لا تنفك كوريا الشمالية تجرب أسلحة جديدة، تحوم عليها كل أخبارها تقريباً، لكن إطلاقها صاروخاً عابراً للقارات يبلغ مداه 15 ألف كيلومتر، يأتي في سياق مغاير، يهدد بتسريع سقوط منطقة شرقي آسيا في أزمة أمنية خطيرة لا تريدها الولايات المتحدة وحلفاؤها الأقربون، وأولهم كوريا الجنوبية واليابان، في هذا التوقيت، مع بقاء الصراع الأوكراني مفتوحاً وتصاعد التوتر في الشرق الأوسط بسبب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
بلغ التصعيد ذروته مع تباهي الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون بإطلاق الصاروخ العابر «هواسونغفو-18»، بقوله إن تجربته تمثل عرضاً عملياً للقدرات الضاربة الهائلة والردع النووي، الذي تمتلكه كوريا الشمالية، ما سيبعث برسالة واضحة إلى القوات المعادية، التي حذرها من اتخاذ أي «قرار خاطئ»، وذلك رداً على تهديد أمريكي كوري جنوبي بقطع رأس نظامه إن تهوّر ولجأ إلى شن هجوم نووي، وهو تهديد لم يأتِ من فراغ، بل يؤكد أن هناك توجساً من أمر جلل يبدو أنه يتشكل تدريجياً، ويستكمل مسار التصعيد الذي بدأته كوريا الشمالية منذ أشهر بتعديل دستورها لينص على أنها دولة نووية، وذلك قبل أن تدشن أول غواصة نووية، وتطلق أول قمر صناعي للتجسس العسكري الشهر الماضي، الذي بدأ على الفور في إرسال لقطات حساسة عن القواعد الأمريكية، وصور لوزارة الدفاع «البنتاغون» والبيت الأبيض ومواقع حيوية في الولايات المتحدة ودول أخرى. وقطعاً لم تتقبل واشنطن هذا الاستفزاز الخطير، وسارعت مع حلفائها إلى إدانتها، وحاولت، دون جدوى، استنفار مجلس الأمن للتحرك، وما يزيد من جرعة القلق، أن واشنطن على قناعة شبه تامة بأن ما تفعله بيونغ يانغ يتم بالتنسيق الكامل مع خصميها اللدودين، بكين وموسكو.
ربما لم يكن صدفة أن تطلق كوريا الشمالية صاروخها العابر ونائب وزير خارجيتها باك ميونغ يجتمع بوزير الخارجية الصيني وانغ يي، الذي أكد دعم بكين الثابت لبيونغ يانغ مع تحذير من أن محاولات «الردع والضغوط العسكرية» في شبه الجزيرة الكورية لن تؤدي سوى إلى مفاقمة التوترات.
من غير المستبعد أن يكون تكثيف كوريا الشمالية لتجاربها الصاروخية مقدمة لمنازلة كبرى قد تشهدها تلك المنطقة من العالم، فالاحتقان بين مختلف الأطراف بلغ أشده، ولحظة الانفجار يبدو أنها تقترب لتستكمل نتائج سلسلة الأزمات الأخرى. والأحداث الجارية في شرقي آسيا ليست أعمالاً عبثية بلا أهداف، بل هي ضمن سياق مخطط له منذ فترة طويلة، ويتصل بصلب التحولات العالمية في أبعادها المختلفة.
مفتاح شعيب – صحيفة الخليج
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: کوریا الشمالیة
إقرأ أيضاً:
رئيس كوريا الجنوبية المعزول أمام القضاء بتهم التمرد والخيانة
مثل الرئيس الكوري الجنوبي المعزول يون سوك يول أمام محكمة في سول اليوم الاثنين لبدء محاكمته بتهمتي التمرد والخيانة، عقب إعلانه الأحكام العرفية لفترة وجيزة خلال نزاع على الميزانية في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وبعد مغادرة منزله في موكب اليوم، دخل يول الذي نفى جميع التهم الموجهة إليه قاعة محكمة في منطقة سول المركزية، مرتديا حلة داكنة وربطة عنق حمراء.
ووفقا لوكالة "يونهاب" الكورية الجنوبية للأنباء، وصل يون، البالغ من العمر 64 عاما، إلى محكمة سول المركزية عبر موقف السيارات تحت الأرض لتجنب الظهور العلني.
وفي بداية جلسة اليوم، تلا المدعون العامون لائحة الاتهام، وبعد ذلك منح يول فرصة الرد على التهم.
وطلب القضاة من يون ذكر اسمه وتاريخ ميلاده ومعلومات شخصية أخرى، وأشار القاضي رئيس المحكمة إلى يول بصفة "الرئيس السابق" وسأل المدعي يول: مهنتك هي الرئيس السابق، ما عنوانك الحالي؟".
وفي بداية الإجراءات، عرض المدعون دفوعهم بالقول إن يول يفتقر إلى الأسس القانونية لإعلان الأحكام العرفية واتهموه بمحاولة شل مؤسسات الدولة مثل البرلمان.
وأمضى يول، الذي كان مدعيا عاما للبلاد قبل أن يصبح رئيسا، نحو 40 دقيقة في الصباح في تفنيد مزاعم الادعاء.
وقال يول للمحكمة "إن تصوير حدث كان سلميا ولم يستمر سوى بضع ساعات، على أنه تمرد يبدو لي أنه لا أساس له من الصحة من الناحية القانونية".
إعلانوطلب يول من المحكمة عرض مرافعة الادعاء على شاشة قاعة المحكمة، وشرع في دحض بيانه الافتتاحي نقطة بنقطة.
وجادل الادعاء بأن يول "خطط للتحريض على انتفاضة بقصد تقويض النظام الدستوري". وقدم الادعاء أدلة، بينها تخطيط يول للأحكام العرفية مسبقا ونشره للجيش في البرلمان، مع أوامر بتحطيم النوافذ وقطع التيار الكهربائي.
وستستمع المحكمة إلى شهادات من ضابطين عسكريين استدعاهما الادعاء، أحدهما ضابط يدّعي تلقيه تعليمات من كبار القادة "لإخراج النواب المجتمعين في الجمعية الوطنية بهدف رفع الأحكام العرفية".
ورجح خبراء أن تطول محاكمته الجنائية، وأن يصدر الحكم الأول في أغسطس/آب، لكن القضية تتضمن نحو 70 ألف صفحة من الأدلة وعددا كبيرا من الشهود.
وقال المحامي مين كيونغ سيك "إذا رأت المحكمة ضرورة لذلك، فقد تمدد المحاكمة". واستشهد بحالة الرئيسة السابقة بارك كون هيه التي عزلت في 2016، لكن المحكمة العليا لم تصدر حكمها النهائي بتهمتي استغلال النفوذ والفساد إلا في يناير/كانون الثاني 2021.
وإذا ثبتت إدانته، سيصبح يول ثالث رئيس كوري جنوبي يدان بالتمرد، بعد قائدين عسكريين اثنين على ارتباط بانقلاب في عام 1979.
وحسب المحامي مين، "يقول خبراء قانونيون إنه يمكن تطبيق سابقة الانقلاب في القضية الحالية، لأنها تضمنت أيضا النشر القسري للقوات العسكرية".
وفي قضية التمرد، قد يحكم على يول بالسجن مدى الحياة أو حتى الإعدام، لكن من المستبعد تنفيذ هذا الحكم، إذ أوقفت كوريا الجنوبية تنفيذ أحكام الإعدام بشكل غير رسمي منذ عام 1997.