يبدو أن مصر على موعد مع الحصول على تمويل مالي دولي جديد، في دعم دولي هو الأول لحكومة رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، بعد أيام من فوزه بولاية رئاسية جديدة؛ ما يدفع للتساؤل عن الثمن المفترض أن تدفعه القاهرة لقاء هذا التسهيل، ومدى ارتباط الأمر بالعدوان على قطاع غزة، والأدوار الدولية المطلوبة، لقاء هذا التمويل.



والأربعاء، أعلنت وكالة "بلومبيرغ" الأمريكية، عن اقتراب القاهرة من التوصل لاتفاق مع صندوق النقد الدولي لتوسيع برنامج التمويل والإنقاذ المالي إلى 6 مليار دولار من 3 مليارات جرى الاتفاق عليها نهاية العام الماضي، وذلك بالإضافة إلى تمويلات أخرى قادمة من شركاء آخرين.

وأشارت إلى أن حكومة السيسي، سوف تحصل على مزيد من الأموال من حلفائها الخليجيين، وفي أوروبا وأمريكا، مع وضع مصر بمركز الصدارة من الناحية الجيوسياسية وتحولها إلى بوابة لاستقبال المساعدات نحو قطاع غزة المحاصر، وسط حرب إسرائيل مع المقاومة الفلسطينية بقيادة "حماس".



وتواجه مصر أزمة شح دولار دفعتها لتخفيض عملتها 3 مرات من آذار/ مارس 2022 إلى كانون الثاني/ يناير 2023، ما أدى لتراجع قيمة الجنيه من 15.70 إلى 50.50 جنيها للدولار بالسوق الموازية، مقابل نحو 30.95 جنيها بالسوق الرسمية.

وسجل الدين الخارجي لمصر بنهاية العام المالي الماضي 2022/ 2023 نحو 164.7 مليار دولار، فيما ارتفعت التزامات مصر لسداد أقساط الدين الخارجي والفوائد المستحقة في عام 2024 إلى 42.3 مليار دولار، وفقا للبنك المركزي المصري.

"تساؤلات لافتة"

ووفق مراقبين، فإن المثير هنا نقطتان، الأولى: أن هذا الدعم يأتي للسيسي مع الفوز بولايته الثالثة لحكم أكبر بلد عربي 6 سنوات قادمة، وهو ما يدفع للتساؤل حول مدى وجود توجه دولي لإنقاذ حكومة السيسي من أزماتها المالية والاقتصادية بهذا المبلغ، أو على الأقل تأخير سقوط الاقتصاد المتداعي بفعل الديون والأزمات الهيكلية المزمنة.

وهو التساؤل الذي يعضده قول الوكالة إن ذلك التمويل "سيكون بمثابة دفعة للسيسي، الذي أعيد انتخابه، حتى عام 2030، مشيرة لمواجهة المشير السابق، أسوأ أزمة اقتصادية تشهدها البلاد منذ عقود، ملمحة لتراجع قيمة العملة المحلية التي وصفتها بـ"الضعيفة"، إلى 50 جنيها مقابل الدولار بالسوق السوداء مقارنة بالسعر الرسمي عند 31 جنيها للدولار.

والنقطة الثانية: هي أن توجه الصندوق بزيادة التمويل المالي للقاهرة ومنحها قرضا جديدا يأتي بعد نحو عام من مماطلة الصندوق في منح مصر الدفعة الثانية من قرض المليارات الثلاثة وتأخير مراجعة الصندوق للاقتصاد المصري.

وخلال العام المنصرم، توقف صرف الشريحة الثانية والثالثة من حزمة الدعم المالي من صندوق النقد الدولي بقيمة ثلاثة مليارات دولار والتي تم توقيع الاتفاق بشأنها في كانون الول/ ديسمبر 2022، بعد أن تخلفت مصر عن الوفاء بتعهد الانتقال إلى سعر صرف مرن وتقليص دور الدولة والجيش في الاقتصاد، بحسب رويترز.

وهو ما يدعو للتساؤل: هل تنازل صندوق النقد الدولي عن شروطه السابقة لحصول مصر على القروض، وبينها بيع الشركات العامة، وتقليل حصة الجيش في الاقتصاد، وتعويم العملة المحلية مجددا، وتوسيع اعمال القطاع الخاص؟.

