نزار القريشي إنّ محاولة تليين المواقف الذي أقدمت عليه أنقرة، بمبادرة تحويل قبول عضوية السويد بالناتو إلى البرلمان التركي، بعد البرتوكولات السرية بينها و بين الناتو، في خطوة لتقريب وجهات النظر بينها و بين الغرب، ولتقريب المربعات منها، بعد تآكلها و صراعها مع آثينا و تل أبيب و البيت الأبيض، وذلك من أجل الحصول على وعود بالانضمام للاتحاد الأوروبي، و التزام الغرب بعدم دعم ما يسمى بالإرهاب الكردي التركي .

غير أنه من المؤكد، أن كل هذا قد يخدم المرحلة بالنسبة لتركيا في حدود المدى القريب أو المتوسط على أبعد تقدير.إذ تبلور هذا التطور وتأكد بعد تصريح الناطق الرسمي باسم الكريملين “دميتري بيسكوف” و الذي صرح بما يشير لأزمة في العلاقة بين موسكو أنقرة، فباستجابة تركيا لعضوية السويد إن تمت تكون قد حصلت وفق قراءة إستباقية للتطورات المحتملة حول مستقبل العلاقة بين تركيا و روسيا. فبعد رغبة فلاديمير بوتن بعدم تجديد اتفاق نقل الحبوب و الخلاف حول “أوديسا”، وما بعد دونباس و خاركيف و التشبت الروسي بالبقاء بالقرم، وبعد القمة التي جمعت بين زلنسكي و أردوغان، و التي تم من خلالها الحسم في أوراق قديمة وجديدة، حيث ترى أنقرة أنه لا يمكن قبول سيطرة الروس على أوديسا، لأن السيطرة عليها، مع غلق الروس لبحر أزوف، سيخلق امتيازات واسعة للروس في البحر الأسود، والذي من شأنه أن يطور معادلة جديدة، لأن تموقع روسيا بأوديسا يعني بالنسبة لتركيا مساسا مباشرا بالداندنيل و البوسفور، وهو ما جعل تركيا تنظم للناتو عندما فكر الاتحاد السوفيتي في ذلك سابقا.إذ أن التطور الأخير و لقاء أردوغان مع ممثل الناتو، هو ما سيدفع بتغيير قواعد الحرب على الساحة الأوكرانية، إن دعمت أنقرة كييف بالسلاح التركي، في اتجاه تحقيق هدفها بالانضمام للإتحاد الأوروبي،غير أن التطورات في سوريا و ليبيا و أرمينيا و أذربجان، ستساهم في إحياء الأوراق السابقة، و التي تناقضت فيها الأهداف بين روسيا و تركيا. وهو ما سيدفع بتغيير قواعد الانتشار و الاشتباك في مناطق عدة من العالم، إزاء أي تقدم روسي نحو أوديسا، ويؤدي إلى اشتداد سير و مجرى الحرب، ويزيد من الاستنزاف لأطراف النزاع على الساحة الأوكرانية. ويزيد أيضا من صعوبة المفاوضات و رسمها للخرائط مستقبلا، إذ بعد تقسيم أوكرانيا بين روسيا و الغرب، وقبله الاستنزاف الحاصل على الساحة الأوكرانية لطرفي النزاع الذي نشهده حاليا، هو ما سيدفع بالناتو في النهاية بقبول ما تبقى من أوكرانية بالانضمام للناتو و الاتحاد الأوروبي. مما سيعقد من وضع الحرب الباردة بين الغرب و روسيا،حيث صرح الكريملين بأنه يراقب عن كثب قمة الناتو في ليتوانيا بشأن انضمام أوكرانيا و السويد،إذ يرى “ديمتري بيسكوف” أن ذلك يشكل خطرا على روسيا، وسيكون هناك رد روسي على ذلك.