عندما نقترب من نهاية العام، تبدأ العديد من الأفكار تدور في أذهاننا حول بداية العام الجديد والتغييرات والتحديات القادمة. فهذا الوقت يعّد بداية جديدة وفرصة لإعادة تقييم حياتنا ووضع الأهداف والطموحات للأشهر القادمة. حيث يعتبر العام الجديد فرصة ثانية للبدء من جديد. وعلى الرغم من أنه يوم عادي في التقويم، إلا أنه يعني الكثير بالنسبة للكثير من الناس.
العام 2023 كان عاماً صعباً جداً بلا شك بالنسبة للشعب السوداني. تعتبر تلك السنة بحق كارثية بسبب الحرب المستعرة التي شهدتها البلاد، وعانى الكثيرون من تداعياتها المأساوية. إن الآمال والتطلعات لحياة أفضل في العام الجديد تعكس رغبة الناس في النهوض من ركام تلك الكارثة وإعادة بناء مستقبلهم. لقد عصفت الحرب بالسودان على مدار السنوات العديدة الماضية، وكانت الكثير من الأحداث المأساوية التي شهدها البلد في 2023 من بين أسوأ تلك الأحداث. تأثر الشعب السوداني بشكل كبير بالعنف والدمار الذي تسببت فيه الحروب والصراعات الداخلية. لقد فقد الكثيرون من أبنائهم وأزواجهم وأقاربهم بسبب العنف، وتضررت البنية التحتية للبلاد بشكل جسيم، ما أدى إلى معاناة السكان وتدهور الخدمات الأساسية.
وفي ظل هذه الكارثة، يتطلع الشعب السوداني بشكل كبير إلى حياة أفضل في العام الجديد. يأملون في أن تنتهي الحرب والعنف وأن يعود السلام والاستقرار إلى البلاد. يسعون لإعادة بناء مجتمعهم واقتصادهم المتضررين بشدة وتوفير فرص عمل للشباب وتعزيز التعليم والرعاية الصحية. إلى جانب ذلك، يجب أن يلتفت المجتمع الدولي إلى الوضع في السودان ويقدم الدعم اللازم لتحقيق الاستقرار والتقدم في البلاد. يمكن أن تسهم جهود المجتمع الدولي في إنهاء الحرب وإعادة الإعمار وبناء المؤسسات. ومن المهم أن يعمل الجميع معاً لتوفير المساعدات الإنسانية الضرورية للمتضررين ومساعدتهم في الوصول إلى الخدمات الأساسية وإعادة بناء حياتهم. على المستوى الداخلي، يتطلب تحقيق حياة أجمل في العام الجديد في السودان التركيز على المصالحة والتعاون بين جميع الأطراف المتنازعة. يجب أن تتوافر الإرادة السياسية لتحقيق السلام والعدالة، وضمان حقوق جميع فئات المجتمع بما في ذلك الأقليات العرقية والدينية.
عندما نلقي نظرة على العالم اليوم، نجد أن الكثير من الدول تُعنى بوضع خطط للتقدم والتطوير، سواءً في المجال الاقتصادي أو العلمي أو الثقافي. لكن على الجانب الآخر، هناك دول تعاني من ويلات الحرب وتبعاتها، ومن بين هذه الدول نجد العديد من البلدان النامية، والتي تشمل وطننا السودان بشكل خاص. من الأليم أن نشهد أن بعض الدول لا تزال تعاني من تداعيات الحروب والنزاعات المسلحة رغم أن العالم يسير نحو السلام والاستقرار. فالحروب تترك آثاراً وخيمة على الاقتصاد والبنية التحتية والمؤسسات الحكومية، وتعيق التقدم وتمنع الدول من الاستثمار في التطوير وتلبية احتياجات شعوبها.
على سبيل المثال فإن السودان بلد جميل وذو ثقافة غنية، تأثرت بشكل كبير بالحروب والصراعات مما ترك أثراً سلبيًا على البلاد وتسبب في خسائر فادحة في الأرواح والبنية التحتية، وكذلك في اللاجئين والنازحين الذين فقدوا مدنهم ومنازلهم. ومع ذلك، فإننا لا نستطيع تجاهل التحديات التي تواجه هذه الدولة حاليًا. فمرحلة ما بعد الصراع تتطلب تعزيز الاستقرار السياسي وإعادة بناء البنية التحتية المدمرة وتعزيز الانتشار الاقتصادي. ومن الأمور الضرورية أيضًا هو استثمار الموارد في تعليم الشباب وتطوير البنية التحتية الصحية، وتشجيع الابتكار والريادة الاقتصادية.
