ثورة 14 تموز 1958 في ذكراها الخامسة والستين.. مالها وما عليها
تاريخ النشر: 14th, July 2023 GMT
د. سعد ناجي جواد تمر اليوم ذكرى قيام ثورة 1958 التي أنهت النظام الملكي في العراق وبدأت المسيرة الجمهورية. هذه الثورة التي حصلت على تأييد شعبي غير مسبوق لا يمكن تفسيره سوى بانه مثل عدم رضى واسع عن النظام الملكي. ورغم مرور كل هذه السنين الطويلة مازال الجدل يدور حولها بين مؤيد ومختلف. ابتداءا يمكن القول ان اهم ما يميز الجدل حولها، (خاصة بالنسبة للمنتقدين)، انه في الغالب يأخذ شكلا عاطفيا، ويمثل ظاهرة تعرف (بالحنين الى الماضي)، خاصة بالنسبة للأشخاص الذين لم يعيشوا الفترة المعنية او الذين تضرروا من زوالها.
(23 سنة)كان ما يزال في مقتبل عمره، ولم تسجل عليه اية جريمة تستوجب هذا القتل. والأبشع ان جريمة ذلك اليوم طالت كل نساء العائلة المالكة، ومن كافة الإعمار، اللواتي خرجن مع المرحوم الملك فيصل الثاني وهن يحملن نسخ من القران الكريم، واحداهن كانت تضعه فوق راْسه.
المحاججة الاولى التي يتمسك بها معارضو الثورة (الانقلاب بالنسبة لهم) ان العراق الملكي كان قد بدا خطوات مهمة في مجال التنمية وتسخير موارد البلاد لبناء مشاريع كبيرة لا زالت تخدم العراق لهذا اليوم، ويؤكدون لو ان تلك المسيرة قد استمرت لاصبح العراق من اكثر الدول المتطورة في المنطقة، وهو كان اصلا في تلك الفترة اكثر تطورا وتقدما من كل دول المنطقة، وهذا راي صحيح ١٠٠٪. كما انهم يضيفون ان النظام الملكي اعتمد الكفاءة في شغل المناصب العامة، واتسم بالهدوء والاستقرار والأمن، وهذا الكلام صحيح جدا ايضا. ولكن اصحاب هذا الرأي يغفلون أموراً كثيرة يمكن اعتبارها اهم أسباب التغيير. اول هذه الاسباب هي الحالة الاقتصادية والفرق بين الاغنياء والفقراء، وتنمر النظام الاقطاعي وشموله برعاية الحكومة انذاك. ثانيا اصرار الطبقة الحاكمة، وخاصة المرحومين توري السعيد والأمير عبد الإله الوصي على العرش، على البقاء في الحكم وعدم السماح لوجوه جديدة بالوصول اليه او المشاركة فيه، بل لم يسمح الاثنان حتى للملك الشاب بان ياخذ دوره، وهذان الأمران هما ما ادراكهما المرحوم الملك حسين في الاْردن منذ مقتبل عمره واستطاع ان ينجو بالحكم عن طريق التغيير المستمر في الوجوه التي يعهد لها برئاسة الوزارة او الوزراء. ثالثا وهو الأهم ان كل من نوري السعيد وعبد الاله أصرا على التعامل بالدم مع معارضيهم، (تنفيذا لرغبات بريطانية)، وبالتالي فان عمليات إعدام أولئك المعارضين وتعليق جثثهم في الأماكن العامة، أوغرت قلوب معارضي النظام الملكي بالحقد والرغبة في الانتقام لأرواح رموز وطنية حتى لم تكن تعمل اصلا على ازالة النظام الملكي. رابعا هو اصرار الشخصين، وبالذات نوري السعيد على منع الأحزاب المعارضة من الوصول الى البرلمان عن طريق الانتخابات حتى وان كانت بسيطة، وذلك عن طريق تزوير الانتخابات او الغائها اذا تطلب الامر. الظاهرة الظريفة فيما يخص اصحاب الرأي الذين يحنون الى الملكية انهم من اكثر المعجبين بأغاني وفن المطرب العراقي الساخر والذكي المرحوم عزيز علي ويتداولون أغانيه بصورة مكثفة، وجميعها في حقيقتها هي نقد لاذع للأوضاع والماسي التي كانت تحصل في ظل النظام الملكي.