هذا، ويقر الروس أن قرار فرنسا إرسالها لأوكرانيا صواريخ بعيدة المدى ستكون له عواقب وخيمة، وهو ما يؤهل صراعا جديدا حول بحر البلطيق بين روسيا و الناتو، و بعد القبول التركي لعضوية السويد. غير أن قمة الناتو في ليتوانيا عملت على دعم أوكرانيا، وتجنبت رد فعل روسي بعرقلة انضمام كييف إليه، بدعوى عدم استيفاءها شروط الانضمام .فهل يتهرب الناتو من ضم أوكرانيا خوفا من الصدام الكبير مع روسيا؟ إذ الجواب على هذا السؤال  هو ما تؤكده تصريحات قادة الناتو برغبتهم في الإبقاء على خط اتصال مع موسكو، وذلك لدرء المخاطر ومنع التصعيد نحو الأسوأ، وهنا نتساءل عن جدوى حرب الناتو ضد العملية العسكرية الروسية. و هو ما دعا بأوساط سياسية و أمنية من أوروبا  بالتحذير من خطورة الانجرار وراء الإملاءات الأمريكية. غير أن تمركز الناتو الجديد في بحر البلطيق والذي يضمن معه التواجد بالمحيط المتجمد الشمالي عبر عضوية فلندا و السويد، سيدفع بإعادة الانتشار للجيش الروسي في مناطق عدة  من العالم، وحول ممرات مائية دولية هامة، إذ أن تطورا خطيرا ستشهده منطقة الغرب الإفريقي مستقبلا، وهو ما دعا بالرئيس الجنوب إفريقي “سيريل رامافوزا” بالحديث و الدعاية للقمة المقبلة لمجموعة “بريكس”، حيث يبقى النقاش الذي ستخوض فيه هذه القمة و القرارات التي ستتمخض عنها،  قد تؤثر في مستقبل العالم من تاريخه حتى نهاية هذا القرن . مما قد يعيد معه إعادة مشتركة لانتشار عسكري صيني- روسي يشمل تواجدا بإفريقيا والشرق الأوسط وغرب وشرق المتوسط مرورا من الهادي و الهندى و الباسيفيكي وبحر الصين الجنوبي  فالبحر الأسود و البلطيق إلى غاية جبل طارق فالمحيط الأطلسي.     من جهة أخرى، يبقى النشاط الإماراتي في الشرق الأوسط و البحر الأحمر امتدادا لشمال إفريقيا وعمقها الشرقي، يشكل تجاوزا مستمرا من أبو ظبي و حدود الأدوار التي تقاسمتها مع القاهرة، ويزعزع وحدة دول مجلس التعاون الخليجي زائد مصر.إذ بات النشاط الإماراتي بشقيه العسكري و الأمني وتوغله بإفريقيا وفق المصالح المشتركة بينه وبين إسرائيل، وقبله رغبة الإمارات في استقلال اليمن الجنوبي، و التي تضمن لإسرائيل توسعا نحو القرن الأفريقي و البحر الأحمر فبحر العرب،كما أن دعم أبو ظبي لأثيوبيا ضد حركة تغراي، والصراع بينها و بين الجزائر، و تدخلها بليبيا و السودان، هو ما سيدفع بخلخلة الأحلاف التقليدية بالشرق الأوسط نحو أحلاف جديدة بدأت تتضح ملامحها و معالمها،وذلك في خضم الصراع القائم بين إسرائيل و من يعارضها على ضم أنقرة و القاهرة معا لصف أحدهما. وهو سعي إسرائيلي تضمن معه إسرائيل ترتيب أوراق المنطقة و المناطق ذات الصلة بالتحولات الجيو سياسية  وفق إرادتها و أجندتها الخاصة. الشيء الذي نتج عنه خطر الاتفاق السعودي الروسي الجزائري قبل قمة “لافروف” ومجلس التعاون الخليجي، وقبله نشر الجزائر ل 60منصة من الإس 200 دي إي و الإي، و هو ما امتد للتعاون السوري-الكوري شمالي والذي أكد تجاوز التقنية الكورية الشمالية لأنظمة الدفاعات الإسرائيلية بعد إطلاق سوريا ل 13 صاروخا باتجاه العمق الإسرائيلي، والذي أصاب عدة أهداف.    