تغليظ العقوبات.. هل يحمي البيئة البرية من التعديات؟
تاريخ النشر: 22nd, December 2023 GMT
أكد خبراء ومواطنون أهمية تطوير الجهود المبذولة لمنع المخالفات البيئية التي يرتكبها بعض الأفراد والشركات والحفاظ على الحياة البرية في موسم الشتاء، واستعرضوا بعض الحلول العملية لتشديد الرقابة في المناطق البرية وزيادة الوعي المجتمعي بأهمية الحفاظ على البيئة بما فيها وجود نقاط ثابتة لدوريات الحماية البيئة للحد من التجاوزات التي يشهدها البر بشكل مستمر، وتوظيف التقنيات الحديثة والكاميرات في مراقبة الروض والمحميات الطبيعية في مختلف المناطق، إلى جانب تسوير المزيد من الروض في المناطق البرية لحمايتها من الدهس بالسيارات.
وأكدوا لـ «العرب» أهمية اشراك المواطنين في برامج حماية البيئة والمبادرات المجتمعية لرفع الوعي البيئي، وتشديد الرقابة على الروض في كافة المناطق لمنع «الممارسات الخاطئة» التي «تزدهر» في موسم التخييم، ومعاقبة مرتكبيها وفقاً لأحكام القانون، مشيرين إلى أن سلوك دهس الروض والنباتات البرية يتزايد في موسم الشتاء ويتسبب في تدمير كبير للبيئة والتربة من خلال ما يلحقه من أذى كبير وتدمير للحياة الفطرية والنباتية، فضلا عما يسببه من تشويه لجمال الطبيعة في البر.
ونوهوا بأن الجهات المسؤولة تبذل جهودا كبيرة لحماية البيئة والمناطق البرية بما فيها مجلس الشورى من خلال متابعة وإدراج المخالفات البيئية على جدول أعماله لإصدار قوانين تساهم في حماية البيئة والبر القطري، حيث يبقى دور المؤسسات التنفيذية لضمان تطبيق هذه القوانين على الوجه الصحيح، لافتين إلى أن حماية البيئة مسؤولية جماعية تستدعي التوعية بأهميتها خاصة لمرتادي البر تعزيزاً للحفاظ على الحياة الفطرية في الدولة، فيما طالب آخرون بتغليظ العقوبات لردع المتجاوزين خاصة من يقطعون الأشجار بغرض التدفئة، مشيرين إلى أن الجدية في رصد المخالفات من شأنها ردع المستهترين والتزام مرتادي البر بالشروط والقوانين.
راشد المري: الرقابة الذاتية.. أفضل الطرق
أشار المواطن راشد المري إلى أن بعض المخالفين يتعمد الوقوف بالسيارات داخل الروض وترك المخلفات بالقرب من المحميات ويتجاهل وجود الحاويات المخصصة بالقرب من الطرق الرئيسية والفرعية، ونوه بأن مخالفات منتشرة للأسف رغم القوانين البيئية المفروضة لحماية بيئتنا القطرية، وهو ما يتطلب تشديد الرقابة لا سيما على بعض الروض الأكثر عرضة للمخالفات، نظرا لتزايد الإقبال على البر في مثل هذه الأوقات من السنة، وما يصاحب هذا الموسم من مخالفات متكررة جلها يتمثل في تجريف التربة وهو ما يعد تعديا على أملاك الدولة وتدمير النباتات والأشجار النادرة دون مراعاة أن هذه الأشجار قد تكون معرضة للانقراض، مناشداً بضرورة تكثيف الوعي البيئي من جانب الجهات المختصة من جهة، وتشديد العقوبات على المخالفين من المخيمين الذين يضربون بالقوانين البيئية المُلزمة عرض الحائط دون أدنى مسؤولية- من جهة أخرى.
وقال إن من أبرز المخالفات المتكررة هي إلقاء المُخلّفات وتركها في البر، إضافة إلى اقتلاع بعض الأشجار دون مراعاة أن هذه الأشجار قد تكون معرضة للانقراض، وهو ما يتطلب ضرورة تكثيف الوعي البيئي من جانب الجهات المختصة، فضلاً عن الحس والرقابة الذاتية لدى كل شخص للحفاظ على البيئة وجمال الطبيعة، مؤكداً على ضرورة التزام المخيمين بالآداب العامة وعدم إزعاج الآخرين والتعدي على راحتهم من خلال استخدام البعض لمكبرات الصوت والعبث بالسيارات أو الدراجات النارية بطريقة عشوائية تعرض حياة الآخرين للخطر.
