د. أيمن الرقب * يكتب: حل الدولتين
تاريخ النشر: 21st, December 2023 GMT
حل الدولتين كفكرة وُجدت مع قيام دولة الاحتلال، عندما شرعن قرار التقسيم «181» فى ٢٩ نوفمبر عام ١٩٤٧، حيث قسّم فلسطين إلى دولتين، دولة يهودية على مساحة ٥٢ بالمائة من أرض فلسطين، ودولة عربية على ٤٦ بالمائة من أرض فلسطين، وتدويل ٢٪ مساحة مدينة القدس.
ولكن فى عام 48، قامت دولة المحتل باحتلال ٧٨٪ من أرض فلسطين التاريخية، ثم أكمل احتلال باقى فلسطين عام 67 دون أن يرفض المجتمع الدولى إجراءاته التى تخالف قرار التقسيم.
بعد أن دخل الفلسطينيون عام ١٩٩٣ اتفاق أوسلو مع الاحتلال الإسرائيلى ووافقوا على الدخول فى حكم ذاتى، كان هذا بمثابة تغيير فى الموقف الفلسطينى، الذى رفض هذا العرض فى كامب ديفيد عام ٧٩.
هذه الموافقة الفلسطينية كانت بتشجبع عربى، وحسب الاتفاق حينها، فإن «أوسلو» فى نهايته قيام الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو عام ١٩٦٧، بما فيها القدس الشرقية، وبعد ذلك رغم إخفاقات «أوسلو» أصبح الموقف الفلسطينى أساس الحل، وأصبحت لاحقاً بمثابة المبادرة العربية للسلام التى طُرحت فى قمة بيروت عام ٢٠٠٢، فى حينه كان «أبوعمار» محاصراً، وكانت أحداث ١١ سبتمبر عام ٢٠٠١، وأراد العرب أن يقدّموا أنفسهم للعالم بأنهم دعاة سلام، ومن المفارقات التاريخية أن من عرض هذه المبادرة فى قمة فاس عام ٨٢ كان الأمير عبدالله بن سعود، وفى عام ٢٠٠٢، كان هو خادم الحرمين، وبالتالى أصبحت هذه الرؤية هى رؤية عربية شاملة.
هل الاحتلال قدّر هذا الموقف العربى؟ للأسف لم يقدر ذلك، ولا الأمريكان، قال الاحتلال إنها لا تستحق الحبر الذى كُتبت به على لسان رئيس وزراء الاحتلال حينها «شارون»، وبالعكس استمر فى هجومه على الشعب الفلسطينى والقيادة الفلسطينية. وكان «أبوعمار» محاصراً حتى تم اغتياله، أو تسميمه.
هنا أعتقد أن المرحلة دخلت منحنى آخر وبدأ الفلسطينيون حينها يطالبون بحل الدولتين، والأمريكان والأوروبيون يقولون الحل الأوحد هو حل الدولتين، الآن أنا أقول إن حل الدولتين أصبح شبه مستحيل، لماذا؟
لأن الاحتلال توغل فى الضفة الغربية بشكل كبير جداً، فهو يسيطر بناءً على اتفاق أوسلو على أكثر من ٦٥٪ سيطرة أمنية وإدارية، وهى مناطق «سى» أو مناطق «جيم». ويسيطر أمنياً على قرابة أيضاً ٢٢٪ من مساحة الضفة الغربية، وبالتالى يكون ما بقى مع السلطة لا يتجاوز ١٥٪ من مساحة الضفة الغربية تسيطر عليها أمنياً وإدارياً، ورغم كل ذلك يدخل الاحتلال هذه المناطق ويقوم بالاغتيال والاعتقال للشبان الفلسطينيين، كما أن عدد المستوطنات التى بُنيت منذ بداية أوسلو حتى الآن كبير جداً.
