د. رشا سمير تكتب: "الكلمة" بين المقاومة والمساومة
تاريخ النشر: 21st, December 2023 GMT
في البدء كانت الكلمة.. والكلمة هي أصل كل شئ.. هي الرصاصة التي تنطلق من أقلام أصحاب الرأي لتسكن الأفئدة والعقول.. هي الطير الذي يقطع المسافات ليروي الحكايات التي لا يعرفها هؤلاء ممن يعيشون على الجانب الآخر..هي سلاح الصحفي والفنان والكاتب والمصور لتحقيق العدالة وتقريب المسافات ومجابهة الظلم، فلا يجتمع أصحاب الرأي إلا في بلاط صاحبة السعادة.
شاهدنا على مر الأيام الماضية المراسل الصحفي وهو يقوم بدور الجندي على خط النار يحمل قلم وكاميرا وميكروفون ليلهث وراء الخبر، وخلف الحقيقة..يسابق الزمان ليلتقط الصور ويصرخ في وجه الضلال لتصل الصورة التي يحاولون إخفائها عبر آلاف الأميال، تلك الحقيقة التي لا يستطيع أحد طمسها، هذا بالتحديد هو ما يحدث على أرض فلسطين المحتلة منذ يوم ٧ أكتوبر وحتى اليوم..
حمل مراسلي الصحف أكفانهم وراحوا يجوبون الأرض الطيبة ليل نهار، في محاولة لفضح جرائم الإحتلال وقذارة ما يقوم به هؤلاء المغتصبون القتلة من اغتيال الأطفال والتنكيل بالرجال وقتل النساء وهدم البيوت، في محاولة بائسة لمحو أثر أصحاب الأرض إلا أنهم نسوا أن الأرض التي رويت بدماء الشهداء لن تنبت إلا زهور تحمل أفنانها إسم "فلسطين".
صرحت لجنة حماية الصحفيين بأنه قد تم إغتيال ما لا يقل عن ٦٣ صحفيًا في حرب غزة، مما يجعلها الفترة "الأكثر دموية" بالنسبة للصحفيين منذ أن بدأت اللجنة في جمع البيانات، قبل ٣١ عامًا، إلا أن الإحصائيات الأدق تؤكد على أن القتل الممنهج الصهيوني قد طال منذ بداية العدوان على غزة نحو ٩٠ صحفيا فضلا عن إصابة آخرين واعتقال ٨ في تحد صارخ لكل القوانين والمواثيق الدولية ذات الصلة التي تمنع استهداف الطواقم الإعلامية أو حتى التضييق عليها في مناطق النزاعات بل تفرض حمايتها وتأمين سلامة أفرادها.
وهو ما أعاد إلى أذهاننا المشهد الدموي اللإنساني لإغتيال الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، في مخيم جنين والذي كان استهدافا واضحا لها رغم ارتدائها زي يحمل كلمة "صحافة" لتصبح شهيدة الكلمة والواجب.
بالمثل قررت قناة الجزيرة إحالة ملف جريمة اغتيال المصور الصحفي سامر أبو دقة بشكل عاجل إلى المحكمة الجنائية الدولية، بعد أن أكدت لجنة حماية الصحفيين أن جيش الاحتلال ترك أبو دقة ينزف أكثر من ست ساعات قبل استشهاده، بل وتم منع طواقم الإسعاف، والهلال الأحمر من الوصول إليه لإنقاذه، في مؤشر واضح أن المطلوب إرهاب الصحفيين، وقتلهم حتى يتوقفون عن فضح جرائم الاحتلال.
ما قام به مراسلي القنوات الإخبارية والمصورين الصحفيين والإعلاميين في غزة على مدى أيام وليالٍ طويلة قاسية ليس إلا عمل بطولي يستحق أن ننحني إجلالا واحتراما له.
من منا لم يتمنى أن يكون مكان بطل الكلمة صاحب العقيدة الفولاذية الصحفي وائل الدحدوح الذي تحمل بكل صبر وعزيمة مقتل زوجته وابنه وابنته ثم حفيده، برغم كل الألم الذي لا يطيقه بشر تحامل على نفسه ليمسك بالميكرفون من جديد ويستكمل معركته ضد اعداء الحياة بقلب يعتصره الألم وجسد مسكون بمشاعر الفقد.
كم منا رآه بطلا ومثلا أعلى وهو يودع رفيق عمره سامر ابو دقة ويعود بعد تشييع جثمانه برغم جراحه وإصابته في يده جراء القصف ليستكمل واجبه الصحفي بكل إستبسال، إنه بطل من ذهب ليت كل من كانت الكلمة عمله يقتدي به..
أكتب اليوم لأنعي من عاشوا وليس من رحلوا..لأن من رحلوا في سبيل كلمة الحق لا ننعيهم بل ننثر الزهور أطواقا فوق جثامينهم، أما من عاشوا يحملون أقلامهم من أجل الفوز في معارك شخصية أو لتصبح الكلمة وسيلة غير مشروعة لتحقيق مطامعهم بمساومات مادية دنيئة فهم بحق من يستحقون الرثاء، وما أكثرهم اليوم في عالم الصحافة والإعلام!.
هؤلاء هم من ننعيهم، بل وننعي الصحافة التي كانت يوما عنوانا للحقيقة وسلاحا لمحاربة الباطل، وبكل أسف تحولت على يد بعض المرتزقة إلى غاية لا تبررها الوسائل الرخيصة..
شكرا لأبطال الكلمة في فلسطين العربية المحتلة الذين لازالوا يتشبثون بأماكنهم ومواقفهم من أجل إعادة الحق لمن راحوا..وشكرا للمقاومة الفلسطينية ولكل إنسان فقد عزيز لديه من أجل أن تحيا الأرض..وستحيا الأرض.
المصدر: بوابة الفجر
إقرأ أيضاً:
د. الشيماء المشد تكتب: الترويج للاستدامة البيئية
مع تزايد الوعي البيئي عالميًا، أصبح التسويق المستدام ضرورة للشركات التي تسعى للحفاظ على استمراريتها وبناء علاقات قوية مع عملائها. والمستهلكون اليوم يتوقعون من العلامات التجارية أن تكون مسؤولة بيئيًا وتساهم في حماية الكوكب، مما يجعل من تبني ممارسات تسويقية مستدامة استراتيجية حاسمة. هذه المقالة تستعرض كيفية تبني الشركات لممارسات تسويقية مستدامة، وأثر ذلك على صورة العلامة التجارية وسلوك المستهلكين.
يُعرف التسويق المستدام بأنه نهج يهدف لتطوير منتجات تلبي احتياجات المستهلكين الحالية دون التأثير على قدرة الأجيال المستقبلية على تلبية احتياجاتهم. ويشمل ذلك تقليل الأثر البيئي، استخدام الموارد المتجددة، وتعزيز ثقافة إعادة التدوير، مما يساهم في تحقيق التوازن بين النجاح الاقتصادي والمسؤولية الاجتماعية والبيئية.
تحول العلامات التجارية نحو الاستدامة أصبح أمرًا لا مفر منه مع زيادة الطلب على المنتجات الصديقة للبيئة، حيث أظهرت الدراسات أن المستهلكين يفضلون دفع أسعار أعلى مقابل منتجات تراعي البيئة. بالإضافة إلى ذلك، تفرض الحكومات قيودًا وتشريعات تلزم الشركات باتباع ممارسات مستدامة.
ولتنفيذ استراتيجيات التسويق المستدام، يمكن للشركات تبني ممارسات مثل تصميم منتجات من مواد معاد تدويرها، تعزيز الشفافية في تقاريرها البيئية، الترويج لأنماط حياة مستدامة من خلال حملات توعوية، ودعم المبادرات البيئية. كما يتطلب الأمر تحسين كفاءة سلاسل الإمداد واستخدام الطاقة المتجددة.
وعلى الرغم من أهمية الاستدامة، تواجه الشركات تحديات مثل التكلفة العالية للتحول إلى ممارسات مستدامة، ومخاطر "الغسل الأخضر" الذي يضر بمصداقية العلامة التجارية، وصعوبة تحقيق التوازن بين الربحية والاستدامة. وعلى الرغم من ذلك، يمكن أن يؤدي التسويق المستدام إلى تحسين صورة العلامة التجارية، ودفع الابتكار، وضمان التوافق مع التشريعات البيئية.
في الختام، التسويق المستدام ليس مجرد توجه عابر، بل هو استجابة ضرورية للتغيرات البيئية. والشركات التي تتبنى هذا النهج ستساهم في بناء مستقبل أكثر استدامة، مما يعزز سمعتها ويزيد من قدرتها التنافسية في السوق.