قطع القيادي بتحالف قوى الحرية والتغيير بابكر فيصل، بموافقة قائدي الجيش والدعم السريع على عقد لقاء مباشر مشيرا إلى أن 9 أشهر من الحرب أنهكت الأطراف المتحاربة والشعب السوداني.

وأضاف: “يجب أن يستمعوا لصوت العقل ويجلسوا للوصول لحل”

وأكد فيصل أن الطرف الذي يحرز تقدما عسكريا على الأرض ستكون شروطه مختلفة على طاولة التفاوض.

واصفا سيطرة الدعم السريع على عاصمة ولاية الجزيرة مدني تعد بمثابة نقلة كبيرة في مسار الحرب.

وعلق القيادي بالحرية والتغيير على حديث القيادي بالنظام البائد علي كرتي بمحاولة توريط الشباب اليافعين في معركة خاسرة.

وقال في حواره مع (التغيير) من العاصمة الكينية نيروبي إن كرتي يمثل الجهة التي أشعلت الحرب وهي الجهة الوحيدة صاحبة المصلحة الحقيقية في استمرارها.

سيطرة الدعم السريع على ودمدني نقلة كبيرة في مسار الحرب

بعد سيطرة الدعم السريع على مدني؛ هل اختل توازن الضعف الذي كان قائما بين طرفي النزاع؟
الدعم السريع على أرض الواقع يسيطر على أجزاء كبيرة من العاصمة وسيطر على نيالا ثاني مدن السودان من حيث العدد السكاني والنشاط التجاري والآن سيطر على مدني والتي أصبحت بعد الحرب في العاصمة بمثابة الشريان لولايات كثيرة في السودان وما حدث يعتبر نقلة كبيرة في مسار الحرب قد تترتب عليها نقلات ثانية في المستقبل القريب

ولا يحبذ في ظل الوضع الحالي أن تستمر الحرب، ولا أعتقد أن الحل العسكري من طرف واحد سيؤدي إلى استقرار السودان في المستقبل ولابد أن تكون الاولوية بعد وقف الحرب لاستعادة التحول الديمقراطي الذي بدأت به الثورة في ٢٠١٨ وتم فقده بسبب الانقلاب أولا وحاليا بسبب الحرب.

هل هذا التغيير في مناطق السيطرة سيؤثر على أي طاولة تفاوض مقبلة؟
عملنا على الضغط منذ اليوم الأول للحرب للوصول لحل متفاوض حوله يجمع عليه السودانيين. خصوصا وأن التعقيدات الحالية لا تنحصر في الأزمة العسكرية فقط بل امتدت إلى قبائل ومناطق وجهويات الأمر الذي يهدد بتمزيق البلد والنسيج الاجتماعي بشكل أكبر ولا يهدد وحدة السودان فقط إنما الاقليم ككل، ودول الجوار حتى منطقة الساحل في الغرب وهذه هي خطورة استمرار العمليات السياسية ونتمنى ان تستمر الجهود في جدة والإيقاد.

الطرف الذي يحرز تقدما على مستوى الأرض يضع شروطا أكبر على طاولة التفاوض

لكن هل تعتقد أن سيطرة الدعم السريع على مدني ستؤثر على مسار التفاوض؟
الطرف الذي يحقق تقدما على مستوى الأرض بدون شك ستكون شروطه مختلفة عما يكون عليه الحال في وجود التوازن. وكلما امتدت الحرب وتقدم طرف أكثر من الآخر أصبح موضوع إيقاف الحرب أكثر صعوبة.

بعد سقوط مدني يتوقع سقوط مدن أخرى، وتمدد الدعم السريع يجعل من الضروري طرح سؤال مهم: هل الشعب السوداني مواجه بقيام دولة آل دقلو؟
يستبعد تماما حدوث استقرار لأحد الطرفين حتى في حال حدوث انتصار عسكري، وهذا الأمر كان واضحا منذ الانقلاب العسكري في ٢٥ اكتوبر ٢٠٢١ وكان قد قام به الجيش والدعم السريع سويا وخلال عام واحد فقط بات لهم جليا عدم قدرتهما على حكم السودان لذلك لجأوا للتفاوض والاتفاق الإطاري والتواصل مع القوى المدنية، وحال لم يتمكنا سويا من ذلك في حالة السلم بالضرورة لن يتمكن أحد الطرفين من حكم السودان منفردا.

