تجاوز التواطؤ الغربى كل حدود الانحياز السافر بمباركته المخزية للمذابح النازية للقطاع المنكوب دونما أى اكتراث لمبادئ القانون الدولى أو تحسب غضبة الرأى العام العالمى أو عاقبة السمعة الملطخة بدماء الأطفال، هذا الاستكبار البغيض استدعى ذكريات مؤلمة من إرث الحقبة الاستعمارية البائدة، نفس الاستنساخ الممقوت لعقلية الكاوبوى التى لا ترقب فى فلسطينى إلًّا ولا ذمة فتحصد ماكينة الإبادة الجماعية أرواح البشر وتدمر معانى الحجر، هذه فضيحة أخلاقية قبل أن تكون سياسية لأولئك المأجورين المتصهينين الداعمين لمصاصى الدماء الذين يعانون اضطرابًا عقليًا يستحيل شفاؤه.
بالرغم من كآبة هذا الظلام الدامس الذى يخيم على جانبى الأطلسى يبزغ نور عظيم من دبلن عاصمة المقاومة الأوروبية، هذا الاستثناء الشريف يجعلنا لا نفقد الأمل فى ما تبقى من أطلال الإنسانية.
نصرة ودعم أيرلندا للقضية الفلسطينية ليس وليد اللحظة وإنما مسار تاريخى ممتد حيث يعتقد الأيرلنديون أن ثمة تشابهًا بين حق الشعب الفلسطينى فى الحرية ونضالهم الدامى ضد المحتل البريطانى، فمنذ اندلاع ثورة عيد الفصح 1916 بغية إعلان الجمهورية والتى قمعت بقسوة سقط فيها 400 شخص خلال أسبوع تصاعدت الثورة من حركة احتجاجية سلمية لكفاح مسلح ثم حرب عصابات شاملة استهدفت كل شىءٍ حتى المدنيين العزل وشن جهاز الاستخبارات البريطانى M6 حرب دعائية قذرة استخدم فيها كل مصطلحات الإرهاب الرائجة الآن ضد الذراع السياسية الحزب الجمهورى شين فين والذراع العسكرية الجيش الجمهورى IRAلكن ذلك لم يرهبهما من استمرار المقاومة حتى الاستقلال الذى جاء متأخرًا بعد اتفاق الجمعة العظيمة 1998 لذلك يفهم الأيرلنديون أكثر من غيرهم كلمات تعد من الكبائر مثل المقاومة والكفاح المسلح ضد المحتل لأنها من صميم البنية الثقافية التى خاضها بكل نبل أسلافهم المناضلون، فوعى المواطن الأيرلندى العادى غير مسبوق بحقيقة الصراع من أجل الحرية وهو ما ظهر فى الأحداث الأخيرة فلم يخضع مثل الآخرين للابتزاز الصهيونى وبات العلم الفلسطينى مرفوعًا فى كل نوافذ شوارع دبلن وتناغم الموقف الرسمى للحكومة الأيرلندية مع نبض الشارع الغاضب من الصلف الإسرائيلى ومن لف لفهم حيث يعد حق العودة للاجئين الفلسطينيين هو قضيتهم الأساسية، لذلك أقر البرلمان الأيرلندى قانونًا يعد المستوطنات الإسرائيلية فى الأراضى الفلسطينية ضمًا فعليًا غير قانونى والرسالة السياسية هى كما قالها قديمًا رئيس وزراء أيرلندا بيرتى أهرن بأن تدخل بلاده الصلب فى نصرة القضية الفلسطينية نابع من بعده الأخلاقى من حيث احترام حقوق الإنسان ومعاداة الإمبريالية لأننا جميعا متحدون فى الهم الإنسانى وهو هم يدفعنا لأن نقف مع الانسان المضطهد فى أى مكان وزمان.
سقف التضامن والدعم الأيرلندى للحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى يتجاوز للأسف كثيرًا من الأنظمة العربية التى لها حسابات ضيقة لا تراعى روابط الدم والتاريخ ووحدة المصير.
لو لم أكن مصرياً لوددت أن أكون أيرلنديًا.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: للقطاع
إقرأ أيضاً:
"أخلاق".. رمضان
أمس الأول أهل علينا شهر رمضان بنفحاته الطيبة، شهر الصيام والقيام والتقرب الى الله سبحانه وتعالي، فيه يجتهد كل مسلم للالتزام بأخلاق تتسق مع روح الشهر الفضيل، هذه الأخلاق هى فى الغالب تعتبر جزءًا من تكوين وشخصية الإنسان، فالمحب للخيرهو معطاء فى مجمل سلوكه، وصاحب الخلق الرفيع هو كذلك طيلة أيام العام.
