عدن الغد:
2024-07-05@12:58:15 GMT

الحرب وتغير المناخ يهدّدان النحل في اليمن

تاريخ النشر: 22nd, December 2023 GMT

الحرب وتغير المناخ يهدّدان النحل في اليمن

(عدن الغد)متابعات.

تقرير:ضيف الله الصوفي

منذ الألفية الأولى قبل الميلاد حتى اليوم، يعمل آلاف اليمنيين في تربية النحل وإنتاج العسل، معتمدين على نظام تقليدي يختلف عن غالبية منتجي العسل حول العالم، ويتنقلون بين المناطق والمدن بهدف ترحيل طوائف النحل بين الوديان والجبال والسهول، بحثاً عن مراعٍ مناسبة لاستخراج "الذهب السائل" وزيادة نسبة تكاثر الخلايا ومضاعفة أعداد النحل.

مهنة شاقة تتطلب الكثير من الخبرة والصبر.

خلال العقد الماضي، واجهت هذه المهنة تأثيرات ناجمة عن تغير المناخ، من تذبذب الأمطار وارتفاع درجة الحرارة، إلى جانب زيادة الأنشطة البشرية، وتداعيات الحرب. جميعها عوامل أدت إلى تقليص المساحات الخضراء، وفرضت تحديات قاسية على مربي النحل.

في السنوات التي سبقت حرب 2015، كان النحال محمد غالب (37 عاماً)، يتنقل بين محافظتي إب وتعز، وعادة ما يصل تهامة، إحدى مديريات محافظة الحديدة الساحلية، يبحث عن المراعي، ويأخذ صناديق نحله في جولات مختلفة، ومغامرات ترتبط بتقلبات الجو.

اما اليوم فقد بات هذا الرجل مسلوب الحرية، بسبب انتشار نقاط التفتيش الأمنية التي تعطل حركة النحالين من مرعى إلى آخر. يشكو محمد لرصيف22: "عندما يكون النحل أقل نشاطاً، نحتاج لنقله إلى مناطق تتوفر فيها النباتات والزهور التي تشكل مصدر تغذية له. في فترة الحرب نواجه صعوبة في المرور عبر نقاط التفتيش، وكذلك مشقة الطرقات وتكاليف النقل".

ويضيف أن هذه التعقيدات منعت عشرات النحالين اليمنيين من الوصول إلى مناطق واسعة تصلح كمراعٍ نحلية، الأمر الذي اضطره البقاء في منطقة الضباب، ريف تعز الغربي، مؤكداً أن تقييد الوصول كبَّده خسائر كبيرة.

وبسبب تحييد العديد من المناطق عن الرعي بفعل اشتباكات أطراف الصراع من جهة، وزراعة الحوثيين الألغام العشوائية من جهة أخرى، بقي هذا النحال في نفس المنطقة منذ سنوات، رغم تراجع مستوى النحل، وقلة إنتاجه السنوي للعسل.

يوضح الرجل أن الانتقال إلى الحديدة قد يكلفه موت النحل، لطول ومشقة الطريق، ومع انتشار الألغام تصبح حياته محاطة بالمخاطر والموت، فالذخائر غير المنفجرة باتت تهدد حياة اليمنيين، خاصة مربي النحل ورعاة المواشي والأغنام، وتشير المعلومات إلى أن أكثر من مليوني لغم أرضي وعبوة ناسفة تنتشر في مختلف المدن اليمنية، وهذا ما يفسر تخلي المئات عن مهنة النحالة وصناعة العسل.

لا يزال منير الفتاحي (40 عاماً)، يمارس هوايته في تربية النحل بشغف وحب، بعدما ورث هذه المهنة من والده، وتربى منذ طفولته وهو يلازم خلايا النحل، ويقدم لها المياه، وباستمرار يتفحص الصناديق محاولاً حمايتها من مهاجمة حشرات الدبور وغيره، مؤكدًاً أن الاهتمام يساعد على تكاثر الخلايا، وبالعكس تنقرض حالما تشعر بتخلي النحال عنها.

يملك منير 60 صندوقاً، في كل صندوق 8 خلايا نحل، وينتج العسل سنوياً، إلا أن إنتاجه تراجع نسبياً بفعل عوامل بيئية وتغيرات مناخية، بالإضافة إلى تدهور العملة، وارتفاع أسعار المشتقات النفطية، ووعورة الطرق وبُعد المسافات، لافتاً أن هذه المعوقات تؤثر على النحال، وتزيد من خطر تهديد ثروته بالانقراض.

