغتيال نصر الله، حظي الحسيني بتفاعل واسع، ما دفعه إلى ترديد مزاعم حول علاقته السابقة بنصر الله.


ونشر الحسيني صورا تجمعه بالأمين العام لحزب الله، قائلا إنه ساهم معه في تأسيس حزب الله، و"حررا الجنوب معا" عام 2000.

وتظهر في أحد الصور أن نصر الله هو من قام بتعميم الحسيني بالعمّة السوداء، معلقا "عندما يعمم السيد حسن شخصا فإن لهذا دلالات كثيرة، إحداها أنه موثوق به وبعلمه وموضع اطمئنان وأهلية".
#نصرالله_من_عمم_الحسيني
للقريب والبعيد، للصديق والمخالف، اعلموا أنه عندما يعمم السيد حسن نصرالله شخصا فإن لهذا الأمر دلالات كثيرة، فهذا يعني أن هذا الشخص موثوق به وبعلمه وموضع اطمئنان وأهلية و للمسؤولية، فالعمامة لا تمثل قيمة دينية فحسب، بل هي قيمة خاصة للعمل القيادي، وعندما… pic.twitter.com/srHpQO8WkK — محمد علي الحسيني (@sayidelhusseini) September 30, 2024
وبالتوازي مع نشره تغريدات عن نصر الله، واصل الحسيني هجومه على حزب الله وإيران، وترديد عبارات عن السلام في المنطقة.

وصباح الثلاثاء، نشر الحسيني فيديو سابق من احتفاء أقاربه به في مناسبة سابقة، معلقا عليه "إلى إخواني وأهلي وشعبي في لبنان،  أبشركم عودتنا إليكم قريبة، وبإذن الله سأكون معكم وبينكم كما عودتكم ووعدتكم. أليس الصبح بقريب؟".
#الحسيني_راجع
إلى إخواني وأهلي وشعبي في لبنان ???????? أبشركم عودتنا إليكم قريبة، وبإذن الله سأكون معكم وبينكم كما عودتكم ووعدتكم. أليس الصبح بقريب؟
استقبال جماهيري #المجلس_الإسلامي_العربي pic.twitter.com/XtkDB6nbRi — محمد علي الحسيني (@sayidelhusseini) October 1, 2024


فمن هو محمد الحسيني؟
محمد علي الحسيني يُعرّف نفسه على أنه "كاتب ومحاضر ومفكر إسلامي له وزنه وثقله وتأثيره على الساحة الإسلامية والأوروبية والإفريقي"، ويرأس حاليا ما يُسمى بـ"المجلس الإسلامي العربي".

نشأ الحسيني وترعرع في لبنان، والتحق بحزب الله في بداية تأسيسه، إلا أنه انشق عنه لاحقا وأسس "المجلس الإسلامي العربي"، وشكل جناحا مسلحا له بعد العام 2000.
@sayidelhusseini#مهم | محمد علي الحسيني عميل اسرائيلي أُدين عام 2012 بتهمة العمالة، وبعدها ذهب إلى السعودية وأُعطيَ الجنسية، وبدأت رحلته بزرع الفتن والتحريض، يستخدم كآداة للترويج لأكاذيب أسياده .

*هذا الحساب ممنوع من الوصول بسبب تقيدات إدارة ???? والبلاغات ولكن لن اتوقف عن… pic.twitter.com/CbG0FhfINQ — ????????ℕ  (@Man_spicy1) September 30, 2024
يقول الحسيني إنه خلافه مع حزب الله جاء بسبب رفضه عداء المرجعيات الشيعية في إيران لسب الصحابة، وقال إنه يدعو إلى نبذ الفرقة بين السنة والشيعة، وبقية الأديان.

وأفتى الحسيني مؤخرا بحرمة ما قامت به المقاومة في غزة، وفي لبنان ضد الاحتلال الإسرائيلي.

وقال "كل الفقهاء يقولون بأن المشروع هو الدفاع، الجهاد الدفاعي. وما حصل في الآونة الأخيرة في موضوع غزة أو في موضوع لبنان -تحديدا-، يعني في الثامن من تشرين الأول/أكتوبر، هو لم يكن دفاعيا. هو كان ابتداء فتح معركة من جنوب لبنان".


العمالة للموساد

اعتقلت السلطات اللبنانية الحسيني في أيار/ مايو 2011، وفي شباط/ فبراير 2012 قضت المحكمة العسكرية بالسجن ضده 5 سنوات، بتهمة التخابر مع الاحتلال الإسرائيلي والموساد.

وفي آذار/ مارس 2014، أخلت السلطات اللبنانية سبيل الحسيني بقرار من محكمة التمييز العسكرية، ليغادر بعدها لبنان.

وخلال محاكمته، نفى الحسيني التهم الموجهة إليه بالتخابر مع الاحتلال، إلا أنه اعترف بوجود روابط تجمعه بمنظمة "مجاهدي خلق" المعارضة في إيران، والمدعومة من دول الغرب.

وظهرت مشاهد للحسيني وهو يقود مجموعة من المقاتلين في جبال لبنان قبل اعتقاله، إلا أنه لم يحدد الهدف من وجود تنظيم مسلح لـ"المجلس الإسلامي العربي".

وبرغم نفيه العلاقة مع الاحتلال، إلا أن الحسيني ومنذ الإفراج عنه نشط الحسيني بالإضافة إلى دعاة من دول أخرى في مشاريع تدعو للسلام، وتروج للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي.

