الحراك التعليمي أسقط عنها ورقة التوت.. لماذا انطفأ بريق النقابات بالمغرب؟
تاريخ النشر: 21st, December 2023 GMT
بقلم: إسماعيل الحلوتي
منذ سنوات طويلة لم يستطع أي تنظيم سياسي ولا نقابي أن يوحد صفوف نساء ورجال التعليم في مختلف الفئات والهيئات التعليمية، بالقدر الذي قامت به اليوم التنسيقيات التعليمية المنضوية تحت لواء التنسيق الوطني لقطاع التعليم، الذي أصبح يضم أكثر من عشرين تنسيقية. وخاصة إثر مصادقة الحكومة يوم الأربعاء 27 شتنبر 2023 على المرسوم رقم: 819.
وإزاء ما اعتبرته الشغيلة التعليمية بجميع مكوناتها نظاما أساسيا مجحفا وتراجعيا ومحبطا وملتبس المضامين والمحتويات، يحكمه الهاجس المالي أكثر مما هو تربوي، فضلا عن كونه أتى لإثقال كاهل هيئة التدريس بمهام إضافية دون أي تعويض مادي، وتطويقها بعديد العقوبات الزجرية المستفزة وغير المسبوقة، وتكريس التمييز بين بين موظفي وزارة التربية الوطنية وموظفي الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، سعيا إلى محاولة تحويل العاملات والعاملين في القطاع إلى مستخدمين ومجرد موارد بشرية، معمما بذلك مبدأ التعاقد عوض إلغائه...
وفي غياب أي رد فعل حقيقي للنقابات التعليمية "الأكثر تمثيلية"، التي بات الكثيرون يعتبرونها متواطئة لعدم قدرتها على حماية عديد المكتسبات الاجتماعية كالتقاعد والإضراب والوظيفة العمومية، سارع التنسيق الوطني لقطاع التعليم إلى دعوة الشغيلة التعليمية بجميع جهات المملكة للانخراط في إضراب وطني بالرباط يوم الخميس 5 أكتوبر 2023 الذي يتزامن مع اليوم العالمي للمدرس، وهو الإضراب الذي عرف نجاحا مبهرا، بمشاركة عشرات الآلاف من العاملين بالقطاع، حجوا للدفاع عن مطالبهم المشروعة التي يأتي في مقدمتها الحق في الإضراب وإسقاط "نظام المآسي" وحل كل الملفات العالقة منذ سنوات، وصون كرامتهم...
ثم إنه وأمام تمادي وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة شكيب بنموسى في عناده، تواصلت الوقفات والمسيرات الاحتجاجية والإضرابات، التي شلت مؤسسات التعليم العمومي على الصعيد الوطني، مما نجم عنه هدر زمن التعلمات لأزيد من سبعة ملايين تلميذة وتلميذا، عاد ذات التنسيق الوطني مدعوما بالتنسيقية الموحدة لأطر الدعم وهيئة التدريس وكذا أساتذة الثانوي التأهيلي، للإعلان عن تنظيم مسيرة وطنية يوم الثلاثاء 7 نونبر 2023 بمدينة الرباط أطلق عليها وسم "مسيرة الكرامة"، وهي مسيرة لم تعرف شوارع العاصمة مثيلا لها على مدى أزيد من عشر سنوات، حيث احتشدت حشود غفيرة من نساء ورجال التعليم مزاولين ومتقاعدين، قادمين من كافة أنحاء المغرب، الذين تظاهروا أمام مبنى البرلمان، ثم انطلقوا في اتجاه وزارة التربية الوطنية، معبرين عن رفضهم للنظام الأساسي المشؤوم، ورافعين شعارات قوية، بلغت حد المطالبة برحيل الوزير بنموسى.
ومما يؤكد قوة التنسيق الوطني لقطاع التعليم وتفوقه على تلك النقابات التعليمية، هو أنه رغم قبول هذه الأخيرة بمخرجات اللقاء الذي جمعها برئيس الحكومة عزيز أخنوش يوم الإثنين 27 نونبر 2023، أصدر بيانا يشدد من خلاله على أن مطلب الحركة الاحتجاجية التعليمية التاريخية، ليس هو إعطاء وعود أو تجميد النظام الأساسي فقط، وإنما في إصدار قرارات تجيب عن انتظارات الشغيلة التعليمية بكل فئاتها، وتعيد لها كرامتها وقيمتها الاعتبارية مع حماية المدرسة العمومية مما يحاك ضدها من مؤامرات لنسفها. دون أن يغفل تحميل المسؤولية للحكومة فيما تعرفه الساحة التعليمية من احتقان، جراء عدم الاستجابة للمطالب المهنية والاجتماعية والمادية، مجددا مطلبه بسحب النظام الأساسي وليس تجميده وتلبية المطالب الفئوية لنساء ورجال التعليم، مزاولين ومتقاعدين.
