برلين- "أشعر بالخجل لأنني ألماني.. ولأجل التضامن معكم (الفلسطينيين) سأمزق هذا الجواز الألماني كما يمزق الجيش الإسرائيلي أرض فلسطين وشعبها". هذا ما قاله الشاب الألماني جورج إسماعيل.

الجزيرة نت وصلت إلى الشاب الألماني الذي أكد، في حوار مطوّل، أن طريقته جاءت للاحتجاج على "ازدواجية المعايير الألمانية تجاه الفلسطينيين"، وحتى حاملي الجواز الألماني منهم.

وتحدث إسماعيل عن قصة تضامنه مع فلسطين رغم الضغوط، وكيف ينظر الألمان لما يُسمّى بالصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وإمكانية تغير مواقفهم مع تأثير منصات التواصل وصعود جيل ألماني جديد.

لماذا اخترت هذا الأسلوب للاحتجاج؟

لأنني شخصيا مصدوم ومتأثر جدا بالمعاناة والظلم الذي يتعرض له الفلسطينيون حاليا. أنا ناشط في منظمة للتضامن مع فلسطين لفترة طويلة جدا، وصديق للعديد من الفلسطينيين، وما سمعته من قصص مروعة تحدث في قطاع غزة أثرت في كثيرا.

كما أن لدي أصدقاء فلسطينيين لديهم جوازات سفر ألمانية، وعندما يزورون أهلهم، على سبيل المثال في الضفة الغربية، يتعرضون لمضايقات من جنود الاحتلال على الحدود، دون أخذ أي اعتبار لجواز سفرهم.

السفارة الألمانية لا تدافع عن المواطنين الألمان الذين لديهم أصول فلسطينية عندما يتم اعتقالهم في إسرائيل، فجواز السفر لا يمثل الشيء ذاته للجميع.

في هذا الإطار، اقترح حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (معارض) إلزام طالبي الجنسية الألمانية بالتوقيع على الالتزام بالاعتراف بإسرائيل، وهناك ولاية ألمانية شرعت مسبقا في هذا الإلزام. كيف ترى ذلك؟

هذا أمر سيئ للغاية. المفروض الاعتراف بالقوانين والالتزامات التي تخص ضمان حقوق الأفراد والجماعات. وعندما نتحدث عن إسرائيل، فنحن نتحدث عن دولة تربط وجودها بالتشكيك في دولة أخرى.

حاليا، الحل المفروض بسلطة الأمر الواقع هو "حل الدولة الواحدة"، أي إسرائيل، وإذا قال الفلسطينيون وداعموهم إنهم لا يعترفون بهذه الدولة بهذا الشكل بالذات، فهو أمر مشروع، أي عدم الاعتراف بالدول التي تجعل التمتع بالحقوق حكرا على مجموعة عرقية ودين معين، وهذا ما يجري في إسرائيل، فلماذا يجب إلزام الناس بالاعتراف بهذه الدولة دون قيد أو شرط؟.

ضابط شرطة يشير لمتظاهرين تسلقوا "نافورة نبتون" خلال مظاهرة مؤيدة لفلسطين في برلين (رويترز) ألا تخشى أي تأثيرات سلبية بعد تمزيقك لجواز سفرك؟

اتخذت الخطوة لأنني ولدت في ولاية "ساكسونيا-أنهالت"، التي شرعت في إلزام الاعتراف بإسرائيل للحصول على الجنسية. وما يريد الحزب المسيحي فعله الآن هو إصدار قانون يسمح بتجريد المواطنين الألمان من جنسيتهم بسبب رفض الاعتراف بإسرائيل (إذا كانوا يحملون جنسية أخرى)، وهو ما قد يؤدي أيضا إلى الترحيل.

وهو لا يظهر فقط الطابع المناهض للديمقراطية، بل أيضا الطابع العنصري للقانون، لأن الأشخاص الذين سيتم ترحيلهم سيكونون غير أوروبيين، وهذا المشروع لا يقتصر فقط على حظر تجنيس الأشخاص، بل يتعلق كذلك بسحب الجنسية، ثم الترحيل.