وجدير بالذكر أن الحديث عن رفع قيمة قرض صندوق النقد دعما لحكومة السيسي، يأتي قبل ساعات من إعلان رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، عن استمرار برنامج الخصخصة، مؤكدا أن هناك" 4 قطاعات ستكون لها الأولوية في برنامج الطروحات، وهي "المطارات، والاتصالات، والبنوك، والتأمين".

كما أشار مدبولي، عقب اجتماع الحكومة الأربعاء، إلى أنه تم الاتفاق مع "مؤسسة التمويل الدولية" على إمكانية طرح حصص من 50 شركة حكومية، مبينا أن صندوق الثروة السيادي يوقع صفقة لبيع حصة في 7 فنادق شهيرة وتراثية مع مجموعة هشام طلعت مصطفى.

ما يشير لاستمرار توجه الحكومة المصرية نحو بيع الأصول العامة والمتضمنة بتعليمات الصندوق.

"سيل تمويل فما الثمن؟"

وهنا يبدو منطقيا، التساؤل، عن الثمن الذي من المفترض أن تدفعه مصر لقاء هذا التسهيل؟، ومدى ارتباط الأمر بملف الحرب في غزة والأدوار الدولية المطلوبة من مصر؟.

ومنذ عملية المقاومة الفلسطينية "طوفان الأقصى"، بمواجهة الاحتلال الإسرائيلي في 7 تشرين الأول / أكتوبر الماضي، ويتوالى الإعلان عن عمليات دعم مالي دولي كبير لمصر، من صندوق النقد الدولي، ومن الاتحاد الأوروبي، ومن أكبر بنوك أفريقيا خلال 3 أيام، وذلك بالتزامن مع ما يجري من حرب إبادة جماعية تقوم بها إسرائيل في قطاع غزة، ودعوات لتهجير الغزيين إلى سيناء المصرية.

وفي 17 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، قالت مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا إن الصندوق "يدرس بجدية" زيادة محتملة لبرنامج القروض لمصر البالغ 3 مليارات دولار نتيجة الصعوبات الاقتصادية الناجمة عن حرب إسرائيل على غزة.

وذلك برغم ما شهدته مباحثات الصندوق والقاهرة من تعثر منذ الربع الأخير في 2022، بشأن قرض 3 مليارات دولار.

وفي اليوم التالي، قالت وكالة "بلومبيرغ"، إن الاتحاد الأوروبي يسرع وتيرة جهوده لمساعدة مصر على التعامل مع تداعيات الصراع في غزة، وتقديم مبلغ 9 مليارات يورو (9.8 مليار دولار)، لحكومة السيسي، الذي يلعب دورا تثمنه أوروبا في ملف الحرب الإسرائيلية الجارية على قطاع غزة.

وقبلها أيضا جرى الإعلان عن مزيد من التمويل من بنك التصدير والاستيراد الأفريقي (أفريكسيم بنك) بتقديم تسهيلات ائتمانية بقيمة 11 مليار دولار لعدد من الشركات المصرية، حسبما رئيس قطاع تمويل التجارة والاستثمار في البنك أيمن الزغبي لـ "سي إن بي سي عربية ".

"تمويل سياسي"

وفي إجابته على تساؤلات "عربي21"، قال السياسي المصري، مجدي حمدان موسى: "لا أعتقد أن صندوق النقد الدولي، قد يتنازل عن شروطه المعلنة لحكومة المصرية، لأننا نعلم جميعا من أين يأتي تمويله، والجهات التي تقوم على إسناده، وحصته الكبيرة من أين تأتي".

القيادي في الحركة المدنية المصرية، أضاف: "ولذا أعتقد أن التلاعب السياسي بالصندوق وقراراته وخاصة من الدول الممولة والداعمة له وصاحبة النصيب الأكبر من تمويله هي من توجه الصندوق، إذا كان سيعطي لمصر تمويلا وبأية شروط، أو سترفض منحه من عدمه".

وأكد أن "الموضوع غير مرتبط بالاقتصاد، لأن وزير المالية المصري محمد معيط، كان قد تحدث عن أن كلفة القروض الخارجية عالية على البلاد، لأن التصنيف الائتماني لمصر لم يعد جيدا، وبالتالي عندما يُقرض الصندوق حكومة القاهرة يكون ذلك بكلفة عالية".