المراعي في صنعاء بحسب الفتاحي، تتأثر بالجفاف وتقلبات الطقس، فتقل الزهور والثمار في الأشجار الحديثة، فيما تواصل الأشجار المعمرة الإثمار، وهذا يزيد من أهمية تواجدها كمراعٍ نحلية، لكن تنامي ظاهرة التحطيب بات تشعر النحالين بالقلق.

وعلى الرغم من الصعوبات التي تواجه النحال اليمني، فإن الأخير يتصف بالكفاح والمكابرة، ويسعى للحفاظ على مصدر رزقه، وإن كلفه الكثير من الجهد والتعب، ويضيف الفتاحي بأن "مهنة الأجداد" تتعرض للاندثار وسط ظروف الحرب، وما تعيشه البلاد من أزمات وكوارث قد تؤدي إلى انقراض هذه الثروة.

وتشير دراسة خاصة بمركز صنعاء للدراسات إلى أن النحالة اليمنيين يواجهون في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثي ضغوطاً إضافية، نتيجة مطالبتهم بدفع زكاة على النحل والعسل. وأوضحت الدراسة أن القانون اليمني لسنة 1999، حدد نسبة الزكاة المستحقة وفقاً لعدد كيلوغرامات العسل التي ينتجها النحالون سنوياً، لكن مؤخراً تُجبى الزكاة وفق كمية طوائف النحل التي يمتلكونها، وهذه إشكالية حقيقية نظراً لأن طوائف النحل قد تنتج في بعض السنوات كمية قليلة من العسل، وقد لا تنتج على الإطلاق.

وسط تقلبات جوية شديدة سببها تغير المناخ، يبحث نحالون يمنيون عن ظروف مثلى للنباتات والزهور على مدار العام، وبالتالي إنتاج كميات جيدة من العسل. علي مبارك (55 عاماً)، أحد وجهاء قبيلة القيسي بجزيرة سقطرى يعمل في تربية النحل، ويمتلك 30 صندوقاً، ويسعى لتجهيز مزرعة وتوسيع مشروعه الخاص بتنمية ومضاعفة أعداد النحل، وصناعة العسل.

يقول القيسي إن النحل في سقطرى يستقر ويتكاثر بشكل كبير خلال الشتاء والصيف، مستثنياً بعض المناطق والأماكن التي تعاني من تغيرات وتقلبات في درجات الحرارة والبرودة.

ويضيف أن النحل يتأثر برياح الكوس الموسمية الصيفية، وخلالها يلجأ النحالون السقطريون لنقل صناديق النحل إلى أماكن آمنة، ليتمكن من الخروج إلى المراعي والعودة بسلام.

ويشير إلى أن العديد من الأعاصير مثل تشابلا وميج اللذين حدثا عام 2015، خلفت أضراراً كبيرة في المناحل على مستوى سقطرى، ويقول: "مسحت المياه عدة خلايا جبلية مكونة من جروف وثقوب الشجر العملاقة، وكذلك ردمت مياه الوديان بعض الخلايا إلى الأبد، وأسقطت رياح العواصف بعض الأشجار المسكونة بالنحل".

الدكتور عبد الله ناشر، وهو باحث أكاديمي في كلية الزراعة في جامعة صنعاء، والرئيس المؤسس للرابطة التعاونية للنحالين اليمنيين، يقول لرصيف22: "أثرت التغيرات المناخية بشكل كبير على قطاع النحل، ومن أبرز هذه التأثيرات تغيير مواعيد التزهير. الناس حفظت مواعيد تزهير الأشجار بالتوارث من الآباء والأجداد. لكن اليوم يذهب النحال إلى منطقة الرعي في الموعد الذي يريده، ولا يجد الزهر".

ليس بالضرورة أن تعني التغيرات المناخية قلة الأمطار، بل قد تكون العكس حد قول ناشر، الذي أوضح بأن الأمطار في اليمن انقطعت قبل ثلاث سنوات في مواسم هطولها وتأخرت عن موعدها، ثم نزلت كميات كبيرة جداً، وتسببت بخسائر فادحة للنحالين، نتيجة تواصل نزول الأمطار، وفقدانهم الأزهار.