فيما يخص النظام الجمهوري، فلقد انقلب الناس ايضا بين مؤيد له، وكانوا غالبية في البداية، وقلة ناقمة عليه، وفي احيان كثيرة بصورة عاطفية. هناك حقائق يجب ان تثبت بعد هذه الفترة الطويلة. ابتداءا فان مجموعة الضباط الأحرار التي خططت للثورة او الانقلاب لم يكن يجمعها، باستثناء الرغبة في إسقاط النظام الملكي (والتخلص من الكبار الثلاثة)، على حد تعبيرهم (الملك والوصي ونوري السعيد)، اي رابط اخر. وهذا الهدف الأخير (قتل الثلاثة) كان قاسما مشتركا ولم يعترض عليه احد من بينهم، مهما اشيع وقيل فيما بعد من قبل بعضهم كنوع من التخلص من وخز الضمير، او للتنصل من جريمة قتل الملك بالذات. ثانيا ان الحركة لم تكن لتنجح لولا اندفاع او شجاعة او تهور، سمها ما شئت، المرحوم عبد السلام عارف. وكل الآخرين لم يمتلكوا جرأته على القيام بمثل هذا العمل الضخم وبقوات قليلة جدا. (الطريف ان عبد السلام بعد ان قام بذلك العمل الكبير وجد نفسه بعد شهرين ونصف تقريبا، محكوما بالإعدام من قبل الأشخاص الذين أوصلهم للحكم، وفي زنزانة منفردة بتهمة التآمر على قلب النظام!). رابعا ان المرحوم الزعيم عبد الكريم قاسم بدا بداية جيدة عندما اعتمد مبدأ الكفاءة في اختيار وزارته الاولى، وفي هامش الحرية الذي وفره للأحزاب والصحافة. واكتسب شعبية كبيرة غير مسبوقة، وخاصة من قبل الفقراء والكادحين، الذين اعتبروه منهم ومحققا لأمانيهم. ولكن اعتماده على الحزب الشيوعي والحزب الديمقراطي الكردستاني والسماح لهم بارتكاب جرائم كبيرة أفقده تأييد التيار القومي، ثم بسبب نهجه سياسة فردية تركه اتباع الحزب الديمقراطي الكردستاني، ثم العديد من قيادات الحزب الشيوعي، ناهيك عن فقدانه لتأييد الأحزاب الاخرى، وخاصة حزب البعث الذي وصل الامر به لكي ينفذ عملية جريئة لاغتياله وسط شارع الرشيد في بغداد. كما لا يمكن لاحد ان ينكر ان قاسم بدا حملة مشاريع كبرى، كان أهمها مشاريع الإسكان لذوي الدخل المحدود، وهذا ما زاد من شعبيته بين الفقراء. طبعا الكثير من مؤيديه يتحدثون عن نزاهته وعفته وانه مات ولم يكن يملك دارا للسكن وكان يعيش في ما يعرف بالعراق ب (مشتمل) وهي دار صغيرة ملحقة بدار اكبر، كانت مملوكة للدولة، وظل فيها حتى مقتله. وهذه حقيقة معروفة، ولكن للحقيقة وللتاريخ فان صفة النزاهة هذه لم تكن حكرا على عبد الكريم قاسم فقط، وإنما كانت صفة عامة اتصف بها كل ضباط ورجالات الحكومة في تلك الفترة.
