الجزيرة:
2025-04-24@09:27:19 GMT

صدْع غزة وارتداداته على المثقفين

تاريخ النشر: 22nd, December 2023 GMT

صدْع غزة وارتداداته على المثقفين

في مصطلحات علم الزلازل تعني كلمة صدْع -المقابل (Rif)- الفلْق الذي يقع في باطن الأرض، ويُحدث الصَّدْع ارتدادات، (أو ارتجاجات) خارج البؤرة، ويختلف مدى الارتدادات ووقعها باختلاف درجة الزلزال، ومدى الموضع من الصدع.

تشكل الحرب على غزة بؤرة صدْع على مستوى العلاقات الدولية، وتؤشر على أنَّها فاصل بين فترتين، ما قبل وما بعد، وهي كذلك صدع على المستوى الثقافي، إذ يمكن أن نرصد تداعيات الصدع في العالم، على الأكاديميين في أروقة الجامعات، ولدى صانعي الرأي.

تظهر آثار ارتدادات صدع غزة على جمهرة المثقفين في الولايات المتحدة، بشكل غير مسبوق يُذكّر بحرب فيتنام، ويتجاوز بشكل كبير استنفار الأكاديميين وأصحاب الرأي خلال مظاهرات ساحة تايانامين (1989)، أو أثناء أزمة الخليج، (1990)، أو حتى من الحرب على العراق سنة 2003.

يتوزَّع المشهد الثقافي جراء صدع غزة، بين الداعمين لإسرائيل، وسرديتها، ودعوتهم "المبرّرة للحرب العادلة" -أبرزهم عالم الاجتماع مايكيل ولزر- وبين من لا يتبّنون طرحها ولا سرديتها، ويظهر ذلك من خلال الكتابات، والتدوينات، والمظاهرات.

اللافت، هو تعامل المؤسسات الأكاديمية في الولايات المتحدة بنوع من المكارثية؛ أي تعقب من يُشتمُّ منه التعاطفُ مع الفلسطينيين، أو شجب العدوان، إما من خلال التظاهر، أو الكتابة، أو التدوين، أو حتى حمل الكوفية.

تُدرج لوائح سوداء لتعقب المساندين للفلسطينيين في الحرب على غزة؛ تحسبًا لطلبات التشغيل، أو إجراء أبحاث، أو الارتقاء في مسالك الجامعات أو الإدارة، بيد أن هناك وعيًا مستشريًا في داخل المؤسسات الأكاديمية الأميركية بأن مجاراة إسرائيل في عدوانها، من شأنه أن يمَسّ "الرصيد الأخلاقي" للولايات المتحدة، ويرهن مصداقية المؤسسات الأكاديمية التي يُفترض فيها الحياد والموضوعية.

لا يقتصر طيف الاتجاهات المساندة للفلسطينيين- في الولايات المتحدة – على من هم من أصول فلسطينية أو عربية أو مسلمة، أو بعض الأقليات الإثنية، بل كذلك من ليبراليين، ويهود، بل حتى ممّن هم مساندون لإسرائيل، ويخشون التبعات الأخلاقية لتقتيل المدنيين والنساء والأطفال، وقصف المشافي، ودور العبادة، وسيارات الإسعاف – توماس فيردمان يعدّ مثالًا على ذلك – ومضاعفاتها على صورة إسرائيل وأمنها.

أما أوروبا فلا تتكلم لغة واحدة فيما يخصّ الحرب على غزة، على مستوى المثقفين. الاتجاه الغالب في ألمانيا- لأسباب تاريخية، ونفسية جمعية- مساندٌ لطرح إسرائيل في "حقها بالدفاع عن نفسها"، وهو اتجاه يعتبر كلَّ موقف مغاير- عن الاتجاه الرسمي أو التوجه العام – نوعًا من معاداة السامية. ترى ألمانيا أن وقوفها إلى جانب إسرائيل نابع من "موقف أخلاقي"، كما عبّر عن ذلك هابرماس. ويسود ألمانيا جراء ذلك نوع من محاكم التفتيش ضد من يتبّنون موقفًا مساندًا للفلسطينيين، أو مجرد الوقوف ضد الحرب.