المهندس عبدالله محمد: كاميرات مراقبة لرصد المخالفات
أكد المهندس عبدالله محمد أهمية توظيف التقنيات الحديثة والكاميرات في رصد المخالفات البيئية ومراقبة الروض والمحميات الطبيعية في مختلف مناطق الدولة، إلى جانب تسوير المزيد من الروض في المناطق البرية لحمايتها من الدهس بالسيارات، وغيرها من الممارسات السيئة التي تلحق الأضرار بطبيعة الروض من خلال تجريف التربة او ابطاء دورة نمو الاعشاب والاشجار البرية، منوها بأن يكون التسوير مقرونا بزيادة التوعية - بأهمية الحفاظ على البيئية - والتي تتضمن شرحا لتأثير الممارسات الخاطئة على الحياة الفطرية، ودعا مرتادي البر لاحترام الروض وعدم الدخول بالسيارات والدراجات النارية إليها إلا من خلال الطرق الممهدة، حتى لا يتسبب ذلك في إعاقة دورة نمو النباتات والشجيرات والأشجار جراء الدهس.
وأكد أهمية التوعية البيئية لأنه لا شيء يمنع التجاوز سوى الوعي والإدراك والإحساس بالمسؤولية، مشيرا الى ان التوعية يجب أن تتم بالشكل الصحيح من خلال شرح تأثير هذا الفعل، والإجابة على أسئلة (لماذا يجب أن يفعلوا كذا وكذا، وما هي أهمية الموضوع)، لا ان تكون التوعية على طريقة (افعل ولا تفعل).. لأن الشخص حين يدرك سبب وجوب قيامه أو عدم قيامه بفعل معين تزيد استجابته للتعليمات. وأوضح انه رغم إيجابية ظاهرة ارتياد البر إلا أن بعض السلوكيات التي تمارس من قبل البعض جعل منها معول هدم للبيئة، من خلال الاعتداء على الأشجار وتكسيرها بحجة الاستفادة من حطبها، وترك المخلفات التي لا تتحلل في التربة، وغيرها من السلوكيات السلبية التي تضر بالبيئة بدل أن تكون عاملاً مساعداً لنموها وسلامتها في خدمة الإنسان، مشيرا الى ضرورة زرع المفاهيم التي تشجع على احترام الشجرة وتربيتها في ثقافة مجتمعاتنا، وتشجيع الحركات والمبادرات التي تنادي بالحفاظ على البيئة والأشجار.
الدكتور سيف الحجري: نظافة البيئة واجب الجميع
أكد الدكتور سيف بن علي الحجري رئيس برنامج «لكل ربيع زهرة» ومركز أصدقاء الطبيعة أهمية رفع الوعي البيئي لدى رواد المناطق البرية في فصل الشتاء للحفاظ على الموارد البيئية من العبث بما فيها بعض التصرفات غير المسؤولة، مشيدا بجهود التوعية التي أطلقتها الجهات المختصة لرفع الوعي بأهمية البيئة والحفاظ عليها، لافتا إلى أن الحفاظ على البيئة واجب على الجميع بما فيها الحفاظ على الحياة الفطرية والأشجار مؤكدا أن الاعتداء على حرمة الأشجار وتقطيعها بغرض التدفئة يهدم القيمة التراثية والبيئية للأشجار، في حين يجب إبداء الحرص على الحفاظ عليها لأنها تمثل موروثاً مهماً.
وأكد الدكتور الحجري على أهمية شيوع ثقافة مسؤولية الفرد والمجتمع تجاه احترام الحياة البرية ونظافة البيئة، ورفع مستوى الوعي البيئي بين مرتادي المناطق البرية للمحافظة على البيئة الطبيعية، والحياة الفطرية في بر قطر، وتوعية مرتادي تلك المناطق بعدم التعرض للأشجار حيث يلجأ البعض لإشعال النار تحت الجذوع الكبيرة لتلافي حركة الرياح حيث يبدأ تكون نوع من الفراغ بتأثير اللهب ويتآكل جذع الشجرة في النهاية لتهرم وتسقط.. علينا أن نراعي هذه الحياة الموجودة لأن البيئة تتعرض أصلا لقساوة المناخ وتحتاج إلى الاهتمام بينما عدم الاهتمام بها يعني أننا لن نجد متعة في البر.
وأضاف د. الحجري: يجب أن نشعل النار في مكان مناسب ثم نترك المكان بأفضل مما كان وهذا لا يتطلب وقتا وجهدا كبيرين، لأن هذا المكان سيتم استخدامه أكثر من مرة أو من جانب أكثر من شخص.. فلا بد أن نراعي قيم الحياة في البر أسوة بآبائنا وأجدادنا الذين حرصوا عليها لأن المنافع التي جنوها كانت مباشرة أما الجيل الحالي فهو لا يرى منافع مباشرة فلا بد من تكثيف برامج التوعية في هذا المجال، على غرار برامج المؤسسة العامة للحي الثقافي كتارا لربط الناس بالحياة البرية والاستمتاع بأجوائها.. أن نترك المكان بأفضل مما كان هو شعار يجب أن يرفعه هواة البر.. وإذا وجدنا مخالفات بقطع الأشجار للتدفئة أو رمي المخلفات فهي سلوكيات لا يجب أن نقتدي بها بل يجب تصويبها والتنبيه على أضرارها لأن تصحيح أخطاء الآخرين يعتبر صدقة.. ويؤكد حسك ووعيك البيئي وحبك لوطنك لأن حب الوطن هو التزام بالقوانين وليس رفع للأعلام.. ونحن نهيب بالشباب والأسر تدريب أطفالهم على احترام الحياة البرية لأن هذا سلوك وليس معرفة فالمخالفات يرتكبها خريجو جامعات وهي ليست قصة معرفية بل سلوكية لا بد أن تنمى منذ الصغر وهي مسؤولية الأسر الحاضنة ثم مسؤولية المناهج المدرسية ودور التعليم غير الصفي في تعزيز قيم التعامل مع البيئة.. وهي قيم إسلامية أولا وأخيرا تحث على حسن التعامل مع النعم.. وإن جزءًا كبيراً من الكائنات في البر القطري كالحيوانات البرية والطيور تواجه الموت في البر لأنها تأكل ما يخلفه الناس في رحلاتهم كالمواد والقطع البلاستيكية.
علي الحنزاب: وجود نقاط ثابتة لدوريات الحماية
دعا الناشط البيئي علي الحنزاب، صاحب «مبادرة علي الحنزاب للتشجير ومكافحة التصحر» المواطنين إلى المشاركة في حماية البيئة والموارد الطبيعية لضمان استدامتها حفاظًا على حقوق الأجيال القادمة.
وأكد على ضرورة عدم التهاون مع المخالفين الذين يرتادون البحر أو البر خصوصاً في عطلة نهاية الأسبوع، مع تشديد الرقابة لحماية الروض من التعديات، وتغليظ العقوبة على من يقطعون الأشجار بغرض التدفئة، مشيراً إلى أن الجدية في رصد المخالفات من شأنها ردع المستهترين والتزام مرتادي البر بالشروط والقوانين، أما أصحاب التراخيص فهم ملتزمون – اجمالا – بالقوانين البيئية.
واقترح وجود نقاط ثابتة لدوريات الحماية البيئية للحد من التجاوزات التي يشهدها البر بشكل مستمر، سواء من قبل أصحاب العزب او اصحاب المخيمات، والمرور على مواقع العزب والمخيمات بشكل يومي للتأكد من التزام اصحابها بالاشتراطات والقوانين البيئية لحماية خيرات المناطق البرية مع دخول فصل الشتاء ممن يستغلونها للتحطيب أو بيعها في هذه الأوقات. داعيا المخيمين إلى تقدير القيمة التراثية والبيئية للأشجار والحفاظ عليها لأنها تمثل موروثاً هاماً. منوها بضرورة اختيار (القِطع الجافة) دون التعرض لأغصانها الخضراء بالكسر والإتلاف.
وأكد ان المخالفات البيئية بما فيها سلوك دهس الروض والنباتات البرية يتزايد في موسم الشتاء ويتسبب في تدمير كبير للبيئة والتربة من خلال ما يلحقه من أذى كبير وتدمير للحياة الفطرية والنباتية، فضلا عما يسببه من تشويه جمال الطبيعة في البر.. وهو سلوك متكرر ويعد جريمة يقترفها بعض الأشخاص في حق البيئة الفطرية لا تقل أثرا سلبيا عن ظاهرة الاحتطاب الجائر وقطع الأشجار بأسلوب عبثي تخريبي لمجرد اللهو وكذلك الرعي الجائر وكلها مخالفات تتكرر كثيرا في مثل هذه الأوقات من العام وتؤدي إلى تدهور شديد للبيئة القطرية بما فيها المحميات والروض والمراعي.
وأكد الحنزاب على ضرورة نشر الوعي البيئي في أوساط الشباب ولا سيما طلبة المدارس بشكل ممنهج وبالتنسيق مع الإدارات المدرسية والمؤسسات المعنية وذلك لغرس مفهوم الثقافة البيئية في نفوس النشء وحمايتها.