غيرأن البعض ممن لايعلمون أن الدين هو المعاملة، يحاولون إظهار أنفسهم على أنهم دعاة الخير، فهناك من يمنع الميراث عن أصحابه ويتصدق وينفق ويطعم، وهناك من يسيء معاملة الناس ويؤذيهم، وهو فى الوقت نفسه يصبغ تصرفاته بصفات"أهل الخير"، ولايعلم كل هؤلاء انهم"الأخسرين أعمالا" فالله سبحانه وتعالى لايقبل إلا كل عمل ينبع من قلب خاشع وطيب.
هناك سلوكيات لاتتفق وأخلاق شهر الصوم، فالإفطار العلني فى نهار رمضان، والتلفظ بالألفاظ النابية والمشاجرات على أتفه الأسباب، كلها سلوكيات يجب أن تنحسر خلال هذه الأيام المباركة، ناهيك بالطبع عن الجشع والاستغلال فى الأسواق.
فى أول أيام شهر الصوم، بل وحتى فى الأيام السابقة لبدايته، قفزت الأسعار قفزات كبيرة، حتى وصلت أسعار بعض الخضراوات لأرقام لم تشهدها الأسواق من قبل، وأيضا أسعار اللحوم والطيور، التى سجلت أرقاما قياسية مقارنة بمثيلتها العام الماضي، وعلى الرغم من ذلك شهدت بعض الأنواع نقصا فى الأسواق مع الطلب المتزايد عليها..
حالة الاستغلال والجشع التى أصابت التجار لا تجد من يضع لها حدا، والحجة أن السوق عرض وطلب، ومن يريد البضاعة يتحمل ثمنها أو يتركها لمشترٍ آخر، وهو ما أدى الى مزيد من "الابتزاز" لجيوب المواطنين، الذين أصبح الكثير منهم غير قادر على الوفاء باحتياجاته.
التزاحم فى الأسواق قبل أيام الشهر الفضيل هو عادة مصرية أصيلة، وهو ما يؤدى إلى زيادة الطلب على بعض السلع وأنواع معينة من الخضراوات ومنها ما يلزم لإعداد طبق السلطة، والانواع المختلفة من المحاشي التى تعتبر طبقا رئيسيا على موائد كثير من الأسر المصرية، حيث وصلت أسعارتلك الأنواع من الخضراوات إلى أرقام مبالغ فيها، وكذلك بعض الأنواع من الطيور المرتبطة أيضا بإفطار أول يوم.
ثقافة التزاحم على الأسواق قبل قدوم رمضان بأيام لها بالطبع عدة أسباب منها أن الشراء فى هذه الأيام يصبح ضرورة، خاصة مع تزامنها مع بدايات الشهر وتقاضي الموظفين لمرتباتهم، وأيضا الرغبة فى الحصول على تلك السلع طازجة لطهوها مباشرة دون وضعها لعدة أيام فى الثلاجات، وهي ثقافة موجودة عند كثير من الناس، ولكنها للأسف تؤدي إلى ارتفاع الأسعار بشكل كبير، لأن القاعدة الاقتصادية تقول إنه كلما زاد الطلب على السلعة زاد ثمنها.
فى ظل القفزات المتزايدة للأسعار التى سبقت قدوم أيام رمضان، وجب علينا أن نغير بعضا من عاداتنا فى الشراء قبل المواسم مباشرة، فلا ضير أن نشتري احتياجاتنا قبلها بأيام، حتى لا نترك الفرصة لاستغلال التجار والمغالاة فى الأسعار، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى نحاول التقليل فى الكميات المشتراة، ونحن اذ كنا مجبورين على ذلك بحكم الغلاء، إلا أنها يجب أيضا أن ترتبط بالثقافة والاعتياد على شراء ما يلزم فقط، لأننا فى بعض الأحيان نشهد إسرافا لا يتفق مع الأصل والحكمة من الصوم.
رمضان موسم للطاعات فهنيئا لمن صلح عمله وخلا قلبه من الرياء والنفاق.. تقبل الله صالح الأعمال.. وكل عام وأنتم بخير.