قال  يوسف الجزيل الطوبى بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيّين الكاثوليك بمناسبة ميلاد 2023: "ماذا نقدّم لك أيّها المسيح لأنّك ظهرت على الأرض إنسانًا لأجلنا؟" بهذا الهُتاف العفويّ خاطب الشاعر المنشدُ السيّدَ المسيح في تذكار ميلاده. هُتاف من القلب يزدهي بالفرح والتعجّب. هُتاف ينِمّ عن شعور بالانسحاق والحيرة من ناحية وبالتباهي والكبر من ناحية أخرى أمام ما يحدث: فالإله الأزليّ يولد من عذراء طفلًا في الزمن في بيت لحم ليخلّص الإنسان، الإله العليّ يتنازل إلى الإنسان ليرفعه إليه، الإله الجبّار يبدي للبشر محبّة لا توصف.

وتابع:  "صورةُ الآب وشخصُ أزليّته المستحيلُ أن يكون متغيّرًا اتّخذ صورة عبد ووردَ من أمّ لم تعرف زواجًا". فكيف لا يتعجّب المرء ولا يبادر إلى البحث عن هديّة تليق بالإله المتجسّد المتأنّس؟ وأيّ هديّة يُهديها شاعرنا إلى ذلك الإله المتواضع المضجَع في مذود في مغارة ليقدّم له بها الشكر؟ وفيما هو يفكّر حانت منه التفاتة فإذا به يرى أنّ غيره قد سبقه وقدّم هديّة. 
 

 

حدّق فرأى الأرض. وما عساها تهدي هذه الأرضُ المتعبة بخطايا الناس المضرّجةُ بدمائهم الملطّخةُ بظلمهم المثقَّلةُ بمآسيهم؟ هل تجرؤ وتستقبل المسيح؟ أجل! تجرّأت وقدّمت له مغارة نحتتها ملايين السنينَ ورمت فيها ذنوبها وخطاياها، وقالت في سرّها واثقةً سيغسل ذنوبي ويمحو خطاياي. ويا لَفرحتها حين رأت أنّ المغارة قد حَلَت في عيني يسوع وفي عيني والدته، فلجأا إليها مع يوسف. ويا لسعادتها حين علمت أنّ المولود قد غفر لها. وكيف لا يغفر وقد تنازل إلينا لكي يخلّصنا ويمنحنا الحياة بوفرة؟ غفر يسوع للأرض وحوّل المغارة إلى سماء، وأحلّ فيها ملكوته. 

 

 

وهلّلتِ الأرض وأنشدت: "المسيح ولد فمجّدوه. المسيح على الأرض فاستقبلوه". 
والتفت الشاعر أيضًا فرأى القفر. وماذا عند القفر يُهديه إلى المسيح؟ قفر خاوٍ خالٍ! لكنّه استنبط شيئًا عظيمًا من شدّة فرحه بقدوم يسوع، استنبط مذودًا ليرتاح المسيح فيه كما هو مرتاح في أحضان الآب،  فحوّل المسيحُ المذود إلى محلّ شريف، إلى عرش ملوكيّ اتّكأ فيه. 

 

 

وراح يَنعم بجمال السكنى بين البشر، وقد كان منذ الأزل صمّم، هو كلمةُ الله، أن يصيرَ جسدًا ويسكنَ في ما بيننا ويجعلَنا خاصّته لنشاهد مجده، مجدًا من الآب لابنه الوحيد الممتلىء نعمة وحقًّا، كان قد شاء منذ الأزل أن يأتي ويتردّد بيننا ويشفي جرحنا، كان قد دبّر منذ الأزل أن يولد من امرأة تحت الناموس ليفتدي الذين تحت الناموس وننال التبنّي. 

 


ثمّ رفع الشاعر عينيه إلى السماء فإذا بها تنحني كما تنحني القوس، وإذا بنجم محمَّل بكلّ الأنوار ينهلّ منها ويأتي ويقف فوق المغارة حيث الطفل يسوع. وصرخ الشاعر: السماء تُهدي إلى يسوع كوكبًا لتدلّ عليه الناس الغافلين في تلك الليلة، القابعين في الظلمة وظلّ الموت، الغارقين في ملذّاتهم وشهواتهم، المختنقين بيأسهم وبؤسهم، المنهوشين بقلقهم وقرفهم. وإذا بالنجم ينادي بلغته الضوئيّة إنّه ههنا، إنّه ههنا ذاك الذي تكلّم عنه الأنبياء والملوك وأخبرت عنه الكتب وانتظرته الشعوب واشتاقت إلى رؤياه. إنّه ههنا، يسوعُ النور الذي يضيء في الظلمة ولا تدركه ظلمة، النورُ الحقيقيُّ  الذي ينير كلّ إنسان. إنّه ههنا في المغارة، في المذود، في سكون الليل، متواضعًا مخفيًّا. وإذ الشاعر كذلك سمع صوتًا ينشد: "وُلدت أيّها المخلّص في مغارة خفيًّا إلاّ أنّ السماء أعلنتك وأرسلت كوكبًا ينبىء بميلادك".
 