من هنا يتضح جليا أن النظام الأساسي الجديد الذي أشعل فتيل الاحتجاجات والإضرابات المتواصلة لأكثر من شهر ونصف، لم يعمل سوى على توحيد صفوف نساء ورجال التعليم والتفافهم حول التنسيقيات، فأين اختفى دور النقابات؟ فالنقابات اليوم رغم استفادتها من دعم مالي سنوي ضخم من المال العام، تعاني من عجز صارخ عن مواجهة الحكومات المتعاقبة والضغط عليها لانتزاع حقوق الشغيلة المغربية وتحقيق مطالبها المشروعة، مما جعلها تتعرض لانتقادات حادة وفقدان مصداقيتها، وأدى بالتالي إلى بروز هذه التنسيقيات التي فرضت نفسها بقوة وجعلت عديد الأجراء والموظفين وحتى الطلبة يلتفون حولها. فإلى جانب مسؤولية أرباب العمل الذين يرفضون تفعيل مضامين اتفاقيات الحوار الاجتماعي وغيره، ومسؤولية الدولة التي ما انفكت تعطي صورة سيئة عن النقابات عبر عدم الوفاء بالتزاماتها، ساهم تخليد زعماء النقابات وغياب الديمقراطية الداخلية في تراجع إشعاعها وزخم حضورها في عديد المناسبات، مثلما هي عليه اليوم في قطاع التعليم...
إن واقع العمل النقابي ببلادنا يعيش أزمة حقيقية بعد فقدانه الكثير من بريقه، وتراجع دور النقابات في الترافع عن قضايا الشغيلة وانشغالات المواطنين، حتى أن عددا من النقابيين يعترفون هم أيضا بذلك. وأصبحت النقابات العمالية والمهنية تعيش حالة من الركود وتعاني ضعفا صارخا في الأداء، إلى حد تحولت فيه إلى مجرد هياكل بلا روح، ولاسيما بعد أن أصبح الكثيرون يتهمونها بالانحياز إلى الحكومة في ظل تبعيتها للأحزاب السياسية، والانحراف عن الأهداف النبيلة التي ضحى في سبيلها شرفاء الوطن، مما يقتضي من الدولة أن تكف عن إضعافها، إذ ما جدوى امتلاك النقابات التعليمية "الأكثر تمثيلية" شرعية التفاوض في غياب قاعدة جماهيرية تسندها، كما هو حاصل اليوم؟
المصدر: أخبارنا
كلمات دلالية: الشغیلة التعلیمیة التربیة الوطنیة التنسیق الوطنی ورجال التعلیم
إقرأ أيضاً:
تحديات المنهج التعليمي العُماني.. ما بين الواقع والتطلعات!
د. سالم بن محمد عمر العجيلي **
لا يخفى على أحد إنجازات التعليم في سلطنة عُمان، والتي ما تزال في تطوُّر وتقدم تصاعدي، وينبغي أن نشير أنه منذ نعومة أظفارنا ونحن نرى التطور الهائل في هذا المجال؛ فمن تحت ظل الشجرة إلى حيث المدارس الفارهة الحديثة الحالية على مستوى السلطنة بشكل عام، ونحن نشهد ونشيد بهذا التسارع المستمر وفق رؤى وثوابت نموذجية.
ومع هذه الطفرة والتسارع كان لا بد أن تكون هناك خطوات يجب مراعاتها ومراجعتها متى ما دعت الحاجة إلى ذلك، وهنا يجب أن نسلط الضوء إلى جانب واحد من هذا التطور وهو المنهج الدراسي التعليمي لدينا. ورغم الارتقاء الكبير في هذا المجال وتوسع وتعاظم قدرات هذا المنهج الدراسي، إلّا أن الواقع الدراسي الحالي على الأغلب لم يراع العوامل النفسية والبيئية والحياتية المحيطة بنا، والظروف المتقلبة وإمكانات الزمان والمكان في وقتنا هذا؛ حيث إن قدرات الطالب العُماني يجب دراستها والنظر فيها بتمعن، فلربما أن الطالب يملك مقومات كبيرة للتطور والاستيعاب كون أن البيئة العُمانية مساعدة على ذلك، ولكننا نعلم كذلك أن البيئة المحيطة بالفرد تؤثر فيه ويؤثر هو فيها، وهذا مربط الفرس.
هل نحن بحاجه لطالب يحفظ ويلزم بواجبات يومية مضاعفة؟ أم نحن بحاجة إلى الفهم وترسيخ المعلومة؟ الحفظ جيد، لكنه مع مرور الأيام يفقد الإنسان الكم الكثير من هذه المعلومات وتطوى إلى طي النسيان، عدا كتاب الله المنزل القرآن الكريم الذي قد تكفل الله به وحفظه جلت قدرته، بينما بالفهم والفطنة تثبت المعلومة بلا شك. والوضع الحالي يقول إن الطالب يجب أن يحفظ ويتم تزويده أحيانًا كذلك بواجبات يومية مكثفة ومعقدة تفوق وتتعدى قدراته ومستواه، لتعقد المنهج الواقعي للطلاب بالسلطنة الذي تطور ولكنه لم يراع المستوى النفسي الملموس لهذا الطالب وإمكانياته؛ فالمستوى تطور، لكنه في مستوى متقدم وأعلى من الإمكانيات والقدرات الحقيقية لهذا الطالب في كل مرحلة دراسية، وهذا ما جعل أغلب الأسر مضطرة ما بين خيارين، أن الوالدين وخصوصا الأم هي من تقوم بحل هذه الواجبات بدلًا عنه، أو من كان مُقتدرًا فبإمكانه تلقي دروس خصوصية مراعاة لوضعه الذي يواجهه.