مؤيدو قاسم يهملون الأخطاء الكبيرة التي ارتكبها، والتي تمثلت في إعدام رفاقه الضباط، ومن بينهم من كان مؤسسا للحركة وضمه اليها، والسكوت عن المذابح التي جرت في الموصل وكركوك، وتفشي ظاهرة السحل في كل المدن العراقية، والفشل في القضاء على التمرد الذي بداءه رؤساء العشائر الكردية من الاقطاعيين ضد قانون الإصلاح الزراعي، وفشله في التعامل مع المشكلة الكردية بوسائل سلمية بعد ان تضخمت واخذت صبغة حركة قومية، واصراره على استعمال الجيش في عمليات غير حاسمة، حتى اتهم بانه أراد فقط ان يبعد الجيش عن العاصمة لكي لا ينقلب عليه، وبانه لم يكن يهتم بمسالة القضاء على الحركات المسلحة.
الملاحظة الاخرى ان قاسم بدا يتحول الى الفردية بعد عام من وصوله للحكم، وانتهى الامر بنظامه ان يكون معزولا وعلاقاته الدبلوماسية مقطوعة، او شبه مقطوعة مع اغلب الدول العربية. ابتداءا من مصر (الجمهورية العربية المتحدة) وانتهاءا بلبنان، بسبب اعتراف الاخير بدولة الكويت عندما استقلت عام 1961. وهذا الإجراء شمل ايضا كل دولة فعلت ذلك. وللإنصاف ايضا ان من بادر الى توتير العلاقة بين العراق ومصر لم يكن قاسم لوحده عندما رفض فكرة الانضمام للوحدة التي كانت تضم مصر وسوريا انذاك، وبتأثير كبير من الحرب الشيوعي، وبسبب رغبته في التمسك بالحكم، وإنما لعبت قيادة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، مع الاسف الشديد، دورا في ذلك، في وقت كان يمكنها ان تحتوي ذلك الخلاف نظرا لاهمية العراق في تلك الفترة في الجبهة المناهضة للاستعمار، والذي اثبته قاسم من خلال إنهاء النفوذ البريطاني واخراج العراق من حلف بغداد ودعمه الكبير للثورة الجزائرية انذاك. اما الدور الاسوأ في توتر العلاقة بين العراق ومصر فلقد لعبه الاعلام المصري، وخاصة إذاعة صوت العرب التي لم تترك اسلوبا او مثلبة او كذبة الا ونشرتها للتأليب على نظام عبد الكريم قاسم وعليه شخصيا.
في نهاية المطاف اصبح عبد الكريم قاسم ونظامه معزولين داخليا وخارجيا، وفي الأشهر الاخيرة من حكمه عجز حتى عن ايجاد بدلاء للوزراء الذين كانوا يقدمون استقالاتهم الواحد تلو الاخر، وأصبح كل واحد من الوزراء الباقين في حكومته يدير اكثر من وزارة وكالة، وكانت طريقة تعامله مع الوزراء سببا في سعيهم للاستقالة، (مثلا كان يجتمع معهم بعد الثانية عشرة ليلا وحتى الصباح في جلسات لم يكونوا يسمعوا فيها غير حديثه او اخر خطاباته المطولة).
وتبقي نقطة مهمة تستحق الإشارة. يحلو للبعض اتهام الثورة بانها من (صنع الإنكليز) حسب التعبير العراقي الدارج. وهذه التهمة لم يظهر من وثائق وادلة ما يؤيدها بعد كل هذه السنين. لكن ما يمكن تأكيده ان نظام قاسم تعرض بصورة غير مباشرة لمؤامرة بريطانية-أمريكية واضحة قادتها شركات النفط، وتمثلت في دعم الاعمال المسلحة في شمال العراق وتمويل الحركات المعارضة للنظام الجمهوري الاول. وذلك لسببين: الاول قرار رقم 80 التاريخي الذي أنهى حرية الشركات النفطية الأجنبية في التنقيب على النفط في كل أنحاء العراق، وحصرها في الحقول التي كانت تعمل فيها فقط، وهذا نتج عنه حرمان الشركات من حقول نفطية عملاقة، وثانياً مطالبته بالكويت ومحاولته ضمها للعراق، مما أضاف تخوفا اخر من مخططاته التي تضر بالمصالح البريطانية والأمريكية.