أما فرنسا فتتوزع ما بين اتجاه غالب، مُمالئ لإسرائيل، على مستوى الأكاديميين، وأصحاب الرأي، من منطلق الإسلاموفوبيا المستشرية في فرنسا، وبين الموقف المناوئ لها ممن يُسمون في فرنسا بالتحالف الإسلامي اليساري.

القاعدة القانونية هي: أنه "لا يُنسب إلى ساكت قول"، لكن في قضايا حازبة، الصمت مظنة، أو موقف متخاذل

لكن الساحة الثقافية الفرنسية لا تخلو من مواقف مناهضة للتمييز في التعامل، كما حمل ملفٌ عن الموضوع في جريدة "لوموند" (8 ديسمبر). بيدَ أن بلاتوهات التلفزة تكاد تكون مُطوّقة في فرنسا، ويكاد يستحيل نقل موقف مخالف للاتجاه العام المساند لإسرائيل، ولذلك يتجنب كثير من الأكاديميين- ممن لهم رؤية متوازنة- تلبية دعوات التلفزة؛ خشية التورّط من قبيل أسئلة: "هل توقفت عن ضرب زوجتك".

لم يعد التنسيب والتمييز مقبولَين في بلد الأنوار والمثقفين. يكفي أن نشير إلى حالة الكاتبة من أصول مغربية، زينب الغزيوي، العلمانية حد النخاع، ولكنها اعتبرت ما يجري في غزة محرقة، فسُحبت منها جائزة "سيمون فايل"، وهي إحدى الناجيات من الهولوكوست.

الاتجاه الغالب في كل من إسبانيا وإيطاليا- على مستوى المثقفين والأكاديميين- هو شجب العدوان على غزة، واعتبار ما يجري بها إبادة جماعية، ويُعبَّر عن ذلك من خلال المواقف الشخصيَّة، أو في داخل الجامعات، والملصقات بها، والجرافيتي، حيث لا يجري حظر، وبدرجة أقل في الكتابات الصحفية، والتلفزة، بالنظر إلى التحكم في الإعلام.

أما على مستوى العالم العربي، فالاتجاه العام، على مستوى النخبة المثقفة هو شجب العدوان والدفاع عن الفلسطينيين، إما من منطلق انتماء إسلامي، أو عروبي، أو إنساني، لكن الصورة ليست بتلك الدقة، إذ إن هناك فئة انصاعت لطرح إسرائيل، منذ اليوم الأول، واعتبرت "طوفان الأقصى" عملًا إرهابيًا، وطالبت بإطلاق سراح الرهائن، من هذه الفئة صاحب مجموعة صحفية في المغرب هو السيد أحمد الشرعي، الذي كتب مقالًا بالفرنسية، قال فيه: "كلنا إسرائيليون"، على غرار قول مدير جريدة لوموند كلومباني عقب 11 سبتمبر: "كلنا أميركيون".

ويمكن أن ندرج موقف الصحفي والروائي إبراهيم عيسى في مصر، وعالم الاجتماع حمادي الردسيي من تونس، في هذا الاتجاه.

أما الكاتب الفرانكفوني الطاهر بنجلون، فاعتبر "طوفان الأقصى" أسوأ مما قد تجترحه الحيوانات، وأن حماس أقبرت القضية الفلسطينية. وينحو الكاتب الجزائري- المقيم في فرنسا ويكتب بالفرنسية- ياسمينة خضرا المنحى نفسه؛ بطلب إطلاق سراح الرهائن، بادئ الأمر، ويلتزم الصمت عن العدوان، وهو الموقف ذاته التي يعبّر عنه بوعلام صنصال. ويهزأ الكاتب الجزائري كمال داود من السياسي الفرنسي جان لوك ميلونشون؛ لأنه يساند الفلسطينيين، ويطالب بوقف الحرب، وينعته بـ "المفتي ميلونشون".

اللافت كذلك أن فئة من المثقفين المرموقين في العالم العربي، التزمت الصمت: (أدونيس، عبد الله العروي، عبد اللطيف اللعبي، يوسف زيدان، بنسالم حميش…)، أو من كبار المحللين السياسيين، مثل: (مصطفى السحيمي في المغرب).

