ما تفسير وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة.. وهل نرى الله يوم القيامة؟
تاريخ النشر: 21st, December 2023 GMT
ما المقصود بقوله تعالى:«وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة»؟ سؤال يغفله الكثيرون خاصة ممن يبحثون عن إمكانية رؤية الحق جل وعلا بالعين يوم القيامة، ويقولون باستحالة ذلك، فما هو المقصود بقوله تعالى:«وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة»؟
المقصود بقوله تعالى: «وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة»؟يقول الإمام ابن كثير في تفسير الآية (إلى ربها ناظرة) أي : تراه عيانا، كما رواه البخاري ، رحمه الله، في صحيحه: " إنكم سترون ربكم عيانا".
وفي الصحيحين عن جرير قال : نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القمر ليلة البدر فقال: " إنكم ترون ربكم كما ترون هذا القمر ، فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس ولا قبل غروبها فافعلوا ".
وفي الصحيحين عن أبي موسى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما ، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى الله إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن " . وفي أفراد مسلم ، عن صهيب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا دخل أهل الجنة الجنة " قال : " يقول الله تعالى : تريدون شيئا أزيدكم ؟ فيقولون : ألم تبيض وجوهنا ؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار؟ " قال : " فيكشف الحجاب ، فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم ، وهي الزيادة " . ثم تلا هذه الآية : ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) [ يونس : 26 ] .
وفي أفراد مسلم ، عن جابر في حديثه:"إن الله يتجلى للمؤمنين يضحك" - يعني في عرصات القيامة - ففي هذه الأحاديث أن المؤمنين ينظرون إلى ربهم عز وجل في العرصات، وفي روضات الجنات .
وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا عبد الملك بن أبجر ، حدثنا ثوير بن أبي فاختة ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أدنى أهل الجنة منزلة لينظر في ملكه ألفي سنة ، يرى أقصاه كما يرى أدناه ، ينظر إلى أزواجه وخدمه . وإن أفضلهم منزلة لينظر إلى وجه الله كل يوم مرتين " .
ورواه الترمذي، عن عبد بن حميد، عن شبابة، عن إسرائيل ، عن ثوير قال: " سمعت ابن عمر . . " . فذكره ، قال : " ورواه عبد الملك بن أبجر، عن ثوير ، عن مجاهد، عن ابن عمر ، قوله ". وكذلك رواه الثوري، عن ثوير، عن مجاهد، عن ابن عمر، لم يرفعه، ولولا خشية الإطالة لأوردنا الأحاديث بطرقها وألفاظها من الصحاح والحسان والمسانيد والسنن ، ولكن ذكرنا ذلك مفرقا في مواضع من هذا التفسير ، وبالله التوفيق . وهذا بحمد الله مجمع عليه بين الصحابة والتابعين وسلف هذه الأمة ، كما هو متفق عليه بين أئمة الإسلام . وهداة الأنام.
ومن تأول ذلك بأن المراد بـ( إلى) مفرد الآلاء، وهي النعم، كما قال الثوري، عن منصور، عن مجاهد : ( إلى ربها ناظرة ) فقال تنتظر الثواب من ربها . رواه ابن جرير من غير وجه عن مجاهد.
وكذا قال أبو صالح أيضا - فقد أبعد هذا القائل النجعة ، وأبطل فيما ذهب إليه . وأين هو من قوله تعالى: ( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون)؟[ المطففين: 15 ]، قال الشافعي ، رحمه الله : ما حجب الفجار إلا وقد علم أن الأبرار يرونه عز وجل. ثم قد تواترت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما دل عليه سياق الآية الكريمة ، وهي قوله : ( إلى ربها ناظرة ) قال ابن جرير: حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري، حدثنا آدم، حدثنا المبارك، عن الحسن: ( وجوه يومئذ ناضرة) قال : حسنة ، (إلى ربها ناظرة) قال تنظر إلى الخالق ، وحق لها أن تنضر وهي تنظر إلى الخالق .
فيما قال الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر إن هذه الدنيا فانية والله سبحانه وتعالى سَيُنْعِمُ على المؤمنين بالنظرِ إليه، ولكن النظرَ إليه سبحانه لا يكونَ في الدنيا الفانية، إنما يكون في دار البقاء.
وأوضح أنه في الدنيا الفانية {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ} في الآخرة {للذين أحسنوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} قال العلماء: الزيادة هى النظرُ إلى وجهه الكريم .. فاللهم متعنا بالنظر إلى وجهك الكريم في جنة الْخُلْدِ يا أرحم الراحمين.
وأوضح أن النظر إلى وجه الله لا مزيدَ عليه في الْتَمَتُّع الحِسِّى والمعنوي ،والنظر إلى الله لا يكونُ بالأبصار وبالأحداث إنما يكونُ بشيء يَخْلُقُهُ الله سبحانه وتعالى؛ قال عز وجل {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} والناضرة من نضرة النعيم، وناظرة أي أن الوجوه تنظر؛ وليس العين لأنه سبحانه وتعالى لا يُدْرِكه الْبَصَر. إنما الذى يدركه شئ وراء ذلك يخلقه الله سبحانه وتعالى في العبد كما خَلَقَهُ في سَيِّدِ ﷺ في ليلة المعراج فرآه كما قال ابن عباس رضى الله عنهما وكما ورد في سورة النجم على إرجاعِ الضمير إلى الله سبحانه وتعالى كما ثبت في البخاري.