في الخلاصة النهائية ان فترة حكم عبد الكريم قاسم مثلت نموذجا لفشل الانظمة العسكرية، حتى وان حققت بعض الانجازات، وانه هو شخصيا اضاع فرصة ذهبية لتحقيق ديمقراطية، او نوع بسيط منها، لو انه قام، كما وعد، بإعادة الجيش الى ثكناته وتسليم الحكم لجبهة الاتحاد الوطني التي كانت تشمل كل الأحزاب السياسية الوطنية انذاك، والتي كانت تمثل معارضة مدنية وشعبية للنظام الملكي. او لو انه أنهى بسرعة (الفترة الانتقالية)، التي أعلن بانها ستكون الأقصر في التاريخ، والتي بالنتيجة استمرت طوال فترة حكمه، وأجرى انتخابات نزيهة. او لو انه شكل حزبا سياسيا لنفسه يضم العدد الهائل من مناصريه لكي ينقل البلاد الى حكم مدني. لكنه للأسف لم يفعل ذلك وترك الباب مفتوحا للمغامرين من الضباط والمنافسين لكي يُدخِلوا العراق في دوامة الانقلابات العسكرية، ولتكون نهايته كنهاية معارضيه، القتل وبصورة بشعة.
في الختام، ومهما كان التقييم لذلك الحدث التاريخي، وسواء كنا معه او ضده، الا انه من المؤكد فان تاريخ 14 تموز سيبقى يمثل فشل الانظمة التي شكلتها الدول الاستعمارية من ناحية، ومن ناحية اخرى سيبقى يؤرخ لبداية العنف، ومحاولات الوصول للسلطة بالقوة، والأخطر فان الحدث اشر بداية مرحلة استسهال القتل والاغتيالات واستباحة الدم العراقي من قبل كل الاطراف، حزبية كانت ام عسكرية، رسمية او معارضة، وهي الحالة التي فتحت مجرى الدم العراقي الذي مازال مستمرا الى يومنا هذا. كاتب واكاديمي عراقي
المصدر: رأي اليوم
كلمات دلالية: التی کانت لم یکن لم تکن من قبل
إقرأ أيضاً:
هو شي منه قائد ثورة فيتنام ضد فرنسا وأميركا
أحد أبرز رواد حركة مناهضة الاستعمار بعد الحرب العالمية الثانية، عُرف بدوره المحوري في مقاومة الاستعمار الفرنسي والغزو الأميركي، أسس الحزب الشيوعي الفيتنامي عام 1930، وقاد تأسيس رابطة الفيت مينه عام 1941، وترأس جمهورية فيتنام الديمقراطية (فيتنام الشمالية) منذ إعلان استقلالها عام 1946 وحتى وفاته عام 1969.
المولد والنشأةوُلد هو شي منه يوم 19 مايو/أيار 1890، بقرية كيم ليين التابعة لبلدية نام ليين (أصبحت تُعرف بـ "كيم ليين")، بمحافظة ني آن شمالي البلاد.
عُرف في فترة طفولته باسم "نغوين سينه كونغ"، ثم اتخذ لاحقا أثناء مسيرته الدراسية اسم "نغوين تات ثانه"، قبل أن يعرف باسم "نغوين آي كووك" في سنوات نضاله الثوري.
نشأ في أسرة تجمع بين عمق الثقافة الريفية والتزامها الوطني؛ فوالده، عالم في الأدب الكلاسيكي الصيني، بينما كانت والدته مزارعة، وكان شقيقه وشقيقته من أوائل المنخرطين في المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي.
تلقى "هو شي منه" تعليمه الثانوي في مدينة هوي، ثم تولى إدارة مدرسة محلية في فان ثيت، قبل أن يتابع تكوينه الفني في معهد تقني بمدينة سايغون.
وفي الفترة بين عامي 1934 و1938، التحق بمعهد الأبحاث في المشاكل الوطنية والاستعمارية في موسكو (الاتحاد السوفياتي)، وهناك تلقى تكوينا أكاديميا عميقا في قضايا التحرر الوطني والثورة الاجتماعية، واستمر في متابعة وتوجيه الحركة الثورية الفيتنامية.
التجربة العمليةبدأ هو شي منه مسيرته العملية عام 1911 بالعمل طباخا على متن باخرة فرنسية مدة أكثر من 3 سنوات، جاب أثناءها عددا من الموانئ في أفريقيا، وزار مدينتي بوسطن ونيويورك في الولايات المتحدة الأميركية.
إعلانوفي الفترة ما بين 1915 و1917، أقام في لندن، ثم انتقل إلى فرنسا، وتقلب بين مهن عدة، إذ عمل بستانيا وعامل نظافة ونادلا، إضافة إلى إشرافه على تشغيل الأفران.
بدأت مسيرة "هو شي منه" الثورية عام 1911، بعدما غادر فيتنام عبر ميناء "نها رونغ"، يوم 3 يونيو/حزيران 1911، بحثا عن طريقة لتحرير وطنه.
زار عددا من البلدان في آسيا وأوروبا وأميركا وأفريقيا، وعاش وسط العمال والفلاحين، مشاركا في الحركات الثورية لشعوب مختلفة، ومواصلا كفاحه الدؤوب من أجل استقلال فيتنام.
في الفترة بين 1917 و1923 نشط مع التيار الاشتراكي في فرنسا واشتهر باسم "نغوين آي كووك"، وشارك في تنظيم الفيتناميين المقيمين هناك. في 1919، وجه التماسا إلى مؤتمر فرساي وطالب فيه بحقوق متساوية للشعب الفيتنامي ضمن الاستعمار الفرنسي.
اعتنق الماركسية اللينينية عام 1920، لموقفها المناهض للاستعمار، وغيّر اسمه إلى "نغوين آي كووك" والتي تعني "نغوين الوطني".
انضم في ديسمبر/كانون الأول من العام ذاته إلى الشيوعيين الفرنسيين عقب انشقاقهم عن الحزب الاشتراكي أثناء مؤتمر تور، وساهم في تأسيس الحزب الشيوعي الفرنسي.
أطلق في فرنسا عام 1922 صحيفة "المستضعفون" التي دعت إلى تحرير الشعوب المستعمرة، وفي يونيو/حزيران 1923 انتقل إلى الاتحاد السوفياتي وعمل في صفوف الأممية الشيوعية.
انتخب عضوا في المجلس الدولي للفلاحين في أكتوبر/تشرين الأول من العام ذاته، وكان الممثل الوحيد للفلاحين المستعمرين في هيئة الرئاسة.
وصل في نوفمبر/تشرين الثاني 1924 إلى قوانتشو في الصين بصفته عضوا في اللجنة الشرقية للأممية الشيوعية وهيئة رئاسة الفلاحين الدولية.
وفي عام 1925 أسس جمعية الشباب الثوري الفيتنامي، وأشرف على تنظيم دورات تدريبية للكادر الثوري، وساهم في تأسيس "رابطة شعوب آسيا المضطهدة"، التي هدفت إلى توحيد حركات التحرر ضد القوى الاستعمارية.
إعلاننشر كتابين، الأول بعنوان "إدانة الاستعمار الفرنسي"، والثاني بعنوان "طريق الثورة"، نشره عام 1927 ووضع فيه خارطة طريق للتحرر الوطني والاجتماعي.