ولفت عضو المكتب السياسي والهيئة العليا بحزب المحافظين، إلى أن "الأمر الآن أصبح خاضعا لمدى رضا الصندوق، ومن خلفه، عن مصر سياسيا، واقتصاديا، فهنا يدعمها، وإن لم يكن راضيا يسحب هذا الدعم".

وأضاف: "أعرف أن هذا الدعم القادم هو من الاتحاد الأوروبي، الذي أصبح راضيا عن حكومة مصر في الفترة الراهنة، ما دفعه لإصدار توجيهاته لصندوق النقد لتقديم الدعم لمصر بشكل مباشر".

"الكلفة كبيرة"

وعن الثمن الذي من المحتمل أن تدفعه مصر، يعتقد موسى، أن "مصر ستدفع الثمن، فليس هناك شيء دونما مقابل أو ثمن"، متسائلا: "هل الثمن هو الخطر الذي مازال قائما وبشكل مباشر والمتمثل في تنفيذ الهدف الأسمى لإسرائيل وهو الاستيلاء على فلسطين وتحقيق جزء من حلمها الأكبر".

وأضاف: "هذا وارد، ولا نعرف الخبايا، ولكن حتى الآن الموقف المصري ثابت برفض تهجير أهالي غزة إلى سيناء، ولا أعتقد أن يكون هناك تنازل بين يوم وليلة عن هذا الموقف، بل أتوقع أن يظل هناك ثبات لفترة معينة على هذا الموقف، إن لم يتم التغيير مستقبلا".

واستدرك بقوله: "لكن بالفترة الراهنة الكلفة كبيرة، أولا بدعم مصر المباشر للموقف الفلسطيني وتقديم مساعدات تعد الأكبر عربيا بنحو 70 طنا، فمصر داعمة بشكل كبير".

وختم بالتأكيد على أن تكلفة أي خطط يجري الحديث عنها "يمكن أن تدفعها مصر، ولكن حتى الآن لا أحد منا يستطيع التكهن، ومازال الأمر تحت الرماد ولن يكون بشكل مباشر ، فالأمور غير واضحة حتى الآن".

"ليس دعما"

وفي تعليقه قال الكاتب الصحفي والمحلل السياسي أحمد حسن بكر، إن "مصر لبت مطالب الصندوق كاملة"، وما نُشر عن اتفاق مع صندوق النقد بزيادة التمويل لـ6 مليارات دولار، لا يمكن اعتباره توجه دولي عبر الصندوق لإنقاذ السيسي من أزماته الاقتصادية والمالية، وإنما ردا على استجابة مصر لمطالب الصندوق، ومؤسسات التمويل الأخرى".

وأشار بكر، في حديثه لـ"عربي21"، إلى "تزامن ذلك الإعلان مع إعلان رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، طرح 4 قطاعات مصرية للبيع، وهي المطارات، والبنوك، والاتصالات، والتأمين، مع طرح حصص من 50 شركة حكومية أيضا، وبيع ما يسمى صندوق الثروة المصري حصص في 7 فنادق شهيرة".

ولفت الكاتب المصري، إلى أن "تعبير شركة حكومية، تعبير فضفاض قد يضم في ملاءته شركات تابعة للجيش"، مبينا أنه "وعلى لسان رئيس الوزراء فإن مصر لبت مطالب الصندوق، وكذا مؤسسات التمويل الدولية لبيع الشركات العامة، والقطاعات الاقتصادية والمالية الاستراتيجية الهامة المشار إليها".

وتوقع بكر، أن يتبع تلك التسهيلات المالية، حدوث "تعويم للجنيه المصري"، معتبرا أنه "مسألة وقت، قد لا يتجاوز أسابيع قليلة"، مضيفا أنه "يلاحظ ذلك من تصريحات إعلامية من شخصيات موالية للحكومة، ومطالب رجال أعمال كبار مثل الملياردير نجيب ساويرس، الذي طالب السيسي بتعويم الجنيه بسعر يفوق سعر السوق السوداء (أكثر من 50 جنيها للدولار الواحد)".

‌ويرى أنه "طالما تخطى الجنيه في السوق السوداء هذا السعر وثبت عدة أسابيع، فيكون من المحتم اقتصاديا على البنك المركزي اللجوء للتعويم لزيادة حصيلة البنوك من الدولار".

ويعتقد أن "محاولة البعض فهم ما نشره موقع (بلومبيرغ) عن أن التمويل الجديد من صندوق النقد محاولة لإنقاذ نظام السيسي ببداية ولايته الثالثة، من الانهيار الاقتصادي والمالي، فلا أساس له من الصحة، بدليل تصريحات رئيس الوزراء المصري، المشار إليها".

