من عبق التاريخ: لمحة من سيرة السلطان الشهيد ابراهيم قرض
تاريخ النشر: 22nd, December 2023 GMT
بسم الله الرحمن الرحيم
بُعيد وفاة السلطان حسين بن محمد الفضل أُديرت بعض الترتيبات والتفاهمات بين المقاديم ممن كانوا حضورا لإختيار الامير ابراهيم قرض ليخلف اباه السلطان المتوفي وكان كبير المقاديم المقدوم احمد شطة الموصوف بالورع والحكمة ورجاحة العقل قيّماً على ( دارا ) وهو المنوط به ترشيح خليفة السلطان لكنه لم يحضر الوفاة ولم يكن على علمٍ بتلك التفاهمات .
وبعد أن وصل المقدوم الى الفاشر ثمّ الى المكان حيث مراسم العزاء حيث كانت هناك خيمة كبيرة كان بداخلها كبار الامراء فيهم نورين محمد الفضل وابكر محمد الفضل وإخرين وتبدو من الوقائع أنّ ابراهيم قرض كان من بين الموجودين في ناحية ما داخل الخيمه وما أن وصل المقدوم احمد شطه وانتهى الى مكان الخيمة وأدي ( الفاتحة ) أي قدم واجب العزاء حتى بادره المقدوم (راما قُومُو ) من داورا / ناحية كاس موجهاً الخطاب للمقدوم احمد شطه قائلاً :
ابو ( أبجِبّين) السطان تُوفي - الله يرحمه ونحن في انتظاركم لعقد البيعه لمن تقدمون وهنا وحسب الروايه فقد بادله المقدوم احمد شطه الحديث متسائلاً :
واين الامير نورين وهو يقصد : الامير نورين بن محمد الفضل ؟ وبسماعه لهذا السؤال الصادر من المقدوم احمد شطّه ، استل ابراهيم قرض سيفه فجأةً رافعاً طرفاً من الخيمه وملوحاً بسيفه قائلاً كلاماً غير مناسب للمقدوم احمد شطه وسط صمت وذهول الحاضرين .. وقد فهم المقدوم بأنّ امر الخلافة قد حُسم قبل وصوله فما كان منه الا أن ابدى امام الحضور مباركته لما اقدموا عليه مؤكدا بيعته للسلطان ابراهيم قرض بن السلطان حسين بن محمد الفضل .. وبعد ان اكتملت الترتيبات سار الجميع في اليوم التالي الى طُره لتشييع ودفن السلطان حسين ثمّ عادوا الى الفاشر وتشاوروا حول ترتيبات كرامة ( الاربعين ) .. لكن ما ان خلد المقدوم احمد شطه الى داره في ناحية (شالا ) غرب الفاشر حتى عقد العزم على تدبير امره فأسند مهام ( المقدمه )لابنه حامد بل حتى اعطاه الحصان الذي كان يركب عليه وسافر خُفية الى ( دارا ) .. ثمّ بعد ذلك بفترة ويبدو بترتيب مُسبق قامت حاشية المقدوم ومناصريه لللحاق به فمّروا في زفّه عبر مدينة الفاشر وهم على رواحلهم مرددين جلالات وأهازيج تقول احدى مقاطعها :
أبو أبجِبّين رُدِّي سلام …. بين دارين ما في كلام
( لم اتمكن من تدقيق لفظ كلمة ابو أبجِبّين للتحقق من صحة كتابتها ، لكن أياً كانت الكلمة فيبدو من السياق
انها لقب للمقدوم (احمد شطه)
فلمّا بلغ الخبر الى السلطان امر بإعتراض هذه الزّفه وإرجاع المقدوم ومنعه من مغادرة الفاشر لكن كان ذلك بعد فوات الاوان فقد غادر المقدوم الفاشر قبلها بفترة آخذاً في خاطره وبقي في دارا الى ان بدت نُذر الحرب التي شنها الزبير باشا على سلطنة دارفور على إثر الفتنة التي اشعلها بعضٌ من عناصر الرزيقات إمّا بتعرضهم لتجارة الزبير باشا المتجهة الى مصر واحتمائهم بعد ذلك بالسلطنة حسب احدي الروايات أو انهم عملوا انطلاقاً من منطقه ابي جابره كوكلاء للزبير باشا في تجارة الرقيق العابره الى مصر عبر اراضي السلطنة ما ادى الى توقيف بعضٍ من المتلبسين ونقلهم الى الفاشر .. وعلى أية حال فإنّ مطالبة الزبير باشا بتسليمه الموقوفين ورفض السلطان ابراهيم لطلبه ادى الى نشوب الحرب التي اتخذها الزبير باشا وسيلة لتحقيق اغراضه وتمدد نفوذه .. بعد أن فشلت محاولات الحل وعلم السلطان بتحركات الزبير باشا تحرك السلطان الى كوبيه ثم الى منواشي ومكث فيها زهاء الشهرين للتعبئة ومتابعة الاوضاع عن كثب دفاعاً عن سيادة السلطنة ..