في 1927 وعقب طرد الشيوعيين من قوانغتشو، لجأ "هو شي منه" إلى موسكو، ومنها انتقل بين عدة دول أوروبية، شملت فرنسا وبلجيكا وألمانيا وإيطاليا، قبل أن يستقر في سيام (تايلاند)، حيث أمضى عامين ممثلا للأممية الشيوعية، لكن أتباعه بقوا في جنوب الصين.
تشكيل الحزب الشيوعيفي الفترة بين يوليو/تموز 1928 ونوفمبر/تشرين الثاني 1929، عمل في قيادة الحركة الوطنية الفيتنامية في الخارج. وترأس اجتماع تأسيس "الحزب الشيوعي الفيتنامي" في كولون (هونغ كونغ) في الثالث من فبراير/شباط 1930، وصاغ البرنامج السياسي والنظام الأساسي للحزب وأطلق نداء توحيد النضال الوطني، وبناء على نصيحة سوفياتية، اعتمد الحزب لاحقا اسم "الحزب الشيوعي الهندوصيني" في أكتوبر/تشرين الأول 1930.
تزامن تأسيس الحزب مع انتفاضات عنيفة ضد الاستعمار الفرنسي، مما أدى إلى ملاحقته، وصدر ضده حكم غيابي بالإعدام. وفي يونيو/حزيران 1931 اعتقل في هونغ كونغ 1931 بطلب فرنسي، وأُفرج عنه نهاية 1932 بفضل جهود أصدقائه الذين ساعدوه على الفرار إلى موسكو.
في أكتوبر/تشرين الأول عام 1938، غادر "هو شي منه" موسكو وتوجه إلى الصين، وتواصل مع منظمة الحزب الشيوعي استعدادا للعودة إلى وطنه. أثناء فترة إقامته، مكث بضعة أشهر مع "ماو تسي تونغ" الذي أصبح لاحقا رئيس جمهورية الصين الشعبية.
وفي عام 1940 وتزامنا مع الحرب العالمية الثانية، وهزيمة فرنسا أمام ألمانيا، أدرك "نغوين آي كووك" برفقة معاونيه "فو نغوين جياب" و"فام فان دونج" أن الظرف التاريخي ملائم لتعزيز الحركة الوطنية الفيتنامية، في هذه الفترة بدأ "كوك" يستخدم اسم "هو شي منه".
إعلانفي 28 يناير/كانون الثاني 1941، عاد هو شي منه إلى فيتنام، وعقد المؤتمر الثامن للجنة المركزية للحزب الشيوعي الهندي الصيني، وأسس رابطة استقلال فيتنام (الفيت مينه)، ونظم جيش التحرير الوطني.
في أغسطس/آب 1942، اتجه إلى الصين سعيا للتحالف الدولي وتنسيق الجهود المناهضة للفاشية في ساحة معركة المحيط الهادئ، لكن السلطات المحلية التابعة لتشيانغ كاي شيك، رئيس الحكومة الوطنية لجمهورية الصين آنذاك، اعتقلته في مقاطعة قوانغشي، وقضى عاما و14 يوما في السجن.
في تلك الفترة ألّف ديوان شعر بعنوان "مذكرات السجن"، ضم 133 قصيدة مكتوبة بالأحرف الصينية.
بفضل جهود حلفائه، تمكن "هو شي منه" من تأمين إطلاق سراحه عبر اتفاق مع "تشيانغ فا كوي"، أحد أمراء الحرب جنوب الصين، نص على دعم مصالح تشيانغ كاي شيك في الهند الصينية ضد الفرنسيين. وفي أعقاب ذلك، أُفرج عنه في سبتمبر/أيلول 1943، واستأنف نشاطه الثوري وعاد إلى فيتنام في سبتمبر/أيلول 1944.
