يرى باحثون ومحللون سياسيون أن ما يوصف بحرب الصورة ليس أقل ضراوة مما يحدث في ميدان المعارك، وهو ما يحدث في الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة منذ أكثر من شهرين.

وتطرقت الوقفة التحليلية اليومية على قناة الجزيرة "غزة.. ماذا بعد؟" إلى موضوع حرب الصورة، على خلفية الفيديوهات التي تبثها المقاومة الفلسطينية في إطار الحرب النفسية مع الاحتلال وآخرها، فيديو لـ3 أسرى إسرائيليين قتلهم الاحتلال في غزة.

ومن وجهة نظر الباحث الأول في مركز الجزيرة للدراسات، الدكتور لقاء مكي، فإن حرب الصورة توازي المعارك في الميدان وأحيانا تتفوق عليها، معتبرا أن الدعاية هي جزء أساسي من عمل الجيوش، لكنها تعتمد على نتائج الميدان، فإذا كان الجيش منهزما فلا يمكنه أن يخلق حالة نصر، كما يحدث مع إسرائيل.

وأضاف مكي أن إسرائيل في حربها الحالية على قطاع غزة خسرت مجمل آليتها الدعاية التي بنتها على مدى 70 عاما، إذ شهد العالم كيف أنها تدمر وتقتل المدنيين بطريقة انتقامية بشعة، وأظهرت أنها ظالمة وليست مظلومة كما ظلت تروج عبر دعايتها، وأنها لا تريد السلام، لأنها تمارس الإرهاب بشكل واضح وعلني.

وخلص الباحث الأول في مركز الجزيرة للدراسات إلى أن إسرائيل "خسرت حرب الصورة، لأنها فشلت في الميدان، وأرادت الانتقام من الميدان الذي فشلت فيه بقتل المدنيين، فخسرت في الجانبين".

ومن جهته، أشار الكاتب والمحلل السياسي، إياد القرا إلى أهمية الفيديوهات التي تبثها المقاومة الفلسطينية لدى المواطن الفلسطيني في غزة، وكذلك خطابات أبو عبيدة المتحدث العسكري باسم كتائب عز الدين القسام -الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)- والتي قال إنها بوصلة أهل القطاع لمعرفة اتجاه الأحداث.

وبينما أكد أن حركة حماس ورغم الظروف الصعبة التي تمر بها، تعمل على بناء صورة في مواجهة إسرائيل التي قال إنها تعيش كابوس الصورة. قال القرا إن الاحتلال الإسرائيلي يبحث عن صورة نصر، ولم يحصل عليها حتى الآن، وإن صورته تشوهت، وهو يفقد عمليا شرعية الصورة على مستوى العالم بسبب المجازر التي ترتكبها بحق الفلسطينيين في غزة.

مقاتلون بالكاميرا

كما نوّه الكاتب والمحلل السياسي- الذي كان يتحدث لبرنامج "غزة.. ماذا بعد؟" من خان يونس بغزة إلى الدور الذي يلعبه من أسماهم المقاتلين بالكاميرا والكلمة والتسجيل والصوت، حيث ينقلون الصورة الإنسانية لما يحدث في غزة، رغم أن الاحتلال يحاول تغييب الصورة عن العالم بقطع الاتصالات، مشيرا إلى حدوث تحول في العمل الإعلامي مقارنة بالحروب السابقة.

وبالنسبة لوقع حرب الصورة على الإسرائيليين، يرى رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة الخليل بلال الشوبكي أن هناك إدراكا شديدا لخطورة الصورة لدى النخبة وصناع الرأي والقرار، ويعلمون أن الفيديوهات التي تبثها المقاومة الفلسطينية في غزة هي جزء من الحرب النفسية ولها تأثير على الإسرائيليين.