القاعدة القانونية، هي: أنه "لا يُنسب إلى ساكت قول"، لكن في قضايا حازبة، الصمت مظنة، أو موقف متخاذل.

وفي جانب آخر، دحضت حرب غزة الطرح الواهي الذي يَقرن الأمازيغ – بطريقة آلية- بالطرح الصهيوني، في بلاد المغرب؛ إذ شجب مثقفون وازنون ناطقون بالأمازيغية، في المغرب، العدوانَ الإسرائيلي على غزة، مثل: إدريس خروز في حوار له بالفرنسية، أو موحى الناجي في مقال له بالإنجليزية، أو المغنية تحيحيت، أو موقف حزب القوى الاشتراكية ومثقفيه في الجزائر، والذي أنشأه القيادي التاريخي الحسين آيت أحمد ذو الأصول الأمازيغية.

استضاف الحزب السفير الفلسطيني في الجزائر؛ ليعبّر له عن تضامنه مع الشعب الفلسطيني. بيد أن بعض الفعاليات الأمازيغية المعروفة بانخراطها مع الطرح الصهيوني، التزمت الصمت. ويظل الاستثناء موقف الانفصالي فرحات مهني الذي يعيش في فرنسا؛ إذ نظم مظاهرة مؤيدة لإسرائيل.

تُعتبر الحرب على غزة من المحطات الفارقة في المشهد الثقافي، على المستوى الكوني، تُنهي مرحلة وتنفتح على أخرى، على مستوى الفكر، كما نهاية الحقبة الاستعمارية، وظهور الخطاب المناهض للاستعمار، وما بعد الاستعمار، وكما الفترة التي أعقبت سقوط حائط برلين، مما قلب كثيرًا من المفاهيم والبارادايمات.

يطرح صدع غزة مفهوم المثقف: هل هو الذي ينصاع لقيم الحق والعدل، كما في تعريف جوليان بويندا صاحب كتاب: "خيانة المثقفين"، أم ذلك الذي يقبع في برجه العاجي، ويزجي الأحكام، ويرصف كلامًا بلا نكهة؟، كما في مقولة لسارتر: من تُحف لا أهمية لها إلا ما تُحدثه من صليل، لأنها أوانٍ فارغة.

على كثير من المنبهرين بالأصنام أن يجيبوا عن هذا السؤال: هل يجوز الصمت حين يُقتل الأبرياء والمدنيون، وتُقصف المستشفيات وتهدم دور العبادة، ويُمنع الدواء والغذاء والماء؟ هل الجوائز أو الطمع في جوائز أكبر أهم من الحرية؟! وهل تلتقي بعد اليوم، الجوائز والحرية؟! وهل يقوم المثقف بدون حرية؟! وهل ينهض المثقف بدون الانصياع للحق والعدل؟!

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الحرب على غزة على مستوى فی فرنسا موقف ا الذی ی

إقرأ أيضاً:

صرخة في وجه الصمت.. غزة تنزف واليمن يُقصف والأمة في سبات عميق

 

تئن الأرض العربية وجعًا، وتختلط فيها أصوات القصف بأنّات الجرحى وصرخات الثكالى. غزة، تلك البقعة الصامدة في وجه الظلم، تُذبح كل يوم بآلة القتل الصهيونية، دمها يسيل مدرارًا على مرأى ومسمع من عالم أصم.. واليمن، المثخن بالجراح، يُدكُّ بالقنابل الأمريكية في وضح النهار، شعبه يُقتل جوعًا وقصفًا، وحرمة دمائه تُنتهك بلا رادع وكل هذا ثمناً لموقفه المشرف والمتميز مع الشعب الفلسطيني في غزة.

أيها الأحرار في كل مكان، أما آن لهذا الصمت المطبق أن ينكسر؟ أما آن لغضبنا أن يتفجر بركانًا يُزلزل عروش الظالمين؟ أما آن لرجال العروبة الشرفاء أن ينتفضوا نصرةً للحق ودفاعًا عن المقدسات؟.