د. سامر عوض حسين
22 ديسمبر 2023
samir.alawad@gmail.com
//////////////////////
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: العام الجدید
إقرأ أيضاً:
ماذا تعني عودة ترامب بالنسبة إلى تركيا؟
يثير الإنتصار الساحق لدونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية التي جرت مؤخراً ردود أفعال مختلفة حول العالم، لا سيما إزاء التداعيات المحتملة لوصوله الى البيت الأبيض. وبخلاف الفترة السابقة التي تولى فيها السنوات الأربع من 2017 إلى 2021، يتمتع ترامب هذه المرّة بأغلبية في مجلس الشيوخ والنواب أيضاً، ما يعني أنّه سيكون مطلق اليدين لتنفيذ ما يراه من سياسات مناسبة على الصعيدين الداخلي والخارجي.
المفارقة الأخرى التي يجب أن نذكرها هي أنّ التعيينات الأوّلية لترامب تبدو متطرفة للغاية حتى مقارنة مع تعييناته السابقة في الفترة التي خدم فيها كرئيس للولايات المتّحدة. هذا التطرف في غالبه موالٍ لإسرائيل. ومع عدم وجود خلاف حول حقيقة أنّ كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي يدعمان إسرائيل، إلاّ أنّ أحداً لم يحقق لإسرائيل ما حققه ترامب لها خلال الفترة السابقة لحكمه، ولذلك فإنّ مثل هذه التعيينات يجب أن يكون مؤشراً خطيراً إزاء الترتيبات الإقليمية القادمة.
وبغض النظر عن هذه النقطة بالتحديد، هناك تفاؤل حذر في أنقرة إزاء عودة ترامب إلى الرئاسة. المناخ العام في تركيا هو أنّه سيكون بالإمكان الاستفادة من إدارة ترامب خاصّة إذا ما استطاع الرئيس أردوغان إقناعه شخصياً بأهمّية التعاون التركي ـ الأمريكي في المنطقة وحل المشاكل الإقليمية والدولية، لما ينطوي على ذلك من مصلحة مشتركة ومنافع مشتركة. الجانب التركي يعتقد أنّ وعود ترامب ورغبته في إنهاء الحروب الإقليمية والدولية ـ بما يتيح لواشنطن التفرّغ للصين ـ قد تساعد أنقرة بشكل كبير على تحقيق مصالحها من خلال ما تمثّله من تقاطعات.
تعيينات ترامب التي تمّت خلال الأيام القليلة الماضية لشغر المواقع الرئيسية في إدارته تشير إلى أنّها ستكون الإدارة الأكثر موالاة لإسرائيل في التاريخ. فهي إدارة مليئة بمتطرفي الصهاينة واليمين المسيحي، وهذا يطرح تساؤلات حول مدى جدّية ترامب في إيقاف الحروب الإسرائيلية في ظل إدارة من هذا النوع، وعمّا اذا كان يريد توسيع الحرب بدلاً من إيقافها.وبناءً عليه، فقد كان الرئيس التركي أردوغان من أوائل أولئك الذين هنّؤوا ترامب بفوزه بالرئاسة، ووصف أردوغان ترامب بأنه "صديق"، معرباً عن رغبته في تعزيز التعاون معه، وحثّه على الوفاء بتعهده بإنهاء حروب إسرائيل على غزة ولبنان، وكذلك الحرب الروسية على أوكرانيا. وبالرغم من أنّ ولاية ترامب السابقة (2017 ـ 2021) شهدت قيام الرئيس الأمريكي بفرض عقوبات على تركيا أدّت إلى التأثير سلباً على الاقتصادي التركي، إلاّ أنّ التفاهم الذي جرى بعد ذلك بين الرجلين جعل ترامب يقول إنّه من أشد المعجبين بأردوغان وأن يكرر أنه يشرفه استضافته في البيت الأبيض.
يدعو الرئيس التركي اليوم ترامب إلى زيارة أنقرة وإلى الإيفاء بتعهّداته التي قطعها إبّان ترشحّه للرئاسة وسط تفاؤل حذر حول هذا الأمر. هناك بعض الملفات ذات الطابع الثنائي بين تركيا وأمريكا كتواجد القوات الأمريكية في شمال شرق سوريا لحماية الفرع السوري من حزب العمّال الكردستاني أو ملف المقاتلات الأمريكية (أف ـ 35) او نظام الدفاع الصاروخي الروسي (اس-400)، وهناك ملّفات ذات طابع إقليمي كالتصعيد الإسرائيلي ـ الإيراني في المنطقة، وهناك ملفات ذات طابع دولي كالحرب الروسيّة ـ الأوكرانيّة.
وفي هذا السياق، هناك تصوّر تركي أنّ إدارة ترامب الأمريكية ستسحب قواتها من شمال شرق سوريا وتتيح التوصل إلى إتفاق مع تركيا بخصوص الوضع المستقبلي لسوريا. يدعم هذا التفاؤل أيضاً بعض التصريحات لمسؤولين أمريكيين سابقيين من بينهم جيمس جيفري، سفير أمريكا السابق لتركيا، وروبرت فورد، السفير الأمريكي السابق في سوريا.