ويعتقد الحسيني من خلال مقابلات وتغريدات له، أن العدو الأول للمنطقة هو النظام الإيراني، وحزب الله، ومن ثم يجب خلق حالة سلام مع بقية الدول لمحاربة المشروع الإيراني.

وقال في تصريحات سابقة؛ "إننا ندعو الحاخامات والكهنة ورجال الدين المسلمين – من السنة والشيعة على حد سواء – للتنديد بالتقاليد والنصوص الدينية التي تدعو إلى العنف، إذ إنها أكثر خطورة من الأسلحة النووية".


"علاقة مستمرة"
يقول ناشطون إن علاقة محمد علي الحسيني بإسرائيل لا تزال مستمرة، بدليل تحدثه بمعلومات عسكرية عن مخططات جيش الاحتلال.

وقبل يومين قال الحسيني إن جيش الاحتلال ينوي التوغل بمسافة 5 إلى 7 كيلومترات في داخل لبنان لإنشاء منطقة أمنية.

وذكر قبل يومين من إعلان جيش الاحتلال التوغل بريا، أنه "يقسم" بوجود اجتياح بري، وبعملية محدودة، وهو ما حدث بالفعل.

كما وجه الحسيني تحذيرا لاثنين من قادة حزب الله في سوريا، وهما "أبو علي الطبطبائي"، و"يوسف هاشم" بأن عليهما الفرار، لأنهما هدفا قادما للاحتلال الإسرائيلي.

أمين عام المجلس الإسلامي العربي محمد علي الحسيني:
-#إسرائيل ستنفذ اجتياحا بريا لإنشاء منطقة أمنية بعمق 5 إلى 7 كيلومترات في #لبنان

-الجيش الإسرائيلي سيتجه بعد إنشاء المنطقة الأمنية إلى البقاع عبر جبل حلمون وصولا إلى بوابة #دمشق

- دعوت #الأسد سابقا للاختيار بين التحول السلمي… pic.twitter.com/i60XfUlVHQ — العربية (@AlArabiya) September 28, 2024 الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي محمد علي الحسيني لـ "أبو علي الطبطبائي" و"يوسف هاشم" بسوريا: "باعوكم كما باعوا الكبير.. انسحبوا" #قناة_العربية pic.twitter.com/c8QrsB0zZm — شاشة العربية (@AlArabiyaScreen) September 29, 2024
الاحتضان السعودي
بعدما تنقل بين عدة دول، احتضنت السعودية محمد علي الحسيني رسميا عام 2021، ومنحته جنسيتها ضمن سياستها في تجنيس النخب والعلماء.

ومنذ تجنيسه، بات محمد علي الحسيني ضيفا دائما على وسائل الإعلام السعودي، ومروجا للتطبيع مع الاحتلال.

كما بات الحسيني أحد الحضور الدائمين في جولات "رابطة العالم الإسلامي" التي يقودها محمد العيسى، وكان معه في زيارة نصب "الهولوكوست" في بولندا عام 2020.

ويقوم الحسيني بشكل مستمر بالتغزل بالعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، ونجله محمد بن سلمان.

وقال بعد منحه الجنسية إنه سجد لله شكرا فور سماعه خبر منحه الجنسية، وإنه يدين بالولاء التام للملك سلمان وللسعودية.

وغرّد الحسيني سابقا "سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز.. عرفته أميرا للبلاغة وسيدا للكلمة، وعالما بثقافة وتاريخ المملكة منذ ريعان شبابه".

وبات الحسيني مروجا لرؤية السعودية 2030، بما فيها ملف استضافة مونديال كأس العالم 2034، وكافة مشاريع ولي العهد محمد بن سلمان.



المملكة سلمت اليوم رسميًّا ملف الترشّح لاستضافة بطولة كأس العالم 2034 لكرة القدم في العاصمة الفرنسية باريس .
هذه الخطوة المميزة هي من انجازات @SaudiVision2030 وحرص سيدي سمو ولي العهد الامير محمد بن سلمان على تعزيز الاستثمار في البنية التحتية والصناعات غير النفطية، وتعزيز…

— محمد علي الحسيني (@sayidelhusseini) July 29, 2024

مقالات مشابهة

  • قائد يمن العزة والكرامة ونصرة فلسطين
  • جبهة الإسناد اللبنانية.. صمودٌ أسطوريّ في زمن الأقزام
  • رئيس الوفد الوطني يبارك العملية الإيرانية التي ضربت أهدافا عسكرية للعدو داخل فلسطين المحتلة
  • المالكي: نحن أمام معركة مفتوحة.. وسندخل القدس
  • المقاومة اللبنانية.. معركة إسناد فلسطين تسير كما لو أن السيد القائد ما زال حياً بيننا
  • إيران باعت نصر الله.. من هو الحسيني وما علاقته بالسعودية والموساد؟ (شاهد)
  • وعلى طريق القدس مضيت!
  • سرايا القدس تعرض مشاهد استهداف لجنود العدو بقذائف الهاون في محور نتساريم
  • عاجل - من هو عباس نیلفروشان.. قائد فيلق القدس الإيراني الذي قُتل مع حسن نصر الله؟
  • رباطة علماء اليمن: ما يقوم به العدو الصهيوني هي محاولات بائسة لاسترداد قوة الردع التي فقدها في معركة طوفان الأقصى