من جانب آخر،تبقى العلاقة المتذبذبة بين تركيا و اليونان ، وبعد التطورات التي قد تشهدها قبرص، والبروتوكول السري بين الناتو و أنقرة، بعد مبدأ قبول عضوية السويد، الذي سيقابله انضمام تركي محتمل للاتحاد الأوروبي،و الذي لن يلق ربما موافقة من فرنسا، خصوصا و تجاوز أردوغان المستمر لمجالات النفوذ التابعة  لقصر الإليزيه و الجيش الفرنسي، إذ من المحتمل أن ينقلب الغرب على تركيا بعد تحقيق انضمام السويد بذريعة قد تختلقها باريس. وذلك بعدما يتأكد له توريطه  لتركيا في الصراع مع روسيا، و هو ما يكرس اللاتقاطعات بين اللاعبين الإقليمين و ارتباطهم بالصراع بين القوى العظمى، وهو أيضا ما تتخوف منه مراكز الأبحاث الإسرائيلية، والصراع الدائر بين الحلف الإسرائيلي و من يعارضه، على من يكسب استقطاب كل من مصر و تركيا معا.مما يؤكد سير نهج هذه التحولات الجيوسياسية على ضوء هذه المتغيرات الدولية، التي سيشهدها الشرق الأوسط خصوصا في ظل عدم تحمل المنطقة لحرب تحسم في بعض أوراقه المستعصية، وهو ما تؤكد استمراره العقوبات الاقتصادية المستمرة على مصادر الطاقة الروسية . يضاف إلى ذلك عدم قدرة إسرائيل على امتصاص أي رد إيراني إزاء أي ضربة إسرائيلية ضد إيران، خصوصا بعد إنتاج الحرس الثوري الإيراني لصاروخ فتاح  وخيبر، والذي سيقلل من اعتماد إيران على أدواتها بالمنطقة، بعدما أهلتها لمقاومة ناجعة ضد إسرائيل، وهو ما قد يدفع مستقبلا على المدى البعيد باندماج “حزب الله” بالجيش اللبناني، و المقاومة الفلسطينية مع حكومة حماس و الجيش اليمني مع جماعة الحوثي. غير أن احتمال تفكيك إسرائيلي للتطبيع السعودي-الإيراني، سيجعل طهران تبقي على أوراقها بالمنطقة، إزاء أي تطور يلغي اتفاقها مع الرياض، و بخاصة والحديث المتكرر عن إمكانية تطبيع معلن بين السعودية و إسرائيل.وهو ما ستستغله الصين بعد كل هذا الاستنزاف الذي شهدته السنوات الأولى من هذا القرن بدء من الحرب الأفغانية و العراقية  فالحرب على الإسلام و مرورا للحرب الأوكرانية وتداعياتها ، لتتقاسم بكين العالم مع واشنطن، إذ سينقسم العالم بين قطبين هما القطب الصيني-الروسي و القطب الأمريكي-البريطاني، وسيتبع  بأقطاب جديدة لاحقا ستبرز على الساحة الدولية من بينها الهند و تركيا و كندا و اليابان و إيران و كوريا و البرازيل واستراليا وإندونيسيا و المملكة العربية السعودية. مما يؤكد معه انبثاق حضارات جديدة في عالم سيبدو متحركا باستمرار على رأس كل مائة عام من كل قرن، وهو ما سيشكل معه نظاما عالميا سياسيا تقوده مؤسسات جديدة وعلى رأسها الشركات الكبرى من البلدان السالفة الذكر، سترتكز في أمنها على الضبط الاجتماعي و السلوكي الممرقن للسكان، وترشيدا للنفقات، وتغييرات ستشمل منظومة الاستهلاك لدى المواطنين، وهو تطور سيشهده العالم من منتصف هذا القرن إلى نهايته، في سياق التحولات الجيو سياسية المبنية على ضوء المتغيرات الدولية الراهنة  بما فيها من متغيرات سياسية و عسكرية و أمنية و اجتماعية. كاتب مغربي