وأضاف الشوبكي أن الفيديوهات والمادة الإعلامية التي تنشرها المقاومة الفلسطينية تهدف إلى زرع الشك لدى المجتمع الإسرائيلي وزرع الارتباك في صفوف جيش الاحتلال، وهو ما حصل له عندما أطلق النار على محتجزين إسرائيليين لدى المقاومة.

ويعتقد كثير من الخبراء الإسرائيليين- بحسب الشوبكي- أن الأخطر في الفيديوهات التي تبثها المقاومة هي أنها عملت على 3 مستويات، ففي بداية الحرب كانت هناك تسجيلات وفيديوهات تشير إلى إنسانية الفلسطيني، التي كثفتّها في مرحلة إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين، ومستوى الهجوم، حيث إن كثيرا من التسجيلات والفيديوهات كانت موجهة للمجتمع الإسرائيلي، ثم مستوى الردع، وبدأ أمس الأربعاء من خلال بث تسجيل خاص بإمكانية التصنيع في غزة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: المقاومة الفلسطینیة فی غزة

إقرأ أيضاً:

البنايات المهدمة.. سلاح فعال بيد المقاومة في غزة؟

عمدت إسرائيل إلى تدمير أكبر عدد من البنايات في غزة، بوسع طائراتها أن تضربه، وهي تظن أن مثل هذا الفعل سيسهل مهمة تقدم قواتها نحو أنفاق المقاومة وكمائنها، لكن لم يلبث فعلها أن ارتد عليها، فتحولت الخرائب والركام إلى واحدة من نقاط ضعف الجيش الإسرائيلي في حربه على غزة.

تحفر قوات المشاة في الجيوش النظامية خنادق، أو تقيم سواتر ترابية وخرسانية، إن كانت في مهمة دفاعية، وتشق فجاجًا صعبة إن كانت في حالة هجوم، وتفعل كل هذا لتسهيل مهمتها في اصطياد عدوها، أو صده، أو فتح طريق الوصول إليه. ويطلق العسكريون على المساحات المفتوحة "الأرض الصعبة"، لأن القوات تكون مكشوفة أمام العدو، بينما الأماكن ذات التضاريس الوعرة هي "الأرض السهلة"، لأن الطبيعة يمكن أن تعمل لصالحها.

"فن الحرب"

في كل الأحوال تعد الأشياء المادية الثابتة، من غابات وحدائق، ومن بيوت وشوارع، ومن تلال وتبّات وكثبان، ومن أنهار وترع وقنوات ري، جزءًا أصيلًا من مسرح العمليات العسكرية التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار، حال وضع خطط القتال وإحكامها، بحيث يتم تحويل موجودات البيئة إلى عنصر مساعد للقوات في الهجوم والدفاع.

وينصح سون تزو، في كتابه الكلاسيكي "فن الحرب" بتجنب الحروب في المدن، لاسيما إن كانت ذات أسوار عالية، لأنها تستهلك طاقة القتال، وتعمل لصالح سكانها الأصليين. فحروب المدن موصومة بعدم اليقين والتقلب والتعقيد والمخاطر التي يصنعها تداخل منشآت عسكرية ومدنية. ولذا كان جل الجنرالات، على مدار التاريخ، يكرهون القتال في المدن، ويسعون إلى تفاديه.

وفي حال غزة، يواجه الجيش الإسرائيلي مجموعات تمارس نوعًا من "حرب العصابات" التي منحتها الأنفاق كثيرًا من عناصر الفاعلية، وصنعت لها مساحات إضافية للحركة، في بقعة جغرافية ضيقة، حشدت لها إسرائيل كل هذه الفرق القتالية كي تحكم السيطرة عليها.

وساهمت البنايات المهدمة في حدوث انقلاب في "المعادلة العسكرية"، حيث تحولت إلى أماكن اختباء للمقاومين، تمنحهم فرص المباغتة والانقضاض السريع، وتحمي ظهورهم حال انسحابهم بعد مهاجمة الجيش

الإسرائيلي. على النقيض باتت تمثل عبئًا على تقدم هذا الجيش للوصول إلى المقاومين في الأنفاق أو الكمائن.