وفي ملف التصعيد الإسرائيلي، نقلت تقارير سابقة أنّ ترامب طالب نتنياهو قبيل فوزه أن يقوم بالانتهاء من غاياته وأهدافه في الحرب التي يشنها على غزة ولبنان مع نهاية العام، أي قبل وصول ترامب الى السلطة. طبعا، مثل هذا الامر ـ إن تمّ ـ من الممكن أن يساعد الجانب التركي على استعادة دوره الإقليمي سياسيا وعسكرياً بشكل أكبر. كما قد يتيح له كذلك لعب دور رئيسي في عمليات إعادة الإعمار في المنطقة ممّا يساعد على تحسين وضعه الاقتصادي.
وفيما يتعلق بروسيا وأوكرانيا، فالسيناريو الأكثر ترجيحاً هو أن تقوم إدارة ترامب بلقاء الرئيسين، وبإجبار الجانب الأوكراني على الجلوس إلى طاولة المفاوضات تحت طائلة إيقاف الدعم الأمريكي المقدّم إلى كييف في مواجهة روسيا، الأمر الذي إن حصل، سيجعل من أوكرانيا لقمة سائغة لموسكو بعد أن أصبح اعتمادها على واشنطن شبه كلّي في الحرب الدائرة مع روسيا اليوم. وبغض النظر عن ذلك، فإنّ انتهاء الحرب يعدّ أمراً جيداً لتركيا ويثبت بالإضافة إلى باقي الأمور ـ إن تحقّقت ـ أنّ موقفها السياسي كان على صواب فيما يتعلق بهذه الملفات وأنّه قد حان الوقت لتحقيق الاستقرار والتركيز على تحقيق الامن والسلام والازدهار.
لكن مثل هذا التصوّر للفرص التي قد تتيحها عودة ترامب قد لا يكون واقعياً بشكل كامل ودونه عقبات وتحدّيات كبرى بطبيعة الحال خاصة إذا ما أخذنا بعين الإعتبار ثلاثة أمور. أولاً، ترامب شخص غير مستقر، وحقيقة انّه فرض عقوبات على تركيا عندما كان رئيسياً وجعل انقرة تعاني إقتصادياً يعني انّه بالإمكان ـ ولو نظرياً ـ إعادة فعل ذلك اذا تعارضت السياسية التركيّة مع تلك الأمريكية بشدّة في بعض الملفّات المتعلقة بالمصلحة الأمريكية، وهذا أمر لا يمكن استبعاده بشكل كلّي.
ثانياً، تعيينات ترامب التي تمّت خلال الأيام القليلة الماضية لشغر المواقع الرئيسية في إدارته تشير إلى أنّها ستكون الإدارة الأكثر موالاة لإسرائيل في التاريخ. فهي إدارة مليئة بمتطرفي الصهاينة واليمين المسيحي، وهذا يطرح تساؤلات حول مدى جدّية ترامب في إيقاف الحروب الإسرائيلية في ظل إدارة من هذا النوع، وعمّا اذا كان يريد توسيع الحرب بدلاً من إيقافها. من غير المعروف كذلك إذا كان ترامب سيقوم بموازنة هذه الشخصيات في ادارته بشخصيّته هو لتحقيق التوازن الخارجي، أم أنّه سيطلق العنان لهم ولخطّهم في إدارة سياساته. من شأن الخيار الثاني أن يؤدي حكماً الى تصادم مع تركيا في عديد من الملفات لاسيما فيما يتعلق بإسرائيل وسياساتها في المنطقة.
ثالثا، للكونغرس كلمته هو الآخر. غالباً ما كان الأخير هو العنصر الأكثر إشكالية في العلاقات الامريكية- التركية، وليس الرئيس الأمريكي. يمتلك الكونغرس العديد من الصلاحيات التي يستطيع من خلالها تعطيل التوافق الأمريكي ـ التركي وإختلاق المشاكل لأنقرة والتسبب بكثير من المتاعب بما في ذلك مسألة العقوبات والتعاون السياسي والأمني والدفاعي بين الطرفين. والمؤشرات الأولى تقول أنّ الكونغرس ليس إيجابياً تجاه أنقرة لكن ربما يُحدث ترامب التوازن المطلوب معه، أو ربما يوظّفه في توازنات يكون المقصود منها دفع أنقرة الى تقديم تنازلات تحت سقف التفاهم المنشود.
لا شك بأنّ عودة ترامب قد تفتح باب الفرص بالنسبة إلى تركيا في بعض الملفات، لكنّها أيضا قد تخلق نوعا جديداً من التحدّيات في ملفات أخرى. وعليه، سنرى في أي اتجاه ستسير الأمور لاحقاً.