وقال انه رغم إيجابية ظاهرة ارتياد البر إلا أن بعض السلوكيات التي تمارس من قبل البعض جعل منها معول هدم للبيئة، من خلال الاعتداء على الأشجار وتكسيرها بحجة الاستفادة من حطبها، وترك المخلفات التي لا تتحلل في التربة، وغيرها من السلوكيات السلبية التي تضر بالبيئة بدل أن تكون عاملاً مساعداً لنموها وسلامتها في خدمة الإنسان، مشيرا إلى ضرورة زرع المفاهيم التي تشجع على احترام الشجرة وتربيتها في ثقافة مجتمعاتنا، وتشجيع الحركات والمبادرات التي تنادي بالحفاظ على البيئة والأشجار.
ورأى أن التحطيب الجائر وقطع أشجار السمر وغيرها للاستفادة منها هي احدى المخالفات التي يتورط بعض هواة البر في ارتكابها خلال الشتاء، سواء عن وعي او عن غير وعي بالقوانين والتشريعات التي سنتها الدولة وهدفت إلى حماية البيئة ومعاقبة كل من يتطاول عليها.
5 مقترحات لمواجهة تعديات البر
في حين تحرص الجهات المسؤولة على ضمان استمرارية حماية البيئة، باعتبارها من ركائز التنمية البيئية وضمن رؤية قطر الوطنية 2030، فقد كانت حماية البيئة من المخالفات، محور أحد طلبات المناقشة العامة الذي تقدم به عدد من أصحاب السعادة أعضاء مجلس الشورى، حول مخالفات بعض الأفراد والشركات وتأثيرها على البيئة البرية. حيث نبهوا إلى خطورة التعديات على البيئة وعلى الروض والحياة الفطرية فيها، عبر إلقاء مُخلفات البناء والنفايات، أو الرعي الجائر، وغيرها من الممارسات المُضرة بالبيئة، على الرغم من وجود قوانين وتشريعات تجرّم تلك السلوكيات، وتضمنت مقترحاتهم تسوير الروض بسياج يمنع دهسها، إقامة العزب الجوالة بعيدًا عن الروض بعد أن نجمت عنها آثار سلبية على البيئة، وكذلك التوسع في منح خاصية الضبط القضائي للمختصين في البيئة حتى يتمكنوا من مهامهم على الوجه المطلوب، مع ضرورة تحسين رواتب العاملين في الضبط القضائي والمفتشين البيئيين.
كما اقترح عدد من الأعضاء تكوين لجنة مؤقتة تناقش موضوع البيئة البرية وترفع توصياتها لمجلس الشورى، بعد أن تستمع إلى آراء المختصين في البيئة وتضمّن آراءهم في تقريرها للوصول إلى رؤية واضحة بشأن معالجات البيئة التي وصفوها بأنها إرث للأجيال المقبلة. كما تضمنت المقترحات وضع ضوابط للرعي في المناطق البرية بما أن الرعي الجائر وقطع الأشجار جعل الكثير من المناطق قاحلة تفتقر للغطاء النباتي.
إلى جانب تعزيز التعاون بين الجهات الأكاديمية والبحثية في الشأن البيئي لكون هذا النوع من التعاون يجد حلولًا للكثير من المشكلات البيئية، وتغليظ العقوبة لمرتكبي مخالفات البر والتدمير الذي يحدث في الروض بالمناطق البرية عقب الأمطار وما بعدها بقطع الأشجار وحرقها لأنها تصرفات غير مسؤولة تنتج من جهل العواقب التي تنعكس على البيئة البرية.
المصدر: العرب القطرية
كلمات دلالية: قطر الحياة البرية موسم التخييم المخالفات البیئیة الحفاظ على البیئة فی المناطق البریة الحیاة الفطریة البیئة البریة الحیاة البریة حمایة البیئة الوعی البیئی على الحیاة وغیرها من بما فیها فی البر من خلال فی موسم إلى أن یجب أن
إقرأ أيضاً:
حكم أكل الحيوانات البحرية من غير الأسماك
أجابت دار الإفتاء المصرية عن سؤال ورد لها عبر صفحتها الرسمية، جاء مضمونه كالتالي: ما حكم أكل الحيوانات البحرية من غير الأسماك؟.
