بوتين ودوغين ونازاروف يفرضون الأيديولوجية الروسية على العالم..
تاريخ النشر: 22nd, December 2023 GMT
نشر "إندبندنت عربية" مقالا غريبا حمل مجاملة لي، فوصفني بـ "لسان بوتين الفصيح"، ووضعني بجانب الفيلسوف ألكسندر دوغين الذي "يشارك في بلورة النظريات الأيديولوجية التي تشغل عقل بوتين".
في الوقت نفسه، روت الصحيفة بشيء من التفصيل عددا من مقالاتي التحليلية، إلا أنها نسبتها إلى الحاكم السابق لإحدى المناطق الروسية، ألكسندر نازاروف، الذي يحمل نفس اسمي، فخلطت بيني وبينه، ووضعت صورته بدلا من صورتي، وبررت من خلال سيرته الذاتية نجاحاتي في مجال "أيديولوجية بوتين".
وعلى الرغم من أن المحاولة كانت خرقاء إلى حد ما، إلا أنني أشعر بشيء من الفخر لكوني بجانب هؤلاء العظماء..
فمن ناحية أصبح بإمكاني الاستناد إلى الصحيفة المحترمة إذا ما حاولت زوجتي الشك في توقعاتي الرهيبة فيما يتعلق بمستقبل الولايات المتحدة الأمريكية، حيث وصفتني "إندبندنت عربية" باليد اليسرى لبوتين أيديولوجيا (دوغين هو اليد اليمنى).. ومن ناحية أخرى، فقد منحني أحد المتكهنين المصريين، نقلا عن توقعاتي، بطريقة أو بأخرى رتبة جنرال وعضو في مجلس الأمن الروسي، لهذا فإن نسب صحيفة "الإندبندنت" لي مواقف ألكسندر نازاروف آخر، لم يتمكن خلال 72 عاما من حياته من الارتقاء إلى مستوى مجلس الأمن، هو بالأحرى خفض من جانب الصحيفة للرتبة التي أحظى بها في وسائل الإعلام وعلى شبكات التواصل الاجتماعي.. لذا أعتب على الصحيفة في هذا، وإذ كان لي أن أختار بين "الإندبندنت" والمتكهن المصري، كمصدر للشائعات التي لم يتم التحقق منها بشأني، سأختار الأخير.
لكن، إذا تحدثنا بجدية، فلا دوغين، ولا شخصي المتواضع، لنا أي علاقة بأيديولوجية بوتين أو روسيا كدولة. أولا، أنا شخصيا أعبّر عن آرائي الخاصة حصريا، وأعتقد أن دوغين يفعل ذلك أيضا. وثانيا، وببساطة لأن الدولة الروسية ليس لها أيديولوجية، وهذا على وجه التحديد، أعني غياب الضغط الأيديولوجي من الدولة على المجتمع الروسي، هو أيديولوجية بوتين، وجزأ لا يتجزأ من نجاحه، وصمام الأمان ووحدة روسيا.
لقد سئم المواطنون الروس من الأيديولوجية خلال الحقبة السوفيتية، كما أنهم شديدو التنوع في وجهات نظرهم وتطلعاتهم. وعلى الرغم من حقيقة أن بعض الحمقى من ضيوف التلفزيون الروسي يتحدثون من وقت لآخر عن ضرورة تطوير أيديولوجية للدولة، إلا أن فلاديمير بوتين والدولة ككل يتجنبون ذلك بكل الطرق الممكنة، وهم محقون في ذلك. لقد استعاد الروس أعصابهم بعد عقود من بناء الشيوعية، والآن (خلافا للغرب) يتمتعون بالحرية الأيديولوجية. وهذا أحد أسباب الاستقرار المدهش للمجتمع الروسي.
وفي رأيي المتواضع، ومن الناحية العملية، فإن بوتين، لا يتبنى أيديولوجية بقدر ما لديه أولوية مطلقة، كما أفهمها، تتجسد في تجنب أي مخاطر أو صدمات من أجل تنمية التطور التدريجي وبالتالي المستدام، وهي أولوية تفسر الأسلوب الحذر لقيادته في كل شيء، بدءا من التردد في القيام بتعبئة إضافية من أجل تسريع انتصارنا في أوكرانيا، إلى موقفه المتسامح للغاية على مدار سنوات عديدة تجاه الخونة، بما في ذلك النخب الروسية، الذين فر معظمهم إلى الخارج بعد بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة بأوكرانيا.
أعتقد أنه من الواضح أن بوتين نفسه، مثل أي شخص راشد يتمتع بالاكتفاء الذاتي، لديه نظام راسخ من القيم، الذي يمكن أن يطلق عليه أيديولوجية، لكن لا أنا ولا دوغين ولا أعتقد أي شخص آخر باستثناء عائلته يمكنه الجزم بأن لديه فكرة موثوقة حول هذه القضية. على الرغم من أن بوتين، بطبيعة الحال، يعبر عن بعض عناصر الأيديولوجية من حين لآخر، لكني لا أرى أدنى محاولة لفرض أي خط سلوك محدد على المجتمع من الناحية العملية.
إقرأ المزيدلهذا فمن المضحك قراءة حجج الصحافة الغربية التي لا تزال مليئة بالكليشيهات القديمة لعصر الحرب الباردة، في محاولة للبحث عن تفسيرات لفشل الغرب في مكائد بوتين و"أخطاء" روسيا التي تشكلها "أيديولوجية بوتين".
من السهل العثور على الإجابات بالنسبة لكم أيها الغرب في خطابات بوتين منذ بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، حيث حملت كل الخطابات الدولية محاولة صبورة للشرح والإقناع بأنه من المستحيل تجاهل مصالح روسيا. إلا أن الغرب لا يستطيع أن يعترف بأنه نفسه السبب وراء كل الاضطرابات الحالية، بتجاهله المصالح الروسية، ويبحث المرة تلو الأخرى عن السبب في "أيديولوجية بوتين" العدوانية، أو في بعض المقالات التي يكتبها المحللون الروس، والتي يفترضون أنها تعكس هذه الأيديولوجية.
وعودة إلى مقال "الإندبندنت"، فرغم الأخطاء المذكورة، إلا أنني أحببت المقال. ويبدو الأمر كما لو أن المؤلف ومع كل سعيه للعثور على حجج لدحض تصريحاتي إلا أنه في النهاية لم يستطع. وإذا كان هناك ما ألوم عليه كاتب المقال في شيء، فهو أن عرض مجمل مقالاتي لم يشغل نصف عدد الجريدة.
على أية حال، استمتعت بقراءة المقال. فالكليشيهات الغربية حول ما يحدث في روسيا، وكيف تعمل آليات السلطة الروسية تثير دائما الضحك من القلب. لكني ما زلت أطلب من الصحيفة الموقرة ألا تكتفي باستبدال الصورة، بل أن تحذف أيضا السيرة الذاتية التي لا تخصني..
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف
رابط قناة "تليغرام" الخاصة بالكاتب
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب
المصدر: RT Arabic
كلمات دلالية: بوتين روسيا ألكسندر نازاروف ألكسندر نازاروف الكرملين فلاديمير بوتين مجلس الأمن الروسي إلا أن
إقرأ أيضاً:
قمة ترامب ـ بوتين.. يالطا جديدة؟
4 مارس، 2025
بغداد/المسلة:
محمد صالح صدقيان
يترقب المجتمع الدولي قمة الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين المقررة في الرياض من دون تحديد موعد نهائي حتى الآن، وعلى جدول أعمالها مناقشة امكانية اخماد الحروب والأزمات والتوترات بين البلدين.لم تأتِ القمة الموعودة من فراغ. هي نتاج مسار دشّنه وصول ترامب إلى البيت الأبيض في العشرين من كانون الثاني/يناير 2025.
تواصل رئيسا الولايات المتحدة وروسيا للمرة الأولى في الثاني عشر من شباط/فبراير المنصرم على مدى أكثر من تسعين دقيقة وكان اتصالهما “إيجابياً جداً”، حسب الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف. أعقب ذلك لقاء وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره الأمريكي ماركو روبيو في الرياض في 18 شباط/فبراير الماضي. لم يرشح شيء نوعي عن مكالمة الرئيسين الهاتفية التي دشّنت مسار بحث الملفات الملتهبة وأبرزها أوكرانيا والشرق الأوسط وملفات أخرى مثل الطاقة والذكاء الاصطناعي “وقوة الدولار والعديد من الموضوعات الأخرى”، حسب بيسكوف.
كان ترامب واضحاً عندما أعطی أحقية للمطالب الروسية ولا سيما لجهة عدم قبول عضوية أوكرانيا في حلف شمال الاطلسي (الناتو)، ووصفه الرئيس الأوكراني فولودیمیر زيلنیسكي بـ”الديكتاتور” ومطالبته بانتخابات أوكرانية مبكرة، ما يعني أنه قرّر رفع الغطاء السياسي الأمريكي عن زيلينسكي ارضاءً لبوتين وانهاءً لحرب دشّنت عامها الرابع بكل تداعياتها الأمنية والإقتصادية والعسكرية والسياسية المربكة وخصوصاً للقارة الأوروبية.
في هذا السياق، جاءت زيارة سيرغي لافروف إلى طهران، قبل أيام قليلة، واجتماعه بنظيره الإيراني عباس عراقجي والرئيس مسعود بزشكيان حيث كانت ملفات الشرق الأوسط علی طاولة البحث لكن المباحثات تمحورت حول الملف الإيراني.
زيارة لافروف إلى طهران كانت مهمة جداً للروس والإيرانيين في آنٍ معاً، بدليل أن بعض ما تسرب عن اتصال الرئيسين الأمريكي والروسي أدخل القلق في نفوس كثيرين، وهذه عادة الكبار عندما يلتقون، فتكون النتيجة مصدر قلق للآخرين، وثمة تاريخ يُحدّثنا عن لقاءات مهمة تحصل بعد الحروب، ليتم بعدها توزيع وتقاسم المغانم والمناطق، كما حدث في مؤتمر يالطا عام 1945 بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.
ينبري السؤال هنا: هل العالم الآن أمام يالطا جديدة؟ لا أحد يملك جواباً حاسماً. لكن يجب توقع الأسوأ لأننا أمام صقور يبحثون عن غنائم حتی وإن كانت بين الأشلاء. لا أريد التشكيك في النوايا، لكن التجارب علّمت شعوب الأرض أنّها كالديك الرومي تذبح في الأعراس وفي ولائم الموتی!
كانت أوروبا أول القلقين من مآلات التقارب الروسي الأمريكي، وذكر مسؤول أوروبي رفيع المستوی لوكالة “رويترز” أنّه “منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، تمكنت أوروبا من الوقوف بوجه روسيا بمساعدة شقيقتها الكبرى أمريكا، لكنها الآن تواجه نهجاً وأشخاصاً مختلفين في البيت الأبيض والكرملين، وأية مقاومة ضدهما تتطلب المال والإرادة والوحدة السياسية”. مثل هذا التصور جاهر به أكثر من مسؤول أوروبي، بعدما وجدوا أنفسهم ريشة في مهب الريح في ضوء تعامل ترامب مع فولوديمير زيلينسكي.. وصولاً إلى تحقيره وطرده من البيت الأبيض يوم الجمعة الماضي!
في ظل هذه الأجواء، يتم طرح سؤال فيه نوعٌ من السذاجة والبساطة: عندما قرّر ترامب القبول بالأمر الواقع الروسي في أوكرانيا وتثبيته وتقديمه علی طبق من ذهب لبوتين وبالتالي انهاء الحرب الأوكرانية وفق المقاسات الروسية، ما هو الثمن المقابل؟ وعلى ماذا حصل ترامب التاجر الذي لا يُعطي قبل أن يضمن المقابل.
