ظهرت طوال تاريخ الفكر البشري تيارات ومذاهب فلسفية رأت أن «السعادة» هى معيار الفعل الأخلاقي، فالناس يبحثون عن سعادتهم، وليس أدل على ذلك من أن تنظر إليهم في حياتهم اليومية المعتادة، فتجدهم بالفعل يسعون إلى تحقيق ذلك، ومن ثمَّ تكون السعادة إحدى غايات السلوك البشري ومعيار الأخلاق. إن «الخير»- في نظر تلك المذاهب الفلسفية- يتمثل في السعادة التي يحققها الفعل، أما «الشر» فينجم عن الألم أو ما يؤدي إليه؛ لأن كل إنسان بفطرته ينزع نحو تحقيق السعادة، ويجتهد لتجنب كل ألم.
يقول المولى: «إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا» (سورة المعارج: آية ١٩)، ويقول أيضًا سبحانه وتعالى: «لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ» (سورة البلد: آية ٤) و«في كبد» تعني في نَصَبٍ؛ أي في شدة ومكابدة، ومكابدة الأمر هى معاناته. فالعناء والشقاء مصاحبان للإنسان منذ اللحظة الأولى لمولده؛ ولعل هذا هو سبب صراخ المولود حين تطأ قدمه الدنيا! وعلى الجانب المقابل يرى بعض الفلاسفة الوجوديين أن الإله خلق الإنسان؛ ثم تركه في هذا الفضاء الكوني المترامي الأطراف يواجه مصيرًا مجهولًا، وترك له حرية تحديد مسار حياته؛ حتى أن هؤلاء الفلاسفة شبَّهوا الإله بنسر ضخم غليظ القلب قذف بأطفاله (أفراخه) ليواجهوا مصيرهم بأنفسهم، وذهب هو لا يلوي على شيء!
نعم.. ما بأيدينا خلقنا تعساء، ولكننا نسعى في مشوارنا من الميلاد إلى الموت أن نتجنب الشقاء بحثًا عن السعادة؛ أو ما نتصور أنه السعادة. نحن نلهث وراء سراب ظنًا منا أننا إذا أمسكنا به تحققت سعادتنا. فنحن في كل مرحلة عمرية تنتابنا رغبة جامحة لاجتياز المرحلة الحالية بحلوها ومرها، متوهمين أن المرحلة اللاحقة ستكون الأفضل؛ وأن وصولنا لها سيحقق لنا ما نصبو إليه من سعادة.. ويغمرنا حنين جارف للقادم من الأيام، فمثلًا حين نكون في مرحلة الدراسة الجامعية نتمنى أن ننتهي منها من أجل الحصول على الماجستير؛ وكلنا أمل أن حصولنا على الماجستير سينقلنا نقلة نوعية أكثر روعة، ثم نكتشف بعد حصولنا عليها أن الحياة لم تصبح وردية كما كنا نتوهم، ثم نمني النفس بأن الحصول على الدكتوراه هو الذي سيحقق الآمال المنشودة، وبعد الحصول على الدكتوراه نجد أن الأمر ليس كما كنا نتمنى، وأن علينا أن نترقى إلى درجة أستاذ.. وهكذا. قس على ذلك مراحل التنقل والترقي في كل الوظائف ومجالات العمل الإنساني المختلفة. إننا ندرك في وقت متأخر من حياتنا؛ إننا بذلنا سنوات عمرنا لا لنعيش الحياة؛ بل من أجل الاستعداد لها.
إذا كانت الحياة لغزًا غامضًا، فالحب لا يقل عنها غموضًا. كثيرًا ما نضيق ذرعًا بالحياة ومشاكلها ومتاعبها ومنغصاتها، كثيرًا ما نصرخ ألمًا من عبء الحياة، نشعر بأن كل ما يحيط بنا من أشياء وأشخاص هى بمثابة أصابع غليظة تحيط بعنقنا وتطبق عليه بعنف وقسوة، الأشياء والأشخاص تخنقنا، ونحاول عبثًا أن نتخلص من قبضة هؤلاء الأشخاص المحيطين بنا، وعندما ندرك أن محاولتنا عقيمة خاصًة أن هؤلاء الأشخاص هم كل من لنا في الحياة، لأنهم أهلنا وأصحابنا وأحبابنا، وأن محاولة التخلص منهم أو الخروج من سجن علاقتنا بهم - وعلاقاتهم بنا - هى محاولة عبثية أشبه بخروج الإنسان من كامل جلده. إننا نحب هؤلاء الأشخاص حبًا ممزوجًا بالضجر، ومن هنا يأتي شعورنا بعدم الرضا.
كثيرًا ما نهرب إلى الداخل، نلجأ إلى الانزواء والانطواء على أنفسنا، ونتجرع الألم والحزن، ونقبع داخل كهف أنفسنا، وننطوي في ركن مظلم من هذا الكهف، نتلوى من الألم، ويتجسد شعورنا بالوحدة والعجز والاغتراب، ونود لو أن في وسعنا أن نعيد تشكيل حياتنا تشكيلًا جديدًا وندرك أن هذا مستحيل؛ لأن هناك أحداثًا كبيرة وخطيرة وقعت وأدت إلى صياغة حياتنا على هذا النحو دون غيره، ومن ثمَّ نود لو أن عجلة الزمن رجعت إلى الوراء، رجعت إلى اللحظات الأولى التي خرجنا فيها إلى نور الحياة. في هذه الحالة كنا سوف نشكل لأنفسنا ولمن حولنا حياة جميلة ورائعة، حياة خالية من الأحداث الكريهة، حياة لا تجعلنا نشعر بالألم الذي نشعر به الآن. ولكن للأسف الشديد لا تأتي الرياح بما تشتهي السفن.