ولن يحكم السودان عسكريا بعد اليوم بقرار من الثورة السودانية والتغيير الكبير الذي حدث. لذلك من مصلحة الطرفين والسودان ككل أن تتوقف الحرب عبر التفاوض وتتم عملية سياسية تعالج كل مشاكل السودان التي استصحبته منذ الاستقلال ونؤسس لسودان جديد تلعب فيه المؤسسة العسكرية الموحدة دورها في حماية البلد وحدوده ودستوره وتلعب فيه القوى المدنية دورها السياسي المنوط بها.

من مصلحة الطرفين والسودان أن تتوقف الحرب عبر التفاوض

هل مازالت الحرية والتغيير تعول على البرهان في قيادة المفاوضات لوقف الحرب بعد ما حدث في الإيغاد؟
نحن لا نملك رفاهية أو خيار تغيير قيادة الجيش بل نتعامل مع الأمر الواقع وهو وجود قائد للجيش وقائد للدعم السريع نسعى ونضغط بشدة لأن يلتقوا خصوصا وأننا نعتقد بأن هذا اللقاء سيوفر فرصة لإحداث نوع من الاختراق يجب ما حدث في منبر جدة والذي توقف بسبب عدم الالتزام بما تم الاتفاق عليه

هل تتوقع أن البرهان وحميدتي يمكن أن يلتقوا مباشرة؟
نعم اتوقع. لأنه في قمة الايغاد أبدى الطرفان استعداد لهذا اللقاء. وحتى إن أتى هذا الاستعداد خضوعا للرؤساء الذين كانوا موجودين لكن اعتقد أنه وبعد ٩ أشهر من الحرب باتت جميع الأطراف منهكة والشعب منهك والمهددات كبيرة على البلد لذلك يجب أن يستمعوا لصوت العقل ويجلسوا للوصول لحل

معلوم عنك أنك الرجل الذي يتحدث إلى العسكريين، هل تحدثت إليهم حول هذا اللقاء؟
هناك تواصل مع قائدي الجيش والدعم السريع عبر عدد من أعضاء الحرية والتغيير وهي اتصالات ظلت مستمرة من قبل الحرب وحتى الآن

مقاطعة.. نريد معرفة هل تم التواصل والحديث عن قبول اللقاء المباشر وما هو ردهما؟
البرهان وحميدتي لا يمانعان بعقد لقاء مباشر، وكان هذا اللقاء مقررا حتى قبل أن تطرحه الإيقاد.

كرتي يسعى لتوريط اليافعين في معركة خاسرة

ما رأيك في التسجيل الصوتي المتداول للقيادي الإسلامي علي كرتي؟
من الواضح أن علي كرتي يمثل الجهة التي أشعلت الحرب ومن مصلحتها استمرار الحرب. هي ذات الجهة التي ترفع شعار فالترق منهم دماء، او منا دماء أو ترق كل الدماء!

وهي الجهة التي هددت بأنه لن يكون هناك أي اتفاق سياسي إلا على أجسادهم وهي الجهة الوحيدة صاحبة المصلحة الحقيقية في استمرار الحرب لذلك جاء خطابه محاولة لشحن اتباعهم لتحريض مزيد من السودانيين لحمل السلاح وتوريط الشباب اليافعين في معركة خاسرة لن يكون فيها منتصر والخاسر الأكبر البلد والشعب والمواطن البسيط

كيف تعلق على مواصلة البرهان الإنكار بضلوع الإسلاميين في الجيش وواقع الحرب؟
واقع الأمر يقول إن أي مواطن بسيط غير مسيس يطالع وسائل التواصل الاجتماعي ويرى كتائب البراء وكتائب البنيان المرصوص، وبيانات الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني يوقن أنهم الفصيل المتقدم في هذه الحرب وبالتالي دورهم واضح في إشعالها وفي استمرارها والآن يقاتلوا على الأرض