وودفع ارتفاع سعر المشتقات النفطية والنقص الحاد في الغاز المنزلي، معظم الأسر اليمنية للعودة إلى الطرق القديمة في استخدام الحطب، وتضاعفت ظاهرة التحطيب خلال سنوات الحرب، الأمر الذي شكل ضغطاً على البيئة النباتية، وعلى أشجار شوارع المدن.

ووصلت هذه الظاهرة لغابات المانجروف على ساحل البحر الأحمر، ومحمية جزيرة كمران، وجزيرة سقطرى، وتفيد معلومات الهيئة العامة لحماية البيئة بأن اليمن يفقد ما يزيد عن 860 ألف شجرة سنوياً بسبب التحطيب، وهذا ينعكس سلباً على قطاع النحل.

ومن الأشجار التي تتعرض للتحطيب، شجرة السدر، وفي مناطق تسمى "العِلب"، وهي إحدى أهم الأشجار انتشاراً في اليمن، وتمتاز بقدرتها على تحمل الجفاف ودرجات الحرارة العالية. يُكثر تواجدها في المناطق الجبلية، وتمثل مراعٍ نحلية جيدة، وينتج منها عسل السدر، الأكثر شهرة ورواجاً في اليمن.

ويقول ناشر إن عملية الاحتطاب كانت في البداية وسيلة بديلة للغاز المنزلي، لكن للأسف تحولت إلى مهنة ولم تعد مسألة احتياج، فالكثير من الناس أصبحوا يمارسون تجارة الحطب بشكل مضر بالبيئة اليمنية

ويتساءل بقلق: "عندما يقتطع الحطّاب شجرة سدر عمرها 400 سنة، كم تحتاج من الوقت لتنمو من جديد؟". ويتابع: "على الناس إيقاف هذا التدهور. نحن في رابطة النحالين اليمنيين، خاطبنا الجهات المعنية ومجلس النواب، وبدورها رئاسة المجلس خاطبت وزارات الإدارة المحلية والزراعة، لكن للأسف الشديد لا يوجد معالجات جدية حتى الآن".

وفي ظل عدم وجود تدخلات فورية تمنع احتطاب أشجار السدر، فإنه من المتوقع أن يصبح عسل السدر اليمني الذي اكتسب شهرة عالية، ومكانة تاريخية، "في خبر كان" حد تعبير المتحدث.

إلى ذلك، فاقم الاستخدام العشوائي للمبيدات الحشرية في اليمن، حدة التهديدات على النحل المسؤول عن تلقيح النبات والمحاصيل الغذائية، فهذه السموم تؤثر بشكل سلبي على النحل، وقد تتسبب بموته مباشرة أو عن طريق نقله للرحيق وحبوب اللقاح المعرضة للمبيد.

الدكتور عبد الله ناشر يؤكد أن تسمم النحل من أكبر المشكلات بعد الاحتطاب، فالنحالة اليمنيون لا يذهبون إلى الرعي بجوار المزارع المرشوشة بالسموم، لكن يحدث ذلك أثناء الترحال، فيمرون ضمن مناطق عابرة بجوار مزارع مرشوشة بالمبيدات، وبالتالي يتعرض النحل للتسمم.

 

ويشير إلى أن عملية رش المحاليل بدون إخبار النحالين، تلزم المزارع بتحمل الخسائر. وحسب شهادات مربيي نحل، فإن حملات مكافحة الجراد التي نفذتها وزارة الزراعة والري في صنعاء خلال الأشهر الأولى من العام 2022، وكذلك حملات مكافحة بعوض الملاريا في مختلف المناطق، تسببت بكثير من الأضرار لطوائف النحل، وهذا مخالف لنص القرار الوزاري الذي يقضي بإشعار النحال قبل خمسة أيام من رش المبيدات والسماح له بأخذ الاحتياطات اللازمة.

وتعد مهنة إنتاج العسل تجارة مربحة ومصدر دخل لآلاف الأسر اليمنية، إذ يعمل ما يزيد عن 100 ألف نحال يمني في هذه المهنة التقليدية المتوارثة عبر الأجيال، وينتجون نحو 1500 طن من العسل سنوياً، وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة، لكن هذا الإنتاج بات مؤخراً يشهد تذبذباً كبيراً.