ومن الجانب الاخر فقد اعد الزبير باشا عدته واقام في( دارا ) وعمد الى إضعاف جيش السلطنة بتحييد القادة المؤثرين بإعطائهم الوعود الكاذبه بتنصيبهم حال التعاون معه للقضاء على السلطان ابراهيم قرض ..وقد وجد ضالته في الكثيرين .. لكن المقدوم احمد شطه لم يستغل الظرف ويوالي العدو وإنّما وقف موقف الكبار مدافعاً ومنافحاً عن سيادة السلطنة حتى سقط شهيداً - يرحمه الله ، ومما يروى أيضاً أنّ الامير ايوب بن محمد الفضل لم يكن من بين من يهتم السلطان ابراهيم أيام حكمه بأخذ مشورتهم .. فلمّا كان يوم المعركة الفاصلة بين جيش السلطنة والعدو حين تمايزت الصفوف وباع بعض القادة مواقفهم واستبانت مواقف الرجال ، خرج الامير / ايوب رافعاً سيفه ومستعرضاً امام السلطان
قائلاً :وين اليوم ناس الشورة يا سلطان ؟
وين اليوم ناس الشوره ؟ ودخل يخوض المعركة حتى سقط شهيداً .. وكم في التاريخ من دروس وعبر
ملحوظه :
*———*
إثراءا للمعرفه وتوثيقا للتأيخ الزاخر بالمعلومات ،نرحب بتعليقاتكم واضافاتكم للمعلومة الموثوقه حول الشخصيات المذكورة في المقال او الاخرى غير المذكوره ممن شهدوا معركة منواشي .
makibrhim@yahoo.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الزبیر باشا
إقرأ أيضاً:
عبقرية أعظم إنسان فى التاريخ...!"1"
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
عندما أجريت حوارًا، منذ عِدَّةِ أعوام، مع أهم رمز من رموز الثقافة العربية،وهو الأستاذ رجاء النقاش، حدثني عن ذكرى هامة لا ينساها أبدا، حيث ذهب مع الاستاذ" سعد الدين وهبه" لزياره المفكر الكبير "عباس محمود العقاد" بمنزله، ثم كتب بعد هذه الزيارة مقالًا بعنوان "نصف ساعه في بيت العقاد" ذكر فيها انطباعاته بإِبْهَار شديد ....
وقال لى فى هذا الحوار انه من المفيد أن أقول لك أن الأستاذ "العقاد" جامعة وإنه أكثر من استفاد من كتبه وفكره...وأضاف أن كتب الأستاذ" العقاد" جامعة كاملة لكل من يريد أن يقرأ فهو للحق كاتب عظيم ملم بثقافات العالم وبكل الاتجاهات المختلفة ومن ناحية أخرى لديه قدرة فائقة على الهضم والاستنتاج والعرض...
وقال لو قرأ اي انسان ما كتبه الاستاذ "العقاد" لحصل على ثقافة عالية جدًا...لأن علمه غزير وثقافته واسعة...
بعد هذا الحوار كان على ان أَعُود مُجَدَّدًا لقراءة الكثير من مؤلفات المفكر الكبير عباس محمود العقاد وخاصة ما كتبه عن العبقريات الإسلامية...
وأحب أن أبدا معك فى إلقاء الضوء على كتابه الرائع والهام وهو "عبقرية محمد" وفيه تجلى بابداع فى اظهار عظمة سيد الخلق أجمعين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وقد كتب فى مسـتـهـلّه عن اليوم الذي سمع فيه أول اقتراح له بتأليفه:
قال: كنت أقيم في ضاحية العباسية البحرية على مقربة من الساحة التي كانت معدة للاحتفال بالمولد النبوي في كل عام...
ولنا مجموعة من الأصدقاء المشتغلين بالأدب يشتركون في قراءة كتبه العربية والافرنجية...
وفي يوم من أيام المولد كان الكاتب الانجليزي العظيم "توماس كارليل" هو محور الحديث كله، لأنه كما يعلم الكثيرون بين قراء العربية صاحب كتاب" الأبطال" الذي عقد فيه فصلا عن النبي محمد عليه الصلاة والسلام، وجعله نموذج البطولة النبوية بين أبطال العالم الذين اختارهم للوصف والتدليل... وإنا لنتذاكر آراءه ومواضع ثنائه على النبي، اذ بدرت من أحد الحاضرين الغرباء عن المجموعة كلمة نابية غضبنا لها واستنكرناها لما فيها من سوء الأدب وسوء الذوق وسوء الطوية وكان الفتى الذي بدرت منه الكلمة متحذلقا يتظاهر بالمعرفة ويحسب أن التطاول على الأنبياء من لوازم الاطلاع على الفلسفة والعلوم الحديثة.. فكان مما قاله شيء عن النبي والزواج، وشيء عن البطولة، فحواه: أن بطولة محمد أنما بطولة سيف ودماء...!