المستوطنون الذين خرجوا من غزة ذهبوا إلى الضفة الغربية، طبعاً تضخّمت المستوطنات فى الضفة الغربية، وأصبح عدد سكانها يقترب من ٧٠٠ إلى ٨٠٠ ألف، والمستوطنات زادت بشكل كبير جداً، ويقال إن المستوطنات والكتل الاستيطانية الصغيرة والكبيرة تصل بمجملها إلى ما يقارب ٣٥٠ مستوطنة، المستوطنات المركزية تقريباً ١٧٠ مستوطنة، لكن هناك أيضاً كتل استيطانية صغيرة، وحتى من نصب خيمة يصنّفها الاحتلال بأنها جزء من تكتّل استيطانى جديد.
حل الدولتين الآن أصبح صعباً لأمرين، أن فكرة حل الدولتين بالأساس على حدود الرابع من يونيو عام ٦٧، لم تدرس التواصل الجغرافى بين غزة والضفة الغربية وهو شبه مستحيل، لأن أقرب مسافة بين غزة والضفة الغربية هى ٢٠ كيلومتراً بين بيت حانون ومنطقة الظاهرية فى الخليل، وبالتالى الوصل الجغرافى بين غزة والضفة شبه مستحيل، وكل المعالجات التى طُرحت بين نفق وطريق آمن باءت بالفشل، الأمر الثانى هو وجود المستوطنات، خاصة الكبرى منها، فقد عرضت حلول من الجانب العربى عام ٢٠١٧ بتعديل حدود دولة الاحتلال من خلال أن تضم كتلاً استيطانية كبيرة، مقابل أن يمنح الفلسطينيون مساحات أخرى تُضاف إلى الضفة الغربية أو فى غزة، وكان الميل إلى توسيع غزة من باب معالجة الأزمة السكانية.
وأيضاً هذا العرض لم يوافق عليه الاحتلال، فحدثت بعض الاختراقات أدت إلى تأزم الحالة، ولكنها وصلت إلى طريق إيجابى فى عهد «أولمرت» فى عام ٢٠١٦، ولكن طبعاً غاب «أولمرت» وتم اعتقاله قبل توقيع الاتفاق وتنفيذه، وجاء مرة أخرى «نتنياهو»، الذى لا يؤمن بالسلام مع الفلسطينيين، وهو يؤمن بفلسفة أن السكان الأصليين لن يصنعوا معكم سلاماً، وسيكون الأفضل لكم أن تصنعوا سلاماً مع الجيران، واتركوا السكان الأصليين حتى يستجدوكم لصناعة السلام معهم، وهذه فلسفة «نتنياهو» المستندة إلى رؤية زئيف جيبوتينسكى.
الآن لدينا مشكلة كبيرة جداً، وهى أن المستوطنات تعيق حل الدولتين بشكل كبير جداً، وعدم قناعة حكومة الاحتلال بأى حل سياسى مع الفلسطينيين أيضاً يعيق حل الدولتين، وبالتالى حل الدولتين أصبح الآن صعباً.
وأرى أن الأفضل أن تُعاد دراسة رؤية جديدة، أما إعادة تقسيم فلسطين بطريقة تحديث التواصل الجغرافى أو الحديث عن قيام دولة واحدة، ثنائية القومية يتساوون فيها بالحقوق والواجبات.
أعتقد إلزام الاحتلال بالخروج من الضفة الغربية والقدس بالتحديد سيكون الأمر الصعب، وهذا الإجراء يحتاج إلى إجراءات دولية كبرى، العالم الذى صمت عندما احتل الاحتلال ٧٨ ٪ من أرض فلسطين التاريخية وتجاوز كل القرارات الشرعية الدولية، أعتقد الآن فى هذه الأجواء من الحرب كل محاولات الحديث عن حل الدولتين أعتقد هى إضاعة للوقت وإضاعة للجهد.
أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: فلسطين إسرائيل حل الدولتين الضفة الغربیة من أرض فلسطین حل الدولتین کبیر جدا
إقرأ أيضاً:
الخارجية الفلسطينية تُندد بجرائم الاحتلال في الضفة الغربية
أصدرت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية، اليوم الثلاثاء، جرائم سلطات الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية.