وتذكر الأرقام الحكومية، أن إنتاج اليمن للعسل كان 5000 طن عام 2012، بإيرادات سنوية بلغت أكثر من 16 مليون دولار في ذلك الوقت، الأمر الذي يثبت ضعف قدرة الإنتاج خلال السنوات العشر الماضية.

بالإضافة إلى ذلك، يواجه العسل اليمني صعوبة في التصدير إلى العالم، نتيجة القيود المفروضة على حركة التجارة الخارجية، وإغلاق المنافذ الحدودية لليمن، التي قيدت تصدير المنتجات إلى خارج البلد.

المصدر: عدن الغد

كلمات دلالية: فی الیمن إلى أن

إقرأ أيضاً:

من يجبر نتنياهو على وقف الحرب؟

أحدثت المناظرة بين الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن والسابق دونالد ترامب، المتنافسين عن الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الانتخابات الرئاسية التي ستجري في  تشرين الثاني القادم، صدمة في صفوف الحزب الديمقراطي الساعي للبقاء في البيت الأبيض لولاية تالية، وذلك على ضوء الأداء الباهت لمرشحه بايدن، ولم يكن السبب في ذلك يعود إلى قوة منافسه ترامب، بقدر ما كان يعود إلى ضعف ووهن وشيخوخة الرئيس بايدن، والذي ظهر بأنه يكابر وحتى انه يغامر كثيرا في إصراره على الترشح عن الحزب الديمقراطي، وهو نفسه الذي كان يتحدث في الانتخابات التي جرت قبل اربعة أعوام، عن انه لن يترشح لولاية ثانية يسمح بها الدستور الأميركي، هكذا فإن الصورة التي تقدمها أميركا وهي تتأرجح خلال ثمانية أعوام، اربعة منها مضت وأربعة أخرى قادمة بين عجوزين، فترامب لا يصغر بايدن البالغ من العمر 81 عاما، كثيرا، بل فقط بثلاث سنوات، تظهرها وكأنها قد باتت في شيخوخة لا تسمح لها بالإصرار على زعامة العالم.

إن صدمة الحزب الديمقراطي يمكن أن تدفعه إلى تجاوز بايدن بتقديم مرشح آخر، قد يكون هو نائبة الرئيس كامالا هاريس، وعلى الأغلب لن يقوى على تنفيذ تلك الخطوة، بل سيحاول أن يعتمد ليس على قوة بايدن بل على نواقص ترامب، خاصة ما يتعلق بمشاكله مع القضاء، سواء تلك التي هو متهم فيها بالتهرب الضريبي، أو بمشاكل أخلاقية مع ممثلات إباحية، أو حتى بما ارتكبه خلال ولايته كرئيس سابق، ظهر كمعاد للديمقراطية، خاصة وهو يحرض على اقتحام الكابيتول، ورفض نتائج الاقتراع، وقد يكون الحزب الديمقراطي قد تأكد من أن الوقت قد نفد، وان عليه أن يقلل من الخسائر بقدر ما يمكن اكثر من التركيز على الفوز بالاحتفاظ بالبيت الأبيض اربع سنوات أخرى، ونقصد ألا يعيد أغلبيته قبل سنوات في الكونغرس، تحديدا في مجلس النواب، فيما هو حاليا يتمتع بأغلبية في مجلس الشيوخ متحققة بفضل كون نائبة الرئيس عضوا في المجلس.

أيا تكن النتيجة، فإن حال أميركا مع بايدن وقبله ترامب، ثم مع بقاء بايدن أو عودة ترامب، ليس افضل حالا من حال إسرائيل العالقة بثوب بنيامين نتنياهو المهترئ، كما قلنا واستخدمنا هذا الوصف في مقال لنا سابق، فالرجلان كلاهما، أي بايدن وترامب ليسا عجوزين وحسب، بل محافظان ينتميان إلى جيل الحرب الباردة، ويؤمنان "بتفوق" أميركا، وما زالا يعتقدان بإمكانية أن تواصل سيطرتها بالقوة على العالم، بما في ذلك حماية إسرائيل كدولة مارقة، وكدولة استعمارية تحتل أرض الغير، وتخرج عن القانون الدولي لدرجة أن ترتكب حرب الإبادة الجماعية وجرائم الحرب مكتملة الأركان، ولا يستجيبان (بايدن وترامب) لا للمتغيرات الكونية ولا حتى للتطورات الداخلية التي ظهرت خلال شهور حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، ونحن نقصد هنا التظاهرات التي شهدتها العاصمة والمدن الأميركية، ومن ثم الجامعات الأميركية والتي ذكرت بمعارضة الحرب في فيتنام، والتي فتحت الباب أمام الخروج الأميركي منها.