في ديسمبر/كانون الأول 1944، أشرف هو شي منه على تأسيس فرقة الدعاية المسلحة لتحرير فيتنام، والتي أصبحت لاحقا "جيش التحرير الشعبي".
تأسيس جمهورية فيتنام الديمقراطيةفي عام 1945، اجتاح اليابانيون الهند الصينية، وسجنوا وأعدموا المسؤولين الفرنسيين، مما مهّد الطريق أمام القوى الوطنية للتحرك. وبعدما ألقت الولايات المتحدة قنبلتها الذرية على هيروشيما، استسلمت اليابان، مما أدى إلى تصفية أقوى خصمين "للفيت مينه".
استثمر هو شي منه هذه الفرصة الإستراتيجية، وتواصل مع القوات الأميركية وتعاون مع مكتب الخدمات الإستراتيجية "أوه أس أس" في العمليات المناهضة لليابانيين، بينما واصل مقاتلو "الفيت مينه" نضالهم المسلح، لا سيما في جبال جنوب الصين. وتزامنا مع ذلك، أشرف هو شي على القوات المسلحة الثورية بقيادة فو نجوين جياب التي زحفت نحو هانوي في أبريل/نيسان عام 1945.
إعلانفي 19 أغسطس/آب 1945 وتزامنا مع استسلام اليابان، دخل هو شي منه ومقاتلوه العاصمة الفيتنامية هانوي، وفي الثاني من سبتمبر/أيلول من العام ذاته، وقف أمام الجماهير في ساحة با دينه، معلنا تأسيس جمهورية فيتنام الديمقراطية (فيتنام الشمالية).
لاحقا، نظم "هو شي منه" انتخابات حرة أسفرت عن انتخاب أول جمعية وطنية في البلاد، أقرت أول دستور ديمقراطي، وانتخبته رئيسا للجمهورية عام 1946.
في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 1946، كلفته الجمعية الوطنية بتشكيل حكومة جديدة، فتولى منصبي الرئيس ورئيس الوزراء في الفترة من نوفمبر/تشرين الثاني 1946 إلى سبتمبر/أيلول 1955، إضافةً إلى منصب وزير الخارجية حتى عام 1947.
في 19 ديسمبر/كانون الأول 1946، أصدر نداء للمقاومة الوطنية ضد الاستعمار الفرنسي، للدفاع عن السيادة الوطنية وضمان استقلال فيتنام.
وفي 1951 أثناء المؤتمر الوطني الثاني للحزب الشيوعي الهندي الصيني، أُعلن رسميا عن تغيير اسمه إلى "حزب العمال الفيتنامي"، وانتُخب هوشي منه رئيسا للجنته المركزية.
وفي 1954 قاد هو شي منه المقاومة الشعبية ضد الاستعمار الفرنسي، وحقق نصرا تاريخيا في معركة "ديان بيان فو" التي وقعت بين قوات اتحاد تحرير فيتنام والجيش الفرنسي، وأنهت الوجود الاستعماري الفرنسي في فيتنام.
في أكتوبر/تشرين الأول 1956، أثناء المؤتمر المركزي الموسع العاشر، أعيد انتخابه رئيسا للحزب وأمينا عاما.
وأثناء المؤتمر الثالث للحزب في سبتمبر/أيلول 1960، أعيد انتخاب هوشي رئيسا للجنة المركزية، وانتُخب كذلك رئيسا لجمهورية فيتنام الديمقراطية أثناء دورتي الجمعية الوطنية الثانية والثالثة.
استمر في قيادة البلاد واللجنة المركزية لحزب العمال الفيتنامي ضد الغزو الأميركي، وأدار جهود الإصلاح الاشتراكي وبناء الاشتراكية شمال فيتنام حتى وفاته عام 1969.
إعلان الوفاةتوفي الرئيس هو شي منه في الثاني من سبتمبر/أيلول 1969 في هانوي، وأعلن عن وفاته في اليوم التالي.