هناك ضغوط دولية وإقليمية لمشاركة الإسلاميين في العملية السياسية المقبلة إلى جانب أصوات من داخل الحرية والتغيير نفسها تطالب بذات الشيء هل يمكن أن ترضخوا لها؟
نحن لسنا ضد التيار الإسلامي العريض والدليل على ذلك انه عندما وقعنا الإتفاق الاطاري كان ضمن الموقعين حزب المؤتمر الشعبي وهو حزب الدكتور الترابي عليه الرحمة عراب الأخوان المسلمين في السودان وبالتالي موقفنا هو الموقف الذي أقرته ثورة ديسمبر بحظر المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية وبحلهم واعتبارهم حزب وحركة غير شرعية بالقانون. هذا قرار الثورة اما الحرية والتغيير ظلت تقول بوضوح في جميع اجتماعاتها تلك التي تمت في القاهرة وفي بياناتها إنها مستعدة للجلوس مع جميع الفرقاء السودانيين عدا المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية وواجهاتهم. هذا الموقف مستمر ولا توجد علينا ضغوط من أي جهة لتغييره نحن منفتحين على جميع الإسلاميين الذين وقفوا ضد الانقلاب والواقفين ضد الحرب والمؤمنين بضرورة التحول المدني الديمقراطي.

اذا لماذا لا يشارك المؤتمر الشعبي في اجتماعات تقدم بينما كان شريكا في الإطاري؟
نحن في هذا الاجتماع الذي عقد في نيروبي ناقشنا جلسة توسيع تقدم وضم أحزاب ولجان مقاومة وأطراف أخرى وتم مناقشة موضوع مشاركة المؤتمر الشعبي والتأكيد على ضرورة التنسيق معه في المرحلة المقبلة

هل نتوقع مشاركته في المؤتمر التأسيسي؟
حتى الآن هذا الأمر لم يحسم لأنه هناك أطراف داخل تقدم لديها تحفظ على هذا الأمر لكن المؤكد مشاركته في ورش العمل وسيكون هناك تنسيق بين تقدم وبينهم في قضايا سياسية في المرحلة القادمة

دعنا نمضي نحو العلاقات الخارجية، وهنا نريد أن نعرف رأيكم فيما حدث دبلوماسيا مع تشاد والإمارات؟
دولة مثل تشاد فيها مئات الآلاف من السودانيين منذ حرب السودان الأولى والان استقبلت عشرات الآلاف وتقدم مساعدات كبيرة وأي نوع من التوتر وطرد الدبلوماسيين لا يمكن أن يؤثر إيجابا في وقف الحرب وذات الأمر مع الإمارات وجميع الدول التي نعتقد أنه يجب أن يتم التعامل معها والضغط عليها لترمي بثقلها لوقف الحرب سواء كانت تشاد أو الإمارات أو دول الجوار مصر واثيوبيا اريتريا وجنوب السودان جميع هذه الدول لابد من استثمار العلاقات معها من أجل وقف الحرب وليس من أجل استمرارها.

كيف تقيم علاقات الحرية والتغيير مع الدول الخارجية بالنظر إلى إلغاء اجتماعات معلنة سابقا مع دولة الكويت ودولة جنوب السودان في وقت ما بدون توضيح الأسباب؟
في الكويت كانت زيارة تمت برمجتها لقطر والكويت في شهر سبتمبر الماضي وتم تحديد الجدول لمقابلة المسؤولين هناك لكن رئيس وزراء الكويت ذهب في مهمة طارئة أثناء استعدادنا للسفر من الدوحة للكويت فتم تأجيل الزيارة لكنها لا تزال قائمة في أجندة الحرية والتغيير نفس الشيء حدث مع جنوب السودان لكن في الشعر الماضي تمت زيارة لجوبا بوفد رفيع من الحرية التغيير وقابل سلفاكير.

كيف تنظر للمجتمع الدولي الآن هل يشعر بالإحباط بعد ما حدث في جدة والإيغاد وما هي خطوتهم المقبلة؟
من المؤكد أنهم استثمروا كثيرا في منبر جدة من أجل وقف الحرب، امريكا والسعودية والترويكا والاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي والإيغاد. لكن للأسف الشديد منبر جدة عمل جولتين من المباحثات في أغسطس وأكتوبر وتم توقيع مواعيد للعمل الإنساني بين الطرفين لكن لم يتم الوفاء بها لذلك توقف المنبر لكن المؤكد ان جهودهم مستمرة. ومن خلال تواصلنا معهم يتحدثوا الآن عن عقد اللقاء المباشر بين برهان وحميدتي كخطوة أولى لتسهيل بقية الخطوات المتعلقة باستئناف منبر جدة

في إطار التدخلات الدولية كيف تنظر للعقوبات الأمريكية التي طالت الأسماء التي شاهدناها؟
واضح انه حتى الآن العقوبات لم تؤثر في مسار الحرب وهي مازالت مستمرة وفي كل يوم تتسع رقعتها لكن السؤال هل فعلا العقوبات لديها جدوى كبيرة من الواضح أن هناك تباين في الآراء حولها لكن نتفق جميعا على أن الدور الأهم للمجتمع الدولي ممارسة الضغوط بوسائل مختلفة تؤدي آخر الأمر إلى إيفاء قيادات الجيش والدعم السريع بالتزاماتهم في التفاوض لوقف إطلاق النار الدائم.