وما رصدته الأقمار الصناعية، حتى نهاية فبراير/شباط الماضي، يبين أن القصف الإسرائيلي تسبب في إلحاق أذى بحوالي 89 ألف مبنى، أكثر من 31 ألفًا منها دُمّرت تمامًا، ونحو 17 ألف مبنى تضررت بشدة، ونحو 41 ألفًا تضررت بشكل متوسط. وهذا الرقم أكبر مما حدث خلال حرب 2008، حيث بلغ عدد المباني المدمرة 5350 مبنى كُليًا، و16 ألفًا جُزئيًا.

إن البيوت المدمرة خلقت بيئة جغرافية مغايرة لتلك التي اعتاد الجيش الإسرائيلي القتال فيها، سواء كانت أرضًا مفتوحة أو ممرات في سيناء في حروب: 1956 و1967 و1973 ضد مصر، أو هضابًا تكون لمن يسرع في الاستيلاء عليها اليد الطولى على خصمه، مثل هضبة الجولان السورية، أو أرضًا تجمع بين الربوات والسهول في جنوب لبنان.

توغل خاطف ومحسوب

ويطلق الجيش الإسرائيلي على الحرب الحضرية اسم "لاشاب بالعبرية"، وهو لديه تكتيكات حربية واسعة النطاق، تشمل استخدام ناقلات جنود مُدرّعة ثقيلة، وجرافات مُدرّعة، وطائرات بدون طيار للاستخبارات السرية، وغيرها، فضلًا عن تدريب القوات على القتال في مساحات صغيرة.

وفي مواجهة الفلسطينيين، وقفت الثقافة العسكرية الإسرائيلية، عند حدود التطويق والاختراق المحسوب على الأرض، والقصف المفرط من الجو والبحر. ففي حرب 1948 كانت القوات الإسرائيلية تطوّق القرى والبلدات الفلسطينية من ثلاث جهات، وتترك جهة رابعة للخروج والهروب، ثم تتوغل ضاربة بشدة، وفق طريقة عرفت بـ "حدوة الفرس"، محققة بها هدفها في تهجير الفلسطينيين من قراهم.

وفي الضفة الغربية أقامت إسرائيل جدارًا عازلًا عنصريًا، يؤدي دورًا دفاعيًا من الناحية العسكرية، إذ يحرم أية مجموعات فلسطينية مقاتلة من تنفيذ هجمات مباغتة. أما المداهمات التي تقوم بها وحدات عسكرية إسرائيلية بين حين وآخر للمدن والمخيمات والقرى، فقد كانت تتم بحذر، ووسط تأمين لتقدم القوات، لمنع خسائرها أو تقليصها إلى أدنى حد، وكانت تقوم أحيانًا بهدم بيت أو بيوت قليلة، لتسهيل تقدمها، أو تأمين تمركزها.

أما غزة فقد عانت القوات الإسرائيلية من هجمات مباغتة لقواتها ومستوطناتها قبل أن تضطر إلى تفكيكها والانسحاب من القطاع نهائيًا عام 2004. وركزت إسرائيل في حروبها اللاحقة ضد غزة على القصف الجوي، أو التوغل البري الخاطف والمحسوب، وهو ما تغير في الحرب الراهنة من خلال اجتياح بري كامل من عدة محاور، بعد قصف عنيف هدمت فيه أحياء سكنية بكاملها.

وكانت إسرائيل تريد من وراء هذا الهدم المنظم أن تجبر السكان على النزوح، إما للتخلية بين قواتها وبين المقاومين، تحت الأرض أو فوقها، أو الدفع تجاه تحقيق الهدف الأكبر المتواري، وهو تهجير أهل القطاع بشكل تام، لتحويله كاملًا أو جزءًا كبيرًا منه إلى مستوطنات مرة أخرى، إلى جانب تحقيق نصر عسكري سريع باستخدام نظرية "الصدمة والرعب"، أو الانتقام مع أهل غزة جميعًا، الذين نبتت بينهم المقاومة.