قلت: «ويحك!.. ما سوغ أحد السيف كما سوغته أنت بهذه القولة النابية!».
وقال صديقنا المازني
(أى يقصد "إبراهيم عبد القادر المازني الكاتب والشاعر والناقد ) «بل السيف أكرم من هذا، وانما سوغ صاحبنا شيئا آخر يستحقه.. وأشار إلى قدمه!».
وارتفعت لهجة النقاش هنيهة، ثم هدأت بخروج الفتی صاحب الكلمة، واعتذاره قبل خروجه بتفسير كلامه على معنی مقبول، أو خيل اليه أنه مقبول...
وتساءلنا: ما بالنا نقنع بتمجيد "كارليل" للنبي، وهو كاتب غربي لا يفهمه كما نفهمه، ولا يعرف الاسلام كما نعرفه. ثم سألني بعض الاخوان:
«ما بالك أنت يا فلان لا تضع لقراء العربية كتابا عن محمد على النمط الحديث؟».
قلت: «أفعل.. وأرجو أن يتم ذلك في وقت قريب»...
ولكنه لم يتم في وقت قريب...بل تم بعد ثلاثين سنة! وشاءت المصادفة العجيبة أن تتم فصوله في مثل الأيام التي سمعت فيها الاقتراح لأول مرة...
فكتبت السطر الأخير فيه يوم مولد النبي على حسب الشهور الهجرية، واتفقت هذه المصادفة على غير تدبير مني ولا من أحد، لأني لم أدبر لنفسي أوقات الفراغ التي هيأت لي أتمام فصوله وتقسيم العمل فيه يوما بعد يوم...
وأكد المفكر العملاق عباس محمود العقاد أن «عبقرية محمد» عنوان يؤدي معناه في حدوده المقصودة ولا يتعداها، فليس الكتاب سيرة نبوية جديدة تضاف إلى السير العربية والافرنجية التي حفلت بها «المكتبة المحمدية» حتى الآن... وليس الكتاب شرحًا للاسلام أو لبعض أحكامه أو دفاعًا عنه أو مجادلة لخصومه... فهذه أغراض مستوفاة في مواطن شتى يكتب فيها من هم ذووها ولهم دراية بها وقدرة عليها... أنما الكتاب تقدير «لعبقرية محمد» بالمقدار الذي يدين به كل انسان ولا يدين به المسلم وکفی، وبالحق الذي يبث له الحب في قلب كل انسان، وليس في قلب كل مسلم وکفی...
فمحمد هنا عظیم.. لأنه قدوة المقتدين في المناقب التي يتمناها المخلصون لجميع الناس... عظيم لأنه على خلق عظيم...
كما انه أشار الى سبب كتابة مؤلفه بقوله:
وحسبنا من «عبقرية محمد» أن نقيم البرهان على أن محمدًا عظيم في كل ميزان: عظيم في ميزان الدين، وعظيم في ميزان العلم، وعظيم في ميزان الشعور، وعظيم عند من يختلفون في العقائد ولا يسعهم أن يختلفوا في الطبائع الآدمية
لقد كتب إشادة بحق فى مقدمة كتابه لسيد الخلق أجمعين بقوله:
إن عمل محمد لكاف جد الكفاية لتخويله المكان الأسنى من التعظيم والاعجاب والثناء..
انه نقل قومه من الايمان بالأصنام إلى الايمان بالله، ولم تكن أصناما كأصنام يونان يحسب للمعجب بها ذوق الجمال أن فاته أن يحسب له هدي الضمير، ولكنها أصنام شائهات كتعاويذ السحر التي تفسد الأذواق وتفسد العقول، فنقلهم محمد من عبادة هذه الدمامة إلى عبادة الحق الأعلى...
عبادة خالق الكون الذي لا خالق سواه، ونقل العالم كله من ركود إلى حركة ومن فوضى إلى نظام، ومن مهانة حيوانية إلى كرامة انسانية، ولم ينقله هذه
النقلة قبله ولا بعده أحد من أصحاب الدعوات.
إن عمله هذا لكاف لتخويله المكان الأسنی بين صفوة الأخيار الخالدين، فما من أحد يضن على صاحب هذا العمل بالتوقير ثم يجود بالتوقير على اسم انسان...
الأسبوع القادم بإذن الله نسعد بقراءة كتاب "عبقرية محمد "للمفكر العملاق عباس محمود العقاد