التعداد السكاني في العراق مشكلة ام حل للمشكلات؟
تاريخ النشر: 21st, December 2023 GMT
يمثل التعداد العام للسكان عملية مفصلية في حسابات الدول والمجتمعات، تعتمد عليه في تخطيط برامجها التنموية للارتقاء بحياة سكانها، اذ من دون معرفة الاعداد الحقيقية للسكان وما يرتبط بذلك من شؤون، لا يمكن رسم الخطط والتخطيط للبناء الذي تعتريه عندئذ مشكلات كبيرة.
وما يزال الباحثون والمراقبون يتساءلون عن أسباب عجز الحكومات العراقية المتعاقبة بعد اسقاط النظام المباد عام 2003 عن إجراء التعداد السكاني، فضلا عن اعتماد العراق على تعداد عام 1987، الذي اشتركت فيه جميع المحافظات، وليس إحصاء عام 1997 الذي أجري من دون مشاركة محافظات إقليم كوردستان.
وقبل التمعن في حيثيات التجاذبات المتعلقة بعدم التوصل الى تنفيذ تعداد شامل للسكان في العراق، لابد من القول وهو ما يقر به المتخصصون والباحثون، ان التعداد السكاني الذي يمثل عملية جمع وتسجيل البيانات بشأن السكان في منطقة جغرافية محددة، وتحديدا عدد السكان وخصائصهم الديموغرافية والاقتصادية والاجتماعية؛ يؤدي دورا كبيرا في عملية التخطيط للتنمية، اذ يوفر بيانات أساسية تساعد في تحديد احتياجات المجتمع من الخدمات الأساسية، مثل التعليم والصحة والإسكان، ويسهم في توجيه السياسات والبرامج التنموية.
كما يساعد التعداد في تقدير نمو السكان وتوزيعهم في المناطق الحضرية والريفية، مما يُمكن الحكومات والمخططين من تحديد احتياجات البنية التحتية والخدمات العامة في كل منطقة، فضلا عن توفير البيانات بشأن هيكل السكان ومستويات الدخل، ما يساعد في تحديد السياسات الاقتصادية وتوجيه الجهود نحو تحسين مستويات المعيشة وتوفير فرص العمل.
ويوفر التعداد السكاني فهما عميقا بشأن مكونات السكان من حيث الأعمار والجنس والتركيب العائلي، ما يساعد في توجيه السياسات الاجتماعية والصحية؛ ويوفر معلومات عن عدد الأطفال في سن المدرسة ومدى الحاجة إلى مرافق تعليمية، وهو يسهم في تحديد احتياجات النظام التعليمي، كما انه يساعد في فهم التنوع الاجتماعي والثقافي للمجتمع، وبالنتيجة يساعد في تكوين سياسات تعزز التواصل والتفاهم بين مكونات المجتمع.
ويستعمل التعداد السكاني كمصدر رئيس للإحصاءات الوطنية التي تستعمل في شتى المجالات، مثل الاقتصاد والصحة والتعليم؛ كما يمكن للتعداد توجيه الحكومات في تحديد الأولويات للإنفاق الحكومي وتوجيه الموارد نحو المجالات التي يحتاجها السكان بشكل أكبر.
وبشكل عام، يساعد التعداد السكاني في توجيه الجهود الحكومية والاستراتيجيات التنموية بشكل فعال ودقيق لتحقيق التنمية المستدامة وتحسين جودة حياة السكان.
اما المعوقات المفترضة لإعاقة تنفيذ تعداد سكني مكتمل فتتمثل في استمرارية التوتر الأمني وتواجد مناطق غير مستقرة، يمكن أن يعطل عمليات التعداد ويحد من إمكانية الوصول إلى بعض المناطق.
كما ان تواجد عدد كبير من النازحين داخليا قد يجعل من الصعب تحديد عدد السكان بدقة في بعض المناطق، وان البنية التحتية الضعيفة في بعض المناطق قد تجعل الوصول إلى بعض المجتمعات صعبا، وبالنتيجة يكون من الصعب تضمينها في التعداد.
اما التغيرات الديموغرافية المستمرة، مثل الزيادة في عدد السكان أو التغيرات في هياكل الأعمار، فيمكن أن تكون مصدرا للصعوبات في تحديد الأعداد بدقة، كما قد تواجه التعدادات التكنولوجية التحديات في استعمال التكنولوجيا الحديثة بشكل فعال، سواء في جمع البيانات أو معالجتها.