أين الخلاص إذن؟.. كيف نبتعد عن حافة الهاوية التي نوشك على السقوط فيها؟ كيف نهرب من الحزن والأسى؟ كيف نفلت من قبضة الضجر، ونوجه حياتنا إلى مرفأ السعادة؟
علامات استفهام كبيرة وكثيرة تحلق كالأرواح المعذبة في أذهاننا بحثًا عن إجابة لها.. وفجأة يبزغ شعاع مضيء خلف السحب الكثيفة القاتمة.. شعاع من نور.. يقول إن الخلاص في الحب.
د. حسين علي: أستاذ المنطق وفلسفة العلوم بآداب عين شمس
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: سر السعادة الحب د حسين علي
إقرأ أيضاً:
مهلة تسوية أوضاع المخالفين ترسم السعادة على وجه امرأة آسيوية
دبي: سومية سعد
رسمت الإدارة العامة للإقامة وشوؤن الأجانب في دبي السعادة على وجه سيدة وعائلتها من دولة آسيوية «رفضت التصريح باسمها حفاظاً على الخصوصية»، كانت قد حالت ظروف هذه السيدة الخاصة بينها وبين تصحيح أوضاعها لمدة طويلة، حيث دخلت الدولة مع أسرتها طفلة، وهي في عمر الخامسة، وكانت إقامتها على والدها، الذي توفي داخل الدولة، وظلت موجودة مع باقي أسرتها إلى أن كبرت في الخامسة والعشرين من العمر، وهي ترفض الخروج من الدولة، خوفاً من عدم دخولها للإمارات مرة أخرى، إلى أن تزوجت وحالت ظروف خاصة بها دون اللحاق بالمهلة الماضية عام 2018 إلى أن أصدرت الهيئة الاتحادية للهوية والجنسية والجمارك وأمن المنافذ، قراراً بمنح مهلة لمخالفي نظام الإقامة لتسوية أوضاعهم ابتداء من الأول من شهر سبتمبر 2024 ولمدة 4 أشهر، مع إعفائهم من الغرامات المالية المترتبة عليهم وفقاً لنصوص القانون الاتحادي بشأن دخول وإقامة الأجانب، لتكون هذه المهلة طوق النجاة وفرصة لتصحيح وضعها، من دون أية غرامات مالية بعد أن أسقطها عنها القرار الذي أتاح كذلك للراغبين منهم مغادرة البلاد وعمل إقامة من دون أية مساءلة قانونية.
وشكرت السيدة هي وأسرتها القيادة الرشيدة الحريصة دوماً على مراعاة الجانب الإنساني في جميع قراراتها، وأن تنفيذ المبادرة يحقق العديد من النتائج الإيجابية في مجال الحدّ من ظاهرة المخالفين، وتمكين كل شخص يقيم في الدولة بشكل غير شرعي من تعديل وضعه، لينعم بالعيش، في ظل ما توفره الإمارات من أمن وأمان واحترام لحقوق الإنسان، والقضاء على العديد من السلبيات التي تتسبب فيها هذه الظاهرة.
وقال عبدالله عتيق، نائب مساعد المدير لشؤون التحقيق في قطاع متابعة المخالفين والأجانب في دبي، إن زوج هذه السيدة اصطحبها إلى مركز تسوية أوضاع المخالفين بالعوير، ليؤكد لها أنه يمكنها المغادرة وإحضار أوراقها من بلدها الأصلي والعودة مرة أخرى على إقامة الزوج، وبالفعل سافرت وعادت من جديد.
وأضاف أنه وجد العديد من الحالات الإنسانية التي تم التعامل معها وتسهيل أوضاعها،حيث منحت مبادرة المهلة الإنسانية لتصحيح أوضاع المخالفين مزايا عدة، تتمثل في السماح للمخالفين الراغبين في تسوية أوضاعهم بمغادرة الدولة دون إدراج أي قيود إدارية تحول دون عودتهم إلى الدولة والعمل والعيش فيها في إطار من القانون، ودون الحصول على ختم حرمان من الدخول، في مبادرة تعكس الوجه الحضاري والإنساني لدولة الإمارات، وتؤكد حرصها على احترام حقوق الإنسان.
وقال: في مركز تسوية أوضاع المخالفين كنا نستقبل يومياً من 1000 إلى 2000 حالة خلال الفترات السابقة ومنها العديد من الحالات التي تعاملنا معها بطريقة إنسانية ومراعاة للظروف.
وأشاد بجهود رجال الإقامة وشؤون الأجانب وعلى رسهم الفريق محمد أحمد المري مدير الإدارة العامة، وبيّن أن العاملين في الإقامة كانوا يرفضون الخروج من المركز قبل إنهاء كافة الحالات، وأشار إلى جاهزية المركز واستعداده التامّ لمواصلة العمل بشكل دؤوب وعلى مدار الساعة لإنجاز كل الإجراءات والجوانب التي تتطلّبها عملية التنفيذ.
ودعا المخالفين والكفلاء وأفراد الجمهور إلى الحرص على الاستفادة من المهلة المحددة، ومن التسهيلات التي وفرتها الحكومة، من خلال هذه المبادرة، محذراً من أنّ تفويت هذه الفرصة الثمينة سيعرض كلّ مخالف لقوانين الإقامة في الدولة للتبعات القانونية والمساءلة القضائية المترتبة على ذلك، والتي تشمل تطبيق خطة ملاحقة وضبط المخالفين عقب انتهاء المهلة.
ومن ناحية أخرى يواصل مركز تسوية أوضاع المخالفين استقبال المخالفين في اليوم 75 من المهلة.