ولا توجد دولة تستخدم أداة واحدة لتصل بها لنتائج مؤكد هناك نوع من العصا والجزرة

من خلال معلوماتك هل اقترب تعيين مبعوث أمريكي خاص بالسودان؟
هناك حديث حول اقتراب تعيينه، وهناك مطالبات من أعضاء في مجلس الشيوخ للإدارة الأمريكية بتعيين مبعوث خاص للسودان وهذا يعزز فرص الوصول لسلام لأنه قضية الحرب في السودان تراجعت في أجندة الاهتمام و طغت عليها قضايا أخرى مثل حرب غزة واوكرانيا ومؤكد أن تعيين مبعوث أمريكي رفيع المستوى سيؤدي إلى عودة السودان تدريجيا للاهتمام وبالتالي الضغط من أجل الوصول لنتائج إيجابية.

لن يحكم السودان عسكريا بعد اليوم بقرار من الثورة السودانية

ماذا عن الداخل السوداني والجبهة المدنية لوقف الحرب إلى أين وصلتم في توحيد الصفوف؟
الاجتماعات التي تم عقدها في نيروبي أقرت عمل لجنة اتصالات خلال ١٠ ايام قادمة سنتواصل عبرها مع الأطراف التي ليست جزءا من تقدم وهي الحزب الشيوعي وتحالف التغيير الجذري والبعث عبد الواحد محمد نور وعبد العزيز الحلو ومختلف القوى الأخرى من أجل شرح الفكرة ودعوتهم للانضمام لتقدم قبل الشروع في موضوع الورش والمؤتمر العام بحيث يكونوا جزء من المؤتمر العام

كيف هي العلاقات الآن مع لجان المقاومة الذين صاروا جزءا من تقدم مع مقاربة الخلافات السابقة بينكم والفجوة الكبيرة التي حدثت بعد تشكيل حكومة حمدوك؟
الظروف السياسية في ذلك الوقت لعبت دورا في صناعة هذه الفجوة، لكننا منذ ذلك الوقت في حوارات متصلة معهم، الآن هناك تباينات في الآراء معهم، “سخونة” أحيانا في النقاشات لكن نشعر مع مرور أي يوم في العمل المشترك يتطور التفاهم بيننا. وأعتقد مع انضمام.

بقية لجان المقاومة من الولايات الأخرى ستعطي دفعة كبيرة لتوسيع الجبهة.

“حمدوك” إضافة كبيرة للجبهة المدنية

كيف تقيم عودة عبد الله حمدوك للمشهد وأن يكون جزءا من الجبهة المدنية؟
بعد الحرب هناك حاجة ماسة ان تضم الجبهة المدنية جميع السودانيين، وكل من يملك شيئا يضعه على الطاولة من أجل وقف الحرب وجلب السلام والعودة للمسار الديمقراطي والدكتور عبد الله حمدوك هو رئيس وزراء حكومة الثورة ونعتقد أن وجوده معانا في الجبهة إضافة للرمزية التي يمثلها وعلاقاته الخارجية وايضا يمتلك مؤيدين في الشارع السوداني وبالتالي يعتبر وجوده إضافة كبيرة.  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: سیطرة الدعم السریع على الجیش والدعم السریع الحریة والتغییر فی مسار الحرب الجهة التی هذا اللقاء وقف الحرب منبر جدة من أجل ما حدث

إقرأ أيضاً:

هل يقع التغيير بالثورة في اليوم العاقب لها: الثورة الفرنسية مثالاً (2-2)