تبديد الأهداف

لكن هذا الهدم المنظم للمباني، الذي لم يشهده العالم منذ الحرب العالمية الثانية، وجاء هذه المرة أشد وطأة نظرًا لضيق المساحة الجغرافية لغزة، لم يلبث أن تحول إلى واحد من الأسباب المهمة لتبديد الأهداف الإسرائيلية برمتها، سواء في التهجير أو القضاء المبرم على المقاومة، حسبما أعلنت إسرائيل في اليوم الأول للحرب، أو على الأقل إثارة الفزع والغضب العارم بين السكان، بغية نزع الحاضنة الشعبية عن المقاومين.

فالأحياء السكنية المهدمة عززت الصورة المتوحشة للقوات الإسرائيلية، جنبًا إلى جنب مع دم الأطفال والنساء والعجائز، وقصف المستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس ومراكز الإيواء، وكل هذا نبّه العالم إلى مسألة تهجير الفلسطينيين. في الوقت نفسه منحت المباني المهدمة المقاومة فرصًا للحركة، التي تعتمد بالأساس على الفرد المقاتل، أو الراجِل المسلح بسلاح خفيف، لمباغتة تجمعات القوات الإسرائيلية، لاسيما في ظل إصرارها على التقدم للوصول إلى ما تقول إنها بدايات الأنفاق.

في الوقت نفسه لم يحل هدم المنازل، الذي يشير تقرير للأمم المتحدة إلى أن إعادة بنائها قد تستغرق عقدين من الزمن على الأقل، دون إصرار السكان على البقاء في أماكنهم، حتى لو نصبوا خيامًا فوق أطلال بيوتهم، وحتى حين اضطروا إلى النزوح عنها، لم يلبثوا أن عادوا إليها حين سنحت لهم الفرصة بذلك. ووفر وجودهم هذا حاضنة شعبية ودعمًا لوجيستيًا للمقاومة المنتظمة والمدربة، أو لمقاومين متطوعين انخرطوا في القتال مع طول أمد الحرب.

لقد زاوجت المقاومة بين الاستفادة من تكتيكات "حرب المدن" و"سياسة الأرض المحروقة" التي صنعها الجيش الإسرائيلي نفسه، بهدم أحياء كاملة؛ بغية الاستيلاء التام عليها، فحدث العكس تمامًا. طوق الركام الإسرائيليين، وجعل هجومهم يحتاج المزيد من المقاتلين، وصار بالنسبة لهم أكبر شَركٍ خداعي.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • ‏القائم بأعمال وزير الخارجية الإيراني: المقاومة في لبنان ستكبد إسرائيل ثمنا باهظا ردا على أي اعتداء
  • إسرائيل البديل التقتيل
  • ماذا يعني انتقال إسرائيل إلى امرحلة الثالثة من الحرب على غزة؟
  • كيف أنقذت 30 يونيو مصر من الحرب الأهلية وصححت المسار نحو الجمهورية الجديدة؟.. سياسيون يجيبون
  • حسن عز الدين: الشعب الفلسطيني وحده من يرسم اليوم التالي في غزة
  • البنايات المهدمة.. سلاح فعال بيد المقاومة في غزة؟
  • محللون: جيش الاحتلال أدرك أن المقاومة أصبحت واقعا يجب التعايش معه
  • بعثة إيران بالأمم المتحدة تحذر من حرب طاحنة حال هجوم إسرائيل على لبنان
  • محللون: التوسع الاستيطاني بالضفة الغربية أخطر ما يواجه الشعب الفلسطيني منذ 1948
  • إسرائيل والمأزق متعدد الجبهات