مصر.. «الكتلة الحرجة» للإقليم
تاريخ النشر: 21st, December 2023 GMT
فى المنعطفات الحادة تظهر «الكتلة الحرجة»، تقوم بسلسلة تفاعلات مستمرة، تساعد المجتمع على التماسك والنهوض.
«الكتلة الحرجة» مفهوم فيزيائي، انتقل إلى المجتمع، تحت مسمى الكتلة الحرجة البشرية، وتظهر عند وزن وحجم مناسبين.
نفس المفهوم يمكن أن تمثله دولة معينة فى إقليم محدد، يعانى من هشاشة سياسية واجتماعية، وينظر إليه كمنطقة رخوة، تصلح لتنفيذ المخططات الخطيرة.
والإقليم العربى يعانى من هذه النظرة، ويتخبط فى ظلام مجهز، سواء بثورات ملونة، أم معارك ميلشيات، أم عدوان نازى كالذى يجرى فى غزة.
الشاهد أن هذا الإقليم المتخم بأحداث التاريخ، الثرى بالجغرافيا، فى حاجة إلى دول «الكتلة الحرجة» هذه، وحسب التعريف للكتلة من حيث الوزن والحجم المناسبين، فإن مصر تحظى بهذه المكانة، وتمثل عن حق «كتلة الإقليم الحرجة» القادرة عبر سلسلة من التفاعلات على المسرح الإقليمى والدولى، على تغيير المسار، ومنع الانزلاق الخطير.
لا شك أن مصر اجتازت الاختبارات القاسية التى ضربت الإقليم العربى خلال العقود الثلاثة الماضية، بدءا من الاندفاع الأمريكى لغزو العراق العربي، واعتباره منصة لنشر الديمقراطية الأمريكية الخشنة، مرورا بالاختبار الأقسى تاريخيا عبر ثورة ملونة، تفاعلت فيها كل القوى العالمية فى محاولة بائسة لكسر نواتها الصلبة، واصطناع ثورات شبيهة راحت تضرب عمق المحيط الجغرافى القريب والبعيد، ونهاية بما يجرى من محرقة بشرية ترتكبها إسرائيل فى غزة، بمشاركة مباشرة من أمريكا وبعض دول الاتحاد الأوروبي.
إذا ما نظرنا إلى خريطة الإقليم العربي، من موريتانيا إلى العراق، ومن سوريا إلى الخليج، لوجدنا أن مساحة 14 مليون كيلومتر مربع، تدور على مسارحها كل الألعاب الإستراتيجية الدولية.
الشاهد أن مصر اجتازت اختبارات وجودية أقسى من ألعابهم الإستراتيجية، اجتازتها بصبر إستراتيجى نادر، وراحت تنظر بإمعان إلى تحركات قوى من خارج الإقليم بمساعدة من بعض أطرافه الهشة، بعيدة وقريبة، وكانت تستعد للانقضاض على المكان والمكانة، تساعدها قوى دولية لملء ما يسمى “الفراغ” أو هكذا كانت تظن هذه القوى، وحين دقت ساعة الحظ، وجدت نفسها عاجزة عن صد البيدق الإسرائيلى لما انقض على غزة، بينما جاء صوت مصر “عتيقة الحضارة والدور” واضحًا يرسم خطوطًا حمراء، يعبر عن رفضه القاطع لتصفية شعب فلسطين على مذبح الخوف الإقليمي.
والخوف الإقليمى بلغ عنان السماء، وحتى يتخلص من هذا المرض، عليه أن يصطف، سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا، إلى جانب دولة الكتلة الحرجة عن حق، وقد خبرت الحرب والسلام، ودروب الدفاع عن أبناء الإقليم فى الزمن السحيق، والزمن القريب، وتعلم بتحركات البيادق على رقعة الشطرنج، ولا تخشى الحدود الملتهبة، ولا زنار النار المضروب حولها فى الغرب والجنوب والشمال الشرقي، وتعرف كيف تجتاز المضيق الاقتصادى المرتب، وتؤمن بأن خراج كل هذه المخططات سيمر كالسحاب فى سماواتها، ثم يعود إليها، هكذا تكون: الدولة الأمة، والدولة الإقليم القاعدة، والكتلة الحرجة.
مهدي مصطفى — بوابة الأهرام
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً: