قف! أيّها التاريخ، ودوّن تاريخ الخطاب!
تاريخ النشر: 22nd, December 2023 GMT
يمانيون../
خطابٌ ليس ككل الخطابات، بلاغةٌ تتجاوز حدود اللغات، قريبٌ إلى القلب كأنّه القلب، مندمجٌ مع الروح حتى تحار أيهما الرّوح! هل أنت روح الخطاب أم أن الخطاب روحك أنت!
هل استمعت إليه أم أنك استمعت إليك، لسانه هو أم لسانك أنت، قلبه هو أم قلبك أنت، أم أن السّيّد اليوم كان فقط، كان وحسب، كان ولا أقل:
صوت الأمة، وقلب الأمة، وروح الأمة!
على هذا النحو فلم يكن خطاب السيّد اليوم بالنيابة وإنّما بالإصالة: عنه، عن اليمن، عن العرب!
عن كافة المسلمين في هذه الأرض، وعن كل الأحرار في أرجاء الدنيا!
لقد اتحد الكلّ بالكلّ وعبّر الجميع عن الجميع، ولهذا فقد كان صوته اليوم إذ يرتجّ تهتزّ معه قلوب كلّ المستضعفين محبّةً.
ليكن بعد هذا الخطاب ما يكن لأننا- ما لم يكن خطابنا على هذا النحو- لم نكن! ولأن الشعوب التي ترضى بالذّل كأنّها لم تكن، وإذا لم نقم بهزّ أركان الدنيا كُرمى لعيون قلوبنا في غزة فليت أنّنا لم نكن، ولأنّ أميركا، لو قلنا صوتنا بالأمس بنفس قوّته وعنفوانه وصدقه اليوم، لم تكن!
كنا، قبل اليوم، نبحث عن صوتنا، نفتش عنه في الأركان وبين الزوايا، نهرب من واقعنا إلى التاريخ المجيد والمحكيّات الغابرة، نحاول انتزاع الصوت منها إلى ما شاء الله فلا نسمع لها صدى، ونصرخ عبر المدى “واعزّاه” فلا يرجع الصّدى، تذهب وفودنا إلى أعماق التّاريخ فلا ترجع، ونرسل أصواتنا إلى حُكّام الذّل فلا تُسمع!
ننفخ حكامنا لنا فينتفخون علينا، نحصد لهم كل ما في قلوبنا من عنفوان فيجمعون ما حصدناه وينثرونه في الهواء، ثمّ يركعون على أبواب أميركا بقلبٍ مستكينٍ وفرائص مرتعدة!
ألا تبّت يدا كلّ حاكمٍ ذليل، وكلّ مُترَفٍ عميل، وكلّ موقفٍ هزيل، وكلّ وجوهٍ بلا ماء، وكلّ حياةٍ بلا كرامة!
لهذا فنحن اليوم نحتفي بصوتنا، سمعناه اليوم وقد كان شجيّا، ينضح بالكرامة والعزّة والشرف- كلّ الشّرف- صادقًا، واضحًا بلا لبسٍ، نديّا.
مرحبًا بصوتنا إذن، بكرامتنا كما ينبغي وشرفنا لا ينقص قيد أنملة، ومرحبًا برسالتنا الواضحة إلى التاريخ:
فلتتذكّر، أيّها التّاريخ، هذا اليوم جيّدًا،
فلتستمع إلى هذا الخطاب كما ينبغي،
ولتقل لكلّ من يمرّون على هذه الصفحة، ذات يوم:
لقد مرّ على هذه الصفحة جيلٌ لم يمت،
وحينما ذهب إلى الله، لم يذهب ورأسه محنيّة!
مصطفى عامر
المصدر: يمانيون
إقرأ أيضاً:
حتى لا تقع الفأس بالرأس
حتى لا تقع الفأس بالرأس
د. #هاشم_غرايبه
بما أن الثورة السورية إسلامية الطابع، فالعيون كلها مشرئبة اليها، سواء منها المخلصة، فهي قلقة خائفة على فرحة الشعب بالتحرر أن توأد، مثلما وئدت فرحة المصريين والتونسيين والليبيين واليمنيين قبلا، عندما تم الإلتفاف على ثوراتهم وأعيدوا مرة أخرى الى حظيرة سايكس بيكو.
والعيون المشرئبة الأخرى هي المتربصة شرا بمنهاج هذه الأمة ورسالتها الدعوية للعالمين، فكرست همها بالإرصاد بعقيدتها، والعمل على الصد عن اتباع منهج الله في الحكم، فهؤلاء يبحثون عن أية ثغرة ينفذون منها لتحقيق مبتغاهم.
وهؤلاء المتربصون صنفان: الأول هم منافقو الأمة، وهم مسلمون بالوراثة أو تقية، لكنهم غير مؤمنين، بل يظنون أن اتباع الدين تخلف ورجعية.