وأضاف: "كما أن زيادة القرض إلى 6 مليارات بدلا من 3 مليارات، وعلى دفعات، لا يعد أكثر من قرض مسكن لأوجاع مزمنة، تحتاج إلى تدخل جراحي شامل لإزالة الأسباب، ولإعادة هيكلة السياسات والتوجهات الاقتصادية والسياسية الخاطئة التى ينتهجها نظام السيسي".

"خدمات دون ثمن"

وعما يثار عن وجود ثمن من المفترض أن تدفعه القاهرة لقاء هذا التسهيل، ومدى ارتباط الأمر بالحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، قال بكر: "أي متابع لدور مصر في الحرب على غزة، يدرك أن السيسي، قدم خدماته ولن نقول خياناته لأمريكا وإسرائيل".

وأكد أنه قدم ذلك "متطوعا أحيانا، ومجبرا أحيانا أخرى، دون إنتظار الثمن، اللهم غض الطرف الأمريكي عن تزوير الانتخابات الرئاسية التي مددت له البقاء على كرسي الحكم فترة حكم ثالثة".

‌وخلص للقول إن "الانهيار الإقتصادي في مصر قادم لا محالة، لو استمرت الأوضاع على هذا المنوال أشهر قادمة، وأن طوفان غضب شعبي سيعم مصر فجأة ودون سابق إنذار، لأن كل الأوضاع تسير خارج إطارها المنطقي على كافة المستويات".

‌وختم إن "طوفان الأقصى الذي انطلق من غزة، قد يكون قد أجل طوفان الغضب المصري، والذي كان يُتوقع له أن يتزامن مع مسرحية الانتخابات الرئاسية".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي اقتصاد اقتصاد دولي اقتصاد عربي اقتصاد عربي مصر السيسي غزة صندوق النقد الانتخابات الرئاسية مصر السيسي غزة صندوق النقد الانتخابات الرئاسية المزيد في اقتصاد اقتصاد عربي اقتصاد عربي اقتصاد عربي اقتصاد عربي اقتصاد عربي اقتصاد عربي اقتصاد اقتصاد اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة صندوق النقد الدولی ملیارات دولار حکومة السیسی رئیس الوزراء ملیار دولار لقاء هذا قطاع غزة إلى أن

إقرأ أيضاً:

استباقا لمراجعة صندوق النقد الخامسة.. مصر تُسرّع بيع مستشفيات وشركات للخليج

عاد الحديث بقوة عن ملف الطروحات المصرية للشركات العامة والأصول الحكومية والأراضي الاستراتيجية إلى جانب المستشفيات وشركات الأدوية، مع قرب وصول بعثة صندوق النقد الدولي للقاهرة، لإجراء المراجعة الخامسة لاقتصاد البلاد، في إطار صرف شرائح قرض المليارات الثمانية المقرر لدعم ثالث أكبر اقتصاد عربي والثاني إفريقيا.

والاثنين الماضي، أكد ممثل المجموعة العربية بصندوق النقد الدولي، وزير المالية المصري السابق، محمد معيط، عن قرب وضع الموعد النهائي لحضور فريق بعثة الصندوق للقاهرة.

ومطلع نيسان/ أبريل الجاري، تسلّمت مصر الشريحة الرابعة من القرض بقيمة 1.2 مليار دولار لتكون بذلك صرفت 3.2 مليار دولار من ذلك التمويل، الذي يطالب صندوق النقد على أساسه حكومة القاهرة بـ5 مطالب، منها: "تسريع وتيرة تخارج الدولة من الأصول".

الصندوق، كان قد أعلن في آب/ أغسطس الماضي، عن توجّه حكومة القاهرة لبيع 4 أصول بالعام المالي الجاري الذي ينتهي حزيران/ يونيو المقبل، بنحو 3.6 مليارات دولار، فيما باعت بالسنة المالية السابقة أصولا حكومية بـ2.2 مليار دولار.

ويلفت الكاتب الصحفي، مصطفى عبد السلام، عبر صفحته بـ"فيسبوك"، إلى أنّ: "مهمة بعثة صندوق النقد قد لا تكون سهلة هذه المرة"، مشيرا إلى وجود ملفات مؤجلة ستطرحها البعثة ومنها "الإسراع في بيع أصول الدولة من شركات وبنوك وأراض".