وتتواجد هناك بعض المجتمعات قد تكون مترددة للتعاون بسبب عوامل ثقافية أو اجتماعية، مما يجعل عملية التعداد أكثر تعقيدا، كما يمكن للكوارث الطبيعية أو الأوضاع البيئية السيئة أن تؤثر على القدرة على إجراء التعداد بشكل صحيح، وقد تواجه الإدارات المشاركة في التعداد تحديات إدارية مثل نقص الموارد أو التدريب غير الكافي للموظفين.
وتشير التصنيفات المتعلقة بالتعداد الى تلك العوامل بالقول ان تلك التحديات تتجمع سويا لتجعل تنظيم وتنفيذ التعداد السكاني في العراق مهمة صعبة وتتطلب تخطيطا وتنفيذا جيدا لتحقيق أقصى درجات الدقة والشمول.
ودأب كثير من الباحثين والمحللين السياسيين طيلة أكثر من عشرين عاما على القول انهم يرون ان من أبرز المشكلات التي تعوق إجراء التعداد الخلاف القائم بين حكومتي بغداد وأربيل في شأن المناطق الخاضعة للمادة 140 من الدستور العراقي، أو ما تعرف بالمناطق المتنازع عليها، ولعل من اهمها محافظة كركوك؛ التي جرى تأجيل البت بها منذ إقرار الدستور الاتحادي.
وبطبيعة الحال فان هنالك اسبابا اخرى يرى مراقبون انها مقحمة في قضية التعداد، فبحسب ما أعلنته وزارة التخطيط الاتحادية، في وقت سابق، فإن احزابا سياسية، تطالب أيضا بأن يتضمن التعداد السكاني سؤالا عن المذهب أو الطائفة، وهذا يخالف قوانين الدستور العراقي، على حد وصفها؛ لذا بقي العراق طيلة السنوات الماضية معتمدا على الأرقام الإحصائية التقريبية الصادرة عن الأمم المتحدة أو مؤسسات ومراكز أبحاث تُعنى بهذا الشأن، وفق ما يقوله المراقبون.
ويلفت المراقبون الى انه برغم، أن هناك جهات ومكونات عراقية كان من أبرز شروطها عند تشكيل الحكومة المركزية هو إجراء التعداد السكاني، فإن أي حكومة لم تستطع إجراء التعداد، وظل يؤجل ويجهض قرار إجرائه لأسباب متباينة، منها عدد المقاعد البرلمانية لبعض المحافظات وتوزيعها ومقدار حصص المحافظات من الموازنة، فهذه المعلومات لم تتغير وبقيت على ما هي عليه منذ 2003، كذلك صراعات النفوذ والزعامة على مناطق معينة، فضلا عن المعوقات الفنية والإدارية والبشرية للحكومة التي تسهم في إجراء تعداد سكاني مضبوط، على حد وصفهم.
ويعبر اقتصاديون عن اعتقادهم، ان التعداد السكاني من المفترض أن يكون فرصة لتثبيت الاستقرار وحل المشكلات، وهذا هو الواقع، وما يجب أن ينظر إليه من جميع العراقيين، فضلا عن أهميته الكبيرة للدولة للحصول على معلومات وتفاصيل دقيقة تسهم في وضع الخطط المستقبلية التي تتناسب مع النمو السكاني وحركة السكان ومتوسط الأعمار والولادات وتوزيع الثروات، مستدركين لكن كثيرا من السياسيين ينظرون إليه على أنه مشكلة يجب الابتعاد عنها قدر الإمكان، بحسب قولهم.
وتوضح دراسة اكاديمية بحثية ان الدول المتقدمة كانت سباقة في أجراء تعدادات سكانية منتظمة منذ عدة قرون وذلك لأهميتها، أما الدول النامية فلم تجري فيها التعدادات السكانية بمعناها الحديث ألا في وقت متأخر وكانت أغلبها في منتصف القرن العشرين، على حد قول تلك الدراسة.
وشخصت الدراسة على ان من أكثر الصعوبات التي تواجه الباحثين المهتمين في جغرافية السكان هي مشكلة النقص والتباين في البيانات السكانية الخاصية والنوعية زمانيا ومكانيا، وبخاصة في الدول النامية لقلة الخبرة والتجربة فضلا عن قلة وعي السكان وعدم إدراكهم بأهمية التسجيل على خلاف الدول المتقدمة التي تكون بياناتها أكثر دقة وشمولية من سابقتها مع انها لا تخلو من الاخطاء ايضا.