عبد الله علي إبراهيم

هذه مذكرات عن الثورة الفرنسية أخذتها من "أوربا الثورية 1780-1850" (2000) كتاب زميلي السابق في شعبة التاريخ بجامعة ميسوري جونثان سبيبربر. جلست إلى الكتاب في أعقاب ثورة ديسمبر حين سقمت نفسي أحاديث مطلوقة عن الثورة اشترطت أن تنهض الثورة، متى قامت، بالتغيير الجذري بعد اسقاط النظام مباشرة وإلا صارت "انتفاضة" في أحسن الأحوال أو هرجاً وضلالاً. وعرفت أن أياً من مشيعي تلك الخزعبلة لم "يشق" بطن كتاب عن ثورة ليعرف أن الثورة هي تعريفاً ثورة متى أسقطت حكومة النظام القديم. وبس. أما التغيير فلا يأتي لحزته لأنه مما تختلف الآراء فيه وسبله بين من ائتلفوا لإسقاط النظام القديم. ولا أعرف إن كان من يذيع هذا الضلال وقف عند الثورة الفرنسية (1789) وتضاريسها ليرى أنها اختلفت حول التغيير اختلافاً محلياً وأوربياً اختلافاً مضرجاً كبيراً. فلا الجمهورية ولا العلمانية اللتين هما المعنى الذي كان من وراء الثورة تحققا في اليوم العاقب لسقوط النظام القديم كما يتشهى بعضنا. ويكفي أن جرى استرداد الملكية لفرنسا ثلاث مرات ولم تتوطد الجمهورية إلا في ثمانينات القرن التاسع عشر. كما لم يقع فصل الدين عن الدولة إلا في دستور 1905 ولينص دستور 1958 صريحاً على العلمانية لأول مرة.
نحن، وذكرى ثورة ديسمبر على الأبواب، قبايل "تجديد البكا" على الثورة في تاريخنا. وهو بكاء كاليتم لانقطاعه عن تاريخ الثورات ويريد لثورة السودان أن تغير ما بنا في لمح البصر: short and sweet
أردت عرض هذه المذكرات عن الثورة الفرنسية حتى لا نخدع عن حقائقنا وثوراتنا بثمن جهالة بخس. وعينت الصفحة من الكتاب أمام تلخيصي لما فيها. وربما صادفت القارئ متاعب هنا وهناك لأن هذه المذكرات مما أردت منه أن أعرف عن الثورة لا أن أنشرها كما أفعل الآن.
(سيلقى القارئ غموضاً هنا وهناك كما وجدت أنا نفسي لدي عودتي لقراءة هذه المذكرات بعد سنوات من كتابتها. أردت فقط بها أن يرى شبابنا أن الثورة كينونة غريبة لا كما يبسطها صغار الأحلام: أنت ثرت وريني عمرت شنو؟ ولا أتوقع أن يطالع القارئ هذه المادة على صفحتي. هي للاحتفاظ بها كمذكرة المحاضرات"