وبين: إِنَّمَا جَعَلَ الدَّارَ الآخِرَةَ مَحَلاًّ لِجَزَاءِ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ لأَنَّ هَذِهِ الدَّار تضيقُ عَمَّا ادخره ربُّنا سبحانه وتعالى للمؤمنين ولا تتسعُ لها، ولو أنه أنزل علينا النعيم الذى ادخره لنا في الآخرة لهلكت الدنيا، الجبال لا تتحمل ؛ الأرض لا تتحمل، فهذه الدنيا مبناها على الذرات واتساق الأجسام واجتماع الجواهر وهى لا تتحملُ ما أعده الله لنا من النعيم.
واختتم قائلا: إذا عرفت هذا هانت عليك الدنيا بما فيها لأنها ليست أهلاً للبقاء ؛ إذا عرفت ذلك علمت أنها ليست أهلاً للنعيم ؛ إذا عرفت ذلك علمت أن اللهَ سبحانه وتعالى أَجَلَّ أحبائه عَنْ أَنْ يُجَازِيَهُم فِى دَارٍ لاَ بَقَاءَ لَهَا فيكونُ الجزاءُ مؤقتاً وجزاء ربنا للمؤمنين مُؤبدًا.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: رسول الله صلى الله علیه وسلم ما المقصود بقوله تعالى الله سبحانه وتعالى النظر إلى عن مجاهد ابن عمر ه الله عز وجل
إقرأ أيضاً:
المقاومة نبض.. والأمة قلب (سيرة شهيد حول الدم إلى إيقاع للخلود)
أنس عبدالرزاق
المقاومة ليست حربًا تخاض بالسلاح فحسب، بل هي حكاية دم يتحول إلى حروف تنقش على جبين الزمن. والشهيد حسن نصر الله، لم يكن مُجَـرّد قائد يسير في ركب التاريخ، بل كان “الكلمة الأخيرة” في معجم الكرامة، التي حولت مسار الأُمَّــة من اليأس إلى الأمل، ومن الهزيمة إلى صناعة الأساطير.
يقول الله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}. هكذا كان الشهيد نصر الله حياة لا تقاس بالأنفاس، بل بصدى كلماته التي ما زالت تهز أعماق الوجدان.
عندما سقطت خرائط الاستعمار فوق جثث الضعفاء، حمل الشهيد نصر الله دمه بُوصلة، ورسم حدودًا جديدة للوطن. لم تكن شهادته لحظة رحيل، بل كانت ميلادًا لـ”جغرافيا الروح”، حَيثُ تقاس الأرض بإرادَة الرجال، لا بمساحة التراب.
قال تعالى: ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾.
هكذا علمنا أن الدم يعيد رسم الخرائط، وأن الشهادة هي الحدود الوحيدة التي لا تخرق.
لم يكن الشهيد قائد حرب تقليدية، بل كان “شاعر المعركة” الذي حوّل ساحات القتال إلى قصائد ملحمية. بإيمانه العميق بأن “الكلمة أقوى من الرصاصة”، نسج خطابًا جمع بين حكمة الحكماء وشراسة الأسود.
قال تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ، وَاصْبِرُوا، إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾.
فكانت قيادته نموذجا للوحدة التي حوّلت شظايا الأُمَّــة إلى سيل جارف لا يقف أمامه عدو.
في صيف 2006، لم تكن حرب تموز مُجَـرّد مواجهة عسكرية، بل كانت “معجزة” كتبها الشهيد بدم المقاومين. يومها، وقف العالم مذهولًا: كيف لـ”جيش من الظل” أن يهزِمَ آلة الحرب الأقوى؟!
قال تعالى: ﴿كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ، وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾.
كان الجواب في دماء الشهداء التي حولت كُـلّ شهيد إلى جيش لا يُقهر، وكل دمعة أم إلى سلاح لا يندثر.
تحت قيادة الشهيد، صارت دماء الشهداء مناهج تدرس في كُـلّ بيت. الطفل يسمع قصصهم قبل النوم، والشاب يحلم بأن يكتب اسمه في سجل الشهداء.
قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَّنَصَرُوا أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا، لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾.
هكذا صار الشهيد نصر الله “معلما” يخرج أجيالا تعرف أن الموت في سبيل الله هو الحياة الحقيقية.
المقاومة ليست تكتيكًا عسكريًّا، بل هي “لُغة مقدسة” تترجم إرادَة السماء على الأرض. والشهيد نصر الله، كان عالمًا بأسرار هذه اللغة، فحول كُـلّ اشتباك إلى آية من آيات التحدي.
قال تعالى: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ، إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾.
فكانت انتصارات المقاومة ترجمة حية لوعد الله الذي لا يخلف.
لم يعد دم الشهيد يذكر في السراديب الخلفية للتاريخ، بل صار أيقونة تعلق على جدران الوعي الجمعي. الشعراء ينسجون من دمه قصائد، والفنانون يرسمون وجهه على جداريات الحرية.
قال تعالى: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ، إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ﴾ (إبراهيم: 42).
هكذا صار الشهيد نصر الله رمزًا يذكر الظالم بأن دم الشهداء سيكون حكم التاريخ.
اليوم، وبعد أن ارتقى شهيدا، ندرك أن نصر الله لم يكن مُجَـرّد اسم ينادى، بل كان دمعة على خد الوطن تحوَّلت إلى نهر يروي أشجار المقاومة.
قال تعالى: ﴿وَلَا تَيْاْسُوْا مِن رَّوْحِ اللَّهِ، إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾.
فالشهادة هي الروح التي تعيد للأُمَّـة أنفاسها، والمقاومة هي القلب الذي يخفق حتى تشرق شمس الحرية.
“دم الشهيد..
حبر يكتب مجد الأُمَّــة على جدران الزمن،
ونبض المقاومة..
إيقاع يعلم النجوم كيف تغني للحرية”.