أما في المدى القصير، فإن عدم يقين الحزب الديمقراطي من فوز مرشحه الرئيس بايدن، سيفرض عليه أن يبذل جهدا مضاعفا، من أجل التشبث بفرصة البقاء في البيت الأبيض، وهذا لا يقتصر على تقديم أدلة الولاء والطاعة للوبي الصهيوني، وقد حرص بايدن خلال المناظرة مع ترامب على شرح تفاصيل ما قدمه لإسرائيل من خدمات عسكرية وسياسية خلال حربها على غزة، لأنه يدرك بأن إسرائيل خاصة في ظل حكم اليمين المتطرف وفي ظل حكومة نتنياهو الحالية بالتحديد تفضل خصمه، ليس لأنه ترامب، بل لأنه هو بايدن، الذي وجد نفسه بين نارين، نار الولاء لإسرائيل، ونار الحفاظ على أصوات الديمقراطيين، خاصة مع تزايد النزعة الإنسانية داخل الحزب، التي تعارض استمرار الانحياز التام لإسرائيل، حتى والعالم كله يدينها، فيما لم يواجه ترامب  هذه المشكلة، رغم أن الجمهوريين يعرفون بأنه يحمل بداخله ضغينة لنتنياهو لأن الأخير سارع إلى تهنئة بايدن بفوزه في الانتخابات السابقة.
ورغم أن بايدن ما زال يصر على إمكانية حصوله على الورقة التي ستزيد من فرصة بقائه في البيت الأبيض، وهي "تحرير المحتجزين" الأميركيين الخمسة والإسرائيليين من قبضة "حماس"، وذلك رغم قناعته بأن نتنياهو لا يريد الصفقة، وبعد أن اعلن بايدن ومسؤولو إدارته اكثر من مرة أن نتنياهو هو من يعرقل الصفقة، كانت محاولة بايدن اعتماد الخديعة، خديعة "حماس"، لاقتناص ورقة الصفقة، حين اعلن إطارها العام، ثم أخذ "ختم" مجلس الأمن عليها، وذلك لفرضها على نتنياهو، الذي اعلن رفض مضمونها، وأصر وما زال يصر على انه يوافق فقط على المرحلة الأولى من الخطة، التي تتضمن إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين مقابل وقف مؤقت لإطلاق النار، كما حدث في صفقة تشرين الثاني الماضي، وبالتالي هو يرفض صفقة من 3 مراحل متواصلة تنتهي بوقف الحرب.
وما يحاوله بايدن منذ نحو شهر، هو الادعاء بأن إسرائيل وافقت على الخطة، رغم تصريحات نتنياهو، وان "حماس" هي من تمنع وقف الحرب، وذلك ليصد الضغط الدولي والداخلي الشعبي وحتى الرسمي من قبل معظم دول العالم التي تطالب بوقف الحرب، وكانت أميركا تجهض محاولات مجلس الأمن المطالبة بوقف الحرب، بحجة أنها تدير مفاوضات الصفقة، لكن ها هي الصفقة لا تحقق شيئا، وهكذا تستمر الحرب.

لقد قدم بايدن لنتنياهو خلال تسعة شهور من الحرب، 14 ألف قنبلة ضخمة، خارقة للتحصينات، وكل ما لديه من دعم استخباراتي، وطبعا إضافة للحماية السياسية من الضغط الدولي، الذي كان يمكنه لولا الموقف الأميركي الداعم لإسرائيل، إن يفرض وقفها، أو على الأقل فتح الأبواب أمام المساعدات الإغاثية، أما ما منعه فكان شحن قنابل تزن اكثر من 2000 رطل، لما تحدثه من مجازر بحق المدنيين، هذه التي شهّر نتنياهو ببايدن استنادا لها، فإن بايدن يراجع، اليوم، ذلك الموقف، رغم أن الدستور الأميركي بجانبه من حيث انه يفرض عليه أخذ موافقة الكونغرس على كل صفقة سلاح.