وقد كان لنا في تجربة فترة جائحة كورونا البائسة عِبرة في كيفية تطوير التعليم وآلياته والاستفادة من التعلم الإلكتروني والتعليم عن بعد؛ حيث كان الأجدر بنا أن نستثمر ونستمر على هذا المنوال في خط متصاعد مراعاةً للظروف الراهنة وللتقدم الحديث والاستدامة ودمج التعليم الحديث بالتعليم الحالي، وعن الحفظ والفهم كان يجب أن نتوجه لأسلوب الفهم الذي يتعاظم بقدرة ومستوى الذكاء للطالب؛ فالقراءة التصويرية التي تقوم على المشاهدة بالعين المجردة بمشاهد أو بصور قد تثبت المعلومة بصورة كبيره، فالكائن البشري يتطور أسرع كلما شاهد ورأى بأم عينه وخصوصًا مع التكنولوجيا الحديثة وتقنيات التواصل الاجتماعي الجديدة، بعكس الحفظ الذي قد يندثر بتوالي الأيام ولا يدوم.
ففي الدول المتطورة في التعليم مثل المملكة المتحدة، نرى في معظم مناهجهم التعليمية بما فيها تعلم اللغة الإنجليزية، يعتمدون كثيرًا على المشاهدة المرئية عبر التلفاز أو الفيديوهات أو غيرها من تقنيات ووسائل حديثة، والاستعانة أحيانًا بالاستماع والقراءة والإنصات؛ ما يعمل على تطور هذا الطالب بسرعة فائقة والارتقاء به إلى مراتب ومستويات أخرى؛ كونها تعتمد على المشاهدة والفهم والاستيعاب.
وهناك أفضل الدول المتقدمة في ممارسة التعليم المتطور وعلى رأسها فنلندا، التي لم تتبع الكثير من المبادئ العالمية لإصلاح التعليم، فلا توجد اختبارات قياسية مُوحَّدة أو عمليات تفتيش على المدارس؛ فنظام التعليم يعتمد على المساءلة الذكية، وتتميز بتوفير تعليم شامل ومتكامل يُركِّز على تطوير مهارات التفكير النقدي والإبداع لدى الطلاب. وتُستخدم الممارسات والتقنيات الحديثة في التعليم التي منها الشاشات الذكية في مدارسها بدلًا من التقليدية، ويستخدم الطلاب الأجهزة اللوحية الإلكترونية بها والتقليل من كم الواجبات المنزلية عليهم، وغير ذلك من أسلوب تعليمي حديث مشوق جعلها تتربع في صفوة الدول المتقدمة في هذا المجال في العالم.
وهناك أيضًا سنغافورة التي تقدمت وأصبحت من الدول الرائدة في مجال التعليم، ومثالًا يحتذى به؛ حيث تتميز بنظام تعليم متطور يُركِّز على تطوير مهارات العلوم والتكنولوجيا والرياضيات وجودة المدارس والمعلمين والمناهج.
ونحن هنا في عُمان بحاجة إلى مثل هذه الآليات والممارسات والإمكانيات المتطورة للنهوض بالتعليم لدينا؛ فنحن وطن النهضة ونحن مدرسة للأجيال ونحن نهضة متجددة، نسعى بكل قوة للتصدر والتفوق والاهتمام بتنمية كل ما هو جديد ومفيد للنهوض بهذا المجتمع وهذا المواطن وصولًا به لتحقيق السعادة وجودة الحياة له. وبكل تأكيد إن الجهات المعنية بالتعليم لدينا سعت وتسعى للتطور، وقد حصدت أعلى الشهادات والاعترافات الدولية لعل من أبرزها شهادة الآيزو العالمية التي لا تُمنح إلّا لمن حقق التفوق في أنظمة الآيزو العالمية ووصلت مستوى جودة الخدمات به لمرحلة الريادة والرفاهية. ولكن هناك بعض اللمسات كالبلسم التي إن تم ضبطها لأضافت للتعليم رونقًا ووسامًا خالصًا، مع الاهتمام النوعي بالجانب النفسي والبيئي والظرفي للطلبة وعدم الإغفال عنه في مجتمعنا؛ فهذا هو الواقع، وصولًا للتطلعات والمأمول لدرجة أقل ما نصفها بالكمال وهي النقطة الصعبة البعيدة التي يحلم بها الجميع.
إنَّنا على ثقة ويقين بقدرة مؤشرات التعليم لدينا بالوصول إلى بر الأمان، وإلى ذلك المستوى من الرقي والازدهار في عُمان المجد وعُمان المستقبل، ولن ننسى ما حيينا تلك المقولة الرنانة التي ترددت على ذهن كل عُماني "سنُعلِّم أبناءنا ولو تحت ظل شجرة".
** خبير الجودة والتميز المؤسسي والتخطيط الاستراتيجي