72 اكتنفت الثورة أزمة مالية لم تخرجها منها حتى السندات المالية بضمان أرض الكنيسة المصادرة. فلم يقبل الفرنسيون في المناطق المناصرة للقسس المنشقين على شراء الأرض، بل قابلوا من حاول ذلك بالاحتجاج والشنق سحلاً. وفرضت الحكومة تداول السندات التي اشتراها أهل المال من الناس بثمن بخس أدى إلى تدهور سعر العملة. فامتنع المزارعون من بيع محصولاتهم بالثمن البخس. فنقص المعروض من الطعام في الأسواق. وأدى هذا إلى نشأة فئة اجتماعية سياسية في المدينة عرفت ب"سانس-كولتس". وهي من العاملين بأيديهم من الحرفيين وصغار التجار وسيطة بين البرجوازية والعمال: برجوازية صغيرة. فهم يعملون بأيديهم ويؤجرون من يعملون بأيديهم. وظهرت سطوتهم في سقوط الباستيل 1789 وحصار فرسايل في أكتوبر 1791. ولما كانت الحكومة قد عادت إلى باريس أعطى ذلك السانس قوة للضغط زائدة.
ص 17-72. ومن تلك العوامل تورط فرنسا في حرب أوربية. فإلغاء النظام الإقطاعي في فرنسا أخاف أوربا. وقوى من هذه الحرب عامل للسياسة الداخلية هو المهاجرون الفرنسيون ممن كونوا فرقهم المسلحة على حدود فرنسا الشرقية. طالبت العناصر الأكثر جذرية في الجمعية التأسيسية (1791) بشن الحرب على المانيا لإيوائها المهاجرين لكسر ظهر عناصر الثورة المضادة. ومتى انتصروا في الحرب، حسب تقديرهم، كان سبباً لترويع المعارضة الداخلية وإخراسها علاوة على نشر مبادئ الثورة الفرنسية في الخارج. وافق الملك على الحرب على المانيا برغم أن بعض أسرته من بين "الثورة المضادة". وعارض روبيسبير، زعيم اليعاقبة، الحرب لأنها مشقة غير مأمونة العواقب. بدأت الحرب في 1792 وما لبث أن بدأ عوار الحرب للحكومة. فتناصرت قوى أوربا مع قوى الثورة المضادة. وكان متى احتلت الجيوش الأوربية موضعاً فرنسياً استعادت فيه النظم التي ألغتها الثورة. وصارت الحرب، التي اختلفت دوافع القوى الأوربية لدخولها، تعرف بحرب بين الثورة والثورة المضادة، الثورة والاستعادة (restoration). حرب لم تقع للإنسانية من قبل.
74 بدا للجذريين في باريس أن دروس الحرب تلك أن يعنفوا. فالوسطيون حاربوا بغير نفس بل انضم بعض قادتهم للعدو. وكان القائد العام لجيش الحكومة يراسل الأعداء. وكان جورج دانتون، من الجهة الأخرى، من نادي كوديلر متحمساً للحرب" قال: الجراءة والجراءة أكثر والجراءة ما يزال هي التي ستنقذ فرنسا". وبدأ الجذريون في الإعداد لانتفاضة جمعوا لها الحرس الوطني من سائر فرنسا (20 ألف) في مظاهرة في 10 أغسطس 1792. سارت للقصر الملكي وهزمت حرسه وقتلت أكثرهم. وأعلنت أن فرنسا جمهورية.
75 وفرضوا إرادتهم على الجمعية التأسيسية بحل نفسها وإجراء انتخابات جدية لجمعية تضع دستوراً للبلاد الجمهورية. وحدث ذلك واجتمع البرلمان في سبتمبر 1792.
75 تواصلت الحرب واقترب البروسيون (بروسيا) من باريس. واستقل السناس (البرجوازية الصغيرة) بأنفسهم عن الأندية. وأخذوا يستأصلون السجناء السياسيين من النبلاء والقسس المنشقة في ما عرف ب"السبتمبريين". وهي لعنة دم لاحقت الجذريين. وأمض ارتفاع الأسعار السناس أيضاً. وكان مقترحهم لاحتوائها هو تحديد الأسعار وإن لم يسلم الفلاحون نتاجهم صادرته الدولة.
وبذلك التصعيد صارت الجمعية التأسيسية ساحة مرة أخرى لمن أراد اطراد الثورة ومن رغبوا عن ذلك. منشأ اليمين واليسار كان خلال هذه الخصومة. صار جذريو الجمعية السابقة، قُرُيندنز، في صدام مع اليعاقبة الذين رغبوا في التحالف مع السانس ممن طلبوا تحديد الأسعار. وهو تعد على الملكية لم يقبله القريندز. وأشد خلافهم كان حول مصير الملك المخلوع. لم يمانع كثير من النواب من تقديم الملك للمحاكمة بتهمة الخيانة. ودفع الملك عن نفسه بأن دستور 1791 جعله مبرأ من مثل هذه المحاكمة. أما دفاع أنصاره المهجرون فكان أن الثورة هي الخيانة. ونشب الخلاف حول العقوبة. فأراد القريندز، متاثرين بعقيدة الملك المعصوم، تفادي قتله بأي صورة وبالدعوة لسجنه أو لنفيه وغيرها.
ص 77 وأراد القريندز بذلك ألا يقطعوا شعرة معاوية مع أوربا الملكية. وهي الشعرة التي أراد اليعاقبة قطعها. صوتت الجمعية لقتله بأغلبية قليلة بعد جلسة متصلة دامت 36 ساعة. وقتل في 21 يناير 1793 على المقصلة شهيداً مسيحياً باركه البابا في نزال قوى الشر. وكان السانس يغنون المارسليز. واحتدم الصراع بين الجماعتين. أراد القريندز إغلاق أندية اليعاقبة وغيرهم ووقف صحفهم. فجنح اليعاقبة إلى السانس فآزروهم باقتحام الجمعية في يونيو 1793 والمطالبة بنزع القريندز من عضويتها. فاستجاب اليعاقبة مسرورين.
وصار بوسع من تبقى من الأعضاء المضي قدماً في مواصلة الثورة. فقرروا التجنيد الاجباري وتنفير قوة الأمة كلها رجالاً ونساء شيباً وشباباً للنصر في الحرب من أجل الجمهورية.
87 واتبعوا إجراءات عنيفة ضد الثورة المضادة كبؤرة عملاء لقوة أجنبية. تكونت لجان الرصد لأعداء الثورة لفرز من معها ومن ضدها. انتزاع شهادات الولاء للثورة. وصار أهل الحظوة القديمة موضع ريبة. محاكم خاصة لمحاكمة الخونة. وتمت مصادرة ممتلكات المهاجرين المعادين. ونشأت لجنة السلامة العامة تتوج إجراءات العنف ضد الخصوم. وكافأوا السانس بتحديد الأسعار ومصادرة منتوج الفلاحين الممتنعين عن البيع. وكان ذلك خلافاً لعقيدتهم في السوق الحر. كان روبسبير من وراء لجنة السلامة. وجعلت أندية اليعاقبة نفسها حكومة من وراء الحكومة الرسمية في التربص بالأعداء. وكلما أوغلت اللجنة في العنف كلما خلقت طائفة من الأعداء لها. ففي مدن الجنوب انتصر المعتدلون على المتطرفين. وساءهم طرد القريندز المعتدلين من الجمعية في باريس فقاموا بعصيان سموا أنفسهم فيه الفدراليين. وكانوا مع الثورة رغم عدائهم للجمعية ويريدون لفرنسا أن تحتفظ بنظمها الباكرة للثورة من المصالح والدوائر الذاتية لا المركزة التي جرت لاحقاً على يد اليعاقبة. كانت وراء ثورتهم عوامل: 1-الدين لأن سكان غرب فرنسا أكثرهم تديناً، وهم ضد القانون المدني للقساوسة. وصارت تحرشات وصدامات طوال عامي 1791 و1792. وكان أهل غرب فرنسا ضد التجنيد الاجباري أيضاً لأن العمل بالجيش ليس في طبعهم أو ممارستهم. وجاء قساوسة متمردون ونبلاء لقيادة سخط غرب فرنسا على الجمعية.
81 وكونوا في مكان ما "الجيش الملكي والكاثوليكي" وساروا لباريس لإسقاط الجمعية. جماعة أخرى نهضت بحرب عصابات. وكلاهما متصل بالمهاجرين الآملين بتدخل بريطانيا. وجسد ذلك الصراع صدام الدين وثقافة عهد الأنوار المناوئة له. وكان صراعاً اتسم بالوحشية. ذبح الثوار أنصار النظام الحاكم في باريس ذبح الشياه وشيعوهم بالترانيم الدينية. ولما تلقى أنصار الحكومة عوناً قتلوا كل سجنائهم.
ص 80
عهد الرعب 1893 إلى 1794
أدى رعب الحكومة إلى ضحايا بلغوا 35 ألف موتاً بالسجن أو بواسطة المقصلة. أكثرهم كان من جنوب فرنسا الذين حملوا السلاح ضد الحكومة. ولا يشمل هذا من قتلوا في غرب فرنسا الذين ربما كانوا خمسة اضعاف ذلك العدد. ولكنهم ماتوا في قتال مباشر بين أطراف الحرب بين الحكومة والمنشقين عليها.
81 وما يجعل ارقام أولئك الضحايا قابضاً للنفس ليس أننا لم نشهد ضحايا أكثر منه في عصرنا ولكن لأنه وقع في محاولة لبناء فرنسا جديدة على بينة "جمهورية الفضيلة" في عبارة لروبيسبير. خلال الحرب الأهلية والخارجية عكف اليعاقبة على تدبيج نظام جديد لفرنسا استمر في صوره المتطرفة لسنة واحدة:
1-ثقافة جديدة لفرنسا تحل مكان الثقافة القديمة شملت تغيير التقويم. جعلوا الثاني والعشرين من سبتمبر 1792 بدء للتقويم الجديد الذي حل التقويم المسيحي. جعلوا الأسبوع 10 أيام تنتهي بيوم عطلة ليس هو الأحد. وسموا الشهور تسميات جديدة. مثلاً شهر الحرارة Thermidor وهو ذروة الصيف. وgerminal وهو من بعض مايو ويونيو وهو شهر نمو المحاصيل. ولم يقبل بالتقويم أحد للخبطته الأعياد الدينية واختزاله أيام العطلة. اقتصر التقويم على الاستعمال الرسمي حتى جرى إلغاؤه في 1806.
2-إصلاح الموازيين والمكاييل وضبط معاييرها. كانت المقاييس قبل الثورة مقاسة على جسد الملك. فالقدم في الواقع هو طول قدم الملك. جاؤوا بمقياس المتر مستفاداً من تراكيب الطبيعة. وجرى قبول هذه "البدعة".