وعلى العموم هذا ليس جديدا، ففي ظل النظام النازي، تم ترحيل أفراد من اليسار والشيوعيين والمعارضين، ولاحقا بدؤوا بنقلهم إلى معسكرات مع اليهود والغجر والشواذ والمعاقين. وكيساري وشيوعي ألماني، فمقترح نزع الجنسية يخيفني كثيرا.

ضباط شرطة يعتقلون شخصا خلال مظاهرة لدعم الفلسطينيين في برلين (رويترز) بالعودة إلى مسارك، كيف بدأت في التضامن مع القضية الفلسطينية؟

ولدت في عائلة يسارية ليبرالية، وأول ذكرياتي السياسية كانت مشاهدة مظاهرات الفاشيين في الشوارع، وقد وجدتها مخيفة لذلك قررت أن أناهضها. وفي ولاية يعيش فيها عدد من النازيين، يُعد من الطبيعي فيها أن تسمع نكات عنصرية وأخرى معادية للسامية في كل مكان، جعلني أقرر النضال ضد الفاشية.

ثم انتقلت إلى برلين وعمري (14 عاما)، وانضممت إلى مجموعة للنضال الأممي ضد أشكال القمع في العالم. وتعرفت على فلسطينيين وأكراد ومجموعات كثيرة تعاني التضييق، لكنني قررت التركيز على دعم الفلسطينيين ضمن مجموعة "قوة العمال" الشيوعية، لأنني وجدت أن المجموعات تجد كثيرين ممن يدعمونها، بينما يعتبر التضامن مع فلسطين مثيرا للجدل في ألمانيا.

ولكن هل كان من السهل عليك التضامن مع فلسطين في بلد يتم فيه التضييق على الصوت الفلسطيني سواء في الإعلام أو الأحزاب أو المدرسة، وتسود فيه الرواية الإسرائيلية؟

لا، بالطبع لم يكن الأمر سهلا إطلاقا من نواح عديدة. تم التشهير بي وبالعديد من رفاقي، وتم وصمنا بأننا معادون للسامية، وكان لذلك عواقب سياسية، حيث تم استبعادنا من العديد من الأنشطة السياسية.

والملاحظ أنه حتى بعض أصناف اليسار، كالمجموعة المعروفة بـ"أنتي دويتش" يرفضوننا، ويرفضون أن يشارك معهم ناشطون من الشرق الأوسط في أنشطتهم. كما أنني على يقين أن هناك بعض الخطر على حياتي، وعلى دخلي المادي بسبب نضالي، لكنني قررت أن أستمر، وأن أرفع صوتي.

أشرت إلى مجموعة "أنتي دويتش" (اصطلاحا معادو ألمانيا) وهي مجموعة يسارية راديكالية من الشباب تدعم إسرائيل وترفض المواقف الألمانية، وتمثل جزءا من حركة "معاداة الفاشية" العالمية، لكنها الوحيدة في العالم التي اتخذت هذا الموقف. هل هذا يؤكد خصوصية ألمانيا؟

لا أعتقد أن هؤلاء يناهضون ألمانيا على الإطلاق، لأنهم في الواقع يدعمون السياسة الخارجية الألمانية في جميع القضايا الرئيسة.

وقامت هذه المجموعة بدعم الحرب في العراق وفي أفغانستان، كما يحتفلون بالاحتلال الاستيطاني الإسرائيلي، ويدعمون الإمبريالية الأميركية. ومن العار أن يُنظر إلى هؤلاء كيسار، لأنهم أضرّوا كثيرا باليساريين الألمان، لكنني سعيد أن أعدادهم بدأت بالتراجع.

ولكن الأحزاب الألمانية تقريبا على قلب رجل واحد في دعم إسرائيل، بل إن حزب الخضر، وعكس عدد من أحزاب البيئة اليسارية في أوروبا والعالم التي تنتقد السياسات الإسرائيلية، فهو يدعمها بقوة، بل ترفض أنالينا بيربوك، القيادية داخله ووزيرة الخارجية حاليا، وقف إطلاق النار؟

في ألمانيا عدة أحزاب محسوبة على اليسار، رغم أن مواقفها لا تعبر عن حقيقة اليسار، ومنها كذلك الحزب الاشتراكي الديمقراطي (حزب المستشار الحالي أولاف شولتس).