المصدر: رأي اليوم

كلمات دلالية: على الساحة غیر أن وهو ما

إقرأ أيضاً:

بطولة موسم جدة الدولية للموتوسيرف تواصل منافساتها

تواصلت منافسات بطولة موسم جدة الدولية للموتوسيرف” Motosurf Saudi International Cup” بمنطقة كورنيش أبحر (شمالي مدينة جدة) اليوم، ضمن فعاليات موسم جدة 2024 تحت شعار “من جديد”، بمشاركة 48 متسابقًا ومتسابقة من عدة دول.
وتعد البطولة إحدى الرياضات المائية، التي تستخدم لوحًا ميكانيكيًا لركوب الأمواج والصديقة للبيئة والتي تجمع بين المتعة والاستدامة، عبر استخدام تقنيات مبتكرة تعزز تجربة الرياضيين وتحافظ على البيئة.
كما تعد رياضة القوارب السريعة التي تختتم منافساتها غداً ، من أسرع الرياضات المائية نموًا وأكثرها أمانًا وبأسعار معقولة في العالم، و تأسست سباقات MotoSurf في جمهورية التشيك عام 2014، ومنذ ذلك الحين انتشرت بسرعة في جميع أنحاء العالم؛ في حين اعترف الاتحاد الدولي للمراكب السريعة (UIM) واللجنة الأولمبية الدولية رسمياً بها في عام 2019.
وتتميز MotoSurf WorldCup من UIM بالنظام الوحيد الذي يقدم سباقات قوارب سريعة متنوعة تشمل العديد من الفئات المختلفة من حيث الجنس، العمر، ووحدة الطاقة، والفئات جزء أساسي من شروط مسباقات MotoSurf منذ عام 2019، كما أضيفت فئة التحدي الكهربائي لتقديم سباقات بانبعاثات صفرية تمامًا.
يُذكر أن إقامة هذه البطولة يأتي ضمن موسم جدة 2024م والذي يوفر عدة مناطق مميزة توفر تجربة متنوعة للزوار؛ مثل المسارات الساحلية والشواطئ التي تتيح مسارات مشي ممتدة على طول الساحل، ما يمكّن للزوار الاستمتاع بمشاهدة البحر الجميل والهواء النقي، إلى جانب الأنشطة الترفيهية مثل ألعاب المياه والأنشطة الرياضية على الشاطئ، الذي يجعلها وجهة مثالية للأسر والأفراد لقضاء وقت ممتع.

مقالات مشابهة

  • البيت الأبيض: أعضاء الناتو سيعلنون عن قيادة عسكرية جديدة بألمانيا لدعم أوكرانيا
  • إياك أعني واسمعي يا جارة.. أبو جبريل في خطاب التحولات الاستراتيجية (سنقابل كل شيء بمثله)
  • الناتو يحتاج 35 لواء إضافيا لتنفيذ خططه في مواجهة روسيا
  • المتغيرات الدولية وانجذاب الشارع العربي نحو إيران
  • أستاذ علوم سياسية: الناتو يتخذ خطوات هامة لحل الصراع بين روسيا وأوكرانيا
  • تقرير لـ«القاهرة الإخبارية» يرصد التحولات في أوروبا بعد انتخابات بريطانيا وفرنسا
  • فاينانشيال تايمز: روسيا تسعى لتحديد ثمن تدخل الناتو في أوكرانيا
  • بطولة موسم جدة الدولية للموتوسيرف تواصل منافساتها
  • فيروس كورونا يؤجل إنتخاب أعضاء اللجنة التنفيذية لحزب الإستقلال
  • مزاعم العنف والفوضى.. نظرة على أزمة الانتخابات الراهنة في موريتانيا