3-إعادة تسمية الشوارع التي أطلقت على ملوك. استبدالها بأسماء لأبطال الأغاريق والرومان. وسمى اليعاقبة أولادهم بروتس وحتى فرانكلن (ألأمريكي) احتساباً للجمهورية. ويخاطب الواحد الآخر يا"مواطن" كسراً لنظام الألقاب.
وكان القصد هدم الكاثوليكية. زادوا بالاعتداء على الكنائس وتدنيس رموزها. ولم يسلم حتى القساوسة المطاوعين من التضييق فأضطر 18 ألف منهم لنزع الرداء الكنسي وقبلوا بمدنيتهم وأول مظاهرها الزواج مما كان محرماً عليهم.
واحتار الجذريون في ما يحلونه محل المسيحية. فأقترح البعض الإلحاد أو حكم العقل. فسموا كاتدرائية نوتردام بمعبد العقل. ثم انتهوا إلى نسخة هادئة من الدين الجديد هي ال"deist". وهي عقيدة تؤمن بوجود الرب. ولكنه تلاشي حين حرك الكون وأطلق عنانه. وانقطعت صلته بالكون والخلائق. وصار مصير الدين الجديد مصير التقويم: النفور منه. ولكن ثبت اليعاقبة مبدأ المواطنة أما السوية القانون فشملوا بها كل الذكور دون النساء. ونواصل.
تقويم الثورة الفرنسية "المدني" الذي ألغى التقويم المسيحي
Naming the Months
This is where the commissioners really got creative. They made up a whole set of new words, generally with French or Latin roots.
Fall
• Vendémiaire (from French vendange ‘grape harvest’)
• Brumaire (from French brume ‘mist’)
• Frimaire (from French frimas ‘frost’)
Winter
• Nivôse (from Latin nivosus ‘snowy’)
• Pluviôse (from French pluvieux ‘rainy’)
• Ventôse (from French venteux ‘windy’)
Spring
• Germinal (from French germination)
• Floréal (from French fleur ‘flower’)
• Prairial (from French prairie ‘meadow’)
Summer
• Messidor (from Latin messis ‘harvest’)
• Thermidor (from Greek thermē ‘summer heat’)
• Fructidor (from Latin fructus ‘fruit’)