"الكويت في الواجهة"
الأربعاء، خلال اجتماعه الأسبوعي بوزراء حكومته، في العاصمة الإدارية الجديدة، تحدّث رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، الذي يدير اقتصادا يبلغ حجمه 380 مليار دولار، ويعاني من أزمات اقتصادية هيكلية وبنيوية خطيرة، عن ملف الطروحات.

وقال مدبولي إنّ: "مصر ستستقبل استثمارات كويتية الفترة المقبلة، حيث مطروح على طاولة المباحثات تحويل ودائع الكويت لاستثمارات وضخ استثمارات جديدة، بالتزامن مع برنامج الطروحات للشركات الحكومية".

وبتاريخ 9 نيسان/ أبريل الجاري، من الكويت، قال وزير المالية المصري، أحمد كجوك، إنّ: "بلاده منفتحة على أي مبادرات تتعلق بمبادلة الديون باستثمارات، على غرار صفقة رأس الحكمة التي وقعتها الحكومة المصرية مع الإمارات بقيمة 35 مليار دولار  في آذار/ مارس 2024".

وفي محاولة للحصول على استثمارات خليجية جديدة وتشجيع القطريين والكويتيين الذين يأتون في ترتيب متأخر عقب مستثمري وصناديق الإمارات والسعودية السيادية بمصر، وأيضا لتنشيط ملف الطروحات؛ زار رئيس النظام المصري، عبد الفتاح السيسي، قطر والكويت، في 14 نيسان/ أبريل الجاري.

عقب الزيارة، تشير التصريحات لسعي الحكومة المصرية لجذب استثمارات كويتية بقيمة 7 مليارات العامين المقبلين، فيما تأمل القاهرة في استثمارات قطرية بقيمة 8 مليارات دولار، خلال 2025 و2026 و2027.

وفي السياق نفسه، أكّدت تقارير صحفية، أنّ: "الكويت التي تحل خامسا كأكبر الدول المستثمرة بمصر، والثالثة عربيا بعد الإمارات والسعودية، تدرس تحويل ودائع بـ4 مليارات دولار بمصر لاستثمارات مباشرة بصفقة مماثلة لـ:رأس الحكمة".

وفي أولى الخطوات، تُجري مجموعة "بوخمسين القابضة" الكويتية، مفاوضات مع القاهرة، بخصوص الاستثمار بمشروع فندقي وشقق فندقية، ومشروع تجاري، بما بين 30 و 40 مليار جنيه، فيما تعتزم الاستحواذ على شركة سياحية مصرية عملاقة بصفقة تقدر بـ4.9 مليار دولار، ستكون الأضخم بقطاع السياحة المصري.


"سباق طروحات المستشفيات"
الثلاثاء، وفي أحدث أنباء ملف الطروحات، قالت صحيفة "البورصة" المحلية، إنّ: "صناديق استثمار سعودية وإماراتية وكويتية وقطرية، وصندوق لدولة أجنبية، تتفاوض لشراء حصص استراتيجية بمستشفيات حكومية وشركات أدوية طرحت أخيرا –دون الكشف عن أسمائها-، فيما يصل متوسط كل صفقة ملياري جنيه (39 مليون دولار)".

ويأتي منح امتياز إدارة وتشغيل المستشفيات الحكومية لمستثمرين مصريين وأجانب بين 3 وحتى 15 عاما، إثر قانون جرى إقراره في أيار/ مايو 2024، ما واجه اعتراض نقابة الأطباء، وسط مخاوف من تأثر الخدمة الصحية وزيادة تكلفتها على المواطن وحرمان الفقراء منها، خاصة مع ما تعانيه المنظومة من ضعف وأزمات.

وشهدت البلاد خلال النصف الأول من نيسان/ أبريل، تكدس العشرات من مرضى الأورام أمام مستشفى دار السلام "هرمل"، بعد قرار منح التزام إدارة وتشغيل المستشفى لمعهد "جوستاف روسيه" الفرنسي، ما أثار المخاوف حول التزام الإدارة الجديدة بتقديم نفس الخدمة السابقة للمصريين.

إلى ذلك، خلال السنوات الماضية، باعت مصر العديد من أصولها الصحية والطبية والعلاجية ومعامل التحاليل ومراكز الأشعة، حيث استحوذت "أبراج كابيتال" الإماراتية على مستشفيات: "كليوباترا" و"القاهرة التخصصي" و"النيل بدراوي"، ومعامل "البرج" و"المختبر" الشهيرتين.