لكن كما كان حال حزب العمل الإسرائيلي، من حيث انه حين كان في الحكم في إسرائيل يكون اكثر قدرة من "الليكود" واليمين على شن الحروب، ذلك أن اليمين يدعمه حين يظهر اكثر منه تشددا وتطرفا، في حين يكون "الليكود" اكثر قدرة على عقد اتفاقيات السلام، بدليل بقاء كامب ديفيد مع مصر بعد نحو نصف قرن، فيما أوقف اليمين أوسلو بعد سنوات قليلة من عقدها، كون اليسار (حزب العمل وميرتس) هو من عقدها مع الجانب الفلسطيني، نقول، إن حال الأميركيين يشبه حال الإسرائيليين، فالجمهوريون شدوا على يد بايدن وهي تشارك نتنياهو في ارتكاب جرائم الحرب، فيما كانوا يقفون عقبة في طريق دعمه لأوكرانيا مثلا، لدرجة انه اضطر أن يجمع بين رغبته في تقديم الدعم العسكري والمالي لأوكرانيا بالدعم العسكري والمالي لإسرائيل، حتى يمر مشروع القرار في الكونغرس، حيث أغلبية النواب من الجمهوريين.

وقادة الحزب الجمهوري خاصة في الكونغرس، بالتحديد في مجلس النواب، هم صهاينة مسيحيون لا يقلون تطرفا عن اليمين الإسرائيلي، بل منهم من طالب بحرق غزة بالكامل، ومنهم من طالب بمعاقبة المحكمة الجنائية الدولية لأن المدعي العام البريطاني الجنسية فيها، تجرأ وطالب قضاة المحكمة بإصدار مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو ويوآف غالانت، وهذا رغم أن طلب المدعي العام، تضمن إصدار ثلاث مذكرات مترافقة مع مذكرتي الاعتقال بحق الإسرائيليين، وذلك بحق قادة "حماس".

وبعد أن قاد مجرمو الحرب من قادة إسرائيل الحاليين حرب الإبادة لمدة تسعة اشهر، رغم أن أحدا، حتى بايدن ما كان سيقتنع بمنحهم هذه الفترة لشن هذه الحرب، وذلك عبر التدرج في تمرير الوقت، فإن نتنياهو الذي يحرص جدا على استمرار الحرب إلى ما لا نهاية، سيقود بايدن الذي سيجد نفسه خلال الأشهر القادمة غارقا في بحر الانتخابات، للاستسلام للأمر الواقع الذي يفرضه نتنياهو، وقد بدأت آلة حربه الإعلامية تقول، إن تبديد "حماس" سيحتاج إلى عامين آخرين، وان تحويل غزة إلى منطقة لا تهدد إسرائيل سيحتاج جيلا كاملا، أي إلى عشرات السنين، كل هذا حتى تسمح إسرائيل "بحكم" محلي أو ذاتي، لقطاع غزة، وهدف إسرائيل في حقيقة الأمر، إضافة إلى إغلاق باب الحل السياسي مع الفلسطينيين، هو استمرار الحرب حتى تحقق هدفها بجر أميركا وإيران للمواجهة العسكرية، بما يضمن لإسرائيل قطع طريق ايران على أن تكون منافسا إقليميا لها.   

(الأيام الفلسطينية)

مقالات مشابهة

  • اليمن ينظم الصيد في أعالي البحار لمواجهة غلاء الأسماك
  • وسط تحذيرها من محاولات العبث بالاقتصاد اليمني.. أي قواعد اشتباك تفرضها صنعاء؟
  • وقف الحرب والقرار الإنتحاري
  • هل فكّ العلماء لغز أشجار الباوباب التي يبلغ عمرها 1000 عام؟
  • شمع العسل يُطيل عمر الأطعمة
  • من يجبر نتنياهو على وقف الحرب؟
  • نحلة تسبب إصابة خطيرة لخمسيني بسبب لدغة (تفاصيل)
  • مقدمات نشرات الاخبار المسائية
  • في حالة نادرة.. نحلة تلدغ رجلا في عينه وتترك مضاعفات خطيرة
  • منع الاختلاط ومواجهة الحرب الناعمة.. الحوثيون يشرعنون دعشنة اليمن