السؤال الآخر: ماذا سيتناول لقاء القمة بين ترامب وبوتين؟ أوكرانيا انتهت.. إنّها لروسيا. وماذا بعد؟ أي الملفات سيئة الحظ ستكون علی طاولة القمة؟ وأيُّ ملف “وافر الحظ” (بالمعنى السلبي للكلمة) سيستقر به المطاف بين الرئيسين؟
تتمنی طهران أن لا يكون الملف النووي الإيراني هو “المحظوظ” على تلك الطاولة، لا سيما وأن روسيا وقّعت مع إيران قبل يوم من دخول ترامب إلى البيت الأبيض علی اتفاقية استراتيجية للتعاون بين البلدين لمدة 25 عاماً، وذلك في أثناء الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى موسكو. لكن هذا لا يمنع من الإشارة إلى المخاطر المحتملة التي تنتظرها طهران لمخرجات اللقاء الأمريكي الروسي.
وكان لافتاً للانتباه أن صحيفة “جمهوري إسلامي” المستقلة التي تتبنی أفكار وتصورات الرئيس الإيراني الراحل هاشمي رفسنجاني دعت إلی عدم تجاهل التطورات التي تحدث في المنطقة وإلى اتخاذ التدابير المناسبة لضمان عدم تخلف إيران عما يحدث في الشرق الأوسط، وبالتالي مراقبة تصرفات روسيا في كيفية تفاعلها مع الولايات المتحدة.
وتوقع مالك الصحيفة ورئيس تحريرها مسيح مهاجري، في افتتاحية له، أن تؤدي المفاوضات خلف الكواليس بين سكان الكرملين والمقيمين الجدد في البيت الأبيض “إلى صفقة كبرى بين روسيا بوتين وأمريكا ترامب، وربما حدث ذلك بالفعل”، علی حد تعبير الصحيفة الايرانية .
وحسب العارفين، فإن الزيارة التي قام بها لافروف إلى طهران، لم يتخللها نقل رسائل بين واشنطن وطهران، كما قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي لكن تخللها استكشاف الموقف الإيراني من المفاوضات الروسية مع الجانب الأمريكي إضافة إلی الموقف من التطورات في الشرق الأوسط، في سياق محاولة روسية لطمأنة طهران أن موسكو لا تريد أن تتفاوض أو تتفاهم مع أحد علی حساب المصالح الإيرانية. ولكن إذا دقّقنا يتبين لنا أنه من الطبيعي أن يُضحي ترامب بأوكرانيا لمصلحة روسيا بما في ذلك التخلي عن أجزاء من الأراضي الأوكرانية، في مقابل أن يمنح بوتين نظيره الأمريكي حرية التصرف في الشرق الأوسط وصولاً إلى قيام “شرق أوسط جديد” بدور محوري “إسرائيلي”، على أن يشمل لبنان وسوريا والعراق وفلسطين.. وفي هكذا حالة، لن تكون إيران بعيدة عن هذه الخارطة.
لقد سعت إيران منذ سقوط الاتحاد السوفييتي وانهيار النظام الأمني الإقليمي الذي كان سائداً إبّان الحرب الباردة إلی لعب دور فاعل ومؤثر سعياً إلى خلق نظام أمني إقليمي جديد ركيزته دول المنطقة بعيداً عن “إسرائيل” التي تعتبرها الولايات المتحدة “أولاً”. ودفعت إيران من أجل ذلك الكثير من الأثمان الباهظة وهي الآن لا تُريد أن تكون ضحية أية تفاهمات كبرى تأتي على حسابها وحساب مصالحها في المنطقة. هل هذا ممكن؟ ربما نعم.. وربما.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post AuthorSee author's posts