وترجع الدراسة عدم دقة وتجانس البيانات السكانية الى اسباب منها فقر وعجز طرق التمويل المتعلقة بجمع البيانات والاهمال والشك في التعدادات السكانية والمعلومات الخاطئة التي يدلي بها بعض السكان لاسيما تلك التي تتعلق بالعمر والمهنة، والتغيرات المستمرة للسكان، وقد تضاف فقرة طلب ادراج المذهب او الطائفة الى العوامل المحبطة لإجراء تعداد سليم في العراق.
كما يتضمن ذلك إهمال البيانات لسكان المناطق النائية التي يصعب الوصول اليها أو بعض الجماعات السكانية التي يتعذر الاتصال بها؛ أما الافتقار الى التجانس فيرجع الى التباين في التعدادات السكانية نوعا وشمولية والافتقار الى البيانات الدورية في التعدادات السكانية للقوميات، وكذلك التغيرات المستمرة في الحدود السياسية والإدارية الداخلية للدول ووحدات التعداد (الأسرة، العائلة، الفرد) والاختلاف الكبير في منحنى المصطلحات المستعملة في استمارة التعداد.
المصدر: شفق نيوز
كلمات دلالية: العراق هاكان فيدان تركيا محمد شياع السوداني انتخابات مجالس المحافظات بغداد ديالى نينوى ذي قار ميسان اقليم كوردستان السليمانية اربيل نيجيرفان بارزاني إقليم كوردستان العراق بغداد اربيل تركيا اسعار الدولار روسيا ايران يفغيني بريغوجين اوكرانيا امريكا كرة اليد كرة القدم المنتخب الاولمبي العراقي المنتخب العراقي بطولة الجمهورية الكورد الفيليون الكورد الفيليون خانقين البطاقة الوطنية مطالبات العراق بغداد ذي قار ديالى حادث سير الكورد الفيليون مجلة فيلي عاشوراء شهر تموز مندلي التعداد السکانی إجراء التعداد فی التعداد فی العراق فی تحدید یساعد فی فضلا عن
إقرأ أيضاً:
محللون: نتنياهو لن يقبل بوقف الحرب لكن قد يحل مشكلة المساعدات
يستبعد محللون التوصل لاتفاق وقف إطلاق نار قريب في قطاع غزة، ويرون أن إسرائيل قد تتساهل في إدخال المساعدات الإنسانية للسكان، حتى تخفف من الضغوط الدولية المتزايدة بشأن هذا الملف.
فقد تحدث رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني عن جهود تبذلها بلاده مع الولايات المتحدة ومصر من أجل التوصل لاتفاق جديد، لكنه اتهم الجانب الإسرائيلي بعرقلة محاولات سابقة.
كما تحدثت واشنطن عن جهود قد تفضي لاتفاق تبادل أسرى جديد، ونقل موقع "أكسيوس" عن مسؤولين أميركيين وإسرائيليين أن الرئيس دونالد ترامب ناقش مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وقف إطلاق النار.
وفي حين قال المسؤولون إن الإدارة الأميركية راغبة في عمل محاولة أخرى لتحقيق اختراق في ملف غزة الأسبوع، تحدثت وسائل إعلام إسرائيلية عن مباحثات محتملة هذا الأسبوع.
خلاف في إسرائيل
لكن أكسيوس نقل أيضا أن نتنياهو "متردد في التوصل لاتفاق ينهي الحرب"، في حين شهد اجتماع المجلس الأمني الإسرائيلي المصغر (الكابينت) الأخير مشادات وصلت إلى حد الشجار بسبب الخلاف حول إدارة الحرب وإمكانية التوصل لصفقة.
ويرى المسؤول السابق في الخارجية الأميركية توماس ووريك، أن ثمة ما يدعو للتفاؤل على نحو أكبر مما كان قبل أسابيع، لكنه توقع أن يستغرق التوصل لاتفاق جديد أشهرا وليس أياما.
إعلانوخلال مشاركته في برنامج "مسار الأحداث"، قال ووريك إن البيانات التي صدرت مؤخرا عن بعض الأطراف ساعدت القطريين على تقديم مقترح جديد قد يكون مقبولا، بيد أنه لا يتوقع التوصل لاتفاق قبل زيارة ترامب المقررة لمنطقة الخليج الشهر المقبل، على الأقل.
نزع سلاح حماسوالسبب في عدم إمكانية التوصل لاتفاق قريب -برأي ووريك- هو أن إسرائيل لن تقبل بأي صفقة لا تتضمن تخلي حركة المقاومة الإسلامية (حماس) عن سلاحها، لأن هذا يعني أنها عازمة على شن هجوم آخر على غرار ما حدث في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
لذلك، يرى المتحدث أن التوصل لاتفاق "لن يكون سهلا أبدا في ظل تمسك حماس بسلاحها، وهو ما يمكن تلمسه في حديث بعض القادة الفلسطينيين الذين طالبوا الحركة بنزع الذرائع من يد إسرائيل.
وكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس تحدث أمس الأربعاء عن ضرورة إعادة الإسرائيليين المتبقين في غزة حتى لا تجد إسرائيل ذريعة لمواصلة حربها على القطاع.
لكن هذه الدعوة برأي المحلل السياسي الدكتور أحمد الحيلة، تعني مطالبة حماس بفعل ما فعلته حركة فتح قبل 35 عاما عندما تخلت عن كل شيء لنزع الذرائع من إسرائيل ثم لم تقدم الأخيرة لها شيئا بل أيضا بسطت سيطرتها على الضفة الغربية، ناهيك عن أن نزع الذرائع "لا بد أن يكون على أساس الندية وليس الاستسلام".
كما أن الحديث عن التوصل لصفقة بعد شهور يعني وقوع كارثة إنسانية في غزة، فضلا عن أنه يتعارض مع التفاؤل الحذر الذي أثارته زيارة الشيخ محمد بن عبد الرحمن لواشنطن هذا الأسبوع، كما يقول الحيلة.
وينطلق هذا الحذر -برأي المحلل السياسي- من أن نتنياهو يسعى دائما لإفشال الاتفاقات أو التنصل منها، غير أن زيارة المسؤول القطري للولايات المتحدة في غاية الأهمية لأنها حملت تصورا ما لإقناع الأميركيين بأن الوضع في غزة وصل لحافة الهاوية.
إعلانويبدو -برأي الحلية- أن الزيارة التي قام بها وفد من حماس لأنقرة مؤخرا لعبت أيضا دورا في لفت نظر الأميركيين -من خلال تركيا- إلى أنه من غير المقبول أن يستمر قتل الفلسطينيين من أجل مصالح نتنياهو السياسية.
وتعني هذه المقدمات -وفق المحلل السياسي- أن كل المتداخلين في الأزمة استأنفوا الضغط على واشنطن لأنها الوحيدة القادرة على دفع إسرائيل نحو التوصل لاتفاق.
إسرائيل لن تقبل هدنة طويلة
والأهم من هذا، أن حماس قدمت طرحا خلّاقا بحديثها عن استعدادها لقبول هدنة طويلة الأمد لأن هذا الطرح ينفي مزاعم إسرائيل التي تقول إنها تعيش تحت تهديد دائم من الفلسطينيين، برأي الحيلة، الذي يعتقد أن نتنياهو يحاول إدارة الصراع بدل إنهائه بعدما فشل في إنهاء الوجود الفلسطيني خلال الشهور الـ18 الماضية.
ومع ذلك، لا يعتقد ووريك أن ما طرحته حماس قد يمثل حلا للأزمة لأن إسرائيل من وجهة نظره لن تقبل ببقاء حماس بأي حال من الأحوال، هذا إلى جانب أن الولايات المتحدة لم تبدأ نقاشا جديا بشأن وقف هذه الحرب، ولا تفعل الصواب إلا بعد استنفاد كافة السبل الأخرى، برأيه.
واتفق الخبير في الشأن الإسرائيلي الدكتور مهند مصطفى مع حديث ووريك، بقوله إن معارضة إسرائيل قبل حكومتها سترفض أي هدنة لأن هذا الأمر بالنسبة للإسرائيليين عموما يعني منح الحركة فرصة لإعادة بناء نفسها وشن حرب جديدة.
وعلى هذا الأساس، فإن نتنياهو لن يقبل بهذه الهدنة الطويلة أبدا، لكنه سيحاول -برأي مصطفى- الاستمرار في الحرب بشكل حذر، فضلا عن أنه ربما يحل المشكلة الإنسانية قريبا لأنه يعرف أن التجويع محدود بسقف زمني.
ولأن فكرة وقف الحرب تتعارض مع مصالحه السياسية ومشروعه الأيديولوجي وأهدافه التي أعلنها في أول الحرب، سيحاول نتنياهو التوصل لصفقات جزئية تعيد له مزيدا من الأسرى الأحياء حتى لو كان الثمن إبقاء الجيش في غزة لسنوات مقبلة.
إعلانوإلى جانب ذلك، فإن نتنياهو -كما يقول الخبير في الشأن الإسرائيلي- يحاول جعل ملف غزة حدثا عاديا في إسرائيل كما هي الحال في الضفة الغربية، بدليل أنه لم يعد يبحث إدخال المساعدات وإنما الجهة التي ستتولى توزيعها.