حزب الخضر الألماني لم يعد يساريا بالمعنى الحقيقي منذ مدة، فقد دعم الحرب في أفغانستان، وأيد إرسال قوات ألمانية إلى العراق، ودعم الحرب في كوسوفو، كما أن هذه الأحزاب نفذت سياسات تضرب حقوق المجتمع الألماني من خلال ما سمي بـ"برامج الإصلاح".

انطلاقا من تجربتك الخاصة، كيف ترى اهتمام الألمان بالصراع الفلسطيني-الإسرائيلي؟ هل تختلف آراؤهم عن السياسيين والإعلام؟

الناس كما تعلم ليسوا كتلة متجانسة، لكن عموما يعتقد الألمان أنهم مستنيرون وناقدون، لكن هذا ليس صحيحا في هذا الموضوع.

معظم الناس هنا لا يعرفون شيئا عن فلسطين أو إسرائيل، ولا يهتمون بالأخبار إلا في وقت الحروب، ويشكلون آراءهم انطلاقا مما ينقله الإعلام، كما لا يعودون إلى أصل الصراع، ويربطونه بهجوم حماس وبالرد الإسرائيلي عليه.

هم لا يعرفون حقيقة النكبة، ولا واقع اللاجئين الفلسطينيين، ولا حقيقة اعتقال الآلاف منهم في السجون الإسرائيلية.

ويسهم الإعلام الألماني في هذا الأمر، بحكم أنه يمارس الدعاية الحربية التي تنتصر لجانب واحد فقط، هو الجيش الإسرائيلي. كما ينتشر الجهل بشكل كبير حتى داخل الإعلام الألماني، فهناك صحفيون ونخب لا يريدون تثقيف أنفسهم حول هذا الموضوع.

ألا يختلف الأمر لدى الشباب الألماني المرتبط بمنصات التواصل والإنترنت، والقادر أكثر على القراءة بالإنجليزية؟

نعم هناك جيل شاب جديد في المدن الكبرى يتمتع بطابع عالمي للغاية، ويتعرف إلى تجارب من مختلف العالم خصوصا مع المهاجرين، وهذا الجيل يشارك في المظاهرات في ألمانيا. لكن الأمور تتغير ببطء، ولا بد من القول إنه لا يزال عدد الألمان البيض في هذه المظاهرات الداعمة لفلسطين أقل بكثير مما نراه بالمقارنة مع سكان دول أخرى غربية أو غير غربية، وأظن أن ذلك يعود كذلك إلى تاريخ الألمان مع المحرقة.

مظاهرة تضامنية مع فلسطين في منطقة كروزبرج في برلين (وكالة الأنباء الألمانية) في ألمانيا هناك مصطلح "الذنب الجمعي الألماني" (Kollektivschuld) الذي يشير إلى هذه الخصوصية. كيف ترى ذلك؟

يجب أن نأخذ المحرقة على محمل الجد، وأن نحمي الحياة اليهودية، لا جدال في ذلك، ولكن يجب ألا ننسى أن أول من دعا لهذا الأمر هم شباب الحركة الطلابية اليسارية في الستينيات، لكن ما يجري لدى الدولة هو محاولة التخلص من عقدة الذنب نحو دعم الصهيونية.

ومثل هذا صار خطاب معاداة السامية خطابا ألمانيا أبيض بحتا، وبات سياسيون يقولون إن معاداة السامية مستوردة، أي يرتكبها المهاجرون، وهذا أمر خطير جدا يعرض حياة المهاجرين للخطر، وكذلك حياة اليهود، بحكم أنه خطاب يقلل من خطورة معاداة السامية الألمانية "البيضاء"، التي تصدر من أشخاص يعادون كذلك العرب والمسلمين واللاجئين.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: التضامن مع فی ألمانیا مع فلسطین فی هذا

إقرأ أيضاً:

إشادة خاصة بـ كومباني بعد تربع بايرن ميونخ على قمة الدوري الألماني

أشاد شتيفان إيفنبرج، لاعب الوسط السابق في فريق بايرن ميونخ الألماني لكرة القدم السابق، بالبلجيكي فينسنت كومباني، المدير الفني للفريق البافاري، بعد أن أكمل أول 6 أشهر في مسيرته مع النادي العريق.