أيضا، استحوذت "علاج الطبية" السعودية، على 9 مستشفيات منها "الإسكندرية الدولي"، و"ابن سينا"، و"الأمل والعروبة"، ومعامل "كايرو لاب"، ومراكز "تكنو سكان" للأشعة.

وفي سياق الطروحات، بتاريخ 11 نيسان/ أبريل الجاري، حصلت شركة "ناس" الإماراتية على موافقة جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية في مصر، لتنفيذ عرض شراء إجباري للاستحواذ على 90 بالمئة من أسهم "سماد مصر؛ إيجيفرت"، لتتضاعف سيطرة الإمارات على هذا القطاع الحيوي في مصر.

ويستحوذ "صندوق أبوظبي" الإماراتي، وصندوق "الاستثمارات العامة" السعودي على حصص حاكمة تتراوح بين 40-45 بالمئة من شركات الأسمدة المصرية الكبرى "أبوقير" و"موبكو"، في توجه للسيطرة على القطاع الصناعي الحيوي.


"مبادلة الديون بالأصول"
منذ عقد صفقة "رأس الحكمة" الاستراتيجية مع الإمارات على الساحل الشمالي الغربي للبلاد، ويجري الحديث عن أن السعودية تسعى لعقد صفقة مماثلة. فيما تشير الأنباء إلى وجود مفاوضات حكومية مصرية مع الرياض.

وتأتي المفاوضات نفسها، بهدف ما يوصف بـ: تحويل ودائع لها لدى البنك المركزي المصري بقيمة 5.3 مليارات دولار للاستحواذ على صفقات أراض وأصول عامة.

كذلك تتداول أنباء عن مفاوضات جارية بين الحكومة المصرية وكلا من ألمانيا والصين، بشأن صفقات استحواذ على أصول مصرية لمبادلة الديون.

وهي الإجراءات التي سبقها الإعلان الحكومي 25 آذار/ مارس الماضي عن خصخصة إدارة وتشغيل 11 مطارا مصريا، هي: "سفنكس"، و"شرم الشيخ"، و"برج العرب"، و"الأقصر"، و"أسوان"، و"سوهاج"، و"أسيوط"، و"أبوسمبل"، و"العلمين"، و"مرسى مطروح".

وفي السياق، بتاريخ 9 نيسان/ أبريل الجاري أعلن رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، عزم القاهرة، طرح حصص من 5 شركات تابعة للقوات المسلحة، هي: "الوطنية للبترول" و"شل أوت" و"سايلو فودز" للصناعات الغذائية و"صافي" و"الوطنية للطرق"، عبر الصندوق السيادي المصري.

ويقوم "صندوق مصر السيادي" للاستثمار والتنمية، الذي تأسس عام 2018، وتبلغ قيمة أصوله 12 مليار دولار، على خطط إعادة هيكلة وإدارة طرح الشركات العامة.


لماذا تبيع مصر أصولها؟
يؤكد خبراء ومراقبون لمسيرة الاقتصاد المصري في عهد رئيس النظام عبد الفتاح السيسي (2014- 2030)، أنه: "منذ توجهه نحو مشروعات إنشائية وترفيهية عملاقة، تفوق إمكانيات وقدرات ودخل وإيرادات الدولة المصرية، كشق تفريعة قناة السويس وبناء العاصمة الإدارية الجديدة، والعلمين الجديدة، وما يرتبط بهما من مشروعات وخطوط نقل وطرق مواصلات وغيرها، ازدادت الفجوة القائمة بين إيرادات الدولة ومدخلاتها".

ويوضحون أنه: "نتيجة لذلك الوضع ولإصرار الجمهورية الجديدة على استكمال مشروعاتها، جرى استهلاك الكثير من الرصيد النقدي والمنح والمعونات الخليجية والغربية التي تفوق 50 مليار دولار، وفق بعض التقديرات".

إلى ذلك، لجأت الحكومة للاقتراض الخارجي من صندوق النقد والبنك الدوليين، وبعض البنوك والمؤسسات الدولية المقرضة، بجانب دول خليجية وأوروبية والصين.

ودخل الاقتصاد المصري دائرة الديون الخارجية مع أول قرض لحكومة السيسي، في: تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، بقيمة 12 مليار دولار، لتتوالى القروض، وتحصل مصر حتى عام 2021 على 20 مليار دولار من الصندوق الذي رفع لها قرضا من 3 إلى 8 مليارات دولار ، بالربع الأول من العام الماضي.

نتيجة لسلسة القروض المتواصلة حتى الآن، وصل الدين العام بالربع الثالث من 2024 إلى 13.3 تريليون جنيه، فيما بلغ الدين الخارجي 155.3مليار دولار، بحسب بيانات وزارة التخطيط المصرية.

ومع حلول أقساط وفوائد الديون خاصة قصيرة الأجل منها، دفع صندوق النقد الدولي القاهرة لطرح شركاتها العامة وأصولها الحكومية على شركاء خليجيين، والتخارج من 79 قطاعا بطرحها أمام مستثمرين استراتيجيين أو بالبورصة المحلية، وفق "وثيقة ملكية الدولة" الصادرة 13 حزيران/ يونيو 2022، لدعم حضور القطاع الخاص في 65 بالمئة من الاقتصاد.


"نتيجة البيع وسداد الديون"
في 13 آذار/ مارس 2024 ، اعترف وزير المالية المصري السابق، محمد معيط، أن 50 بالمئة من عائدات برنامج طروحات وبيع الأصول الحكومية، سيخصص لتقليص الدين العام، العام المقبل.

وفي ذات التاريخ من العام الجاري، اعترف وزير المالية الحالي، أحمد كوجك، باستخدام أموال من صفقة رأس الحكمة بسداد بعض الديون الخارجية، معلنا خفض الدين الخارجي بنحو 3 مليار دولار بسبب الإيراد الاستثنائي من الصفقة.

ويرى مراقبون ومتحدثون لـ"عربي21"، أنّ: "مصر مضطرة لمواصلة التفريط بأصولها، مع حلول آجال الكثير من فوائد وأقساط الديون الخارجية، إذ أنه توجب على مصر الوفاء بالتزامات خارجية تقدر بـ43.2 مليار دولار خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري، وفقا لبيانات البنك الدولي".

ناهيك عن الفجوة التمويلية التي تُقدر بـ10 مليارات دولار في السنة المالية الجارية، وتتسع بمشروع موازنة العام المالي المقبل لأكثر من 25 بالمئة من إجمالي الموازنة البالغ 3.6 تريليون جنيه، نتيجة وجود أقساط وإهلاك القروض المطلوب سدادها، بحسب بيان وزير المالية أمام البرلمان الشهر الجاري.

كما يعزز اضطرار القاهرة نحو بيع الأصول والممتلكات وتكرار صفقة رأس الحكمة المثيرة للجدل، تراجع إيرادات قناة السويس بنحو 6 بالمئة على أساس سنوي بالربع الأول من هذا العام إلى 904 ملايين دولار، نتيجة اضطرابات الملاحة بالبحر الأحمر، والتي دفعت بشركات الشحن العالمية لاتخاذ طرق غير المرور من القناة المصرية.

ويؤكد مصريون أن حصيلة بيع الأصول الحكومية والأراضي الاستراتيجية وحتى المستشفيات الحكومية لم تعود عليهم، مشيرين إلى مواصلة الحكومة المصرية قراراتها بتخفيض الدعم ورفع أسعار الوقود بجميع أنواعه والتي كانت آخرها منتصف الشهر الجاري، بجانب أسعار تذاكر القطارات ومترو الأنفاق وخدمات الاتصالات، وغيرها.

"تغيير هيكل ملكية مصر"
رئيس "كونسورتيوم رؤية" (تي جي إس 2035 لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا -واشنطن)، علاء الدين سعفان، قدم إلى "عربي21"، قراءته الاقتصادية، حول تصاعد وتيرة الحديث عن الطروحات قبيل حضور وفد صندوق النقد الدولي للقاهرة لإجراء المراجعة الخامسة.

وأجاب على التساؤل: متى تكتفي القاهرة من بيع الأصول؟، عارضا بعض الحلول لوقف تلك الطروحات، كاشفا عن حجم خسارة مصر من بيع أصولها وممتلكاتها وأراضيها الاستراتيجية.