 

وما إن انتهى النجم من خطابه حتّى أقبل رعاة مسرعين مستدلّين بنوره الساطع فوق المغارة، فدخلوا "فوجدوا مريم ويوسف والطفل مضجعًا في المذود" فتعجّبوا وأيقنوا أنّ ما أخبرهم به الملاك كان صحيحًا، وترجّعت في آذانهم كلماته: "لا تخافوا فها أناذا أبشّركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب: اليوم في مدينة داود وُلد لكم مخلّص هو المسيح الربّ"، فأخبروا مريم ويوسف بها. إلاّ أنّهم من شدّة فرحهم نَسُوا أن يحملوا ليسوع هديّة من قِطعانهم، غير أنّ يسوع اكتفى بما في قلبهم، اكتفى بتلك الدهشة التي اجتاحتهم وقادتهم إلى الإيمان به إلهًا مخلِّصًا حين رأوه "طفلًا ملفوفًا بقمط ومضجعًا في مذود"، هو الذي طالما أخبرتهم عنه كتبهم وانتظروا مجيئه وحلُموا به ملكًا جبّارًا. وقبل أن يخرجوا قدّموا له الهديّة التي أهداها إليه الملائكة منذ قليل وأنشدوا: "المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرّة". ثمّ رجَعوا يبشّرون بما سمعوا وما رأوا.
 

 

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: أقباط

إقرأ أيضاً:

حقوق إنسان البرلمان: مطالبات بحذف مادة الإجراءات الجنائية المرفوضة من نقابة الصحفيين

قال النائب طارق رضوان، رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، إن حالة الجدل حول مشروع قانون الإجراءات الجنائية على مواقع التواصل الاجتماعي، أو على مستوى النقابات،  أو على مستوى مجلس النواب جيدة للغاية.
وتابع "رضوان"، خلال حواره مع الإعلامي نشأت الديهي، ببرنامج "بالورقة والقلم"، المذاع على القناة العاشرة المصرية "ten"، مساء الأحد، أن البرلمان ناقش مشروع قانون الإجراءات بشكل تفصيلي، وكانت جميع الأطراف المعنية بالقانون متمثلة في النقاش سواء نقابة المحامين، أو النيابة العامة.

الحوار الوطني يناشد المؤسسات والهيئات تقريب وجهات النظر بملف الحبس الاحتياطي والإجراءات الجنائية


 وأشار رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، إلى أن المادة الخاصة بنقابة الصحفيين في قانون الإجراءات شملت نقاشًا كبيرًا، والبعض طالب بحذف هذه المادة.

نرفض الحجر على السلطة التشريعية


فيما أكد أن المواطن العادي غير معني بقانون الإجراءات الجنائية، ولكنه يريد الحصول على  الخدمات مثل رصف الشارع أو تجديد المستشفيات، وخلافه، مشيرًا إلى أن جميع المشاركين في مشروع قانون الإجراءات الجنائية متجردين، ولا يهمهم سوى المصلحة العامة. 
ونوه إلى أنه لا يجوز الحجر على سلطة البرلمان التشريعية في إصدار قانون الإجراءات الجنائية، ولكن من حق الجميع إبداء رأيه حول مشروع القانون، فمجلس النواب يفتح أبوابه لتلقي جميع الاقتراحات، أو التوصيات حول مشروع قانون الإجراءات الجنائية، خاصة وأنه يُعد القانون الثاني أو الهيكل المنظم للعملية القضائية في مصر.
ولفت إلى أن جميع التوصيات القادمة لمجلس النواب، سيتم الرد عليها مادة مادة  في الإطار القانوني، وإذا كان هناك حاجة لدعوة مقدم التوصيات، سيتم استقبالة في البرلمان لحواره، فالاختلاف لا يفسد للود قضية.

نقابة الصحفيين ترفض القانون

وأعلن نقيب الصحفيين خالد البلشي، رفض النقابة مشروع قانون الإجراءات الجنائية، قائلًا إن «المشروع نوقش وطُرح على نحو يثير كثيرًا من علامات الاستفهام».

وأضاف «البلشي» خلال المؤتمر الصحفي لنقابة الصحفيين، الأربعاء الماضي، للإعلان عن موقفها من مشروع قانون الإجراءات الجنائية، الذي وافقت عليه لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية نهائيًا، تمهيدًا لعرضه على الجلسة العامة لمجلس النواب بعد عودته، مطلع أكتوبر المقبل، «أنه لابد من إجراء حوار مجتمعي يشمل كل أطراف المجتمع كي يخرج القانون على نحو يضمن حقوق المواطنين».