وكتب إيفنبرج في عموده على موقع (تي-أون لاين) الإخباري الألماني، اليوم الأربعاء "كومباني يؤدي وظيفته في بايرن بهدوء وجدية سواء خلال تحقيق الانتصارات أو تلقي الهزائم".

أضاف إيفنبرج "بعد المواسم القليلة الماضية المضطربة، أثبت كومباني أنه المدرب الذي يحتاجه بايرن بالضبط".

وتولى كومباني مهمة تدريب بايرن وسط شكوك بشأن قدراته لاسيما بعد هبوط فريقه السابق بيرنلي لدوري الدرجة الأولى الإنجليزي (تشامبيون شيب) في تجربته الأخيرة قبل تعيينه مدربا للفريق الألماني، الذي خرج خال الوفاض دون ألقاب الموسم الماضي، لأول مرة منذ عقد من الزمان تحت قيادة مديره الفني السابق توماس توخيل.

ويعتقد نجم الكرة الألمانية السابق أن كومباني يجمع بين السلطة الطبيعية والمعرفة المتخصصة، حيث تحدث عنه قائلا "إنه دائمًا يصل إلى قلب الموضوع، ويحافظ على الهدوء اللازم".

وتابع "يمكنك أخيرا أن ترى فلسفة لعب واضحة مرة أخرى. هذه هي الطريقة التي يحتاج إليها البطل التاريخي للدوري الألماني من أجل إدارة الأمور".

ورغم ذلك، فإن الأمر كان من الممكن أن يختلف نسبيا حال خسر بايرن أمام لايبزج في مباراته الأخيرة خلال عام 2024، وفقا لإيفنبرج.

وشدد إيفنبرج "لو خسروا أمام لايبزج، لشهدت فترة أعياد الميلاد حالة من عدم الاستقرار على الرغم من هدوء كومباني".

وأنهى إيفنبرج عموده، عقب فوزه بايرن الكاسح 5 / 1 على لايبزج في مباراته الأخيرة بالدوري الألماني (بوندسليجا) قبل العطلة الشتوية، قائلا "إنها نهاية جديرة بالاهتمام للعام، وهي مهمة للغاية بالنسبة لبايرن".

ويتربع بايرن على قمة جدول ترتيب بوندسليجا حاليا برصيد 36 نقطة، بفارق 4 نقاط أمام أقرب ملاحقيه باير ليفركوزن، الذي توج بلقبي الدوري الألماني وكأس ألمانيا الموسم الماضي.

مقالات مشابهة

  • إسرائيل تقتل 5 صحافيين في غزة في قصف سيارتكم التي تحمل رمز الصحافة
  • تحليل عبري: هل تحارب إسرائيل الحوثيين أم دولة اليمن.. وما الصعوبات التي تواجه السعودية والإمارات؟ (ترجمة خاصة)
  • إشادة خاصة بـ كومباني بعد تربع بايرن ميونخ على قمة الدوري الألماني
  • إسرائيل: حماس تراجعت عن التنازلات التي أدت لاستئناف مفاوضات غزة
  • كيف تخنق إسرائيل اقتصاد فلسطين بقوانينها؟
  • الإدارة السورية تدعو لتسليم الأسلحة وتحذير ألماني من حرب بين تركيا والأكراد
  • أردوغان: إسرائيل ستنسحب من الأراضي السورية التي احتلتها
  • عربية هاتشباك ألماني سعرها 150 ألف جنيه .. فبريكا
  • ترتيب الدوري الألماني بعد الجولة 15
  • ارتياح في دورتموند بعد تحقيق أول فوز للفريق خارج ملعبه بالدوري الألماني