قالت دار الإفتاء أن جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة أجازوا أكل حيوان البحر ما لم يكن في أكله ما يتضرَّر به الإنسان في صحته؛ كأن يكون سامًّا أو محمَّلًا بالأمراض أو غير ذلك، مما يُعْلَمُ بالرجوع إلى أهل الاختصاص؛ لما قد تقرَّرَ في القواعد الفقهية أنه "لا ضَررَ ولا ضِرارَ"، واستثنى بعض الشافعية من الإجازة ما كان له نظير محرم في البر، واستثنى الحنابلة ما كان مستخبثًا؛ كالضفدع، ولهم في ذي الناب "كالتمساح" روايتان.
حكم أكل السمك
وأوضحت الإفتاء أن الأصل في كل ما خرج من البحر من الأطعمة هو الإجازة؛ لعموم قوله تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ﴾ [ المائدة: 96].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في البحر: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» أخرجه الإمام مالك في "الموطأ"، وعنه الإمام الشافعي في "الأم" والإمام أحمد في "المسند"، وأصحاب السنن الأربعة، وصححه البخاري والترمذي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم.
آراء المذاهب الفقهية في أكل ما يخرج من البحر من الدواب من غير الأسماك
وأضافت الإفتاء أن العلماء اختلفوا فيما يخرج من البحر من الدواب من غير الأسماك:
فعند الحنفية: أنه يكره كراهة تحريمية أكل ما سوى السمك من دواب البحر؛ لأن ما سوى السمك خبيث والخبائث محرمة.
وعند المالكية: أنه يباح أكل كل ما يخرج من البحر، سواء كان طافيًا أم غير طافٍ.
وعند الشافعية: ذهبوا إلى التفرقة في حيوان البحر؛ بين ما لا حياة له إذا خرج من الماء، وما له حياة خارج الماء (البرمائي).
فأما ما لا حياة له خارج الماء، وهو كالسمك بأنواعه: فأكله حلال مطلقًا بلا خلاف.
وأما ما له حياة خارج المياه: فعلى ثلاثة أقوال: الحل، والحرمة، والتفرقة بين ما له نظير حلال في البر فيحل، وما لا فلا؛ قال الإمام النووي الشافعي في "المجموع شرح المهذب" (9/ 31، ط. دار الفكر): [فقال أصحابنا: الحيوان الذي لا يهلكه الماء ضربان: (أحدهما) ما يعيش في الماء وإذا خرج منه كان عيشه عيش المذبوح، كالسمك بأنواعه؛ فهو حلال ولا حاجة إلى ذبحه بلا خلاف؛ بل يحلّ مطلقًا سواء مات بسببٍ ظاهرٍ كضغطة أو صدمة حجر، أو انحسار ماء، أو ضرب من الصياد، أو غيره، أو مات حتف أنفه، سواء طفا على وجه الماء أم لا، وكله حلال بلا خلاف عندنا.
وأما ما ليس على صورة السموك المشهورة، ففيه ثلاثة أوجه مشهورة: ذكرها المصنف في "التنبيه"، وقال القاضي أبو الطيب وغيره: فيه ثلاثة أقوال:
أصحها: عند الأصحاب يحلُّ الجميع، وهو المنصوص للشافعي في "الأم" و"مختصر المزني" واختلاف العراقيين؛ لأن الصحيح أن اسم السمك يقع على جميعها، وقد قال الله تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ﴾، قال ابن عباس رضي الله عنهما وغيره: "صيده: ما صيد، وطعامه: ما قذف"؛ ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الْحِلُّ مَيْتَتُهُ».
والوجه الثاني: يحرم، وهو مذهب أبي حنيفة.
الثالث: ما يؤكل نظيره في البر كالبقر والشاة وغيرهما: فحلال، وما لا يؤكل كخنزير الماء وكلبه فحرام؛ فعلى هذا ما لا نظير له حلال] اهـ.
وعند الحنابلة: أنه يباح أكل كل حيوان البحر إلا الضفدع؛ لكونه من المستخبثات، والتمساح؛ لكونه ذا ناب على أحد القولين، وكل ما له نظير محرم في البر كالخنزير؛ قال الإمام ابن قدامة في "الكافي في فقه الإمام أحمد" (1/ 558، ط. دار الكتب العلمية): [حيوان البحر يبــاح جميعه؛ لقول الله تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ﴾ [المائدة: 96]، إلا الضفدع؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن قتلها؛ ولأنها مستخبثة.
وكره أحمد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ التمساح؛ لأنه ذو ناب، فيحتمل أنه محرم؛ لأنه سبع، ويحتمل أنه مباح للآية. وقال ابن حامد: يحرم الكوسج؛ لأنه ذو ناب، وقال أبو علي النجاد: لا يؤكل من البحري ما يحرم نظيره في البر، ككلب الماء وخنزيره وإنسانه، والأول أولى] اهـ.