وقال الخبير الاقتصادي المصري: "قبل مراجعة خامسة أو الخامسة عشر من صندوق النقد الذي لن يترك مصر إلا جثة هامدة؛ هناك موجة جديدة لن تكون الأخيرة من طروحات وبيع الأصول المنتجة والمربحة من جسد مصر الاقتصادي".

وتوقع أن تكون تلك الصفقات لـ"الإمارات خاصة (ومن ورائها من عجم)، ولباقي دول الخليج التي اشترت مصر كلها في صفقة استحواذ بالتزامن مع آخر الانقلابات الأمريكية في 2013، كانت دفعتها المقدمة نحو 300 مليار دولار أمريكي سُددت على أقساط لعشرات الشخصيات من ورثة الأسرة العلوية التي كانت تمتلك مصر قبل الانقلاب الأمريكي الأول في 1952، دونما أي استفادة للخزانة المصرية أو للاجئين المصريين فيما تبقى من مصر".

وأعرب عن أسفه من أنه: "ليس أمام مصر الآن إلا الاستمرار في طرح ما تبقى من الشركات العامة والأصول الحكومية إلى جانب المستشفيات وشركات الأدوية والأراضي الاستراتيجية".

وفي مقابل، كشف ذلك الاضطرار عن أنّ: "استراتيجية إجراء المراجعات لاقتصاد البلاد في إطار قروض لا تنتهي من صندوق النقد نجحت في خنق الشعب المصري، والتضييق عليه، في معيشته بما لم يعد معها لديه من القدرة على فهم ما يحدث من حوله من تغيير هيكل ملكية مصر وأسر حريتها وكسر إرادتها وتحويلها وشعبها إلى مفعول".

ولفت إلى أن ذلك الوضع يجري "في ظل تحولات دراماتيكية في المنطقة، افتقدت الدور المحوري المصري التاريخي لحماية الأمة ومقدساتها، وكأنه قد تم محوها عن خريطة المنطقة، فغالبية شعبنا فقد القدرة على متابعة ما يحدث من حوله وهو يعاني من غيبوبة اقتصادية أفقدته الوعي وشلت حركته وقيدت حريته وأخرست لسانه".


وعن ذهاب تلك الأصول لجهات بعينها، قال إنه: "لم يعد يهم اليوم ما هي جنسية ما يسمى بـ(صناديق الاستثمار) التي تتفاوض لشراء حصص استراتيجية بالمستشفيات الحكومية وشركات الأدوية التي تم طرحها أخيرا".

وأوضح أنّ: "هناك فواتير قديمة مطلوب من الشعب سدادها، وهناك خلف الغُترة والعقال طواقي سوداء صغيرة، تدعي أن لها حقوق قديمة في مصر وتطالب باستعادتها".

وعلى الجانب الآخر، يشير إلى أنّ: "القاهرة أدمنت الاقتراض غير المنضبط لسنوات، وجاء وقت التخلص من الأصول من أجل جرعات جديدة، وطالما ليس للمدمن أهل يعالجونه ويخافون عليه فلا حل في الأفق".

وعن حجم خسارة مصر من التنازل عن أصولها الاستراتيجية، ختم حديثه مؤكدا أنه "غير قابل للقياس، وهو أثمن وأمر وأفدح بكثير من مجرد العمليات الحسابية".

مقالات مشابهة

  • صندوق الأمم المتحدة للسكان يعلن تضامنه مع السودان وتقديم المزيد من الدعم
  • صندوق مكافحة الإدمان يدرّب 3100 متعافٍ على حرف مهنية لإعادة دمجهم في سوق العمل
  • استباقا لمراجعة صندوق النقد الخامسة.. مصر تُسرّع بيع مستشفيات وشركات للخليج
  • اجتماع بسيئون يناقش مستوى أداء صندوق النظافة وسبل تطوير خدماته خلال الفترة القادمة
  • حبس مفوّض شركة بتهمة الاستيلاء على أموال صندوق الاستثمار الإفريقي
  • بعد 16 عامًا.. انفصلت عن زوجها بسبب علاقته بصورة زائفة
  • صندوق ألتيرّا يستثمر في «إيفرن» الهندية للطاقة النظيفة
  • المشاط: صندوق النقد يتوقع نمو الاقتصاد المصري.. و5 قطاعات استراتيجية للتوظيف
  • جامعة المنيا: 45 مليون جنيه أرباح صندوق التأمين على أعضاء التدريس والعاملين
  • معيط: صندوق النقد الدولي يستعد لبدء المراجعة الخامسة مع مصر