ibrahima@missouri.edu  

مقالات مشابهة

  • البرهان يلتقي نائب وزير الخارجية السعودي
  • هل يقع التغيير بالثورة في اليوم العاقب لها: الثورة الفرنسية مثالاً (2-2)
  • السودان يطلب من الولايات المتحدة الضغط على الإمارات بشأن الدعم السريع
  • هل يكسب البرهان الحرب بسبب عقوبات بايدن المحتملة على حميدتي ؟؟
  • في جلسة لمجلس الأمن.. السودان يكشف بالأدلة عن شحنات سلاح مضطردة من الإمارات للدعم السريع ومهابط سرية لطائرات داخل السودان ويدفع مطالب عاجلة ويعلن عن “خطة” فيديو
  • واشنطن تعيد تقييم مزاعم الإمارات حول عدم تسليح الدعم السريع
  • رغم تأكيد الإمارات.. واشنطن تعيد تقييم مزاعم أبو ظبي حول عدم تسليح الدعم السريع
  • (بوليتيكو).. إدارة بايدن تدرس القيام بخطوات كبيرة في السودان قبل رحيلها
  • السودان: أحكام بالسجن المؤبد والإعدام في قضايا تعاون مع “الدعم السريع” 
  • إدارة بايدن تدرس إعلان ما يجري في السودان إبادة جماعية وفرض عقوبات على حميدتي وميليشيا الدعم السريع