اقرأ أيضاً: صحافة أمريكا تُبرز دور مصر في إنهاء مُعاناة غزة
وتتضمن جرائم الاحتلال وفقاً لوسائل إعلام فلسطينية جرائم هدم المنازل والمنشآت ودور العبادة، وتخريب الممتلكات العامة والخاصة، وتدمير شبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي، وتجريف الأشجار والأراضي الزراعية.
وتحدث تلك الجرائم في القدس وجنين ومخيمها، وطولكرم ومخيميها، ومسافر يطا، والأغوار، وفي تقوع وغيرها.
وأدانت الوزارة في بيانها المنشور اليوم الثلاثاء حملات الاحتلال المستمرة في توزيع المزيد من إخطارات الهدم كما هو حاصل في سلوان وقرية النعمان شرق بيت لحم وفروش بيت دجن شرق نابلس وغيرها.
وقامت وزارة الخارجية بتحميل الحكومة الإسرائيلية المسؤولية الكاملة والمباشرة عن نتائج استمرارها في ارتكاب تلك الجرائم، خاصة تداعياتها على ساحة الصراع والمنطقة برمتها، كما تحمل الوزارة المجتمع الدولي المسؤولية عن صمته تجاه جرائم الهدم والتهجير المركبة والمتداخلة.
وقالت الوزارة في بيانها :"إنها إذ تتابع جرائم الهدم مع الدول والمنظمات والمجالس الأممية المختصة، فإنها تطالب بتدخل دولي عاجل لوقفها وحماية شعبنا ولجم الاحتلال ومستعمريه، والشروع الفوري في ترتيبات دولية ملزمة لفتح مسار سياسي يؤدي إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأرض دولة فلسطين ضمن سقف زمني محدد، كما جاء في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي اعتمد الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية".
تلعب وزارة الخارجية الفلسطينية دورًا حيويًا في الدفاع عن الحقوق الفلسطينية على المستويين الإقليمي والدولي، حيث تُعتبر الجهة الرسمية المسؤولة عن تمثيل القضية الفلسطينية وتعزيز حضورها في المحافل الدولية. تعمل الوزارة على تعزيز الاعتراف الدولي بدولة فلسطين، وقد نجحت في حشد الدعم من دول العالم للحصول على عضوية دولة فلسطين كعضو مراقب في الأمم المتحدة عام 2012. هذا الإنجاز مكّن فلسطين من الانضمام إلى العديد من المنظمات الدولية، مثل المحكمة الجنائية الدولية، ما يتيح ملاحقة الجرائم الإسرائيلية قانونيًا وتعزيز الحماية الدولية للشعب الفلسطيني.
كما تلعب الوزارة دورًا أساسيًا في بناء التحالفات السياسية والدبلوماسية لدعم الحق الفلسطيني في تقرير المصير وإنهاء الاحتلال. تعمل على إعداد الملفات القانونية والوثائق التاريخية التي تُبرز الانتهاكات الإسرائيلية، مثل الاستيطان وتهجير السكان، وتقديمها للمؤسسات الدولية، مما يسهم في تعزيز شرعية المطالب الفلسطينية. تُركز الوزارة أيضًا على حشد الدعم الاقتصادي والإنساني للشعب الفلسطيني من خلال التعاون مع الدول المانحة والمنظمات الإغاثية الدولية، بهدف تخفيف معاناة الفلسطينيين، خاصة في قطاع غزة والضفة الغربية.
على الصعيد الإقليمي، تسعى وزارة الخارجية لتعزيز التضامن العربي والإسلامي مع القضية الفلسطينية عبر تنسيق المواقف في مؤسسات مثل الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي. كما تعمل على استثمار علاقاتها الدولية لتسليط الضوء على القضية الفلسطينية، سواء من خلال عقد المؤتمرات الدولية أو إطلاق مبادرات تعزز الحوار والسلام القائم على أساس الشرعية الدولية. بذلك، تُعد وزارة الخارجية الفلسطينية حجر الأساس في الدبلوماسية الفلسطينية للدفاع عن الحقوق الوطنية ومواجهة التحديات السياسية.