والثاني هم أعداؤها المستعمرون الطامعون تاريخيا بها، ولأنهم يعلمون أنهم ما تمكنوا منها إلا بعد سقوط الدولة الإسلامية، لذلك يقفون بالمرصاد لكل محاولة لعودتها.
إن كل أبناء الأمة المخلصين يدعون الله أن يحمي سوريا من كيد الكائدين، وأن يلهم قادتها الصواب، فينجحون بإدارة الحكم، مثلما نجحوا في إدارة معركة التحرير وتنجو الأمة كلها بنجاتهم.
لتحقيق هذا الهدف الجليل، هنالك الكثير مما يجدر التنبيه له مبكرا، وأهمها:
1 – في ظل الأجواء الغائمة التي تسود بدايات الثورات، يختلط الغث بالسمين ويكثر الانتهازيون واللصوص، وهؤلاء يجيدون التخفي والتظاهر بالتقوى والصلاح، لذلك فأول ما يجب يجب الحذر منهم هم أولئك اللذين يطيلون اللحى ويرتدون الدشاديش القصيرة ويضعون المسواك في جيبها العلوي، فيجب التحقق من تاريخ الشخص، والتدقيق في سيرته وتعاملاته، قبل اسناد أي منصب أو مهمة، فقد يكون من هو علماني المظهر وكفوءاً أنفع وأنجح.
كما يجب أن لا يتم إيلاء المناصب كأعطيات أو مكافآت لمن أبلوا بلاء حسناً في القتال، ولا أن يولى المسؤول حسب التفقه بالدين، على حساب الكفاءة والتأهيل، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة، فقد رفض تولية أبي ذر رغم علمه الغزير، لعلمه بضعف إدارته.
2 – مع الأخذ بمبدأ مشاركة الجميع، وعدم حرمان الأقليات الذين كانوا يؤيدون النظام البائد، إلا أن ذلك لا يعني تولية المناصب العليا أو الحساسة لمن لا تؤمن بوائقهم، فالعرف السائد في الدول الغربية التي تدّعي أنها توفر العدالة وتلتزم بمبادئ الديموقراطية، أن كل حاكم جديد يسعى لتولية المناصب الحساسة لمناصريه، وحجته في ذلك أنهم ينفذون برامجه وخططه، بصورة أدق، وبإخلاص أكثر ممن يؤيدون الطرف الآخر.
لذلك يجب الاتعاظ بتجربة مرسي، إذ كان حريصا كثيرا على ابعاد شبهة إقصاء الآخرين من غير الإسلاميين التي كانت جاهزة لرميه بها مهما فعل، فبالغ بإكرام المعادين له فعين أربعة محافظين من جماعته فقط، فيما أعطى الآخرين 14 محافظا، كما ترك قيادات القوات المسلحة والمخابرات كما هي، وخوفا من اتهامه بخنق الحريات سمح للمعادين لنهجه بتشكيل حركة تمرد، ليتبين أن كل تلك التساهلات، هي التي أدت الى سقوط نظامه والعودة الى أسوأ من النظام المباركي.
3 – يجب عدم الانجرار وراء الدعوات البريئة في بعضها والمريبة في أغلبها الى ارساء مبادئ الديموقراطية وحرية الرأي، فخطورتها أنها تتيح للمنافقين الحرية في الدس والتأليب حياكة المؤامرات، وتفتح الباب للأصابع الخارجية لتخريب المنجز.
لا يضير السوريين المقهورين والمحبوسة أنفاسهم منذ نصف قرن أن ينتظروا بضعة شهور أخرى، قبل أن يستعيدوا نسائم الحرية، كما أنهم سيتحملون ضيق العيش قليلا الى ان تستعاد ثروات وطنهم المنهوبة من قبل النظام السابق، ويتعافى اقتصاد بلادهم.
لذلك يجب تأخير استكمال بناء الدولة الديموقراطية العادلة الى أن يستتب الأمن وتستقر الأوضاع، وإبقاء السلطة بيد قيادة الثورة، وعدم التسرع في تسليمها الى قيادة منتخبة قبل نضج الظروف التي تكفل استقرار الأوضاع الأمنية والسياسية.
4 – كما يجب التنبه لسوء النية في مطالبات البعض الذين يزعمون أنهم يريدون الاطمئنان الى أن الأمر ليس من تدبير الشيطان الأكبر وكيانه اللقيط، فلا يلجأ القادة الى رفع شعارات أكبر من قدرة البلاد حاليا، بل التعامل في السياسة الخارجية بحكمة وحذر، فليس مطلوبا الآن من سوريا تحرير فلسطين ولا حتى الجولان، بل بناء القوة والإعداد اعتمادا على علاقات ود وصداقة مع الأقطار العربية والإسلامية لتأسيس قاعدة صناعات مدنية وعسكرية وازنة.
والله الموفق.