في غزة، تتصاعد ألسنة اللهب وتتهاوى الأبنية على رؤوس ساكنيها. أطفال أبرياء يرتجفون رعبًا تحت وطأة القصف، وشباب يسطرون بدمائهم الزكية أروع قصص البطولة والصمود. أمهات فقدن فلذات أكبادهن يذرفن دموعًا حارقة، وآباء كسرت ظهورهم فجائع الأيام. كيف لنا أن نقلب صفحات الأخبار ونشاهد هذه المأساة الإنسانية تتكرر يومًا بعد يوم دون أن تهتز ضمائرنا؟ أما سمعنا صرخات الاستغاثة التي تخترق أسوار الحصار؟ أما رأينا الأجساد الطاهرة تُحمل على الأكتاف مودعةً دنيا لم تعد تعرف إلا القتل والدمار؟ أين ذهبت نخوة العروبة؟ أين ذهبت قيم الإنسانية التي طالما تغنينا بها؟.

وفي اليمن، تتواصل فصول المأساة بصمت دولي مخزٍ. قنابل الموت الأمريكية تحصد أرواح الأبرياء، وحصار جائر يفتك بالأطفال والشيوخ. شعب عريق يواجه الموت جوعًا وقصفًا، يُقتل ببطء أمام أعين العالم الذي يدعي الحرص على حقوق الإنسان. أي ذنب اقترفه هؤلاء الأبرياء ليستحقوا هذا العذاب المضاعف؟ أين أنتم يا من تتشدقون بالعدل والسلام؟ أما ترون صور الأطفال الهزالى الذين تحولت أجسادهم إلى هياكل عظمية؟ أما تسمعون أنين الأمهات اللاتي فقدن القدرة على إطعام أطفالهن؟.

أما أنتم يا خونة الداخل، يا من ارتضيتم لأنفسكم دور العبيد للأعداء، يا من بعتم ضمائركم وأوطانكم بأبخس الأثمان، فاعلموا أن التاريخ لن يرحمكم.. لقد دللتم الغزاة على شعبكم، وتآمرتم على إخوتكم، وخنتم الأمانة التي حملتموها. ستلاحقكم لعنة الشهداء وصرخات الأيامى والثكالى. وحين تشرق شمس النصر قريبًا بإذن الله، ستكونون أول من سيحاسب على جرائمكم النكراء.

أما أنتم أيها الصهاينة الأنذال ومن معكم من المتصهينين العرب وأدوات الاستعمار، فمهما طال جبروتكم ومهما بلغ عدوانكم ذروته، فإن هذه الأرض لن تكون لكم. عروش الظلم لا تدوم، والسلاح مهما بلغت قوته لن يكسر إرادة شعب أبيّ. غزة عصية على الانكسار، واليمن شامخ في وجه التحديات، وكل أرض عربية فيها حر واحد يرفض الذل والهوان ستنتفض في وجهكم.

فلينهض الأحرار في كل مكان، لترتفع أصواتنا مدوية بالغضب في وجه هذا الظلم المستشري. ليكن صوتنا زلزالًا يهز أركان الطغاة ونارًا تحرق وجوه الخونة. لنعلنها صرخة مدوية: كفى للقتل، كفى للدمار، كفى للصمت المخزي! غزة واليمن ليستا وحدهما، والأمة العربية لن تموت.. فجر الحرية قادم لا محالة، وسينتصر الحق مهما طال ليل الظلم.

مقالات مشابهة

  • حرب إبادة في غزة وصمت عالمي مخزٍ
  • «آي صاغة»: الذهب يتراجع بعد تخفيف ترامب لهجته بشأن الحرب التجارة والفيدرالي الأمريكي
  • هيئة يهودية بريطانية تفتح تحقيقا في رسالة تنتقد الحرب على غزة
  • فرص وخسائر.. ما الذي تحمله الحرب التجارية بين الصين وأمريكا؟
  • الذهب يتخطى مستوى 3500 دولار للمرة الأولى في تاريخه
  • صرخة في وجه الصمت.. غزة تنزف واليمن يُقصف والأمة في سبات عميق
  • نحن والصمت
  • البابا فرنسيس.. الكاردينال الذي باع ثروته واشترى قلوب الفقراء
  • تقرير :ترامب في 100 يوم.. عزّز موقع روسيا وأضعف موقف أوكرانيا
  • نائبة رئيس البرلمان الفرنسي: باريس تدعم حصول المغرب على مقعد دائم بمجلس الأمن