كان أعضاء لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بالبرلمان، أكدوا خلال جلسة اليوم أن هذا التعديل يأتي في ضوء أهمية كفالة ضمانات حق الدفاع، والنص عليها صراحة منعًا للتخوفات التي كانت موجودةً لدى بعض المحامين، وتأكيدًا على أن اللجنة رحبت بكافة المقترحات الموضوعية الهادفة إلى التأكيد على الضمانات الدستورية المقررة للمواطنين بصفة عامة.

وجددت نقابة الصحفيين مطالبها بضرورة وقف مناقشة مشروع القانون، والبدء في حوار مجتمعي حقيقي لوضع قانون جديد يستجيب لتطلعات المجتمع، وشددت المذكرة على ضرورة مراجعة المشروع من قبل لجنة من خبراء القانون الدستوري والقانون الجنائي والقانون الدولي العام وعدد معتبر من القضاة والمحامين وغيرهم من أصحاب المصلحة، قبل الاستمرار في مناقشته داخل اللجنة التشريعية أو عرضه على البرلمان.

وفي السياق ذاته أكد «البلشي» أن الاستجابة لمطلب النقابة بإلغاء تلك المادة أرسلت إشارة إيجابية، معقبًا «لكننا نؤكد في الوقت نفسه أننا كنا نتمنى أن يكون التعامل مع مشروع القانون والاعتراضات المثارة حوله بنفس الطريقة، بحيث لا يتحول الأمر إلى استثناء يفتح الباب لتقديرات سلبية، بل قاعدة للتعامل يتسع معها الأفق للحوار مع مختلف الأطراف». ويراعي مطالب مختلف الأطراف، ويحافظ على ثقة المواطنين في نظام العدالة، ويكرس لحقوقهم وحرياتهم، أو الاستجابة للمطالب المرفوعة.
وأضاف نقيب الصحفيين، خلال المؤتمر، أن 41 من مواد مشروع قانون الإجراءات الجنائية تخالف أحكام الدستور، بالإضافة إلى حاجة 44 مادة لتعديلات جذرية، بينها مادتان على الأقل تتعلقان بعمل الصحافة.

وجرى خلال المؤتمر عرض لمذكرة قانونية تتضمن ملاحظات النقابة على المشروع، أكد فيها النقيب على عدم كفاية ما أدخل من تعديلات على مشروع القانون ومنها حذف المادة 267 بناء على طلب النقابة.

واعتبرت هذه المذكرة أن المشروع لا يلبي أيًا من المعايير الدستورية والقانونية الواجب توفرها فيه، على رأسها تقديم مصلحة المتهم، وتسهيل عمل المدافعين عنه، بل على العكس خالفت نصوصه الدستور بفجاجة، وغلّبت سلطة الاتهام وحقوقها على ضمانات الدفاع عن المتهم وحقوقه وضماناته، عوضًا عن عدم إتاحة التظلم أمام القضاء من قرارات النيابة العامة بشأن سير التحقيق.

كما عابت المذكرة على مشروع القانون أيضًا "اعتباره الأحكام الغيابية، وهي اﻵن أحكام تهديدية تسقط بمجرد تقدم المتهم بطلب لإعادة إجراءات محاكمته، أحكامًا واجبة النفاذ يتم على أثرها منع المتهم من إدارة أمواله والتصرف فيها، فضلًا عن عدم النص في مواده على انتهاء النيابة العامة من التحقيقات في وقت مناسب، على نحو سيظل معه سيف الاتهام مرفوعًا فوق رأس المتهم لمدة غير محددة ويفتح الباب أمام استمرار خضوعه لإجراءات تحفظية لمدة غير محددة"، على نحو ما جاء في البيان.

 

مقالات مشابهة

  • بطريرك الأقباط الكاثوليك يلتقي أعضاء لجنة شراء وتسلم عقود الملكية الخاصة بكنيسة يسوع الملك بنيوچيرسي
  • استشهاد فتى برصاص الاحتلال قرب نعلين غرب رام الله
  • بيت الشعر في الشارقة يتغنى بالغربة والحنين
  • عبد المسيح التقى عوده وطالب بالغاء قرار تسجيل النازحين السوريين في المدارس
  • الطريق إلى حيد الجزيل..نظرة على قرية تُشبه القصص الخيالية في اليمن
  • شاهد بالصور: نعجة تلد مخلوق على شكل إنسان في هذه المحافظة اليمنية
  • عبد المسيح زار كرامي: لقاء ناقش الاستحقاق الرئاسي والتحديات المحلية
  • تنفيذ 651 نشاط خلال 100يوم ضمن مبادرة «بداية جديدة لبناء إنسان» بأسوان
  • عندما تتخلي الحركات عن انسانها..
  • حقوق إنسان البرلمان: مطالبات بحذف مادة الإجراءات الجنائية المرفوضة من نقابة الصحفيين